رئيس اتحاد الوطن العربي الدولي يتحدث عن الكهانة الحديثة

رئيس اتحاد الوطن العربي الدولي يتحدث عن الكهانة الحديثة
بقلم / المفكر العربي الدكتور خالد محمود عبد القوي عبد اللطيف
مؤسس ورئيس اتحاد الوطن العربي الدولي
رئيس الإتحاد العالمي للعلماء والباحثين
مما لاشك فيه أننا نقف اليوم أمام ظاهرة تتجدد مع كل عام جديد، ألا وهي هجمة “الكهانة الحديثة” التي تطل برأسها عبر الشاشات والمنصات، حيث يتسابق أدعياء النجوم وقارئو التاروت في “ادعاء معرفة ما سيكون”، مقدمين للناس سموماً مغلفة بأردية الروحانية والطاقة، وهي في الحقيقة منازعة لله عز وجل في أخص خصائص ربوبيته.
أولاً: “ادعاء المعرفة” هو جوهر الكهانة الحديثة
إن القضية ليست مجرد “تسلية” كما يزعم البعض، بل هي قضية “ادعاء علم الغيب”.
● لقد حسم القرآن الكريم هذه المسألة بقوله تعالى: ﴿قُل لَّا يَعۡلَمُ مَن فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِ ٱلۡغَيۡبَ إِلَّا ٱللَّهُۚ﴾ [النمل: 65]. فمن زعم أنه يعلم ما سيحدث في العام القادم من كوارث أو مسرات أو تغيرات سياسية، فقد ادعى لنفسه مقاماً لا يليق إلا بالخالق سبحانه.
إن ادعاء معرفة الغيب، والتنبؤ بالمستقبل من خلال ظواهر الكون كحركة النجوم والكواكب والأبراج والتاروت، هي ممارسات تُضلل العقل، وتناقض صحيح الدين، وتهدم القيم.
ثانياً: تفنيد وسائل “الادعاء” (الأبراج والتاروت)
لقد اتخذ أدعياء المعرفة في عصرنا وسائل مضللة لإقناع الناس بصحة تنبؤاتهم:
● ربط الأقدار بالنجوم: وهو ما يفعله المنجمون، :
والله قد “خلق النجوم زينة للسماء، ورجوماً للشياطين، وعلامات يهتدى بها، فمن تأول فيها غير ذلك أخطأ وتكلف ما لا علم له به”.
● أوراق التاروت والتحليل الزائف:
يدعون أنها فن أو “تحليل شخصية”، وهي في الحقيقة صور من الكهانة التي تفتح باباً للضلال النفسي والعقدي.
● توقعات العام الجديد: التي تملأ القنوات والمنصات، حيث يُقدم المنجمون كخبراء وعلماء، وهم في الحقيقة دجالون يبيعون الأوهام.
● الخديعة الكبرى
(كلمة الحق الممزوجة بالكذب):
كما أخبر النبي ﷺ أن الجني قد يلتقط الكلمة فيمزجها بمئة كذبة، فيغتر بها ضعاف العقول حين يصدق المنجم في “توقع” واحد كاذب بين آلاف التوقعات الفاشلة.
ثالثاً: الحكم الشرعي وخطورة إتيان هؤلاء:
● لقد أجمعت الأمة على أن ادعاء معرفه الغيب والكهانة بجميع أشكالها هي ضرب من ضروب الشرك الأكبر أو وسيلة إليه؛ لأنها تتضمن ادعاء مشاركة الله في أخص خصائصه، وهي علم الغيب المطلق.
يقول الله عز وجل: ﴿قُل لَّا يَعۡلَمُ مَن فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِ ٱلۡغَيۡبَ إِلَّا ٱللَّهُۚ﴾ [النمل: 65].
وحذرنا النبي ﷺ بشدة من مجرد سؤالهم أو تصديقهم:
• عقوبة السؤال: قال ﷺ: «مَنْ أَتَى عَرَّافًا فَسَأَلَهُ عَنْ شَيْءٍ، لَمْ تُقْبَلْ لَهُ صَلَاةٌ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً» [رواه مسلم].
• عقوبة التصديق: قال ﷺ: «مَنْ أَتَى كَاهِنًا فَصَدَّقَهُ بِمَا يَقُولُ؛ فَقَدْ كَفَرَ بِمَا أُنْزِلَ عَلَى مُحَمَّدٍ» [رواه البزار ].
فلا فرق بين من يقرأ هذه الأبراج والتوقعات جِدًّا أو على سبيل “التسلية” والمزاح؛ فالعقيدة ليست مجالاً للعب، ومجرد الاستماع إليهم هو تشجيع على نشر الفساد والخرافة.
رابعا: خطورة “تصديق” ادعاءات العام الجديد:
● إن الاستماع لهؤلاء المدعين في سهرات العام الجديد أو قراءة منشوراتهم ليس أمراً هيناً، بل هو جريمة في حق العقل والدين:
• إفساد التوكل:
من علق قلبه بتوقعات المنجم لعام 2026 مثلاً، فقد ضعف توكله على الله، وأصبح أسيراً للوهم.
• الوعيد النبوي الشديد:
• مجرد السؤال والسماع: «لَمْ تُقْبَلْ لَهُ صَلَاةٌ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً» [رواه مسلم].
• التصديق بـ “ادعاء المعرفة”: «فَقَدْ كَفَرَ بِمَا أُنْزِلَ عَلَى مُحَمَّدٍ»
• أكل أموال الناس بالباطل: إن ما يتقاضاه هؤلاء المنجمون هو “حُلوان الكاهن” الذي نهى عنه النبي ﷺ، فهو سحت محرم.
خامسا : لماذا ينجرف الناس خلف “ادعياء المعرفة”؟
● القلق من المستقبل: طبيعة الإنسان تحب اليقين، والمنجمون يبيعون “يقيناً كاذباً” ليشبعوا هذا الفضول.
● غياب الوعي العقدي: العقيدة السليمة هي الحصن الذي يمنعك من تصديق خرافة “البرج” أو “ورقة التاروت”.
● التغطية الإعلامية: تقديم هؤلاء على أنهم “خبراء” يمنح باطلهم صبغة العلم، والعلم منهم براء.وصدق الحق سبحانه إذ يقول: {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوْ كَذَّبَ بِآيَاتِهِ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُون}. [الأنعام: 21]
سادسا : الآثار النفسية والاجتماعية المدمرة .
● إن هذه الأنماط المستحدثة من الكهانة تدخل الناس في أنفاق مظلمة من:
• القلق والاكتئاب: بربط الأقدار بتوقعات سلبية أو أوهام لا تقع.
• فساد الاعتقاد: بترك التوكل على الله والتعلق بحلقة نحاس أو حركة كوكب.
• تغييب العقل: فالعلم التجريبي لا يعترف بهذه المنهجيات المدعاة، والإسلام جاء ليحرر العقل من الخرافة،فقد رأى سيدنا رسول الله ﷺ رجلًا علَّق في عضده حلقة من نحاس، فقال له: «وَيْحَكَ مَا هَذِهِ؟»، قال: من الواهنة -أي لأشفى من مرض أصابني-، قال ﷺ: «أَمَا إِنَّهَا لَا تَزِيدُكَ إِلَّا وَهْنًا، انْبِذْهَا عَنْكَ، فَإِنَّكَ لَوْ مِتَّ وَهِيَ عَلَيْكَ مَا أَفْلَحْتَ أَبَدًا». [أخرجه أحمد وغيره]
سابعا : سبل الوقاية والتحصين .
● تغميق التوحيد والتوكل: فمن توكل على الله كفاه، واليقين بأن النفع والضر بيد الله وحده. ﴿وَمَن يَتَوَكَّلۡ عَلَى ٱللَّهِ فَهُوَ حَسۡبُهُۥٓ﴾ [الطلاق: 3].
إن الغيب مكنون عند الله، ومن ادعى معرفته فقد كذب وافترى. العام الجديد هو صفحة بيضاء في علم الله، لا يملك منجم ولا عراف أن يسطر فيها حرفاً واحداً.
● حسم مادة الإثم: بمقاطعة هذه البرامج والصفحات وعدم تداول مقولاتها، فـ “حلوان الكاهن” (المال الذي يأخذه) سُحت ومحرم.
● التكذيب العملي: كما فعل علي بن أبي طالب رضي الله عنه حين كذّب المنجّم الذي نهاه عن السفر، فسافر وانتصر ثقةً بالله.
وقال للمنجم: “بل أسافر ثقةً بالله وتوكلاً عليه وتكذيباً لك”.
فلنستقبل عامنا بالدعاء والعمل، لا بسؤال الدجالين.
ولنردد دائماً: ﴿وَمَا تَدۡرِي نَفۡسٞ مَّاذَا تَكۡسِبُ غَدٗاۖ﴾ [لقمان: 34].
إن الإيمان بالغيب حصنٌ يحفظ عقيدتكم، ورأس مال المسلم هو توحيده. اتقوا الله واحرصوا على حفظ عقول أبنائكم من هذه الريح الخبيثة التي تقتلع جذور الإيمان.
تذكروا دائماً قوله ﷺ: «واعلمْ أنَّ الأُمَّةَ لو اجتمعتْ على أنْ ينفعوكَ بشيءٍ لم ينفعوكَ إلا بشيءٍ قد كتبهُ اللهُ لكَ… رُفِعَتِ الأقلامُ وجَفَّتِ الصُّحُفُ» [رواه الترمذي].
![]()
:
اللهم ارزقنا إيماناً يباشر قلوبنا، ويقيناً صادقاً حتى نعلم أنه لا يصيبنا إلا ما كتبت لنا. اللهم احفظ عقولنا من الأوهام، وعقائدنا من الخرافات، واجعل عامنا القادم عام خير بركة وطاعة، لا رجم فيه بالغيب ولا تعلق فيه بغيرك.




