مقالات
رئيس اتحاد الوطن العربي الدولي يتحدث عن ِالبحث عن الحقيقة
رئيس اتحاد الوطن العربي الدولي يتحدث عن ِالبحث عن الحقيقة
بقلم \ المفكر العربي الدكتور خالد محمود عبد القوي عبد اللطيف
مؤسس ورئيس اتحاد الوطن العربي الدولي
رئيس الإتحاد العالمي للعلماء والباحثين
الرئيس التنفيذي لجامعة بيرشام الدولية بأسبانيا
الرئيس التنفيذي لجامعة سيتي بكمبوديا
الرئيس التنفيذي للمؤسسة الدولية للدراسات المتقدمة بأمريكا
ورئيس جامعة الوطن العربي الدولي ( تحت التأسيس )
الرئيس الفخري للجمعية المصرية لتدريب وتشغيل الخريجين
الرئيس الفخري لمنظمة العراق للإبداع الإنساني بألمانيا الإتحادية
الرئيس التنفيذي للجامعة الأمريكية الدولية
الرئيس الفخري للمركز الدولي الفرنسي للعلماء والمخترعين
الرئيس الشرفي للإتحاد المصري للمجالس الشعبية والمحلية
قائمة تحيا مصر
مما لاشك فيه أن البحث عن الحقيقة أمر صاحب الإنسان منذ أن خلقه الله تعالى، ويذكر عند الحديث عن الحقيقة أن أحد فلاسفة اليونان كان يحمل في النهار مصباحًا مضاءً، فلما سئِل عن سر هذا التصرف غير المعتاد من العاقلين أجاب بأنه كان يبحث عن الحقيقة! ولكن ما تلك الحقيقة التي كان يبحث عنها ذلك الرجل؟ هل كانت حقيقة الوجود؟ أم كانت حقيقة نهاية هذا الوجود؟ أم هي حقيقة هذا الكون وما فيه من مجموعة من الخلائق التي تسير بأسلوب بديع حكيم؟
والذي يبدو أن الإنسان قد طبع على البحث عن الحقيقة،وقد بحث إبراهيم عليه السلام عن حقيقة إحياء الموتى، فسأل الله أن يريه كيف يحيي الموتى؛ ﴿ وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتَى قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قَالَ بَلَى وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي ﴾ [البقرة: 260]، وقد تطلع موسى عليه السلام إلى أن يرى الله حقيقةً – أي يرى ذاته – وذلك بعد أن آمن بحقيقته وذاته: ﴿ قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ قَالَ لَنْ تَرَانِي وَلَكِنِ انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي ﴾ [الأعراف: 143]،وذات الله حقيقة، ولكنها لا تدرك مباشرة: ﴿ لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ ﴾ [الأنعام: 103]، وعدم إدراك ذات الله – سبحانه وتعالى – مباشرة لا يعني عدم إدراكه – تعالى – من حيث وجوده من خلال مجموعة كثيرة من الآيات التي تدل على وجوده – تعالى – ولكن بعض العقول قد ترفض هذا الإدراك غير المباشر؛ لأنها لم تكلف نفسها التفكير بهذا الاتجاه، فتطلعت إلى أكثر من ذلك.
فإذا كان الإنسان قد طبع على البحث عن الحقيقة، كما كان يبحث عنها ذلك الفيلسوف، فقد كفينا نحن الإجابة عليها منذ آلاف من السنين، نقلها إلينا الأنبياء والمصلحون عن طريق الوحي بالنسبة للأنبياء، والأتباع بالنسبة للمصلحين،ولم يأتِ أحد من عنده بجديد؛ وذلك لأنه لا يستطيع أحد أن يأتي من عنده بجديد في مجال الحقيقة،وأن يرفض البعض هذه الإجابات عن الحقيقة عن هذا الطريق ويبحث عن غيرها عن غير هذا الطريق، فهو يعلن على نفسه وعلى من أراد أن يعيش في محيط الشقاء والتعاسة؛ لأن الذي يبدو أن هناك تطلعات وأسئلة عن الحقيقة يتعذر على المرء إدراكها مجردًا من إلهام خارج عن هذا العقل المحدود.
وعندما يتحدث المرء عن محدودية العقل عن إدراك كل شيء حوله، فإنه لا يعني ذلك قصورًا عن وظيفة العقل التي خلق العقل من أجلها، ولكنه يعني أن العقل يذهب أحيانًا إلى أكثر مما يراد منه، وهنا يبدأ المرء في عدم الاستقرار العقلي والروحي إلى أن يقتنع بالحقيقة التي جاءت عن طريق الأنبياء والمصلحين، أو يستمر في بحثه هذا منفردًا فلا يجد الحقيقة مهما طال به البحث، ولعل هذا مما يبرر موقف الإسلام في جانب العقيدة من الفلسفة عمومًا، ومن الفلسفة اليونانية خصوصًا، لما جرته هذه الفلسفة من عدم استقرار عقدي لأولئك الذين نصبوا من أنفسهم باحثين عن الحكمة، ومن البحث عن الحكمة البحث عن الحقيقة.
ولعل مِن الذي يجعل البعض لا يكتفي بالإجابات عن الحقيقة التي جاء بها المرسلون أن هذه الإجابات تستلزم من المقتنع بها أن يتبع هذا الإقناع (الإيمان) بما يثبته في عالم من المحسوسات؛ولذلك قال علماء العقيدة عن الإيمان: إنه ما وقر في القلب وصدقه العمل، فلا يكفي أن يؤمن القلب فقط، والتصديق بالعمل أمر قد يأباه غرور الإنسان؛ ولذا ترى البعض يعرض عن تلمس الإجابة على أسئلة كثيرة عن هذا الطريق، فيحرم قسطًا كبيرًا من الطمأنينة لا يكاد يحس به إلا أولئك الذين عرفوا الحق عن هذا الطريق.
ويخطئ البعض عندما يغفل العقل في كل شيء، حتى ليصبح في تعداد الإمعات،وهذا الصنف مناقض تمامًا لصنف ذلكم الرجل الذي حمل مصباحه مضاءً في وضح النهار، فالأول معطل للعقل تمامًا، والآخر حمل العقل فوق طاقته التي أتيحت له، فضل هذا، وتاه ذاك.
وبمعزل عن تلمس الحقيقة من منبعها الوحيد، وهو الوحي الإلهي، يؤدي البحث عنها بكثير من الباحثين إلى أن يخرجوا من هذا البحث بنتائج، كان أقل ما يمكن أن يقال عنها: إنها مجموعة شطحات عقلية أَوْدَتْ بأصحابها إلى بعض التصرفات “غير المعقولة” في نظر كثير من العاقلين، وقد ظهر في فرنسا في الآونة الأخيرة فيلسوف بحث عن حقيقة الحياة والوجود، فوجد أن حقيقة الحياة والوجود تتلخص في الموت فقط!
فالإنسان عند هذا الفيلسوف إنما خلق ليموت، وعليه فإن الإنسان لا يملك من هذه الحياة إلا أن يختار الطريقة المثلى للموت،وفي سبيل أن يحقق هذا الهدف عمد الفيلسوف إلى أن يختار لزوجته طريقة مثلى للموت بأن قضى عليها وهي على فراش النوم آمنة مطمئنة،وهذا ربما يوحي أن هذه الطريقة المثلى إنما هي في نظر الفيلسوف فقط، وهناك طرق مثلى أخرى في اختيار الموت لمن يعزون على أصحاب هذه الفلسفة، كأن يرمي شخص بمن يحب من شاهق، أو يصعقه بالكهرباء، أو يعرضه لغازات سامة، فاختيار الطريقة المثلى أمر نسبي خاضع لنظرة الشخص لأمثل طريقة!
والذي قد يتبادر إلى ذهن أي سامع لهذه الحادثة – أو النظرة الفلسفية للحقيقة والحياة – السؤال عن السبب وراء عدم تطبيق هذه الفلسفة على صاحبها أولًا بدلًا من أن تكون ضحيتها امرأة مسكينة لم يكن لها من الذنب – على ما يظهر – إلا أن تكون زوجة لهذا الفيلسوف؟!
قد يجيب الفيلسوف نفسه على هذا التساؤل بأنه قد آثر زوجته – ولو كان به خصاصة – بهذا الأسلوب في اختيار أفضل طريقة للموت؛ لأنه قد أحبها فقدمها على نفسه (ومن الحب ما قتل!!)،ولعل الرجل لم يجد الشجاعة – ولن يجدها – لتطبيق فلسفته على نفسه، ولعله كذلك لم يجد القناعة التامة بهذه الفلسفة، تلك القناعة التي تجعله يبدأ بنفسه،ولا يتبادر إلى الذهن أن الرجل أراد من هذه الفلسفة أن تعم، فبدأ باختيار مجموعة ممن أحب ليختار بعد ذلك الطريقة المثلى للقضاء عليهم؛ وذلك أن الرجل قام بتسليم نفسه حالما انتهى من تطبيق فلسفته على زوجته إلى أقرب مخفر للشرطة، واستسلم لأي حكم يترتب على فعلته التي فعل مع زوجته دون محاولة للدفاع المستميت في سبيل إقناع الآخرين بأن ما عمله هو عين الصواب، وأنه الهدف الأسمى من الحياة،والحق أن الرجل لم يكن سهلًا على فرنسا؛ فقد وصل أمره إلى رئيس الجمهورية حينئذٍ – جيسكار ديستان – فقال: إن تأكد ما تذكرون، فعار على فرنسا أن يحبس عقلها! أدخلوه مستشفى الأمراض العقلية.
والذي يبدو أن هذا الرجل كان ينشر اكتشافه لحقيقة الحياة على من حوله من الجانب النظري، وقد حذا حذوه شخص أكاديمي آخر – ومع الأسف الشديد – في إحدى الجامعات العربية، فتأثر بفلسفته هذه، واختار لوالديه ذات الطريقة التي اتبعها أستاذه مع زوجته، ونال ذات المصير الذي ناله أستاذه من قبله.
ذلكم كان منطلقًا واحدًا أخيرًا من منطلقات عدة يبحث عن الحقيقة، فجعلت من العقل وحده أداة للبحث عنها مجردًا من العوامل المساعدة التي تختصر طريق البحث، وتجعل من الإنسان – مهما كان قدره في المجتمعات – عضوًا فعالًا فعالية إيجابية مع هذه المجتمعات، همُّه البناء وتحقيق العبودية لله وحده من حيث كونها قمة الحقيقة، وقمة أهداف هذا الوجود، بل هي الهدف الرئيسي الذي تدخل تحته أهداف أخرى تعين إلى الوصول إليه، وتلكم هي الحقيقة التي ساندها العقل، وأوحت بها المحسوسات، وبعثت بها الطمأنينة والاستقرار في عقول وقلوب الكثيرين ممن اقتنعوا بها، وترجموا هذا الاقتناع إلى عمل، فكان الله في عون الجميع.