مقالات
رئيس اتحاد الوطن العربي الدولي يتحدث عن فقه الثقة بالنفس
رئيس اتحاد الوطن العربي الدولي يتحدث عن فقه الثقة بالنفس
بقلم \ المفكر العربي الدكتور خالد محمود عبد القوي عبد اللطيف
مؤسس ورئيس اتحاد الوطن العربي الدولي
رئيس الإتحاد العالمي للعلماء والباحثين
مما لاشك فيه أن المرء في هذا الكون يولد ومعه بعض الصفات التي تُميِّزه عن غيره، أو التي يتفق فيها مع غيره، إلا أن أغلب الخبراء التربويين والمختصين الاجتماعيِّين قد اتفقوا على أن هناك صفة، هي واحدة من أهم الصفات في حياة الإنسان، إلا أنها لا تولد معه كغيرها من الصفات، وإنما يكتسبها الإنسان على مرِّ حياته ومن خلال تجاربه المختلفة التي يَخوضها، ألا وهي: “الثقة في النفس”، فتلك الصفة قد تكون متوفِّرةً لدى إنسان، وغير متوفرة لدى إنسان آخر، فالثقة في النفس بلا شك قد تميِّز الإنسان عن غيره، وقد تؤثر بشكل كبير على حياته، وقد اتفق الخبراء على أن هناك أمورًا ما قد تُصادف الإنسان في حياته تؤدِّي إلى أن يَفقِد ثقته في نفسه، إلا أنهم في الوقت نفسه قد وضعوا بعض الخطوات المُمنهجة في الصدد، والتي إذا ما اتبعها أي فرد سوف تصل به في النهاية إلى أن يكون إنسانًا واثقًا في نفسه، وبالتالي يتمكن من التعامل مع الحياة بصورة إيجابية وفعّالة.
ولا شكَّ أن الطفل حين تلده أمه يصرخ بأعلى صوته مُعلنًا للعالم وجوده بينهم، ومما لا يَحمل التأويل أننا جميعنا كنا هذا الطفل في يوم من الأيام، ومِن ثم فإن ثقتنا في وجودنا في هذا العالم وفي التأثير فيه أمر بديهي، وقوة الثقة وضعفها أمر يتفاوت في مختلف الأحوال، فلا يوجد ضعف ثقة في كل الأحوال، ولا توجد قوة ثقة كذلك في شتي الظروف، بل هناك بعض المواقف المُعيَّنة التي يُمكن أن تؤثر بشكل سلبي على ثقة الإنسان في نفسه، ولعلَّ مِن أهم هذه المواقف أو الأسباب الخوفَ من الفشل، فإن الإنسان عادةً ما يَخوض تجارب جديدة عليه، وكثير من الناس يَخاف من الوقوع في الفشل في هذه التجربة التي يَخوضها، وعند الفشل في تجربة ما فإن هذا قد يؤصِّل في نفس الإنسان الخوف من أن يشعر بنفس هذه المشاعر مرةً أخرى، ومِن ثم فإنه لا يَجرؤ على تكرارها، ويظل هذا الخوف يزداد في نفس الإنسان من خوض أي تجربه جديدة حتى يفقد الثقة في نفسه تمامًا، مشيرًا إلى أن الانتقادات السلبية أيضًا تعدُّ من أخطر المواقف والأسباب التي قد تؤثِّر على ثقة الإنسان في نفسه، خاصة إذا كان ممَّن يَهتمون كثيرًا برأي من حوله، فهناك بعض الألفاظ التي من الممكن أن يسمعها الإنسان كثيرًا ممَّن حوله، والتي من شأنها أن تؤدي إلى ضعف ثقته في نفسه مع كثرة سماعه لها؛ مثل كلمات: “أنت غبي، أنت متخلف، أنت ضعيف الشخصية” ونحوها من الكلمات التي تجعل الإنسان مع الوقت كابتًا لمشاعره؛ كي لا ينتقده أحد مرة ثانية، ومن ثم يفقد الثقة في نفسه.
إن من أسباب ضعف ثقة الإنسان في نفسه أيضًا: الخوف من المجهول، فكثيرًا ما يخاف الفرد من الخوض في أمور مَجهولة النتائج بالنسبة له، فربما لا يُقبل على مشروع أو عمل معيَّن لأنه مجهول بالنسبة له، وهكذا في كثير من الأمور التي تؤدي في نهاية الأمر إلى تدمير ذاتي في هذا الشخص، ومِن ثم فقدان تام للثقة في نفسه، فضلاً عن أن التعرُّض للمواقف المُحرجة يعدُّ أيضًا من أهمِّ الأسباب التي تؤدِّي إلى فقدان الثقة بالنفس، وهذه المواقف بالطبع تَختلِف من شخص لآخر، مشيرًا إلى أن أحد أهم أسباب فقدان الثقة في النفس تكمُن في وضع الإنسان نفسه دائمًا في مقارنات مع من حوله، وشعوره بعدم الثقة إذا كان هناك من هو أفضل منه، وهذا فكر خاطئ نهايته فقدان الثقة بالنفس.
والثقة في النفس أمر ضروري، ولا بد منه في حياة الإنسان، فهي بمثابة الركيزة الأساسية لتكوين شخصية قوية تستطيع أن تؤثر فيمن حولها وتتأثَّر بهم بصورة إيجابية، وبدون الثقة بالنفس فإن الإنسان قد يفقد احترامه لذاته، وكذلك قد يفقد احترام الآخرين له، ومِن ثم لن يهنأ بحياة جيدة، على العكس من الشخص الذي يتمتَّع بالثقة في نفسه والذي يَنظر دائمًا إلى الحياة بتفاؤل، وهناك بعض الخطوات التي إذا ما اتَّبعها الإنسان فإنها تُساعِده على تحقيق الثقة بالنفس، ولعلَّ مِن أهمِّ خطوات تحقيق الثقة بالنفس الاستعانةَ بالله – عز وجل – في شتى أمور الحياة، فإن قوة الإنسان إنما هي من قوة الله – سبحانه وتعالى – ولقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يدعو قائلاً: ((اللهم إني أعوذ بك من العجز والكسل))، ومن هذه الخطوات أيضًا أن يعيش الإنسان دائمًا في تفاؤل؛ وذلك اتباعًا للحكمة القائلة: ((تفاءلوا بالخير تجدوه))، ومن العوامل التي تُساعد كذلك أن يعوِّد الإنسان نفسه دائمًا على أن يُصارح نفسه بصورة موضوعية، وأن يَتحاور مع نفسه ويعلم ما الذي يُريده، وهل هذا الذي يُريد تحقيقه يتناسب مع قدراته أم لا؟ وكذلك يحدد سلبياته وإيجابياته، وأن يفتخر بذلك، إلى جانب ضرورة أن يُدرك الشخص عواقب المواقف والتجارب التي يخوضها، وأن يُقيمها بشكل دقيق وموضوعي حتى يكون مُستعدًّا لها ويتقبَّلها كما هي، وحتى لا تكون هناك مُفاجآت من شأنها أن تؤثِّر بالسلب عليه، وعلى الإنسان أيضًا أن يكون لدَيه القدر ويتعلم قول (لا)، وهذا لا يعني أن يقولها لمجرد القول، وإنما حتى يعوِّد نفسه أن يكون صادقًا في شُعوره مع نفسه ومع غيره، وأن يعلم تمام العلم متى يقولها وفي أي موقف.
ومن الأمور التي تُساعد الإنسان أيضًا على تحقيق الثقة بالنفس أن يعمل دائمًا على التعبير عن أفكاره بوضوح وهدوء دون ضجيج أو تشويش، فأي إنسان يَستطيع أن يعبِّر عما بداخله، وأن يَقنع به من هو أمامه، ولكن حينما يتحلى بالهدوء والاتزان عند الحديث، لا سيما أن إحداث ضجيج قد يجعل مَن حولك مشوَّشين غير قادِرين على فهم ما تريد أن توصِّله لهم، فالتعبير عن الأفكار بوضوح وتفهُّم الآخرين لها يساعد الإنسان على الثقة في نفسه، وأنه قادر على التأثير فيمَن حوله، ومِن ثمَّ تزداد ثقته في نفسه، ومن الخطوات التي تُساعد أيضًا على تحقيق الثقة في النفس أن يَصنع الإنسان ثقته من خلال حواسه، فالحواس هي منافذ الإدراك، ويجب أن يتعلم الإنسان كيف يوظفها بشكل سليم حتى تُساعده على بناء ثقته في نفسه، فإن جميع حركات الفرد التي تَصدر عن حواسه المُختلفة يجب أن تدلَّ على ثقته في نفسه، فإن توظيف الحواس في بناء الثقة أمر في غاية الأهمية، مشيرًا إلى أن أهم عامل يُساعد الإنسان على تحقيق الثقة في النفس هو ألا يشغل الإنسان نفسه بما يقوله الناس عنه، فلا يَنتظر من الناس مدحًا أو ذمًّا، فالناس دائمًا لا يُرضيها شيء، ويجب أن يكون الإنسان دائمًا مبادرًا بالإبداع ولا تُلهيه إبداعات الآخرين متناسيًا نفسه، فضلاً عن ضرورة أن يكون الفرد دائمًا راضيًا ومقتنعًا ومطمئنًّا، فهذه كلها خطوات من شأنها أن تُساعد الإنسان على تحقيق الثقة في النفس وأن تُخلصه من ضعف الثقة في نفسه.