مقالات

رئيس اتحاد الوطن العربي الدولي يتحدث عن تجميل الصوت وتحسينه

رئيس اتحاد الوطن العربي الدولي يتحدث عن تجميل الصوت وتحسينه
بقلم \  المفكر العربى الدكتورخالد محمود عبد القوي  عبد اللطيف
مؤسس  ورئيس اتحاد الوطن العربى الدولي
رئيس الإتحاد العالمي للعلماء والباحثين
لن يكون حديثنا هنا عن البلاغة وفن الكلمة، وإنما هو الحديث عن “القول” الذي يتعامل به الإنسان مع الناس الذين يلتقي بهم باعتباره وسيلة التفاهم بينه وبينهم.
و”الكلام” بهذا المعنى جزء من شخصية الإنسان، التي يتعرف بها إلى الناس.
إن كلام الإنسان هو الذي يحدد معالم شخصيته، إذ به تعرف استقامته، وصدقه، وأدبه..
وبه يكون خفيف الروح، أو ثقيل الظل.
وبه يكون مهذباً لبقاً، أو فظاً غليظاً.
وبه يكون ذا وجه واحد، أو ذا وجهين.
بل به تكون كلمة الإيمان أو كلمة الكفر.
إنه الترجمان الذي يكشف عما في النفس، والشاهد الذي يفصح عما في الضمير..
ولذا، فالكلام هو الكاشف الذي يحدد قدر الإنسان ومكانته، إيجاباً أو سلباً، فالساكت معدن مجهول فإذا تكلم كان ذهباً أو تبراً وربما كان حديداً أو قاراً.. وقد قال أبو حنيفة النعمان يوماً: آن لأبي حنيفة أن يمد رجله[1].
وقد قال بشر بن منقذ في مكانة الكلام من الإنسان:
وكائن ترى من صامت لك معجب
زيادته أو نقصه في التكلم
لسان الفتي نصف ونصف فؤاده
فلم يبق إلا صورة اللحم والدم
وإذا كان الأمر كذلك، فما كان باستطاعتنا أن نغفل الحديث عن هذا الجانب، ونحن نتحدث عن جماليات الإنسان في ظاهره.
وفي حديثنا عن جماليات القول نتناول الحديث عن طريقة القول “الصوت”:
• إن ارتفاع الصوت أو انخفاضه تحدده وضعية المخاطب أو المخاطبين، من حيث العدد، والقرب أو البعد.. والأصل أن يكون ارتفاع الصوت بقدر الحاجة بحيث يسمع المخاطب.
ورفع الصوت بلا داع يعد من الخروج على الآداب العامة، الأمر الذي يذهب بجمال القول، بل إنه يعد حينئذٍ من القبح.
ولما لهذا الأدب من أثر في التعامل بين الناس، تناوله القرآن الكريم في المرحلة المكية، فقد جاء في سورة لقمان قوله تعالى: ﴿ وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ إِنَّ أَنْكَرَ الْأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ ﴾[2].
قال ابن كثير: أي: لا تبالغ في الكلام، ولا ترفع صوتك فيما لا فائدة فيه، ولهذا قال: ﴿ إِنَّ أَنْكَرَ الْأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ ﴾… أي: غاية من رفع صوته أنه يُشَبه بالحمير في علوه ورفعه،.. وهذا التشبيه في هذا بالحمير يقتضي تحريمه وذمه غاية الذم[3].
وإذاً: فينبغي الحرص على الاعتدال والقصد. وأن يكون الصوت بحيث يسمع المخاطب.
• ومما يطلب في أمر الصوت أيضاً، أن يصدر بدون تكلف، إذ “التقعر في الكلام بالتشدق وتكلف السجع والفصاحة والتصنع فيه بالمقدمات وما جرى به عادة المتفاصحين المدعين للخطابة. كل ذلك من التصنع المذموم ومن التكلف الممقوت”[4].
قال صلى الله عليه وسلم: “.. وإن أبغضكم إلي وأبعدكم من مجلساً يوم القيامة، الثرثارون، والمتشدقون والمتفيهقون[5]”[6].
وقال صلى الله عليه وسلم: “إن الله يبغض البليغ من الرجال الذي يتخلل بلسانه كما تتخلل البقرة”[7].
فالغاية، هي البعد على التكلف الممقوت الذي يجعل من الصوت نشازاً سيئاً.
وينبغي أن ننبه هنا إلى أن بلاغة القول وفصاحة العبارة أمر مطلوب، وليس هو من باب التشدق في الكلام، فما ورد في الحديثين السابقين إنما يتناول أسلوب اللفظ المتعلق بكيفية إخراج الحروف والتي يريد قائلها أن يظهر بمظهر المتعالي تكبراً وارتفاعاً، إظهاراً لفضيلته على غيره..
• ونستطيع القول بأن الإسلام يحرص على تجميل الصوت، تمشياً مع منهجه العام في طلب الجمال، ومن أكبر الميادين التي يطلب فيها هذا الجمال هو قراءة القرآن، وقد وردت أحاديث كثيرة في هذا الصدد نذكر منها:
قوله صلى الله عليه وسلم: “زينوا القرآن بأصواتكم”[8].
وأخرج أبو داود عن عبيد الله بن أبي يزيد قال سمعت ابن أبي مليكة يقول سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: “ليس منا من لم يتغنّ بالقرآن” قال: فقلت لابن أبي مليكة: يا أبا محمد، أرأيت إذا لم يكن حسن الصوت؟ قال يحسنه ما استطاع[9].
وقد تكفل علم التجويد بإنجاز جزء من هذه المهمة، فإن القراءة الصحيحة التي تتوفر فيها عوامل ضبط مخارج الحروف تسهم في تحسين الصوت بشكل ملحوظ.
________________________________________
[1] يذكر أن رجلاً ذا هيبة ووقار دخل على أبي حنيفة النعمان – رحمه الله – وكان ماداً رجله، فلما رآه أبو حنيفة أصلح من جلسته وأكرمه، وقد ظنه من أهل العلم، فسأل الرجل أبا حنيفة سؤالاً عرف به جهله المطبق، فقال حينئذ كلمته: آن لأبي حنيفة أن يمد رجله.
[2] سورة لقمان. الآية [19].
[3] تفسير ابن كثير. في الآية المذكورة.
[4] إحياء علوم الدين 3/ 120.
[5] قال في النهاية: الثرثار الذي يكثر الكلام تكلفاً وخروجاً عن الحق. والمتشدق المتوسع في الكلام من غير احتياط واحتراز وقيل المستهزئ بالناس يلوي شدقه بهم وعليهم، والمتفيهق: الذي يتوسع في الكلام ويفتح فاه به.
[6] رواه الترمذي برقم 2018.
[7] رواه الترمذي برقم 2857.
[8] رواه أبو داود والنسائي. جامع الأصول 2/ 454.
[9] رواه أبو داود برقم 1471

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى