النقابات العمالية في مصر
بين تاريخ مشرف وواقع من التحديات ..
لا يستطيع احد ان ينكر
ان تغيرات كبيرة سياسية واجتماعية واقتصادية حدثت فى مصر خلال العقد الماضى ، ولقد كانت هذه التغيرات مؤثرة ولقد طالت كل شرائح وطبقات المجتمع المصري، بما في ذلك الطبقة العاملة التي كان لها النصيب الاكبر من هذا التأثير .
ومن المنطقي ان تتطال ايضاً مستجدات العصر تفاعلات هذه الطبقة واهتماماتها .
ولقد كان للفلاحين والعمال نصيبا من هذه المستجدات ، حيث كانت الاثار واضحة وكبيرة على النسيج الاجتماعي المصري لاصحاب هذه الطبقة ..
كانت ولازالت النقابات العمالية تعمل بشكل دائم إلى تحسین شروط وظروف العمل ورفع مستوی العمال ثقافياً ومهنیاً واجتماعیاً ، وهو دورها الطبيعي المنوط بها بجانب ما سبق فان النقابات العمالية تعتبر شریکاً أساسياً في عملية التنمية الاقتصادية والاجتماعية في المجتمع .
ومن الطبيعي ان تشهد النقابات العمالية في مصر تغيرات كبيرة في ظلّ التطورات السياسية والاقتصادية التي تشهدها البلاد .
ان مستقبل النقابات العمالية في مصر مرتبط بقدرتها على التغلب على التحديات التي تواجهها ، وعلى قدرتها على تحقيق مطالب العمال المنتسبين اليها . و يجب على الجميع العمل معًا لدعم النقابات وتمكينها من القيام بدورها.
وفي هذه السلسلة من المقالات.. سنلقي نظرة على وضع النقابات العمالية والتحديات والصعوبات التي تقف في طريق خريطة المستقبل .
في البداية علينا ان نستعرض تاريخ الحركة النقابية في مصر منذ نشأتها ..
ولقد كانت نقابة عمال السجائر اول نقابة يتم تأسيسها في مصر ، تأسست عام 1898 بعد إضراب ناجح لعمال السجائر في القاهرة. كما تعد لجنة عمال السكة الحديد التى تأسست عام 1899 من أوائل التنظيمات العمالية في مصر، وخلال 10 سنوات قام العمال انشاء عدد كبير من النقابات العمالية اهمهم
عمال المخابز في الاسكندرية وعمال البناء في القاهرة وعمال النسيج في المحلة الكبرى وعمال الطباعة في القاهرة وعمال المعادن في الاسكندرية وعمال الترام في القاهرة وعمال الميكانيكا في الاسكندرية .
وفى سنة 1919 تأسيس الجمعية المصرية لنشر الوعي بين العمال ولقد تأسست بعد ثورة 1919 على يد مجموعة من المثقفين والسياسيين، بهدف توعية العمال بحقوقهم وتنظيمهم وتحسين ظروفهم الاجتماعية والاقتصادية ، ونظمت الجمعية محاضرات وندوات للعمال حول حقوقهم، وواجباتهم، وسبل تحسين ظروف عملهم. كما أصدرت الجمعية مجلة “العمال” لنشر الوعي بين العمال.
ودافعت الجمعية عن حقوق العمال، وقامت بتنظيم الإضرابات والمظاهرات للمطالبة بتحسين ظروف عملهم. كما ساعدت الجمعية في تأسيس بعض النقابات العمالية.
وشاركت الجمعية في الحركة الوطنية المصرية، ودعمت النضال من أجل الاستقلال.
نظمت الجمعية مظاهرات ومسيرات ضد الاحتلال البريطاني ، ، ودعت إلى مقاطعة البضائع البريطانية.
ولقد ترأس الجمعية في بداياتها ولفترة قصيرة سعد زغلول وكان تولّيه رئاسة الجمعية أحد أهم محطات حياته، وساعد في تعزيز مكانته بين العمال والشعب المصري.
وفى مدينة الاسكندرية سنة 1920 اجتمع ممثلي اكثر من 22 نقابة عمالية مصرية تضمّ 35 ألف عامل ، في خطوة تاريخية هامة ساهمت بشكل كبير في تنظيم الحركة النقابية من خلال مؤتمرهم الاول لتأسيس الاتحاد العام لنقابات عمال مصر .
ناقش المؤتمر العديد من القضايا المهمة شملت ظروف العمل السيئة التي يعاني منها العمال، وغياب قوانين تحمي حقوق العمال ، والتدخل من قبل أصحاب العمل في شؤون النقابات .
دعا المؤتمر إلى تحسين ظروف العمل وتحديد ساعات العمل ، وسن قوانين تحمي حقوق العمال ، ضمان حرية تكوين النقابات والانضمام إليها .
وكان من اهم نتائج هذا المؤتمر
الاتفاق على تأسيس الاتحاد ليكون مظلة جامعة للحركة النقابية في مصر.
انتخاب محمد صدقي رئيسًا للاتحاد، وعبد الرحمن بك أحمد سكرتيرًا.
وضع النظام الأساسي للاتحاد، والذي حدد أهدافه واختصاصاته وآليات عمله .
وفى النهاية أصدر المؤتمر بيانًا ختاميًا تضمن مطالب العمال وأهداف الاتحاد.
واجه الاتحاد العام لنقابات عمال مصر العديد من التحديات والعراقيل خلال سنواته الأولى، ومن أهمها:
القمع من قبل السلطات المصرية:
واجه الاتحاد قمعًا شديدًا من قبل السلطات المصرية، التي سعت إلى إضعافه ومنعه من ممارسة مهامه.
تمّ اعتقال العديد من قادة الاتحاد، وتمّ حظر بعض النقابات المنضمة إليه.
تعرضت المظاهرات والإضرابات العمالية التي نظمها الاتحاد إلى القمع العنيف من قبل الشرطة.
ضعف التمويل:
عانى الاتحاد من نقص حاد في التمويل، ممّا حدّ من قدرته على ممارسة مهامه ونشاطاته.
اعتمد الاتحاد بشكل أساسي على اشتراكات الأعضاء، ممّا لم يكن كافيًا لتغطية نفقاته.
واجه الاتحاد صعوبة في الحصول على تمويل من جهات خارجية، خوفًا من السلطات المصرية.
الانقسامات الداخلية:
واجه الاتحاد انقسامات داخلية بين مختلف الفصائل السياسية، ممّا أضعف وحدته وتماسكه.
اختلف قادة الاتحاد حول التكتيكات والأساليب الواجب اتباعها لتحقيق أهدافه.
أدت هذه الانقسامات إلى تراجع دور الاتحاد في بعض الفترات.
قلة الوعي النقابي بين العمال:
لم يكن لدى العديد من العمال المصريين في ذلك الوقت وعي كافٍ بأهمية العمل النقابي وحقوقهم.
كان بعض العمال مترددين في الانضمام إلى النقابات خوفًا من السلطات أو من أرباب العمل.
بذل الاتحاد جهودًا كبيرة لنشر الوعي النقابي بين العمال، لكن هذه الجهود واجهت صعوبات كبيرة.
تدخل أرباب العمل:
سعى بعض أرباب العمل إلى إضعاف الاتحاد ومنع العمال من الانضمام إليه.
مارس بعض أرباب العمل ضغوطًا على العمال لمنعهم من المشاركة في الأنشطة النقابية.
حاول بعض أرباب العمل تكوين نقابات عمالية تابعة لهم، تهدف إلى السيطرة على العمال ومنعهم من المطالبة بحقوقهم.
على الرغم من هذه التحديات، تمكن الاتحاد العام لنقابات عمال مصر من الصمود والاستمرار في النضال من أجل حقوق العمال ، وبفضل جهود قادة الاتحاد ونضال العمال، تمّ الاعتراف رسميًا بالاتحاد عام 1936.
وواصل الاتحاد لعب دور هام في الدفاع عن حقوق العمال وتحسين ظروف عملهم حتى يومنا هذا.
نهاية الجزء الاول …
د. اسامة طلبة