مقالات

رئيس اتحاد الوطن العربي الدولي يتحدث عن الإسراء والمعراج في ذاكرة أحمد شوقي

رئيس اتحاد الوطن العربي الدولي يتحدث عن الإسراء والمعراج في ذاكرة أحمد شوقي
بقلم \ المفكر العربى الدكتور خالد محمود عبد القوي  عبد اللطيف
مؤسس ورئيس اتحاد الوطن العربى الدولى
رئيس الإتحاد العالمي للعلماء والباحثين
مما لا شك فيه أن معجزة الإسراء والمعراج استحوذت على نصيب كبير من الشعر الإسلامي بصفة عامة، والمدائح النبوية بصفة خاصة، واستولت على مخيلة الشعراء، وتجلى هذا بصورة واضحة وبشكل بارز في توظيف هذه المعجزة الباهرة في بنية القصيدة العربية شكلا ومضمونا، وفرضت المعجزة الخارقة والآية الخالدة نفسها فرضا على بيوت الشعر وقوافي القريض، ضافية روحانية إيمانية على العاطفة الشعرية، فاتحة ضفاف سماوية على الخيال والصور البيانية.
ومن أبرز هؤلاء الشعراء الذين استلهموا معجزة الإسراء والمعراج وما فيها من آيات باهرة، بعدما سيطرت على وجدانهم، وتمكنت من خلدهم شاعر الإسلام وأمير الشعراء أحمد شوقي، الذي”سيطرت خلفيته الدينية على فكره ونظمه وسلوكه، فكان يهتبل أية فرصة ليذود عن الإسلام وأبنائه، حتى عرف، منذ فترة مبكرة بأنه شاعر الإسلام”([1]).
ذلك اللقب الذي كان يفضله على لقب أمير الشعراء الذي بايعه به الشعراء في مؤتمر أقيم خصيصا لهذه البيعة الأدبية، حيث قال صراحة لصاحب مجلة المعرفة الذي كان يلقبه بشاعر الشرق والإسلام:”إن قولك عني إني شاعر الإسلام لأحب إلي من هذا اللقب الرنان الذي يطلقه الصحفيون علي، ذلك أني أتمنى أن أكون شاعر الإسلام حقا”([2]).
وقد خلّد شوقي شعره بذكرى الإسراء والمعراج حين قال في “نهج البردة”:
أسرى بك الله ليلاً إذ ملائكة *** والرسل في المسجد الأقصى على قدم
لما خطرتَ به التفوا بسيدهم *** كالشهب بالبدر أو كالجند بالعلم
مستلهماً ومسترشداً بقوله – تعالى-: (سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ)[الإسراء: 1]
ومشيراً إلى اجتماع الأنبياء في المسجد الأقصى وصلاتهم خلف سيد المرسلين وإمام المتقين، عليه وعليهم أفضل الصلاة والسلام.
صلى وراءك منهم كل ذي خَطَرٍ *** ومَن يفز بحبيب الله يأتممِ
ويعرج شوقي إلى معراج النبي وإلى البراق الذي وُصف في الحديث الشريف([3]) بأنه دابة أبيض فوق الحمار ودون البغل، يقع خطوه عند أقصى طرفه، إلا أن خيال شاعرنا الصادق وحسه النابض يضفي عليه صفة العز والشرف:
ركوبة لك من عز ومن شرف *** لا في الجياد ولا في الأينق الرُّسُمِ([4])
وتتجلى صوفية شوقي عندما يؤكد على انكشاف خزائن العلم وأسرار الحكمة للنبي الأمي معلم البشرية، وكأنه يحيلنا لقوله – تعالى-: (وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى * عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى * ذُو مِرَّةٍ فَاسْتَوَى) [النجم: 3 – 6].
ولا تقف صوفية شوقي عند هذا الحد، بل تتجاوزه عندما تعلن أن النبي هو مَن خطط للدين والدنيا علومهما حينما لامس القلم واستلم العرش.
وقيل كل نبي عند رتبته *** ويا محمد هذا العرش فاستلم
خططت للدين والدنيا علومهما *** يا قارئ اللوح بل يا لامس القلم
وربما ترجع صوفية شوقي في هذه الأبيات النابضة إلى تأثره ببردة البوصيري، التي مما جاء فيها:
وكيف تدعو إلى الدنيا ضرورة من *** لولاه لم تخرج الدنيا من العدم
أضف إلى ذلك رغبة شوقي في التبرك بمدح النبي – صلى الله عليه وسلم – لعل الله يشفيه كما شفى صاحب البردة، حيث تذكر لنا المصادر الأدبية “أن شوقياً نزل به مرض عضال طال مكثه وأضناه هذا المرض واستعصى على الأطباء علاجه، شق ذلك على نفسه، وفجأة عثر على قصيدة البردة للإمام البوصيري وتذكر ما حدث له من أن الرسول قد مس بيده الشريفة في المنام على البوصيري فأصبح سليما معافى”([5]).
أما في همزية شوقي الشهيرة فهو يناقش قضية الإسراء بالروح أم بالجسد، وينحاز إلى مَن قال بأن إسراء المختار كان بالروح والجسد معا:
يأيها المسرى به شرفاً إلى *** ما لا تنال الشمس والجوزاء
يتساءلون وأنت أطهر هيكل *** بالروح أم بالهيكل الإسراء
بهما سموت مطهرين كلاهما *** نور وريحانية وبهاء
ويستعرض في النهاية شوقي المكانة العلية، والمنزلة السنية التي وصل إليها النبي المختار – عليه الصلاة والسلام-، دون غيره من الأنبياء الكرام عليهم صلوات ربي وسلامه: (ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى * فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى) [النجم: 8 – 9].
الله هيأ من حظيرة قدسه *** نزلاً لذاتك لم يجزه علاء
العرش تحتك سدة وقوائما *** ومناكب الروح الأمين وطاء
والرسل دون العرش لم يؤذن لهم *** حاشا لغيرك موعد ولقاء
وفي إيجاز بليغ يرد على المرجفين والمتشككين في هذا الحادث الجلل فيُذكرنا بقدرة القدير، العلي الكبير، – سبحانه وتعالى- فضل عليك لذي الجلال ومنّة والله يفعل ما يريد ويشاء
—————————————-
[1] د. مصطفى عبد الغني: إسلاميات أحمد شوقي، مجلة الأدب الإسلامي ع 14 لسنة 1417 ه.
[2] انظر السابق.
[3] انظر صحيح البخاري، باب المعراج
[4] الأينق الرسم: النوق التي تطأ الأرض بشدة وكأنها ترسم في الأرض بمشيها آثار ظاهرة.
[5] فتحي عثمان: شرح البردة للبوصيري، ونهج البردة لشوقي، دار المعرفة، الطبعة الأولى 1973، ص143

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى