مقالات
رئيس اتحاد الوطن العربي الدولي يؤكد أن الرشوة مرض فتاك ، يفسد الأخلاق
رئيس اتحاد الوطن العربي الدولي يؤكد أن الرشوة مرض فتاك ، يفسد الأخلاق
بقلم \ المفكر العربي الدكتور خالد محمود عبد القوي عبد اللطيف
مؤسس ورئيس اتحاد الوطن العربي الدولي
رئيس الإتحاد العالمي للعلماء والباحثين
قال تعالى (وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُوا بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ لِتَأْكُلُوا فَرِيقًا مِنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالْإِثْمِ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ ) البقرة 188 ،
وفي مسند الإمام أحمد قال صلى الله عليه وسلم
( يَا كَعْبُ بْنَ عُجْرَةَ لاَ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ مَنْ نَبَتَ لَحْمُهُ مِنْ سُحْتٍ النَّارُ أَوْلَى بِهِ ) ،
وفي المعجم الأوسط للطبراني (والذي نفس محمد بيده إن العبد ليقذف اللقمة الحرام في جوفه ما يتقبل منه عمل أربعين يوما وأيما عبد نبت لحمه من السحت والربا فالنار أولى به)
لقد سمى الرسول صلى الله عليه وسلم المال الحرام سحتا ، لأنه يسحت الطاعات ، ويذهب الحسنات ، ومن السحت (الرشوة ) ، فالرشوة مرض فتاك ، يفسد الأخلاق ، ويضيع الحقوق ، ويعطل المصالح ، فبالرشوة تجعل الحق باطلا ، والباطل حقا ،
بالرشوة، كم ضيعت من حقوق ، وأهدرت كرامات ، وكم رفعت من لئيم ، وكم أهانت من كريم ،
الرشوة ، ما فشت في مجتمع إلا آذنت بهلاكه ، وهي تساعد على الإثم والعدوان ، فبالرشوة ، يسجن البريء ، ويبرأ المجرم
بالرشوة ، ينتصر اللص السارق ، ويهزم الشريف الفاضل ،
الرشوة ، علامة على نقص الدين ، وضياع الأمانة ، وانتشار الخيانة ،
وأول من ابتدع الرشوة هم اليهود ، فقبح الله أفعالهم ، وفضح أعمالهم، فقال تعالى في وصف اليهود (سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ أَكَّالُونَ لِلسُّحْتِ) المائدة 42 ،
يقول ابن مسعود (السحت هو الرشا )
ماهي الرشوة ؟ وما صورها ؟ وما حكمها في الدين ؟ وما عقوبتها في الدنيا والآخرة؟
فأقول : الرشوة هي كل ما أعطاه المرء ،ليحكم له بباطل ، أو ليولى ولاية ، أو ليظلم إنسانا ،
وهي أيضا : بذل المال أو غيره ، ليتوصل إلى باطل ، أو ليحكم له بما يريد ،
والرشوة لها صور متعددة ، وأسماء مستعارة ، فتسمى أحيانا هدية ، يقول الإمام على رضي الله عنه ،( يأتي على الناس زمان ، يستحل فيه السحت بالهدية )
وتسمى أيضا ( إكرامية ) وتسمى ( بقشيش) وإتعاب ،ومنحة ، وعطية ، وقد تكون الرشوة دعوة إلى مأدبة طعام (عزومة) أو فاكهة ، أو حلي وملابس ، أو هدايا ، وهكذا
والرشوة مأخوذة من ( الرشا) وهو الحبل الذي يتوصل به إلى الماء في البئر ، فالراشي يتوصل بماله إلى الباطل ، والمرتشي يحكم بغير الحق ، والرائش يساعد في إتمام الصفقة
أما حكمها في الدين ، فبينه لنا سيد المرسلين صلى الله عليه وسلم كما في مسند الإمام أحمد (عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- الرَّاشِيَ وَالْمُرْتَشِيَ )
وفي رواية (عَنْ ثَوْبَانَ قَالَ لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- الرَّاشِيَ وَالْمُرْتَشِيَ وَالرَّائِشَ. يَعْنِى الَّذِى يَمْشِى بَيْنَهُمَا) ،
فكلهم ملعون من الله ، أي :مطرود من رحمته ، لأنهم متضامنون في المنكر ،
الراشي والمرتشي والرائش خسروا دينهم ، وأضاعوا أماناتهم ، واستسلموا للمطامع ، واستعبدتهم الأهواء ، وأطاعوا الشيطان ، وأغضبوا الرحمن (فَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا يَكْسِبُونَ ) البقرة 79 ، وفي صحيح مسلم (عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-
« أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ اللَّهَ طَيِّبٌ لاَ يَقْبَلُ إِلاَّ طَيِّبًا وَإِنَّ اللَّهَ أَمَرَ الْمُؤْمِنِينَ بِمَا أَمَرَ بِهِ الْمُرْسَلِينَ
فَقَالَ ( يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ)
وَقَالَ (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ) ». ثُمَّ ذَكَرَ الرَّجُلَ يُطِيلُ السَّفَرَ أَشْعَثَ أَغْبَرَ يَمُدُّ يَدَيْهِ إِلَى السَّمَاءِ يَا رَبِّ يَا رَبِّ وَمَطْعَمُهُ حَرَامٌ وَمَشْرَبُهُ حَرَامٌ وَمَلْبَسُهُ حَرَامٌ وَغُذِىَ بِالْحَرَامِ فَأَنَّى يُسْتَجَابُ لِذَلِكَ ».
وفي صحيح البخاري (عَنْ أَبِى حُمَيْدٍ السَّاعِدِيِّ قَالَ اسْتَعْمَلَ رَسُولُ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – رَجُلاً عَلَى صَدَقَاتِ بَنِى سُلَيْمٍ يُدْعَى ابْنَ اللُّتَبِيَّةِ ، فَلَمَّا جَاءَ حَاسَبَهُ قَالَ هَذَا مَالُكُمْ وَهَذَا هَدِيَّةٌ .
فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – « فَهَلاَّ جَلَسْتَ فِي بَيْتِ أَبِيكَ وَأُمِّكَ ، حَتَّى تَأْتِيَكَ هَدِيَّتُكَ إِنْ كُنْتَ صَادِقًا » .
ثُمَّ خَطَبَنَا فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ ثُمَّ قَالَ « أَمَّا بَعْدُ ، فَإِنِّي أَسْتَعْمِلُ الرَّجُلَ مِنْكُمْ عَلَى الْعَمَلِ مِمَّا وَلاَّنِي اللَّهُ ، فَيَأْتِي فَيَقُولُ هَذَا مَالُكُمْ وَهَذَا هَدِيَّةٌ أُهْدِيَتْ لِي . أَفَلاَ جَلَسَ فِي بَيْتِ أَبِيهِ وَأُمِّهِ حَتَّى تَأْتِيَهُ هَدِيَّتُهُ ،
وَاللَّهِ لاَ يَأْخُذُ أَحَدٌ مِنْكُمْ شَيْئًا بِغَيْرِ حَقِّهِ ، إِلاَّ لَقِىَ اللَّهَ يَحْمِلُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ، فَلأَعْرِفَنَّ أَحَدًا مِنْكُمْ لَقِىَ اللَّهَ يَحْمِلُ بَعِيرًا لَهُ رُغَاءٌ ، أَوْ بَقَرَةً لَهَا خُوَارٌ ، أَوْ شَاةً تَيْعَرُ » . ثُمَّ رَفَعَ يَدَهُ حَتَّى رُئِيَ بَيَاضُ إِبْطِهِ يَقُولُ « اللَّهُمَّ هَلْ بَلَّغْتُ »
في مسند البزار وغيره (عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، قَالَ : بَعَثَنِي رَسُولُ اللهِ إِلَى الْيَمَنِ فَلَمَّا سِرْتُ أَرْسَلَ فِي أَثَرِي قَالَ : فَرُدِدْتُ ، فَقَالَ : تَدْرِي لِمَ بَعَثْتُ إِلَيْكَ ؟ لاَ تُصِيبَنَّ شَيْئًا بِغَيْرِ عِلْمٍ فَإِنَّهُ غُلُولٌ ، وَمَنْ يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ لِهَذَا دَعَوْتُكَ امْضِ إِلَى عَمَلِكَ)
من ذلك يتبين لنا أن هدايا الحكام والموظفين ، ومن حكم بين متخاصمين كلها رشوة ، وسحت ، يحرم قبولها ، وخبيث مالها وطعامها وفي هذا يقول صلى الله عليه وسلم كما في سنن أبي داود وغيره (عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُرَيْدَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ
« مَنِ اسْتَعْمَلْنَاهُ عَلَى عَمَلٍ فَرَزَقْنَاهُ رِزْقًا فَمَا أَخَذَ بَعْدَ ذَلِكَ فَهُوَ غُلُولٌ ».
والرزق المذكور في الحديث هو ما نسميه اليوم ( الراتب أو المرتب)
فما أخذ الموظف في عمله غير راتبه فهو غلول ، وفي صحيح البخاري
(عَنِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ – رضى الله عنه – قَالَ ، قَالَ النَّبِيُّ – صلى الله عليه وسلم –
« الْحَلاَلُ بَيِّنٌ ، وَالْحَرَامُ بَيِّنٌ وَبَيْنَهُمَا أُمُورٌ مُشْتَبِهَةٌ ، فَمَنْ تَرَكَ مَا شُبِّهَ عَلَيْهِ مِنَ الإِثْمِ كَانَ لِمَا اسْتَبَانَ أَتْرَكَ ، وَمَنِ اجْتَرَأَ عَلَى مَا يَشُكُّ فِيهِ مِنَ الإِثْمِ أَوْشَكَ أَنْ يُوَاقِعَ مَا اسْتَبَانَ ، وَالْمَعَاصِي حِمَى اللَّهِ ، مَنْ يَرْتَعْ حَوْلَ الْحِمَى يُوشِكْ أَنْ يُوَاقِعَهُ »
الرشوة مرض فتاك ، يفسد الأخلاق ، فما خالطت الرشوة عملا إلا أفسدته ، ولا قلبا إلا أظلمته ، ولا نظام حكم إلا قلبته ، ألا ، فاتقوا الله ، وراقبوا ربكم
( فرب متخوض في مال الله له النار يوم القيامة ،
فطوبى لمن أكل طيبا ، وعف في طعمته ، وطاب كسبه ، وترك الحرام خوفا من الله