مقالات

رئيس اتحاد الوطن العربي الدولي يتحدث عن أهمية الوقت

رئيس اتحاد الوطن العربي الدولي يتحدث عن أهمية الوقت
بقلم \ المفكر العربي الدكتور خالد محمود عبد القوي عبد اللطيف
مؤسس ورئيس اتحاد الوطن العربى الدولى
رئيس الإتحاد العالمي للعلماء والباحثين
مما لاشك فيه أن الحديث عن الوقت هو حديث عن الحياة ذاتها، عن رأس مال الوجود، وعن المادة الخام لمصيرنا الأبدي. الوقت ليس مجرد ثوانٍ ودقائق تتسرب، بل هو وعاء العمل، وميدان السباق، ومقياس الأعمار.
والزَّمَنُ وَالْوَقْتُ مِنْ أَثْمَنِ الأَشْيَاءِ الَّتِيْ لا يَسْتَطِيْعُ الْإِنْسَانُ شِرَاءَهَا، فَهُوَ يَمُرُ بِسُرْعَةٍ، وَلَا يُمْكِن أنْ يَعُوْد الزَّمَنُ إِلَى الْوَرَاءِ, فإن لِلْوَقْتِ في الْإِسْلَامِ -وَخَاصَةً عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ- قِيمَةً عَظِيمَةً؛ فَهُوَ رَأْسُ الْمَالِ، مَا ذَهَبَ مِنْهُ لَا يَعُودُ، وَمَنْ فَرَّطَ فِي وَقْتِهِ وَعُمُرِهِ فَقَدْ فَرَّطَ فِي خَيْرٍ كَبِيرٍ؛ لِأَنَّ مِنَ النَّاسِ مَنْ يُضَيِّعُ عُمُرَهُ وَوَقْتَه، ولقد نبهنا الله عز وجل ونبيّه الكريم إلى قيمة هذا الكنز الثمين، الذي يغفل عنه كثير من الناس حتى يأتيهم هادم اللذات.
• إن الوقت هو جوهر الحياة، ومجموع الأنفاس التي نعيشها.
إنه رأس مال الإنسان الحقيقي، الذي لا يمكن تعويضه أو استرجاعه.
وكما قيل ” السَّنَةُ شَجَرَةٌ، وَالشُّهُورُ فُرُوعُهَا، وَالأَيَّامُ أَغْصَانُهَا، وَالسَّاعَاتُ أَوْرَاقُهَا، وَالأَنْفَاسُ ثَمَرُهَا، فَمَنْ كَانَتْ أَنْفَاسُهُ فِي طَاعَةٍ فَثَمَرَتُهُ طَيِّبَةٌ، وَمَنْ كَانَتْ أَنْفَاسُهُ فِي مَعْصِيَةٍ فَثَمَرَتُهُ حَنْظَلٌ، فَأَيُّ الثِّمَارِ تُرِيدُ يَا مِسْكِينُ؟( ابْنُ القَيِّمِ)
⚫ تعريفُ الوقت
● معنى الوقت لغةً وشرعًا
• الوقتُ في اللغة: مقدارٌ من الزمانِ محدودٌ.
• وفي الاصطلاح الشرعي:
– هو عمرُ الإنسان الحقيقي، ورأس مال العبد الذي سيحاسب عليه.
فالحياة ليست إلا هذه الدقائق التي تمضي.
⚫ مكانةُ الوقت ومنزلتُه في القرآنِ والسُّنَّةِ .
● حديث القرآن الكريم عن الوقت .
• لقد تضافرت آيات القرآن الكريم على إبراز قيمة الوقت ،واعتنى القرآن الكريم بالوقت من نواحٍ متعدِّدةٍ وبصورٍ شتى.
● تسخير الليل والنهار وتعاقبهما ونعمة تنظيم الزمن .
– في مقدمة هذه العناية يقول الله تعالى في معرض الامتنان وبيان قدرته على تسيير الكون: ​{وَسَخَّرَ لَكُمُ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ دَائِبَيْنِ ۖ وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ (33) وَآتَاكُم مِّن كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ ۚ وَإِن تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا ۗ إِنَّ الْإِنسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ (34)} [سورة إبراهيم: 33]
– ويقول تعالى موضحًا تنظيم الزمن وتعاقب الليل والنهار:
﴿وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يَذَّكَّرَ أَوْ أَرَادَ شُكُورًا﴾
[سورة الفرقان: 62]
فقد جعل الله الليل والنهار يخلف كلٌّ منهما الآخر بطريقة منتظمة، ليتمكّن الإنسان من معرفة الزمن وتنظيم حياته، واستغلال أوقاته فيما ينفعه من الطاعات والشكر لله تعالى.
● القسم الإلهي بالزمن تعظيمٌ لمهمة الإنسان وتنبيهٌ له من الغفلة .
– لقد أقسم الخالق العظيم بأجزاء من الزمن، وهذا القسم الإلهي يرفع من شأن المُقسم به، ويدل على عظمته وضرورة التفكير فيه. فالله لا يقسم إلا بعظيم
– ولقد ورد القسم بالوقت في مواضع عديدة من القرآن الكريم والمسلم مطالب بأن يستثمر وقته على أكمل وجه ليتحول إلى رصيد من الحسنات، يكون له ذخرًا في الدنيا والآخرة.
* قال تعالى: ﴿وَالْعَصْرِ * إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ * إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ﴾ (سورة العصر).
قال ابن عباس رضي الله عنهما: العصر هو الزمن، وقال ابن القيم: إن تسمية الدهر عصرًا أمر معروف في لغة العرب < بدائع التفسير (5/ 328 – 329).>
أقسم الله بالعصر، وهو الوقت، أو جزء منه (زمن العشي، أو الدهر كله)، ليبيّن أن الخسارة والحقيقية تكمن في تضييع الوقت دون استثماره في الإيمان والعمل الصالح والتواصي بالحق والصبر.
* وقال تعالى: ﴿وَالضُّحَى * وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَى﴾ (سورة الضحى). هذا القسم يدل على أهمية هذين الوقتين وتعاقبهما كدليل على عظمة الخالق، وضرورة الاستفادة من كليهما، فالضحى للنشاط والعمل، والليل للراحة والعبادة.
* وقال تعالى: ﴿وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى * وَالنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّى﴾ (سورة الليل). يؤكد هذا القسم أن تعاقب الليل والنهار آية من آيات الله، وأن لكل منهما وظيفته، وعلى الإنسان أن يستثمر كل منهما فيما خُلق له.
* وقال تعالى: ﴿وَالْفَجْرِ * وَلَيَالٍ عَشْرٍ﴾ (سورة الفجر). أقسم الله بالفجر، وهو بداية اليوم، وبليال عشر، وهي الليالي العشر الأولى من ذي الحجة التي لها فضل عظيم.
وهذا يؤكد قيمة البدايات وفضل بعض الأزمنة التي يضاعف فيها الأجر.
• القسم بأجزاء الليل والنهار .
– إن من بديع البيان القرآني إقسامه تعالى بالليل والنهار والضحى والفجر، لما فيها من دلالات على النظام والدقة ومواسم الطاعات.
فقوله تعالى: ﴿وَالْفَجْرِ * وَلَيَالٍ عَشْرٍ﴾ (سورة الفجر، الآيتان 1-2)،
وقال: ﴿وَالضُّحَى * وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَى﴾ (سورة الضحى، الآيتان 1-2).
هذه الأقسام تدعو العقل إلى تدبر هذا النظام الكوني المحكم، الذي يمرُّ بالدقة المتناهية، ولا يتقدَّم أو يتأخر لحظة، وفي هذا دعوة للمؤمن أن يكون نظامه في حياته مطابقًا لهذا الإحكام.
– إن هذه الأقسام ينبه اللهُ فيها الخلقَ إلى قيمة الأوقات وما ينبغي عليهم من الاعتناء بها والحرص عليها.
لأن الزمن لا يعوض
عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ – رضي الله عنه -: أَنَّ النَّبِيَّ – صلى الله عليه وسلم – قَالَ: «مَا تَزُوْلُ قَدَمَا عَبْدٍ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حَتَّى يُسْأَلَ عَنْ أَرْبَعٍ: عَنْ عُمُرِهِ فِيْمَ أَفْنَاهُ؟ وَعَنْ شَبَابِهِ فِيْمَ أَبْلاَهُ؟ وَعَنْ مَالِهِ فِيْمَ اكْتَسَبَهُ؟ وَفِيْمَ أَنْفَقَهُ؟ وَعَنْ عِلْمِهِ مَاذَا عَمِلَ فِيْهِ؟» <شعب الإيمان (2/ 286) رقم (1785 – 1786)>
● أمر القرآن باستثمار الوقت والمسارعة إلى الخير والعمل الصالح:
– لم يكتف القرآن الكريم بالقسم بالوقت، بل جاءت آيات صريحة تحث على اغتنامه في العمل الصالح والمسارعة إلى الخيرات:
* قال تعالى: ﴿فَإِذَا فَرَغْتَ فَانْصَبْ * وَإِلَى رَبِّكَ فَارْغَبْ﴾ (سورة الشرح: 7-8). هذه الآية دعوة صريحة لاستثمار الأوقات وعدم إضاعة لحظة في الفراغ. فإذا فرغ الإنسان من أمر من أمور الدنيا أو العبادة، فليتوجه إلى عبادة أخرى أو عمل نافع.
* وقال تعالى: ﴿وَسَارِعُوا إِلَىٰ مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ﴾ (سورة آل عمران: 133).
– الله تعالى يأمرنا بالمسارعة إلى الخيرات، وكأن الوقت ميدان سباق، لا فُرصة فيه للتراخي والتأجيل، مما يدل على أن الوقت لا يحتمل التسويف والتأجيل في أمور الدين.
والأمر بـ “المسارعة” يحمل دلالة على وجوب استغلال اللحظة الحاضرة، وعدم الركون إلى الأمل الكاذب. فالتأجيل ليس من شيم المؤمن اليقظ.
* وقال تعالى: ﴿سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ﴾ (سورة الحديد: 21). تكرار الأمر بالمسابقة والمسارعة يؤكد على أن الفرصة محدودة، والعمر قصير، والجزاء عظيم، فلا مجال للتواني أو البطء.
● الحسرة عند ضياع العمر وذهاب الوقت .
• حسرة أهل النار على ضياع أوقاتهم:
– صور القرآن الكريم حسرة الكافرين والمفرطين يوم القيامة على ضياع أوقاتهم في غير طاعة الله حيث يطلبون العودة إلى الدنيا ليعملوا عملًا صالحًا، ولكن هيهات.
فلقد طلبوا العودة من الخالق العظيم ،وجاء الرد الإلهي قاطعا.
قال تعالى: ﴿حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ * لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِن وَرَائِهِم بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ﴾ (سورة المؤمنون، الآيتان 99-100).
هذه الآية تصور الحسرة العظيمة لمن أدركه الموت وهو مقصر، يتمنى الرجوع إلى الدنيا ولو للحظات ليعمل صالحًا.
تأملوا صيغة الندم: “رَبِّ ارْجِعُونِ”، يطلب المزيد من الوقت ولو للحظة، ولكن يأتي الرد حاسمًا: “كَلَّا”. لا رجعة! هذا وعظ مؤثر لكل حي، بأن يعمل اليوم قبل أن يأتي الغد الذي لا عمل فيه.
مرَّتْ سُنُون بالسعادةِ والهنا *** فكأنها مِنْ حُسنِها أيامُ
ثُمَّ انْقَضَتْ تلك السُّنُونَ وأهْلُهَا *** فكأنَّهـا وكأنَّهُـمْ أحْـلَامُ
* وقال تعالى: ﴿يَا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي﴾ (سورة الفجر: 24). هذا قول الكافرين يوم القيامة، الذين أهملوا حياتهم الدنيا ولم يستثمروها في طاعة الله، فيتمنون لو قدموا لأنفسهم عملًا صالحًا ينفعهم في حياتهم الآخرة
⚫ الوقت في السنة النبوية الشريفة .
– جسدت السنة النبوية المطهرة قيمة الوقت عمليًا وقوليًا، فكان النبي صلى الله عليه وسلم خير من استغل وقته، ووجه أمته إلى ذلك.
● أحاديث تبين قيمة الوقت:
* قال صلى الله عليه وسلم: “نعمتان مغبونٌ فيهما كثيرٌ من الناس: الصحة والفراغ”
<صحيح البخاري رقم (6412).>
الغبن هو الخسارة. ومعنى الحديث أن كثيرًا من الناس يخسرون هاتين النعمتين، فلا يستفيدون منهما حق الاستفادة. فمن ضيع صحته في غير طاعة، أو ضيع وقته في غير نافع، فقد غبن غبنًا فاحشًا.
* قال صلى الله عليه وسلم: “اغتنم خمسًا قبل خمس: شبابك قبل هرمك، وصحتك قبل سقمك، وغناك قبل فقرك، وفراغك قبل شغلك، وحياتك قبل موتك” (رواه الحاكم).
هذا الحديث وصية نبوية جامعة للاستفادة من مراحل العمر المختلفة والظروف المواتية قبل فواتها.
– وَقَالَ الفُضَيْلُ بْنُ عِيَاضٍ لِرَجُلٍ: “كَمْ عُمْرُكَ؟” فَقَالَ الرَّجُلُ: سِتُّونَ سَنَةً، فَقَالَ الفُضَيْلُ: “إِذًا أَنْتَ مُنْذُ سِتِّينَ سَنَةً تَسِيرُ إِلَى اللَّهِ، تُوشِكُ أَنْ تَصِلَ”، فَقَالَ الرَّجُلُ: “إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ”، فَقَالَ الفُضَيْلُ: “يَا أَخِي، هَلْ عَرَفْتَ مَعْنَاهَا؟” قَالَ: “نَعَمْ، عَرَفْتُ أَنِّي لِلَّهِ عَبْدٌ، وَأَنِّي إِلَيْهِ رَاجِعٌ”، فَقَالَ الفُضَيْلُ: “يَا أَخِي، مَنْ عَرَفَ أَنَّهُ لِلَّهِ عَبْدٌ، وَأَنَّهُ إِلَيْهِ رَاجِعٌ، عَرَفَ أَنَّهُ مَوْقُوفٌ بَيْنَ يَدَيْهِ، وَمَنْ عَرَفَ أَنَّهُ مَوْقُوفٌ عَرَفَ أَنَّهُ مَسْؤُولٌ، وَمَنْ عَرَفَ أَنَّهُ مَسْؤُولٌ فَلْيُعِدَّ لِلسُّؤَالِ جَوَابًا”، فَبَكَى الرَّجُلُ، فَقَالَ: “يَا فُضَيْلُ، وَمَا الحِيلَةُ؟” قَالَ الفُضَيْلُ: “يَسِيرَةٌ”، قَالَ الرَّجُلُ: “وَمَا هِيَ يَرْحَمُكَ اللَّهُ؟” قَالَ: “أَنْ تَتَّقِيَ اللَّهَ فِيمَا بَقِيَ، يَغْفِرُ اللَّهُ لَكَ مَا قَدْ مَضَى وَمَا قَدْ بَقِيَ”.
فَاعْرِفْ قَدْرَ وَقْتِكَ، وَشَرَفَ زَمَانِكَ، وَحَقِيقَةَ عُمْرِكَ، وَحَقِيقَةَ سَاعَاتِ أَيَّامِكَ، فَعُدْ اللَّيْلَةَ إِلَى اللَّهِ قَبْلَ فَوَاتِ الْأَعْمَارِ، وَاسْمَعْ إِلَى الْعَزِيزِ الْغَفَّارِ وَهُوَ يُنَادِي: ﴿قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ﴾ [الزُّمَر: ٥٣]. فَاتَّقِ اللَّهَ حَيْثُمَا كُنْتَ، وَرَاقِبْ رَبَّكَ لَيْلًا وَنَهَارًا، وَاعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ مُطَّلِعٌ عَلَيْكَ، وَيَرَاكَ. والوقتُ أنفَسُ ما عُنيتَ بِحِفْظِهِ = وَأَرَاهُ أَسْهَلُ مَا عَلَيْكَ يضيعُ
⚫ أهمية الوقت في حياة الرسول ﷺ و كيف نظّم النبي ﷺ حياته اليومية؟
– لم يكن النبي صلى الله عليه وسلم يترك وقته يمر سدى، بل كان له نظام يومي دقيق، يتوافق مع طبيعة دعوته ومهامه العظيمة:
* بعد صلاة الفجر: كان يجلس في مصلاه يذكر الله حتى تطلع الشمس، ثم يقوم فيذهب إلى أزواجه، أو يستقبل الوفود، أو يقضي حوائج الناس.
* في النهار: كان يقضي شؤون الأمة، يعلم أصحابه، يخطط للغزوات، يستقبل السفراء، يفصل في الخصومات، يزور المرضى، ويُشارك في الأعمال العامة.
* في الليل: كان يقضي بعض وقته مع أهله، ثم ينام قسطاً، ثم يقوم للصلاة وقيام الليل.
* هذا التنظيم لم يكن جامداً، بل كان مرناً يتناسب مع الظروف الطارئة والأحداث المستجدة، لكن الأصول كانت ثابتة.
● توزيع الوقت بين الحقوق والواجبات (حق الله، حق النفس، حق الأهل…)
لقد علم النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه الاعتدال والتوازن في كل شيء، ومنها توزيع الوقت:
– “دخَل رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم المسجدَ وحبلٌ ممدودٌ بينَ ساريتَيْنِ فقال: ( ما هذا ؟ ) قالوا: لزينبَ تُصلِّي فإذا كسِلَتْ أو فتَرَتْ أمسكت به قال: ( حُلُّوه ) ثمَّ قال: ( لِيُصَلِّ أحدُكم نشاطَه فإذا كسِل أو فتَرَ فليقعُدْ )<أخرجه البخاري (1150)، ومسلم (784)، والنسائي (1643) واللفظ لهم جميعامن حديث أنس بن مالك>
هذا الحديث يدل على أن العبادة تكون بنشاط، وأن الاستمرار فيها يكون بالتوازن.
– قال سلمان الفارسي لأبي الدرداء رضي الله عنهما :” إنَّ لِرَبِّكَ عَلَيْكَ حَقًّا، ولِنَفْسِكَ عَلَيْكَ حَقًّا، ولِأَهْلِكَ عَلَيْكَ حَقًّا، فأعْطِ كُلَّ ذِي حَقٍّ حَقَّهُ. فأتَى النبيَّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فَذَكَرَ ذلكَ له، فَقَالَ النَّبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: صَدَقَ سَلْمَانُ” <رواه البخاري، حديث رقم 1968) من حديث وهب بن عبدالله السوائي أبو جحيفة> وهذا من أعظم الأحاديث التي تحدد منهج المسلم في توزيع وقته وجهده بين الحقوق المختلفة.
● حرص النبي ﷺ على أوقات الناس واحترامه لمشاعرهم واهتماماتهم
لم يكن النبي صلى الله عليه وسلم حريصاً على وقته فحسب، بل كان حريصاً على أوقات أصحابه أيضاً:
* كان لا يُطيل في المجالس إلا لحاجة.
* كان يُصلي بالناس ويخفف الصلاة مراعاةً لحال المصلين.
* كان يستمع إلى شكاوى الناس ومشاكلهم ويحلها دون تضييع للوقت.
* كان يعلم أصحابه حسن استغلال الوقت في طلب العلم والذكر والعمل الصالح.
* وقالت عائشة رضي الله عنها لما سئلت : هلْ كانَ رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يَخْتَصُّ مِنَ الأيَّامِ شيئًا؟ قالَتْ: لَا، كانَ عَمَلُهُ دِيمَةً، وأَيُّكُمْ يُطِيقُ ما كانَ رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يُطِيقُ؟!” <صحيح البخاري رقم : 1987)و أحمد (24282)، والبيهقي (8548) كلاهما بلفظه، ومسلم (783)، وأبو داود (1370)، وابن خزيمة (1281) جميعًا مطولًا باختلاف يسير .> أي مستمر، قليل دائم، وهذا أفضل من الكثير المنقطع، ويساعد على استثمار الوقت بفعالية.
⚫ قيمة الوقت في حياة الصحابة والتابعين .
– لقد جسد الصحابة الكرام والتابعون لهم بإحسان هذا الفهم العميق لقيمة الوقت. فكانوا أحرص الناس على وقتهم وكانوا يعتبرون اللحظة الضائعة خسارة لا تُعوَّض:
* كانوا يقسمون أوقاتهم بين طلب العلم، والعبادة، والجهاد، والكسب الحلال، وتربية الأبناء، والاجتماع بالناس. فلم يكن عندهم فراغ يُهدر.
* قَالَ الصِّدِّيقُ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-: “يَا عُمَرُ! وَاعْلَمْ أَنَّ للهِ عَمَلًا بِالنَّهَارِ لَا يقْبَلُهُ بِاللَّيْلِ، وَأَنَّ للهِ عَمَلًا بِاللَّيْلِ لَا يَقْبَلُهُ بِالنَّهَارِ”
* وعُمر بن الخطاب رضي الله عنه كان يقول: “إني لأكره أن أرى أحدكم فارغاً لا في عمل دنيا ولا في عمل آخرة”.
* وَيَقُولُ ابْنُ عُمَرَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا- كَمَا عِنْدَ الْبُخَارِيِّ فِي صَحِيحِهِ: “إِذَا أَمْسَيْتَ فَلاَ تَنْتَظِرِ الصَّبَاحَ، وَإِذَا أَصْبَحْتَ فَلاَ تَنْتَظِرِ المَسَاءَ، وَخُذْ مِنْ صِحَّتِكَ لِمَرَضِكَ، وَمِنْ حَيَاتِكَ لِمَوْتِكَ”.
* ويَقُولُ عَلِيٌّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ – رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ –: “مَنْ أَمْضَى يَوْمَهُ فِي غَيْرِ حَقٍّ قَضَاهُ، أَوْ فَرْضٍ أَدَّاهُ، أَوْ مَجْدٍ أَثَّلَهُ، أَوْ حَمْدٍ حَصَّلَهُ، أَوْ خَيْرٍ أَسَّسَهُ، أَوْ عِلْمٍ اقْتَبَسَهُ، فَقَدْ عَقَّ يَوْمَهُ وَظَلَمَ نَفْسَهُ”.
* ويُروى عن ابن مسعود رضي الله عنه أنه قال : “مَا نَدِمْتُ عَلَى شَيْءٍ نَدَمِي عَلَى يَوْمٍ غَرَبَتْ شَمْسُهُ، اقْتَرَبَ فِيهِ أَجَلِي، أو نَقَصَ فِيهِ أَجْلِي، وَلَمْ يَزْدَدْ فِيهِ عَمَلِي))
وَفِي مُصَنَّفِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ عَبْدِاللهِ بْنِ مَسْعُودٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- أَنَّه كَانَ يَقُولُ: “إِنِّي لَأَمْقُتُ الرَّجُلَ أَنْ أَرَاهُ فَارِغًا, لَيْسَ فِي شَيْءٍ مِنْ عَمَلِ الدُّنْيَا، وَلَا عَمَلِ الْآخِرَةِ”
وَلِلَّهِ دَرُّ الْقَائِلِ:
إِذَا مَرَّ بِي يَوْمٌ وَلَمْ أَسْتَفِدْ هُدًى*** وَلَمْ أَكْتَسِبْ عِلْمًا فَمَا ذَاكَ مِنْ عُمْرِي
* ويَقُولُ مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-: “إِنِّي لَأَحْتَسِبُ نَوْمَتِي وَقَوْمَتِي”؛ يَعْنِيْ: يَحْتَسِبُ بِذَلِكَ الأَجْرُ مِنَ اللهِ.
* وقال الحسن البصري: “يا ابن آدم، إنما أنت أيام، فإذا ذهب يوم ذهب بعضك”.
* وَكَانَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ -رَحِمَنَا اللهُ وَإِيَّاه- يَقُولُ عَنْ حَالِ السَّلَفِ: “أَدْرَكْتُ أَقْوامًا كَانُوا عَلَى أَوْقَاتِهِمْ أَشَدَّ حِرْصًا مِنْكُمْ عَلَى دَرَاهِمِكُمْ وَدَنَانِيرِكُمْ!”
وقال آخر :
إنّا لَنفْرحُ بِالأَيامِ نَقْطَعُهَا … وكُلُّ يَوْمٍ مَضَى يُدْنِي مِنَ الأَجَل
فَاعْمَلْ بِنفَسِكَ قَبْلَ المَوْتِ مُجْتَهِدًا … فَإِنَّمَا الرِّبْحُ والخُسْرَانُ فِي العَمَل
قَالَ بَعْضُ السَّلَفِ -رَحِمَنَا اللهُ وَإِيَّاه-: “ابْنُ آدَم! إِنَّ الْأَيَّام تَعْمَلُ فِيْكَ؛ فَاسْبِقْهَا وَاعْمَل فِيْهَا”.
تَفِيْضُ العُيونُ بِالدُّمُوعِ السَّواكِبِ *** ومَا ليَ لا أَبْكِي عَلَى خَيْرِ ذَاهِبِ
عَلَى أَنْفَسِ السَّاعَاتِ لَمَّا أَضَعْتُها *** وقَضَّيْتُها في غَفْلَةٍ وَمَعَاطِـبِ
قال الإمام ابن الجوزي -رحمه الله-: “يَنْبغي للإنسان أن يَعْرِف شَرَفَ زمانِه، وقَدْرَ وقتِه، فلا يُضَيِّعُ منه لحظةً في غَيْرِ قُرْبَةٍ”.
والوقتُ أَنْفَسُ ما عُنِيتَ بحفظِه *** وأراهُ أسهلَ ما عليك يَضِيعُ
فأنَّى لعاقل -يا عباد الله- يُبدِّد الوقتَ الشريفَ متعطِّلًا، ويُمزِّق الزمنَ النفيسَ متبطِّلًا، فذاك الذي أضاع الفُرَصَ، فباء بالخسارة .
دَقّاتُ قَلبِ المَرءِ قائِلَةٌ لَهُ *** إِنَّ الحَياةَ دَقائِقٌ وَثَواني
والناسُ غادٍ في الحياة وَرائِحٌ *** ما بين ربحانٍ بها أو خسْرانِ
●لنكن أصحاب رسالة لا أسري .
– إن الوقت، أيها الأكارم، هو أنت! فاحفظوا أوقاتكم يحفظكم الله. كونوا أصحاب رسالة تستثمرون كل لحظة في نفع أو طاعة، ولا تكونوا أسرى للبطالة وطول الأمل الذي يُنسي العمل.
فلنحاسب أنفسنا الآن قبل أن نُحاسَب، ولننظر جميعًا في ساعات أيامنا:
* كم ساعة مرت بغير ذكر لله؟
* كم دقيقة ضاعت في لغو أو غيبة؟
* كم يومًا انقضى ولم ننجز فيه فرضًا أو نكتسب علمًا أو نُسدي معروفًا؟
نسأل الله تعالى أن يجعلنا ممن يغتنمون أوقاتهم في مرضاته، وأن يرزقنا البركة في أعمارنا، وأن يختم لنا بخاتمة السعادة والخير.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى