مستشارك القانوني.هل للقاضي من سلطة مطلقة أم انه مقيد بموجب قانون أوجب مهامه ومسئوليته خاصة في إدارة شئون الجلسة التي يديرها لكونه رئيسا لها؟
بدايه أود أن أنوه مهما حاول البعض تجاوز سلطته لا يؤدي ذلك إلى تجزئة المبادئ المستقرة بمهام المحاماه ومهام القاضي.
المحاماه رساله أبى من أبى وقبل من قبل، دائما اقولها وأثبت على قولها في أي مكان وأي زمان.
“المحاماة حصن حصين لا يستهان به فمن أهان المحاماة فقد أهان مجتمعا بكامله، وصار حكمه كحكم الغابات لا حكم التشريعات والقوانين ومبادئ الدساتير والمواثيق والأعراف الدولية” .
كما أن ” المحامون هم ركيزة العدالة في المجتمع، وهم بطبيعة حالهم، واختلاف أفكارهم يختلفون، لكن لا ينقسمون؛ لكونهم كيانا حرا مترابطا صاحب رأي له وزنه في مجريات تحقيق العدالة”.
والمحاماة هي أخ شقيق للعدالة تجعلها تخضع لأخلاقها وصفاتها ورقيها.
ولكن هل ما حدث بشأن قضية محامي سوهاج هو افتئات على حق الدفاع وحق التقاضي؟
المعلوم بالضرورة ان القاضي بما له من سلطة بموجب القانون تكون وفق نصوصه ، فمن حق القاضي ، وفق نصوص قانون المرافعات المدنية والتجارية، حيث تنص المادة 104 على أن «ضبط الجلسة وإدارتها منوطان برئيسها، وله في سبيل ذلك ومع مراعاة أحكام قانون المحاماة أن يخرج من قاعة الجلسة من يخل بنظامها، فإن لم يمتثل وتمادى كان للمحكمة أن تحكم على الفور بحبسه أربعا وعشرين ساعة، أو بتغريمه خمسين جنيها”.
كما إن سلطة القاضي وخاصة القاضي الجنائي في تقدير الأدلة ليست مطلقة بل هي سلطة منطقية تحكمها ضوابط، تحرص على صيانة الحق وحسن تطبيق القانون، وتحول دون تجاوز القاضي حدود حريته، أو إهماله حقه في هذه الحرية، فلا يقيد نفسه دون موجب.
كما يجب عدم تحيّز القاضي لأحد الخصمين وهذا أمر مفروغ منه في أي نظام قضائي، بينما المقصود بحياد القاضي أن يقف القاضي موقفا سلبيا من كلا الخصمين فيما يتعلق بإثبات الدعوى، حيث لا يقضي القاضي إلا بما يعرض عليه الخصوم من أدلة في الدعوى المعروضة عليه، ولا يتجاوز ذلك باستجماعه لأي أدلة أخرى، بل يقتصر دوره على ما يعرض عليه الخصوم منها.
وبما إن ﺍﻟﻘﻀﺎﺀ ﻣﺴﺆﻭﻻً ﻛﺬﻟﻚ ﻋﻦ ﺍﻟﺴﻬﺮ ﻋﻠﻰ ﺇﺣﺘﺮﺍﻡ ﺍﻟﺴﻠﻄﺔ ﺍﻟﺘﻨﻔﻴﺬﻳﺔ ﻭﺍﻟﺘﺸﺮﻳﻌﻴﺔ ﳊﻤﺎﻳﺔ ﺣﻘﻮﻕ ﺍﻹﻧﺴﺎﻥ ﺍﳌﻌﺘﺮﻑ ﺑﻬﺎ ﺩﻭﻟﻴﺎً، ﻭﺃﻳﻀﺎً ﻣﺒﺎﺩﺉ ﺩﻭﻟﺔ ﺍﳊﻖ ﻭﺍﻟﻘﺎﻧﻮﻥ. ﺇﻥ ﻫﺪﻑ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺪﻟﻴﻞ ﻫﻮ ﺗﺰﻭﻳﺪ ﳑﺎﺭﺳﻲ ﺍﻟﻮﻇﺎﺋﻒ ﺍﻟﻘﺎﻧﻮﻧﻴﺔ ﻭﺻﺎﻧﻌﻲ ﺍﻟﻘﺮﺍﺭ ﺍﻟﺴﻴﺎﺳﻲ ﲟﺮﺍﺟﻊ ﻣﻔﺼﻠﺔ ﻭﻋﻤﻠﻴﺔ ﻓﻴﻤﺎ ﻳﺘﻌﻠﻖ ﺑﺈﺳﺘﻘﻼﻝ ﺍﻟﻨﻈﺎﻡ ﺍﻟﻘﻀﺎﺋﻲ.
فالقاضي هو الشخص الذي يرأس إجراءات المحكمة ، إما بمفرده أو كجزء من هيئة من القضاة . في النظام التنافسي ، يستمع القاضي إلى جميع الشهود وأي أدلة أخرى يقدمها المحامون أو مستشارو القضايا، ويقيم مصداقية وحجج الأطراف، ثم يصدر حكمًا في القضية بناءً على تفسيرهم للقانون وحكمهم الشخصي.
كما أن من مهام القاضي ومسئوليته حل النزاعات بين الأطراف تحديد الجاني وإصدار الأحكام العادلة تقييم الجريمة المرتكبة وتحديد الحكم العادل لها اتخاذ القرارات المحايدة بعيدًا عن المشاعر والعواطف.
ويحق لأحد الخصمين أو كلاهما طلب تغيير القاضي، واستبداله بقاضي آخر تختاره المحكمة، ولكن لا توافق المحكمة على طلب تغيير القاضي إلا في حالات محددة حددها النظام مسبقاً، يتم فيها قبول طلب تغيير القاضي، أو تنحي القاضي من تلقاء نفسه.
واستقبال المحكمة لطلبات الخصوم يجب كالاتي :-
1- تكون إجراءات نظر الدعوى والمرافعة فيها كتابة. وللمحكمة – من تلقاء نفسها أو بناءً على طلب أحد الخصوم – أن تسمع ما لدى الأطراف مشافهة. وتثبت المحكمة ذلك في محضر الجلسة. 2- على المحكمة أن تعطي الخصوم المهل المناسبة، للاطلاع على المستندات، كلما اقتضت الحال ذلك.
ولنعلم ونعي أن النص القانوني يكون عادلاً في تطبيقه عند الالتفات الى روح معاني وألفاظ القواعد العامة للقوانين فالقاضي ملزم علاوةً على تطبيق النص القانوني ؛ بالبحث في غايات معاني التطبيق عند معالجته لقضيةٍ ما .. وهذا دليل واضح على ان العدالة ليست في نصوص القانون ذاتها وانما فيمّن يطبق القانون ويفسرهُ ويفطن للمقاصد العُليا منهُ.
ويجب أن يحافظ القضاة داخل العمل وخارجه على صفة الوقار والكرامة، ويلتزمون بصون سمعتهم وسيرتهم، وتوقي كل ما يمس أمانتهم أو يشكك في نزاهتهم. ولا يجوز للقضاة مزاولة الأعمال التجارية أو أي عمل لا يتفق مع استقلال القضاء وكرامته سواءً كان بأجر أو بغير أجر، ويمنع على الهيئة القضائية كل نشاط سياسي وكذا كل موقف يكتسي صبغة سياسية. ويمنع عليها أيضا كل عمل من شأنه إيقاف أو عرقلة تسيير المحاكم.
والقاضي أن يمتنع عن إبداء رأيه، أو توجهه، في قضية معروضة لأية جهة كانت، وإلا أصبح القاضي غير صالح بالنظر في الدعوى إذا خالف هذا الحظر.
والقَاضِي: يعني القاطِعُ للأمور المُحكِمُ لها. والقَاضِي من يقضِي بين الناس بحكم الشرع. والقَاضِي من تعيِّنه الدولةُ للنظر في الخصُومات والدعاوَى وإصدار الأحكام التي يراها طبقاً للقانون، ومَقَرُّه الرسمي إِحدى دور القضاء.
كما أن القضاة يخضعون للقانون بنفس الطريقة التي يخضع بها أي مواطن آخر. ويجوز للورد/الليدي رئيس القضاة أو اللورد المستشار إحالة القاضي إلى مكتب التحقيق في الشكاوى القضائية لتحديد ما إذا كان من المناسب عزله من منصبه في الظروف التي يثبت فيها ارتكابه جريمة جنائية.
من هذا المنطلق فإن القاضي مقيد في سلطته بموجب قانون حدد مهام عمله كقاضيا ، وأوجب عليه ما أوجبه ومنحه ما منحه في إطار نصوص القانون، وليس من بين تلك المهام إثارة الوهج والتهييج لمشاعر الحضور الذين لم تتحرك سكناتهم والإخلال بنظام الجلسة، فمن حق القاضي حبس من أخل بنظام الجلسة إذ ما بدر من الحضور ما يخل بالفعل بنظامها، إما تهيج المشاعر للشق الآخر المكمل لتحقيق العدالة وتوازنها فهو بمثابة افتئات على حق الدفاع وخلق بلبلة وإثارة ليست من بين ثنايا أسطر القانون ونصوصه.
والالتماس الذي يمكن قبوله في ذلك، ان الافتئات الحاصل ما هو إلا تجاوز استثنائي يجعل من نزاهة حق الدفاع التغاضي وغض البصر عن النظر في أمره، لكن استمرارية هذا التجاوز الذي بات ملحوظا لجموع من أمتثل الدفاع وأعضاء الجمعية العمومية لمحامين ومحاميات مصر، بات بحق بمثابة غطرسة وافتئات على حق الدفاع بداية من فرض الجباية في تحصيل الرسوم التي يتم تقديرها جزافا دون قانون يوجبها ، وتمرير الفاتورة الالكترونيه والقيمة المضافة ، واثقال كاهل القضايا بالرسوم والتجاوز في حق المحامين والمحاميات ، وهو ما يعد بمثابة العنت والتعنت والقضاء على الرسالة العظيمة التي حملها وتوج بها من توج ، كما القي بظلاله عليها بمدى رفعتها وسموها قانون السلطة القضائية، عندما صدر القانون رقم 142 لسنة 2006 بتعديل قانون السلطة القضائية والذى ينص على إستبدال كلمة قاضى بدلا من كلمة مستشار أينما وردت فى قانون السلطة القضائية الصادر بالقانون رقم 46 لسنة 1972 والجداول الملحقه به، وذلك بإعتبار أن للمحاماة رسالة سامية ترتقى إلى مرتبة الرسالات السماوية بحثًا عن الحق والعدل فى الأرض.
اخلص إلي أن ما حدث بشأن قضية محامي سوهاج هو افتئات على حق الدفاع وحق التقاضي في آن واحد .
دكتور محمد عويان المحامي بالنقض.