مقالات

العمل العربي المشترك بين البدايات المشرقة والتحديات الراهنة

 

الحلقة الأولى

==========

 

المستشار أسامة موسى البيطار

امين عام الاتحاد العربي لحماية وحقوق الملكيه الفكرية.

=============

حين اجتمع العرب في ستينيات القرن الماضي تحت مظلة جامعة الدول العربية لتأسيس مجلس الوحدة الاقتصادية العربية، كان الهدف أبعد من مجرد التنسيق أو تبادل الخطابات؛ كان الحلم بناء اقتصاد عربي مشترك يليق بأمة تمتلك كل مقومات القوة. كيان يوحّد الموارد ويؤسس لشركات عربية مشتركة تعمل بروح واحدة وتنافس عالميًا.

 

وقد أثبتت التجربة أن هذا لم يكن مجرد طموح عاطفي، بل مشروع واقعي نجح حين توافرت له الإرادة. ففي السبعينيات، وُلدت شركات عربية كبرى من رحم المجلس، ما تزال حتى اليوم شاهدة على أن العرب قادرون على العمل معًا. الشركة العربية لتنمية الثروة الحيوانية (أكوليد) مثلًا، تأسست عام 1975، وتوسعت استثماراتها في تسع دول عربية برأسمال يفوق 200 مليون دولار، مساهمة في تعزيز الأمن الغذائي العربي. وكذلك الشركة العربية للتعدين (أرمكو) التي أُنشئت في العام نفسه، ونفذت أكثر من 24 مشروعًا في عشر دول، ونجحت بسياسات مالية رشيدة جعلتها إحدى العلامات البارزة في العمل العربي المشترك. ولا يمكن إغفال الشركة العربية للصناعات الدوائية والمستلزمات الطبية (أكديما)، التي شكلت نموذجًا آخر لنجاح الشراكة العربية متى اقترنت بالكفاءة والإدارة السليمة.

 

هذه النماذج المشرقة لم تكن وليدة الصدفة، بل قامت على عناصر واضحة: رؤية استراتيجية، خطط قابلة للتنفيذ، شفافية في الإدارة، وإرادة سياسية تضع المصلحة العامة فوق الحسابات الفردية.

 

ولا يمكن الحديث عن هذه التجارب دون التوقف عند مصر، الدولة التي احتضنت مقر المجلس وكانت دائمًا أرض الانطلاق. رغم الحروب والتحديات الاقتصادية والسياسية التي مرت بها، بقيت القاهرة بيت العرب وقبلتهم، ومن أرض الكنانة انطلقت شرارة المشاريع الكبرى التي أسست لتجارب عربية ناجحة. لقد قدمت مصر، بقيادتها وشعبها، تضحيات جسيمة، لكنها في المقابل رسخت مكانتها كحاضنة للعمل العربي المشترك، ومركزًا طبيعيًا لأي مشروع وحدوي اقتصادي.

 

ومن الأفكار الذكية التي ارتبطت بمجلس الوحدة، إنشاء الاتحادات العربية النوعية المتخصصة، لتكون أذرعًا مهنية تجمع الخبراء والفنيين في مجالاتهم، وتفتح لهم مجالًا لتأسيس مشروعات تنهض بقطاعات أساسية. هذا النموذج كان عبقريًا، لأنه ربط بين الحلم القومي والخبرة المتخصصة، وبين السياسة والاقتصاد، وبين الرؤية التنفيذية والقدرة الفنية.

 

وقد أتيح لي شرف العمل مع مجلس الوحدة الاقتصادية العربية في هذا السياق، إلى جانب سعادة السفير المحمدي الني، في ملف الشركات العربية المشتركة التي وضعنا فيها جهدنا القانوني المكثف مع قامات اقتصادية عربية مصرية خلاقة ورأيت عن قرب كيف أن الإرادة حين توفرت، تجاوزت العراقيل، وتحولت الاجتماعات إلى قرارات واقعية ومشاريع ذات أثر كان الدرس واضحًا القيادة الواعية، حين تلتزم بالشفافية والعمل الجاد، قادرة على أن تُلهم من حولها وتفتح الأبواب أمام إنجازات حقيقية. لكن في المقابل، لم تخل التجربة من عثرات؛ فقد واجهت البيروقراطية أحيانًا هذه المحاولات، وتسللت بعض المصالح الضيقة لتُعطّل وتُبطئ وتضيّع فرصًا ثمينة.

 

التجربة إذن نجاحات مبهرة هنا، وإخفاقات مؤلمة هناك. النجاح تحقق حين اجتمعت الإرادة والشفافية والإدارة الرشيدة، والفشل يحضر حين تسود البيروقراطية والمحسوبية والترهل من هنا، تبدو الحاجة اليوم أكثر من أي وقت مضى لإعادة تقييم هذه المؤسسات ما ينجح منها يجب أن يُدعم ويُطور، وما يعجز عن إثبات جدواه يجب أن يُدمج أو يُغلق حفاظًا على المال العربي وصونًا لمصداقية الفكرة.

 

إن المواطن العربي لم يعد يقبل بالشعارات أو الاجتماعات الشكلية بل يتطلع إلى مؤسسات تخدمه فعلاً، وتواكب النهضة الإدارية والتنموية التي تشهدها مصر وبعض الدول العربية مثل المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات والأردن .

لا نغفل على انه في السنوات الأخيرة و بقيادة الرئيس عبد الفتاح السيسي أصبحت الشفافية والمحاسبة ركائز أساسية في الحكم الرشيد. وهذا النموذج العربي الناجح ينبغي أن يُستنسخ في كل مؤسسة تعمل تحت المظلة العربية.

 

وللحديث بقية… ففي الحلقات القادمة، سنتناول ملفات النجاح التي تستحق أن تُروى، وملفات الإخفاق التي يجب ان ينبه اليها وعلى القائمين عليها لنتجنب ما امكن الصدام من اجل مستقبل عربي واعد .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى