اجتماعياتالعالمتقاريرسياسةمقالاتمنوعات

فرنسا تواجه توسع الإخوان على أراضيها.. والنائبة نتالي جوليه: تحقيق طال انتظاره

كتب الاعلامي: أحمد الطيب

 

 

عهدت الحكومة الفرنسية، لفرانسوا غويات، السفير الفرنسي السابق في الجزائر، والذي شغل مناصب في العديد من الدول العربية، والمحافظ باسكال كورتاد، مهمة إنجاز تقرير “الإسلام السياسي وتيار الإخوان المسلمين”، لتقديمه في الخريف المقبل، وذلك في إطار خطة حكومية لـ”تقييم نفوذ الإسلام السياسي في فرنسا”.

 

جاء ذلك تكليلا لجهود عضو مجلس الشيوخ الفرنسي نتالي جوليه، على مدار عدة سنوات، والتي دعت باستمرار إلى مزيد من اليقظة تجاه من يُنظر إليهم على أنهم “أعداء الجمهورية”.

 

وتأتي هذه المهمة في إطار سعي فرنسا، أي البلد الذي يستضيف أكبر جماعة من المسلمين في أوروبا، لمحاربة ما يسمى بـ”الانفصالية الإسلامية”، والتي كان الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون قد نظّر لها في خطاب شهير عام 2020، وانبثق عنها سنّ قانون “مبادئ وقيم الجمهورية” في عام 2021.

 

وورد في بيان الداخلية الفرنسية قولها إن “الانفصالية الإسلامية مشروع سياسي ديني نظري يتميز بانحرافات متكررة عن مبادئ الجمهورية بهدف بناء مجتمع مضاد”، لافتة إلى أن “حركة الإخوان المسلمين تلعب دورًا رئيسيًا في نشر مثل هذا النظام الفكري”.

 

وأوضح البيان أيضا أنه الحكومة تستلهم سياسة النمسا تجاه جماعة الإخوان المسلمين، وقد أدرجت النمسا المنظمة على القائمة السوداء باعتبارها “مجموعة متطرفة مرتبطة بالجريمة ذات الدوافع الدينية”.

 

ومنذ عام 2021، يُمنع في النمسا أي دعاية للإخوان، وهي الدولة الأوروبية الأولى التي تتخذ هذه القرارات ضد الجماعة.

 

وجاء اختيار غويات، بسبب إجادته للغة العربية، ومشاركته رؤساء أحزاب سياسية بينها تلك المحسوبة فكريا على تيار الإخوان المسلمين، مثل حركة مجتمع السلم وحركة البناء الوطني في الجزائر، خلال توليه مسؤولية سفارة باريس في الجزائر على مدار 3 سنوات.

 

ويمثل قرار الحكومة الفرنسية مؤخرًا إجراء تحقيق حول جماعة الإخوان “نقطة تحول مهمة في تعاملها مع التأثيرات الخارجية، في وقت تتزايد فيه المخاوف من التهديد المحتمل للجماعة على القيم الأساسية للجمهورية الفرنسية المتمثلة في العلمانية والتماسك الاجتماعي”، وفق ما علقت به جوليه، في مقال نشرته قبل أيام.

 

وتولت جوليه، عضو مجلس الشيوخ الفرنسي عن نورماندي منذ عام 2007، ونائبة سابقة لرئيس لجنة الشؤون الخارجية، ورئيسة سابقة للجنة تقصي الحقائق بشأن وسائل مكافحة الشبكات الجهادية في فرنسا وأوروبا وتنظيمها، ولها العديد من المؤلفات أبرزها كتاب “أبجديات تمويل الإرهاب”.

 

يأتي هذا التحقيق عقب سلسلة من الإجراءات الحازمة التي اتخذتها السلطات الفرنسية، من بينها اتخاذ وزير الداخلية قرارًا بطرد دعاة الكراهية، وإعلان وزير التعليم حظرَ ارتداء العباءة في المدارس.

 

وبينما يمثّل موضوع التأثيرات الخارجية هاجسًا للأوساط السياسية عشية الانتخابات الأوروبية والأمريكية، تشير هذه الإجراءات إلى وجود وعي متزايد بضرورة مواجهة الأيديولوجيات الخارجية التي تتعارض مع مبادئ الجمهورية.

 

ويركز التحقيق على تزايد النشاطات المعادية للسامية والضعف الملحوظ لمبادئ الجمهورية في المجتمع الفرنسي، حيث يُنظر إلى الحرب في غزة على أنها أدت إلى تفاقم هذا الاتجاه.

 

ووفق جوليه، فإن أحد المخاوف الرئيسية هو الجرأة المتزايدة للشباب في تحديهم للعلمانية؛ إذ تمثل هذه التصرفات استراتيجية متعمدة تهدف إلى تقويض أسس الجمهورية.

 

وقالت في مقالها: “هذه الأيديولوجية الجامدة تتسلل وتنتشر تدريجيًّا وتدمر القيم المجتمعية ببطء، وهي تتبع استراتيجية تقوم على إضعاف الجمهورية عن طريق مهاجمة أسسها، وعلى رأسها نظام التعليم والعلمانية، وهي تنتشر كما تنتشر الكثير من الجسيمات الدقيقة من دون أن نراها أو نشعر بها، ولكنها تُهضم بشكل أسرع ومن دون علمنا تقريبًا”.

 

وكثيرا ما حذرت جوليه، من تهديد تمثّله جماعة الإخوان المسلمين في فرنسا، منذ أمد طويل، خاصة في ظل مخاطر التساهل والسذاجة في مواجهة قوائمهم الانتخابية، والنقاش حول شهادات العذرية.

 

كما سبق أن دعت لاحتواء خطر الإخوان والكشف عن شبكاتها المالية وتفكيكها، وضمان التعاون مع الشركاء الأوروبيين من أجل اتباع نهج موحد، والمراقبة الدقيقة لنشاطات جمع التبرعات.

 

كما دعت إلى كبح شبكات التمويل المتمثلة في الرابطات والمؤسسات، وضمان تناغم الضوابط الأوروبية عن طريق تدقيق عمليات جمع الأموال.

 

يشار إلى أن الإدارة العامة للأمن الداخلي الفرنسية، كشفت العام الماضي، عن 20 صندوق هبات خاص، اعتبرت أنها تقوم بنشاطات تمويل مشبوهة، قبل أن يطلق وزير الداخلية جيرالد دارمانا، تحقيقا على نطاق واسع، حول قيام الإخوان باستغلالها لتمويل نشاطاتها المختلفة، بعيدا عن الأضواء وعبر آلية معقدة ومبهمة.

 

وقامت السلطات، حتى الآن، بتجميد حوالي 25 مليون يورو من أموال هذه الصناديق المختلفة.

 

وطالبت جوليه أيضا إلى وضع رقابة على وسائل التواصل الاجتماعي والمنافذ الإعلامية، والتي اتهمتها بأنها أدوات رئيسية لنشر الفكر المتطرف أيضًا، وغرس معاداة السامية والتوجهات الانفصالية، مع الإفلات من العقاب.

 

وعلقت جوليه على التحقيق الفرنسي، بالقول: “يجب إعطاء الأولوية لمكافحة التوجهات الانفصالية وحماية الجمهورية”.

 

وأضافت: “يمثل قرار فرنسا فتح تحقيق بشأن جماعة الإخوان منعطفًا حاسمًا في موقفها تجاه التصدي لهذا التهديد المحتمل، وتؤكد التزام الحكومة بصون المبادئ الأساسية للجمهورية والمتمثلة في العلمانية والتماسك الاجتماعي في مواجهة المخاوف المتصاعدة”.

 

وزادت: “من خلال مواجهة هذه القضايا على نحو مباشر، تهدف الحكومة إلى صون القيم الأساسية للجمهورية وضمان مستقبل أكثر أمنًا ووحدةً لمواطنيها”.

 

يشار إلى أن فرنسا تضم من أكبر عدد من الجاليات المسلمة في أوروبا، حيث يقدر عدد المسلمين الذين يعشون في المجتمع الفرنسي بحوالي 6 ملايين مسلم، غالبيتهم من دول المغرب العربي.

 

ومنذ عام 1978، عملت جماعة الإخوان على تكوين إمبراطورية مالية وفكرية، بهدف تعميق تواجدها وتعزيز نفوذها في المجتمع الفرنسي، كما ارتبط التنظيم بعلاقة مصالح مع عدد من الأحزاب السياسية داخل فرنسا.

 

وتضم فرنسا أكثر من 250 جمعية إسلامية على كامل أراضيها، منها 51 جمعية على الأقل تعمل لصالح الإخوان، وبعضها يمارس نشاطا سياسيا.

 

ويعد اتحاد المنظمات الإسلامية في فرنسا أو “مسلمو فرنسا” حالياً، والذي تأسس في إقليم مورت وموزيل في يونيو/حزيران 1983، على يد عدد من قيادات الإخوان، من ضمن أكثر الاتحادات المؤثرة في الدولة الأوروبية.

 

ومنذ سنوات، تبحث الحكومات الفرنسية المتعاقبة عن آليات لمواجهة هذا التمدد عبر تأهيل متخصصين في الإسلام المعتدل بفرنسا، مع ضمان تلبيتهم لمتطلبات الاندماج في المجتمع الفرنسي، مثل إتقان اللغة الفرنسية، والحرص على التنوع الثقافي، واحترام تراث وتاريخ وقانون البلاد، والحفاظ على مبادئ وقيم الجمهورية والعلمانية.

 

يشار إلى أنه لم يتم حتى الآن، تصنيف حركة “الإخوان المسلمون” كحركة إرهابية في فرنسا وأوروبا، إلا أن ما يتردد في الكواليس، يوحي بتفكير جدي في اتخاذ هذه الخطوة على المستوى الأوروبي

مقالات ذات صلة

‫37 تعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى