مقالات

رئيس اتحاد الوطن العربى الدولى يتحدث عن مدينة سمرقند

رئيس اتحاد الوطن العربى الدولى يتحدث عن مدينة سمرقند
بقلم \ المفكرالعربى الدكتور خالد محمود  عبد القوي عبد اللطيف
مؤسس ورئيس اتحاد الوطن العربي الدولي
رئيس الإتحاد العالمي للعلماء والباحثين
مما لا شك فيه أن مدينة «سمرقند»، مدينة عظيمة من أعظم مدن بلاد «ما وراء النهر»، وهي عاصمة (تيمورلنك)، الذي امتد ملكه فشمل معظم أرجاء العالم القديم آنذاك، وهي ومدينة «بخارى» أهم حاضرتين في بلاد (ما وراء النهر)، وكانت عاصمة إقليم الصغد، وكان الصغد يعد إحدى جنان الدنيا الأربع، وقد بلغ أوج ازدهاره في النصف الأخير من المائة الثالثة أيام السامانيين، وكانت أجلّ مدنه: سمرقند، وبخارى، ويمكن القول بأن الأولى كانت مركزه السياسي، بينما كانت الثانية عاصمته الدينية، إلا أن كلتا المدينتين كانتا في مرتبة واحدة، وتعدان قصبتي الصغد (1).
وتقع سمرقند على مسافة قصيرة من ضفة نهر الصغد الجنوبية (نهر زرفشان)، في أعلى النهر، تقع على نشز من الأرض، على نحو من (150) ميلا شرق بخارى.
وصف القدامى لمدينة سمرقند
قال المقدسي – المعروف بالبشاري – (ت نحو 380هـ): «سمرقند: قصبة الصغد، ومصر الأقاليم، بلد سريّ جليل عتيق، ومصر بهي رشيق، رخي كثير الرقيق، وماء غزير بنهر عميق… ذو رساتيق جليلة، ومدن نفيسة، وأشجار وأنهار.. في الصيف جنة…» (2).
وقال الحموي (ت626هـ) واصفا مدينة سمرقند، ومبينا كبرها واتساعها، وأنها محفوفة بالبساتين والأشجار، وقل أن تخلو دار من بستان، وأن جميع دورها تجري فيها المياه إلا القليل، قال:
«واستدارة حائطها: اثنا عشر فرسخًا، وفيها بساتين ومزارع وأرحاء، ولها اثنا عشر بابًا، من الباب إلى الباب فرسخ، وعلى أعلى السور آزاج (3) وأبرجة للحرب، والأبواب الاثنا عشر من حديد، وبين كل بابين منزل للنواب، فإذا جزت المزارع صرت إلى الربض (4)،
وفيه أبنية وأسواق، وفي ربضها من المزارع عشرة آلاف جريب (5)، ولهذه المدينة – أعني الداخلة- أربعة أبواب، وساحتها ألفان وخمسمائة جريب، وفيها المسجد الجامع والقهندز (6)، وفيه مسكن السلطان، وفي هذه المدينة الداخلة نهر يجري في رصاص، وهو نهر قد بني عليه مسناة (7) عالية من حجر يجري عليه الماء… ووجه هذا النهر رصاص كله.
وقد عمل في خندق المدينة مسناة، وأجري عليها، وهو نهر يجري في وسط السوق بموضع يعرف بباب الطاق، وكان أعمر موضع بسمرقند، وعلى حافات هذا النهر غلات موقوفة على من بات في هذا النهر، وحفظة من المجوس عليهم حفظ هذا النهر شتاء وصيفا.. وفي المدينة مياه من هذا النهر عليها بساتين، وليس من سكة ولا دار إلا وبها ماء جار إلا القليل، وقلما تخلو دار من بستان، حتى إنك إذا صعدت قهندزها لا ترى أبنية المدينة؛ لاستتارها عنك بالبساتين والأشجار.
فأما داخل سوق المدينة الكبيرة: ففيه أودية وأنهار وعيون وجبال، وعلى القهندز باب حديد من داخله باب آخر حديد…» (😎.
وقال أيضا: «وقالوا: ليس في الأرض مدينة أنزه ولا أطيب ولا أحسن مستشرفا من سمرقند، وقد شبهها حصين بن المنذر الرقاشي فقال: كأنها السماء للخضرة، وقصورها الكواكب للإشراف، ونهرها المجرة للاعتراض، وسورها الشمس للإطباق» (9).
ومن هذا الوصف نعرف أن مدينة سمرقند كانت من أعظم المدن حضارة في ذلك الوقت، فشوارع المدينة مرصوفة بالحجارة، ومبانيها مشيدة من الطين والخشب.
ومن الملفت للنظر: أنه كان يوجد في المدينة والربض أكثر من ألفي موضع يمكن أن يستقي الناس منها الماء المثلج بالمجان، وذلك مما يصرف عليه من الوقف، وكان الماء يحفظ بطرق مختلفة، من بين سقاية مبنية، وحباب نحاس منصوبة، وتلال خزف مثبتة في الحيطان مبنية (10).
وكانت هذه المدينة فرضة تجارية عظيمة لبلاد ما وراء النهر، ومن جملة ما اشتهرت به: الكاغذ السمرقندي، حيث كان في مدينة سمرقند أول مصنع للورق خارج سور الصين العظيم، ومنها كان يحمل إلى سائر بلاد الشرق والغرب.
وذكر بعض المؤرخين أن سكان المدينة كانوا حوالى مائة ألف أسرة، وذلك قبل استيلاء جنكيز خان عليها، بينما كان سكانها في عهد السامانيين قد جاوز النصف مليون، كما توقعه المستشرق بارتولد (11).
فتح سمرقند
تم فتح مدينة سمرقند لأول مرة سنة (56هـ) في عهد أمير المؤمنين معاوية ابن أبي سفيان – رضي الله عنهما-، تحت قيادة سعيد بن الخليفة الراشد عثمان بن عفان، وممن استشهد في هذه المعركة قثم بن العباس ابن عم النبي، وقد أقام له أهل سمرقند
– بعد أن أسلموا – مزارا ومشهدا، يقال له (مزار شاه زندة)، أي: مزار السلطان الحي؛ لأن الشهداء أحياء عند ربهم يرزقون، ولازال مزاره قائما حتى الآن.
وهذا العمل وأمثاله مما انتشرت به البلية في كثير من بلاد الإسلام، حيث نجد المزارات والمشاهد المنتشرة فيها تعبد من دون الله تعالى، ودين الإسلام أساسه إفراد الله تعالى بالعبادة، وعدم إشراك أحد معه فيما يختص به من الربوبية والألوهية والأسماء والصفات.
ثم أعاد فتحها قتيبة بن مسلم الباهلي عندما نكث أهلها العهد الذي أعطوه لسعيد بن عثمان، وذلك سنة (93هـ) على ما ذكره الطبري والذهبي وابن كثير (12)، وقيل: سنة (87هـ)، حيث حاصرها، وبعد حرب ضروس استمرت يومين: طلب أهلها الصلح، فصالح أهلها على أن للمسلمين ما في بيوت النار، وهي معابد المجوس، وأخذ قتيبة حلية الأصنام، وأمر بإحراق الأصنام، فقال سدنتها: إن فيها أصناما من أحرقها هلك، فقال قتيبة: أنا أحرقها بيدي، فأحرقها، وأخذ ما عليها من حلي وذهب، فوزنه، فوجده خمسين ألف مثقال. ووجد صنما عجيبا، له عينان من جوهر ثمين، يشع إشعاعا قويا، وكل جوهرة في حجم بيضة الحمام، فأخذها، وأرسلها إلى الحجاج في العراق.
وأمر قتيبة أن يبدأ ببناء المسجد الجامع، فتم بناؤه، وخطب الناس قبل أن يتحول منها إلى مدينة مرو (13).
التنافس بين سمرقند وبخارى
وكان التنافس بين (بخارى) و(سمرقند) يشتد حينا ويفتر أخرى، فتارة تكون بخارى عاصمة جميع بلاد ما وراء النهر، وتارة سمرقند.
كانت سمرقند هي العاصمة حتى جاء السامانيون في العهد العباسي (ت261-431هـ)، فجعلوا عاصمتهم (بخارى)، وفي عهدهم بلغت شأوا بعيدا في الحضارة، ثم سيطرت الدولة الغزنوية، وكانت عاصمتهم (غزنة) في أفغانستان، ثم عاد الأمر إلى (خوارزم) عند قيام الدولة الخوارزمية، ثم جاء المغول فخربوها جميعا، ثم ظهر تيمورلنك، وجعل عاصمته (سمرقند)، وفي أيامه بلغت سمرقند عهدها الذهبي، وتفنن في تشييدها وبناء المساجد والمكتبات والمرافق العامة فيها، ومما شيده في آخر عمره المسجد الجامع، الذي أراد أن يكون أكبر مسجد وأحسنه على مستوى العالم.
وبانتهاء عهد التيموريين عادت (بخارى) لتحتل الصدارة في عهد الشيبانيين والاشتراخانيين، ثم بعد ذلك مع قيام الخانيات في القرن الثامن عشر الميلادي، حيث تفككت دولة الاشتراخانيين، واستقل كل أمير بمنطقته، ودعيت (خانية)، فكانت هناك (خانية بخارى)، و(خانية خوقند)، و(خانية خوارزم-وتسمى الآن خيوة)، وكانت أكبر هذه الخانيات هي (خانية بخارى)، وكانت سمرقند تابعة لخانية بخارى، وكانت مصيفا لخانية بخارى.
ومع هذا ظلت سمرقند تنافس بخارى على مدار التاريخ، وهي تفوقها جمالا وبهاء وروعة، وتجري تحت أسوارها الجداول، التي تصب من الجبال المجاورة صوب السهل المنبسط تحت أسوار سمرقند.
ومع هذا التنافس بين المدينتين، إلا أنه «قد ظلت سمرقند من حيث الرقعة وعدد السكان أولى مدن ما وراء النهر قاطبة، حتى في تلك العهود التي كانت فيها بخارى عاصمة للبلاد.. وهذه المكانة التي نالتها سمرقند إنما ترجع قبل كل شيء إلى موقعها الجغرافي الفريد عند ملتقى الطرق التجارية الكبرى القادمة من الهند، مارة ببلخ، ومن إيران مارة بمرو، ومن أراضي الترك، كما أن ما امتازت به المنطقة من خصب فوق المألوف جعل من الميسور لعدد هائل من السكان أن يجتمعوا في بقعة واحدة..» (14).
حلول الدمار بسمرقند وغيرها من المدن
وبينما كانت مدينة سمرقند مزدهرة على النحو الذي ذكرته، حل بها وبغيرها من مدن ما وراء النهر وخراسان من الدمار والخراب والرعب الذي بثه المغول، فتم تدمير معظم مدينة سمرقند عام (616هـ)، ثم أعيد بناؤها على مقربة من المدينة القديمة، ولم تستطع أن تستعيد مكانتها إلا بعد مدة مديدة.
ولازالت آثار المدينة القديمة باقية في تلال (أفراسياب) القريبة من المدينة الجديدة (15).
وقد زارها الرحالة المعروف ابن بطوطة بعد قرن من الدمار، فوصفها بأنها «لا سور لها، ولا أبواب عليها»، وذكر أن أكثر دورها خراب، وقال أيضا: «وكانت على شاطئه قصور عظيمة وعمارة تنبئ عن علو همم أهلها، فدثر أكثر ذلك» (16).
ومع كل ما حل عليها من الدمار، فقد استعادت مجدها السابق بعد ذلك، وذلك في ختام المائة الثامنة، حين اتخذها تيمور عاصمة له، فجدد البلد، وشيد المساجد، ومازال بعض ذلك قائما إلى الآن (17).
سمرقند في القرون الأخيرة، قبل دخول الروس وبعدها
مع بداية الغزو الروسي القيصري سقطت المدن الإسلامية في بلاد ما وراء النهر وبلاد تركستان الواحدة تلو الأخرى، كما سقطت الخانيات، بينما ظلت خانية بخارى تقاوم الغزو الروسي القيصري، ولم تسقط إلا في عام 1922م.
وبعد استيلاء الروس على بخارى وسمرقند: همّشوا دور المدينتين، وجعلوا مدينة (طاشقند) – وهي عاصمة طاجكستان – عاصمة لما وراء النهر.
على أن مدينة سمرقند لم تكن في الفترة التي سبقت الغزو الروسي في وضع تحسد عليها، وقد زارها الشيخ عبد الرشيد إبراهيم أوائل سنة (1907م)، وقال في وصفها: «إن المدينة القديمة والمباركة التي هي مركز آسيا الوسطى وزينة بلاد الدنيا – حسب تعبير أهلها – كانت في عهد من العهود عاصمة أقطار آسيا.
أما اليوم: فهي أنقاض وخرائب للآثار الإسلامية القديمة. ويقدر عدد سكان سمرقند بسبعين ألف نسمة، كلهم من الأوزبك…».
وقال أيضا: «وكانت سمرقند مركزا للعلوم، وإن المراصد الضخمة كانت فخر وزينة هذه المدينة. واليوم فإن أنقاض مدرستي (ديللة جار) و(شيردار) العظيمتين.. شهود على تلك الحضارة..وفي الوقت الحالي ليس في سمرقند ما هو جدير بالمشاهدة سوى هذه الأبنية القديمة. أما الآثار والتحف القديمة: فقد نقلها الروس إلى بترسبورغ (ليينن غراد) بعد استيلائهم على المدينة، وإن الكتب الإسلامية القديمة والآثار المعمارية الجميلة الموجودة في مكتبة القيصر ببترسبورغ، كلها جلبت من سمرقند…» (18).
بعض من ألف في مدينة سمرقند
وقد ألف في سمرقند وذكر تاريخ علمائها عدد من العلماء، منهم:
الحافظ أبو سعد عبد الرحمن بن محمد الإدريسي الأسترآباذي (ت405هـ)، وسماه (تاريخ سمرقند)، وهو مفقود.
والحافظ أبو العباس جعفر بن محمد المستغفري (ت432هـ)، وسماه أيضا (تاريخ سمرقند)، وهو مفقود أيضا.
العلامة أبو حفص عمر بن محمد النسفي الحنفي (ت537هـ)، وسماه (القند في ذكر علماء سمرقند)، وهو مرتب على الحروف، وقد طبع إلى حرف العين. ولم أطلع على الكتاب كاملا. وقد نقل عنه المستشرق الروسي بارتولد من بداية الكتاب، من الجزء الذي لا يوجد في المطبوع، ويبدو أنه اطلع عليه كاملا.
المنتسبون إلى سمرقند
ينسب إلى سمرقند من العلماء والمشهورين والمحدثين عدد لا يحصى، وقد بلغ عدد من ترجم لهم الإمام نجم الدين النسفي من حرف الخاء إلى حرف الكاف (1010) علما.
ومن المحدثين المعروفين بالنسبة إلى سمرقند:
أبو الليث السمرقندي، وهو الفقيه المحدث نصر بن محمد بن إبراهيم السمرقندي الحنفي، صاحب كتاب (تنبيه الغافلين)، توفي سنة (375هـ) (19).
ومنهم: أبو عمران عيسى بن عمر ابن العباس بن حمزة السمرقندي، صاحب الإمام الدارمي، وراوي مسنده عنه، كان حيا في قرب سنة (320هـ) بسمرقند (20).
ومنهم: العلامة الإمام الرحال
أبو محمد الحسن بن أحمد بن محمد السمرقندي الكوخميثني، وهو من تلاميذ الحافظ المستغفري، وقال عنه النسفي: «هو الإمام الحافظ قوام السنة… نزيل نيسابور، لم يكن في زمانه مثله في فنه في الشرق والغرب، له كتاب (بحر الأسانيد في صحاح الأسانيد)، جمع فيه مائة ألف حديث، فرتب وهذب، لم يقع في الإسلام مثله، وهو ثمانمائة جزء. ولد سنة (409هـ)، وتوفي سنة (491هـ) (21).
أشهر أعلام سمرقند من المحدثين
هو الإمام الحافظ عبد الله بن
عبد الرحمن بن الفضل بن بهرام بن
عبد الصمد التميمي الدارمي
أبو محمد السمرقندي، نسبة إلى دارم بن مالك، بطن كبير من تميم.
ولد الإمام الدارمي -رحمه الله- سنة (181هـ)، وطلب العلم من صغره، فرحل في شبابه إلى البلاد، وطوف بالأقاليم والبلدان؛ طلبا للعلم والحديث؛ فرحل إلى مصر والشام والعراق والحرمين وبلخ وبخارى؛ حتى اعتبره الخطيب البغدادي أحد الرحالين في الحديث، والموصوفين بجمعه وحفظه والإتقان له، مع الثقة والصدق والورع والزهد والرزانة والاجتهاد والعبادة والتقلل.
شيوخه
يعتبر الإمام الدارمي من المكثرين من الشيوخ؛ فممن روى عنهم: إبراهيم بن المنذر الحزامي، وأحمد بن الحجاج المروزي، والأسود بن عامر شاذان، وحجاج بن منهال، وحبان بن هلال، وأبو مسهر عبد الأعلى بن مسهر الغساني، وأبو نعيم الفضل بن دكين.
تلاميذه
روى عنه كثيرون، منهم: الإمام البخاري في غير الصحيح، والإمام مسلم في صحيحه، والنسائي في غير سننه، وأبوداود والترمذي في سننيهما، والنسائي في غير سننه، وعبدالله بن أحمد بن حنبل، والإمام أبو زرعة عبيد بن عبدالكريم الرازي، ومحمد بن بشار (بندار) وهو أكبر من الدارمي، والإمام محمد بن يحيى الذهلي وهو أكبر من الدارمي، وغيرهم.
وقد ألف الإمام الدارمي مؤلفات عدة، منها ما ذكره الخطيب البغدادي في التاريخ (10/29): أن الدارمي رحمه الله قد صنف المسند والتفسير والجامع.
لم يكن الدارمي رحمه الله مقلدا لأحد من أصحاب المذاهب؛ فقد كان مجتهدا كامل الآلة؛ قال عنه الحافظ الذهبي: «كان من أوعية العلم يجتهد ولا يقلد، ولهذا كان له أقوال فقهية تدل على علمه وفقهه، وكتابه يدل على ذلك؛ حيث ذكر أبواب كثيرة في الأحكام الفقهية، ومن نظر إلى تراجم الأبواب وجدها تدل على ذلك».
ثناء العلماء عليه
كان الإمام الدارمي رحمه الله عالما ورعا تقيا؛ مثالا للصدق والثقة والأمانة والعقل والرزانة، ولذلك أثنى عليه العلماء ثناء عطرا، ومن ذلك:
قال أبو حاتم الرازي: محمد بن إسماعيل أعلم من دخل العراق، ومحمد بن يحيى أعلم من بخراسان اليوم، ومحمد بن أسلم أورعهم، وعبدالله بن عبدالرحمن أثبتهم. وقال أيضا: هو إمام أهل زمانه.
وقال أبو حامد الشرقي: إنما أخرجت خراسان من أئمة الحديث خمسة: محمد بن يحيى، ومحمد بن إسماعيل، وعبدالله بن عبدالرحمن، ومسلم بن الحجاج، وإبراهيم بن أبي طالب.
وقال محمد بن إبراهيم بن منصور الشيرازي: كان على غاية من العقل والديانة؛ ممن يضرب به المثل في الحلم والدراية والحفظ والعبادة والزهد؛ أظهر علم الحديث والآثار بسمرقند، وذب عنها الكذب، وكان مفسرا كاملا وفقيها عالما.
وقال إسحاق بن داود السمرقندي: قدم قريب لي من الشاش؛ فقال: أتيت أحمد بن حنبل فجعلت أصف له أبا المنذر، وجعلت أمدحه؛ فقال: لا أعرف هذا، فقد طالت غيبة إخواننا عنا، لكن أين أنت عن عبدالله بن عبدالرحمن! عليك بذاك السيد، عليك بذاك السيد.
وقال محمد بن عبدالله المخرمي: يا أهل خراسان مادام عبدالله بن
عبد الرحمن بين أظهركم فلا تشتغلوا بغيره.
وقال محمد بن بشار: حفاظ الدنيا أربعة: أبو زرعة بالري، ومسلم بنيسابور، وعبدالله بن عبدالرحمن بسمرقند، ومحمد بن إسماعيل ببخارى.
وقال الذهبي: كان الدارمي ركنا من أركان الدين، قد وثقه أبو حاتم الرازي والناس، وحدث عنه بندار والكبار.
وفاته
توفي الإمام سنة خمس وخمسين ومائتين من الهجرة؛ قال إسحاق ابن أحمد بن خلف البخاري: كنا عند محمد ابن إسماعيل البخاري؛ فورد عليه كتاب فيه نعي عبدالله بن عبدالرحمن؛ فنكس رأسه، ثم استرجع، وجعل تسيل دموعه على خديه، وأنشأ يقول:
إن تبق تفجع بالأحبة كلهم
وفناء نفسك لا أبا لك أفجع
رحم الله الإمام الدارمي رحمة واسعة، وأسكنه فسيح جناته.
هوامش
(1) انظر: (بلدان الخلافة الشرقية) (ص/503-504).
(2) (أحسن التقاسيم في معرفة الأقاليم) للمقدسي (ص/278).
(3) (آزاج) جمع (أزج)، وهو ضرب من الأبنية، بيت يبنى طولا، ويقال له بالفارسية: أوستان، ويجمع على (آزج)، و(آزاج). (تاج العروس) (3/287/أزج).
(4) الربض لغة: ما حول المدينة، ويستعمل في كتب البلدان بمعنى الضاحية خارج المدينة.
(5) (الجريب) يقدر بـ(1366) مترا مربعا.
(6) أي: القلعة.
(7) الـمسناة، وجمعه: مسنوات، ومسنيات، ما يبنى لحجز ماء السيل، وهو السد.
(😎 (معجم البلدان) للحموي (3/247-248).
(9) المصدر السابق (3/248).
(10) انظر: (المسلمون في الاتحاد السوفيتي) (2/460).
(11) (تركستان) لبارتولد (ص/176).
(12) انظر: (تاريخ الطبري) (6/472)، (الكامل) لابن الأثير (4/571)، (تاريخ الإسلام) للذهبي (2/1041)، (البداية والنهاية) لابن كثير (12/440-443).
(13) انظر: المصادر السابقة، وانظر: (المسلمون في الاتحاد السوفيتي) (2/455).
(14) انظر: (تركستان من الفتح العربي إلى الغزو المغولي) لبارتولد (ص/170)، وانظر: (المسلمون في الاتحاد السوفيتي) (2/458-459).
(15) انظر: (صحافي ومدينتان: رحلة إلى سمرقند وزنجبار) لرياض نجيب الرئيس (ص/92)، وفيه معلومات قيمة عن مدينة سمرقند، وقد زارها سنة (1992م).
(16) انظر: (رحلة ابن بطوطة – المسماة: تحفة النظار في غرائب الأمصار) (ص/391) ط: دار الكتب العلمية.
(17) انظر: (بلدان الخلافة الشرقية) (ص/508).
(18) انظر: (العالم الإسلامي في رحلات
عبد الرشيد إبراهيم) (1/27، 29).
(19) انظر: (الجواهر المضية) (2/ت610)، (سير أعلام النبلاء) للذهبي (16/322).
(20) ترجمته في: (سير أعلام النبلاء) (14/487).
(21) ترجمته في: (سير أعلام النبلاء) (19/205-206)

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى