مقالات
رئيس اتحاد الوطن العربي الدولي يتحدث عن المكثرون من الكتب النافعة
رئيس اتحاد الوطن العربي الدولي يتحدث عن المكثرون من الكتب النافعة
بقلم \المفكر العربي الدكتور خالد محمود عبد القوي عبد اللطيف
مؤسس ورئيس اتحاد الوطن العربي الدولي ورئيس الإتحاد العالمي للعلماء والباحثين
قيل: إن أول من أنشأ خِزانة عامَّة للكتب هو خالد بن يزيد بن معاوية، ويُروى أنه كان يقول: “عُنيتُ بجمع الكتب، فما أنا من العلماء ولا من الجهال”[1].
وذكر ابن حجر رحمه الله أنه كان مولعًا بالكتب[2].
قال أبو محمد عليُّ بن حزم:
والاستكثار من الكتب، فلن يَخلُوَ كتاب من فائدة وزيادةِ علم يجدها فيه إذا احتاج إليها، ولا سبيل إلى حفظِ المرء لجميع علمه الذي يختصُّ به؛ فإذًا لا سبيل إلى ذلك فالكتب نِعم الخازنةُ له إذا طلَب، ولولا الكتب لضاعَت العلوم ولم توجَد، وهذا خطأٌ ممَّن ذمَّ الإكثار منها، ولو أُخِذ برأيه لتَلفَت العلوم ولجاذبَهم الجهَّال فيها وادَّعَوا ما شاؤوا، فلولا شهادة الكتب لاستوَت دعوى العالم والجاهل[3].
قال أبو عثمان عمرو بن بحرٍ الجاحظ:
وقد يَذهب الحكيم وتبقى كتبه، ويَذهب العقل ويَبقى أثرُه[4].
كان بعض القضاة يَشتري الكُتب بالدَّين والقَرض، فقيل له في ذلك، فقال: أفَلا أشتري شيئًا بلَغ بي هذا المبلغ؟! قيل: فإنك تُكثر، فقال: على قَدْرِ الصِّناعَة تَكون الآلَة[5].
قال الشيخ محمد البشير الإبراهيمي:
إنَّ حُسن اختيار الكتب أول عوامل الإصلاح في نَفْس العالم[6].
عن مُعتمِر قال: كتب إليَّ أبي وأنا بالكوفة «أنِ اشترِ الكتب، واكتُبِ العلم؛ فإن المال يَذهب والعلم يَبقى»[7].
قال بدر الدين أبو عبدالله ابن جماعة:
وإذا اشترى كتابًا تعهَّد أوله وآخره ووسطه، وترتيب أبوابه وكراريسه، ويصفح أوراقه، واعتبر صحته، ومما يغلب على الظنِّ صحتُه إذ ضاق الزمان عن تفتيشه ما قاله الشافعيُّ رضي الله عنه قال: إذا رأيت الكتاب فيه إلحاقٌ وإصلاح فاشهَدْ له بالصحة[8].
قال أبو الفضل الرازي: هذه الأوراق تحلُّ منا محلَّ الأولاد[9].
الإمام الحافظ الجوَّال محدث العصر محمد بن إسحاق بن مَندَه:
قال عنه الإمام الذهبي رحمه الله: إنه لما رجع من الرحلة الطويلة كانت كتبُه عدةَ أحمال حتى قيل: إنها كانت أربعين حِملاً، وما بلغَنا أن أحدًا من هذه الأمة سَمع ما سمع ولا جمَع ما جمع، وكان خِتامَ الرحَّالين، وفرْدَ المكثرين، مع الحفظ والمعرفة والصِّدق وكثرة التصانيف[10].
ذكر كمال الدين أبو الفضل ابن الفوطي:
في حوادث سنة (641هـ): أنَّ الخليفة المعتصم أمر بعمل خِزانة للكتب في داره، وكُتب على جِهاتها أشعار، منها ما نظَمه صفيُّ الدين عبدالله بن جميل، متقدِّم شعراء الديوان:
أنشا الخليفة للعلوم خِزانةً
سارَت بسيرةِ فَضلِه أخبارُها
تَجلو عَروسًا مِن غرائب حُسنِها
درُّ الفضائل والعلومُ نثارُها
أهدى مَناقِبَه لها مستعصمٌ
بالله مِن لَأْلائه أنوارُها[11]
عبدالرحمن بن محمد بن فطيس قاضي الجماعة بقرطبة، يُكنى أبا المطرف:
قال القاضي أبو القاسم سراج بن عبدالله: شهدتُ مجلس القاضي أبي المطرف بنِ فطيس وهو يُملي على الناس الحديثَ ومُستملٍ بين يديه، وكان له ستَّة ورَّاقين ينسَخون له دائمًا، وكان قد رتَّب لهم على ذلك راتبًا معلومًا، وكان متى علم بكتابٍ حسنٍ عند أحدٍ من الناس طلبَه للابتياع منه وبالغ في ثمنه، فإن قدَر على ابتياعه وإلا انتسَخَه منه، وردَّه عليه[12].
القاضي الفاضل أبو علي عبدالرحيم بن علي اللَّخْمِيُّ:
صاحب ديوان الإنشاء، وشيخ البلاغة، قيل: إن مسوَّدات رسائله لو جُمعت لبلغَت مائة مجلد، كان يَقتني الكتب من كل فنٍّ ويجتلبها من كل جهة، وله نُسَّاخ لا يَفتُرون، ومجلِّدون لا يَسأمون قال بعضُ مَن يخدمه في الكتب: إنَّ عدد كتبه قد بلَغ مائة ألف كتاب وأربعةَ عشر ألفَ كتاب؛ هذا قبل أن يَموت بعِشرين سنة.
وقال الإمام الذهبيُّ رحمه الله: بلغَنا أن كتبه التي ملَكها بلغَت مائة ألف مجلد، وكان يُحصِّلها من سائر البلاد[13].
أحمد بن إبراهيم الفاروثي الشافعي:
خلَّف من الكتب ألفي مجلدة ومائتي مجلدة[14].
محمد بن أبي بكر ابن قيِّم الجوزية:
قال عنه ابن حجر كما في الدُّرر الكامنة: وكان مُغرًى بجَمْع الكتب، فحصَّل منها ما لا يُحصر[15].
قال أبو عثمان عمرو بن بحرٍ الجاحظ:
حدَّثني موسى بنُ يحيى قال: ما كان في خِزانةِ كتبِ يحيى وفي بيتِ مدارسه كتابٌ إلاَّ وله ثلاثُ نسخ[16].
قال الحافظ عبدالعظيم: كان الحافظ السِّلَفِيُّ مغرًى بجمع الكتب، وما حصَل له من المال يُخرجه في ثمنها[17].
محمد بن عبدالله السلمي المرسي الأندلسي:
قال عنه الذهبي رحمه الله: جمَع من الكتب النَّفيسة كثيرًا، ومهما فُتح به عليه صرَفه في ثمن الكتب، وكان مُتضلِّعًا من العلم، جيِّد الفهم، متين الديانة[18].
علي بن سيف علي بن سليمان اللّواتي الإبياري النَّحوي الشافعي المصري:
مهر في العربية، وحصَّل كثيرًا من الكتب والوظائف.
قال عنه ابن حجر رحمه الله: إنه كلما حصَل له شيء اشترى به كتبًا[19].
قطب الدين بن علاء الدين النهرواني ثم المكي الحنفي:
قال الشوكانيُّ رحمه الله: العالم الكبير، أحد المدرِّسين بالحرم الشريف في الفقه والتفسير والأصلين وسائر العلوم، وهو مؤلِّف “الإعلام في أخبار بيت الله الحرام”.
وكان عظيمَ الجاه عند الأتراك، لا يحجُّ أحدٌ من كُبرائهم إلا وهو الذي يَطوف به، ولا يرتضون بغيره، وكانوا يُعطونه العطاء الواسع، وكان يَشتري بما يُحصِّله منهم نفائسَ الكتب، ويَبذلها لمن يحتاجها، واجتمع عندَه منها مالم يجتمع عند غيره[20].
محمد بن عبدالرحمن بن إبراهيم بن الحكيم اللخمي:
ذو الوزارتين، يكنى أبا عبدالله، رنديُّ النشأة، إشبيلي الأصل.
قال عنه لسان الدين ابن الخطيب رحمه الله: كان عَلمًا في الفضيلة والسَّراوة، ومكارم الأخلاق، كريم النفس، واسع الإيثار، متين الحرمة، عالي الهمة، كاتبًا بليغًا، أديبًا شاعرًا.
أكرَمَ العِلمَ والعلماء، ولم تَشغَله السِّياسة عن النظر، ولا عاقَه تدبير الملك عن المطالعة والسَّماع، والإفراط في اقتناء الكتب، حتى ضاقَت قُصوره عن خزائنها، وأثرَت أنديتُه من ذَخائرها[21].
الفتح بن خاقان بن أحمد القائد:
كان في نهاية الذكاء والفطنة وحُسن الأدب، مِن أولاد الملوك، اتَّخذَه المتوكلُ أخًا، وكان يقدمه على سائر ولده وأهله، وكان له خزانة جمَعها عليُّ بن يحيى المنجم له، لم يُر أعظمَ منها كثرة وحسنًا، وكان يَحضُر دارَه فُصحاءُ الأعراب وعلماءُ الكوفيين والبصريين[22].
أبو القاسم الصاحب بن عبَّاد وزير فخر الدولة بالري:
قال عنه ابن الأثير رحمه الله: وكان واحدَ زمانِه عِلمًا وفضلاً، وتدبيرًا وجودةَ رأي، وكرَمًا، عالِمًا بأنواع العلوم، عارفًا بالكتابة وموادِّها، ورسائلُه مشهورة مدوَّنة، وجمَع من الكتب ما لم يجمعه غيره، حتى إنه كان يَحتاج في نقلها إلى أربعِمائة جمَل[23].
وحُكي عن الصاحب بن عبَّاد أنَّ بعضَ الملوك أرسل إليه القدومَ عليه، فقال له في الجواب: أحتاجُ إلى ستِّين جمَلاً أنقُل عليها كتبَ اللغة التي عندي[24].
وقال صاحب كتاب (قصة الحضارة) ول ديورانت: “وكان عندَ بعض الأمراء كالصاحب بن عباد مِن الكتب بقدرِ ما في دور الكتب الأوربيَّة مجتمعة”[25].
المستنصر بالله أبو مروان الحكَم صاحب الأندلس، وابنُ صاحبها الناصرِ لدين الله عبدالرحمن بن محمد الأموي المرواني:
ولي ستَّ عشرةَ سنة، وعاش ثلاثًا وستين سنة، وكان حسَن السيرة، محبًّا للعلم، مشغوفًا بجَمْع الكتب والنَّظرِ فيها؛ بحيث إنَّه جمَع منها ما لم يجمعه أحدٌ قبلَه، ولا جمَعه أحدٌ بعده، حتى ضاقت خزائنُه عنها[26].
وذكر ابن المَقَّري في (نَفْح الطِّيب): أنه جمَع من الكتب ما لا يُحدُّ ولا يوصف كثرةً ونَفاسة حتى قيل: إنَّها كانت أربعمائة ألف مجلَّد، وإنهم لما نقَلوها أقاموا ستَّة أشهر في نقلِها[27].
ولقد كان مصيرُ هذه المكتبة فاجعًا؛ وذلك أنَّ المنصورَ بنَ أبي عامر، الذي أصبح سيِّدَ الأندلس بعدَ وفاة الحكم بفترةٍ أخرَج من المكتبة جميعَ الكتب الفلسفيَّة وكتب علوم الأوائل وأحرقها بالنار في الميدان العامِّ في قرطبة؛ إرضاءً للعامة والفقهاء في زمانه[28].
وبعد وفاة المنصور وأثناءَ حصار البربَر لقرطبةَ في مَطالع القرن الخامس الهجريِّ احتاج الحاجبُ (واضح) من مَوالي المنصور بن أبي عامر إلى مالٍ، فأمر بإخراج أكثرِ الكتب من مكتبة الحاكم وباعَها، وما تبقَّى منها نُهب عندما دخل البربر قرطبة واقتحموها عَنْوة[29].
القاضي الفاضل أبو علي عبدالرحيم الأشرف:
قال عنه ابنُ كثير رحمه الله: اقتنى من الكتب نحوًا من مائة ألف كتاب، وهذا شيءٌ لم يَفرح به أحدٌ من الوزراء ولا العلماء ولا الملوك[30].
الزبير بن بكار:
كان يقول: قالت ابنة لأختي لأهلنا: خالي خيرُ رجل لأهله؛ لا يتَّخذ ضرَّة، ولا يشتري جارية، قال: تقول المرأة: والله لَهذه الكتبُ أشدُّ عليَّ من ثلاثِ ضرائر[31]!
محمد بن شهاب الزهري:
قالت له امرأته يومًا: والله لهذه الكتبُ أشد عليَّ من ثلاث ضرائر[32]!
الحافظ عمر بن علي السرَّاج، أبو حفص، المعروف بابن المُلقِّن:
قال عنه ابنُ حجر رحمه الله: وكان يَقتني الكتب، بلغَني أنه حَضر في الطاعون العامِّ بيعَ كتب شخص من المحدِّثين، فكان وصيُّه لا يَبيع إلا بالنَّقد الحاضر، قال: فتوجَّهت إلى مَنزلي فأخذت كيسًا من الدَّراهم، ودخلتُ الحلقة فصبَبتُه، فصرتُ لا أَزيد في الكتاب شيئًا إلا قال: بِعْ له، فكان فيما اشتريتُ: مسند الإمام أحمد بثلاثين درهمًا.
وقال المقريزي في عُقوده أنه كان يتحصَّل له من ريع الرِّبح كلَّ يوم مثقالُ ذهب مع رَخاء الأسعار وعدَمِ العيال[33].
عبدالكريم بن علي بن الحسين، الرئيس الأثير القاضي، أبو القاسم اللخمي البيساني العسقلاني الشافعي:
كان كثير الرغبة في تحصيل الكتب، مُبالغًا في ذلك إلى الغاية القُصوى، ملَك منها جملةً عظيمة لم يبلُغْنا عن أحد من الرؤساء أن كُتبَه وصلَت إلى مبلغ كتب عبدالكريم؛ ولا قريبًا منه، إلا ما ذُكر عن أخيه، ولم يُقارب هذا عبدالكريم حتى قيل: إنها مائتا ألف مجلَّدة! قال الموفق عبداللطيف: كان له هوَسٌ في تحصيل الكتب، وكان عنده منها زُهاء مائتي ألف كتاب؛ من كل كتاب نُسَخٌ[34].
قال محمد بن إسحاق: كان بمدينة الحديثة رجل يقال له: محمد بن الحسين، ويعرف بابن أبي بعرة:
جمَّاعةٌ للكتب، له خِزانة لم أر لأحد مثلها كثرة، تحتوي على قطعة من الكتب العربية في النحو واللغة والأدب والكتب القديمة[35].
الملك المؤيد صاحب اليمن، داود بن يوسف التركماني الأصل اليمني:
وكان قبلَ سلطنته قد تفقَّه، وحفظ كفاية المتحفِّظ، ومقدمة ابن بابشاذ، وبحث التنبيه، وطالع وفضل، ودأب وحصَّل، وسمع من المحبِّ الطبري وغيره، وجمع الكتب النفيسة من الأقطار.
قيل: إن خِزانة كتبه اشتملَت على مائة ألف مجلد، والله أعلم[36].
الشيخ سليمان بن عطية بن سليمان المزيني:
قال عنه الشيخ البسام رحمه الله: أخذ العلم عن مشايخ حائل والطارئين عليها، حتى أدرك؛ لا سيما في الفقه، فقد صار له فيه محصولٌ جيد، وجمع كثيرًا من كتب الفقه الحنبلي.
وقال الشيخ عليٌّ الهندي رحمه الله: رأيتُ عنده مكتبة كبرى ذكَر أنه جمعها، ووَرث بعضها عن والده، وكان شَغوفًا بجمع الكتب، ومحبًّا للبحث والنقاش، صالحًا ورعًا[37].
الشيخ محمد بن حمد ابن الشيخ محمد بن عمر العمري، البحَّاثة المشهور:
قال عنه البسام رحمه الله: كان صاحبَ أكبر مكتبة خاصَّة في مدينة الرياض، وله عناية فائقةٌ بجَمع الكتب النادرة والمخطوطات، ومعرفة المؤلفين والكتب.
وقبل سنوات طلَبَت منه جامعة الملك سُعود بالرياض بيعَ مكتبته لها، فباع عليها المتكرِّرَ من مكتبته بمئات الريالات، وأبقى عنده نسخةً أخرى من كلِّ كتاب[38].
عبدالرحمن بن محمد بن زيدان الشريف، الحسَني العلَوي السِّجِلْماسي، أبو زيد:
مؤرِّخ من أعيان المغرب الأقصى، كان السلطان محمد بن يوسف يخاطبه بابن عمِّنا، نقيب عائلتنا، ومؤرِّخ دَولتنا.
وُلد ونشَأ في مكناسة الزَّيتون، واستكمل دراسته في جامعة القرويين بفاس سنة (1324ه)، ووَلي نقابة الأشراف بمكناس وزرهون، وزار مصر حاجًّا في سنتَي (1331هـ) و (1357ه) واستقرَّ في الدار البيضاء، يُدير المدرسة الحربيَّة المغربية فيها، وتوفِّي بمكناس، جمَع خِزانة كتب تعدُّ من أكبر الخزائن في المغرب[39].
عائشة بنت أحمد بن محمد بن قادم:
قرطبيَّة، ذكَرها ابن حيَّان وقال: لم يكن في جزائر الأندلس في زمانها مَن يَعدِلها فَهمًا وعلمًا، وأدبًا وشعرًا، وفصاحة وعفَّة، وجَزالة وحَصافة. وكانت حسَنةَ الخط تَكتب المصاحف والدَّفاتر وتجمع الكتب، وتُعنى بالعلم، ولها خزانةُ عِلم كبيرةٌ حسَنة، ولها غِنًى وثروة تُعينها على المروءة، وماتت عذراء لم تُنكَح قط[40].
طرائف ولطائف:
شافع بن علي بن عباس الكناني:
قال عنه ابن حجر رحمه الله: سمع الحديث وأخذ عن الشيخ جمال الدين ابن مالك، وتعانى الآداب، وأتقن الخطَّ والنَّظم والإنشاء، وكتَب في الديوان زمانًا، ثم أصابه سهمٌ في وقعة حِمْص في صُدْغه سنة (680ه) فكان سبب عماه، فلزم بيته، وكان يحبُّ جمع الكتب حتى إنَّه لما مات ترَك نحو العشرين خِزانةً ملأى مِن الكتب النفيسة، ومات في شعبان سنة (730ه) وكان من شدَّة حبه للكتب إذا لمس الكتاب يَقول: هذا الكتاب الفلاني ملَكتُه في الوقت الفلاني، وإذا طُلب منه أيُّ مجلدٍ كان، قام إلى الخزانة فتَناوله كأنَّه كما وضَعه فيها[41].
علي بن أحمد بن يوسف بن الخضر الآمدي الحنبلي:
كان يتَّجِر في الكتب وأضَرَّ، فلم يكن يَخفى عليه منها شيء، بل كان إذا طُلب منه المجلد الأول مثلاً من الكتاب الفلاني قام وأخرجَه، وكان يمَسُّ الكتاب فيقول: هذا يشتمل على كذا وكذا، فلا يُخطئ، فإن كان الكتاب مثلاً بخطَّين قال: هو بخطين، أو بقلَمٍ أخفَّ مِن الآخر، قال كذلك، فلا يخطئ قط، وكان لا يُفارق الاشتغال والأشغال، وللناس عليه قَبول[42].
القاضي برهانُ الدين إبراهيم بن أحمد بن هلال الزرعي الحنبلي:
قال الصفدي رحمه الله: كان حسَن الشكل والعمَّة، وافر العقل عالي الهمَّة.
وكان بَصيرًا بالفتوى، جيِّد الأحكام لا يقَع منها في بلوى، يتوقَّد ذهنُه من الذكاء والفطنة.
فكنتُ أراه جُمعةً في سوق الجواري، وجُمعةً في سوق الكتب؛ ليجمع بذلك بين الدُّر والدراري[43].
الشيخ تقي الدين محمد بن علي، المعروف بابن دقيق العيد:
ذكر الكتَّاني رحمه الله: أنه كان مُغرَمًا بتحصيل الكتب حتى كان يَركب الدَّين بسبب شِراء الكتب[44].
ذكر قاسم محمد الرجب في مذكَّراته – وهو صاحب أشهر مكتبة في بغداد مكتبة المثنى – أن أكبر زَبون للسوق وللكتاب هو عبَّاس الغزاوي المحامي، فكان يتردَّد إلى السوق أربع مرات أو أكثرَ في كل يوم، فلا يفوته كتاب مطبوع أم مخطوط[45]!
محمد بن محمد بن أحمد ابن ناصر، أبو عبدالله الدرعي.
من صُلَحاء المالكية وعلمائهم في المغرب، كانت له زاوية وأتباعٌ كثيرون، وهو الممدوح بالقصيدة (الداليَّة) لليوسي.
كان من أهل دَرْعة (قرب سِجِلْماسة)، وهو أستاذُ العيَّاشي صاحب الرحلة، عُنِي في أوَّل أمره بجمع الكتب؛ نَسْخًا بخطِّه، وشراءً وتصحيحًا ومقابلة، مع كتابة الفوائد على حواشيها وطُرَرِها، على ضيق معيشته، وكان يَنام مع أهله على التراب؛ لضعف ماله عن شراء حصير أو فراش!
وأهدى إليه أحدُ تلاميذه حصيرًا فآثر وضْعَ كتبه عليه[46]!
عبدالحكم بن عمرو بن عبدالله بن صفوان الجُمَحي:
اتخذ بيتًا فجعل فيه شِطْرَنجات ونَرْدات وقِرْقاتٍ ودفاترَ، فيها من كلِّ علم، وجعَل في الجدار أوتادًا، فمَن جاء علَّق ثيابه على وَتدٍ منها، ثم جرَّ دفترًا فقرأه، أو بعض ما يلعب به، فلعب به مع بعضهم[47].
مكتبة فخر الدين المرورذي:
من البيوت في بغداد التي اجتمَع فيها للأضياف الكتبُ والألعاب بيتٌ لمبارك شاه بن الحسين المرورذي الملقَّب فخر الدين؛ قال ابن الساعي: “كان له دار مضيف، فيها كتب وشِطرنج، فالعلماء يُطالعون في الكتب، ومَن لم يعرف العلم يلعَب بالشِّطْرَنج”، وكانت وفاة مبارك شاه سنة 602هـ.
وقال ابن الأثير رحمه الله: وكان له دار ضيافة، فيها كتب وشطرنج، فالعلماء يطالعون الكتب، والجهَّال يلعبون بالشطرنج[48].
ذكر عبدالحي الكتاني رحمه الله:
أنَّ في زمن المستنصر بالله في قرطبة وحدها سبعين مكتبة من المكاتب العامة[49].
المرجع:
• “الشذرات، في أخبار الكُتب والكُتاب والمكتبات”.
________________________________________
[1] جامع بيان العلم وفضله (1/ 132)، دُور الكتب العربية العامة وشبه العامة؛ يوسف العش (45)، المكتبات في الإسلام؛ د. محمد ماهر حمادة (49).
[2] تهذيب التهذيب (3/ 129، رقم 234).
[3] رسائل ابن حزم (4/ 77).
[4] كتاب الحيوان (1/ 85).
[5] تقييد العلم (137).
[6] آثارُ الإمام محمد البَشير الإبراهيمي (1/ 224).
[7] تقييد العلم (112).
[8] تَذكرةُ السامعِ والمتَكلم؛ لابن جماعة (172).
[9] مختصر تاريخ دمشق؛ لابن منظور (14/ 185).
[10] تذكرة الحفَّاظ (3/ 1032، رقم 959).
[11] الحوادث الجامعة والتجارب النافعة؛ لأبي الفضل ابن الفوطي (93).
[12] كتاب الصلة؛ لابن بَشْكُوَال (1/ 310، رقم 683).
[13] سير أعلام النبلاء (21/ 341)، شذرات الذهب (5/ 37، سنة 569)، تذكرة السامع والمتكلم (166).
[14] الوافي بالوفَيَات (6/ 219، رقم 2687).
[15] الدرر الكامنة (3/ 403، رقم 1067).
[16] كتاب الحيوان؛ للجاحظ (1/ 60). ذكر المقريزي أنه كان في خزانة العزيز بالله 30 نسخة من كتاب العين و100 نسخة من الجمهرة، وأنه كان في خزانة كتب الفاطميين 1200 نسخة من تاريخ الطبري؛ (تحقيق النصوص؛ لـ عبدالسلام هارون 21).
[17] تذكرة الحفاظ (4/ 1303، رقم 1082).
[18] السير (23/ 312).
[19] إنباء الغمر (2/ 500، سنة 814هـ)، شذرات الذهب (7/ 235، سنة 814هـ)، الضوء اللامع (5/ 230، رقم 770).
[20] البدر الطالع (576، رقم 389).
[21] الإحاطة في أخبار غرناطة (2/ 310).
[22] الفهرست (186)، معجم الأدباء (4/ 538، رقم 709).
[23] الكامل في التاريخ (5/ 510، سنة 385).
[24] المزهر في علوم اللغة وأنواعها؛ للسيوطي (1/ 74)، السير (16/ 513، رقم 377).
[25] قصة الحضارة (13/ 171)، وفي المقابل فإنَّ ملك فرنسا شارل الخامس المعروف بالحكيم، عندما أراد أن يؤسس مكتبة في أواخر القرن الرابع عشر ميلادي لم يستطع أن يَجمع في مكتبة فرنسا الملَكيَّة أكثر من 900 مجلد، يكاد ثلثها يكون خاصًّا بعلم اللاهوت؛ (المكتبات في الإسلام 211)، حضارة العرب؛ لـ غوستاف لوبون (450)، ط هنداوي.
[26] العبر في خبر من غبر (2/ 124، سنة 366هـ). قال ابن حزم رحمه الله: واتَّصلَت ولايته خمسة عشر عامًا في هدوء وعلوٍّ، وكان رفيقًا بالرعية، محبًّا في العلم؛ ملأ الأندلس بجميع كتب العلوم؛ (جمهرة أنساب العرب؛ لابن حزم، ص 100).
[27] نفح الطيب (1/ 395).
[28] المكتبات في الإسلام؛ للدكتور محمد ماهر حمادة (125).
[29] نفح الطيب (1/ 386)، تاريخ ابن خلدون (4/ 175)، المكتبات في الإسلام (125).
[30] البداية والنهاية (13/ 27، سنة 597هـ).
[31] تاريخ بغداد (8/ 471، رقم 4585).
[32] وفيات الأعيان (4/ 32، رقم 563).
[33] إنباء الغمر (2/ 216، رقم 26، سنة 804هـ)، الضوء اللامع (6/ 100، رقم 329).
[34] الوافي بالوفيات (19/ 56، رقم 7206).
[35] الفهرست؛ لابن النديم (63).
[36] المنهل الصافي؛ لابن تغري بردي (5/ 307، رقم 1023).
[37] علماء نجد خلال ثمانية قرون (2/ 364، رقم 188)، زَهرُ الخمَائِل في تراجِم عُلماءِ حَائِل؛ لـلشيخ علي بن محمد الهندي (ص 18، رقم 57).
[38] علماء نجد خلال ثمانية قرون (2/ 311، رقم 177، في ترجمة سليمان بن عبدالرحمن بن محمد العُمَري).
[39] الأعلام؛ للزركلي (3/ 335).
[40] كتاب الصلة؛ لابن بَشْكُوَال (2/ 692، رقم 1531).
[41] الدرر الكامنة (2/ 184، رقم 1922).
[42] الدرر الكامنة (3/ 21، رقم 45). وأضرَّ: أي عَمي.
[43] أعيان العصر؛ للصفدي (1/ 45).
[44] تاريخ المكتبات الإسلامية ومن ألف في الكتب؛ لـ عبدالحي الكتاني (119).
[45] مذكرات قاسم محمد الرجب (50). عباس الغزاوي: هو مؤرخ رائد في كتابة تاريخ العراق في القرون المتأخرة، ولد، سنة 1890م، وتخرج في كلية الحقوق، سنة 1921م واشتغل في المحاماة، لكنه انصرف إلى كتابة مؤلفاته المهمة، ومنها: “تاريخ العراق بين احتلالين” في ثمانية أجزاء، و”تاريخ الأدب العربي في العراق” و”تاريخ العشائر العراقية” و”تاريخ علم الفلك في العراق” و”تاريخ الضرائب” و”تاريخ النقود”، وله مكتبة اشتهَرَت بنفائس مطبوعاتها ومخطوطاتها، توفي، سنة 1971م، رحمه الله؛ (نفس المصدر، الحاشية، ص 39).
[46] الأعلام؛ للزركلي (71/ 63).
[47] الأغاني (4/ 430)، جمهرة أنساب العرب؛ لابن حزم (160)، كناشة الرفاعي (185).
[48] خزائن الكتب العربية في الخافقين (1/ 104)، الكامل لابن الأثير (7/ 497، سنة 602هـ).
[49] المكتبات الإسلامية ومن ألف في الكتب؛ لـ عبدالحي الكتاني (ص 154)، قصة الحضارة (13/ 307).