كيف قلب ترامب موازين الإقتصاد العالمي

هالة عكاشة
في خطوة أثارت جدلاً واسعًا داخل الولايات المتحدة وخارجها، فرض الرئيس الأمريكي دونالد ترامب رسوماً جمركية وصلت في بعض الحالات إلى 50% على مجموعة واسعة من الواردات، تشمل المنتجات الصينية والأوروبية وحتى من دول حليفة. وبينما تم الترويج لهذه الخطوة تحت شعار “إعادة أمريكا إلى العمل” وحماية الصناعة المحلية، تكشف التحليلات أن لهذه السياسة أبعادًا تتجاوز الاقتصاد لتطال السياسة والدبلوماسية وحتى الحملات الانتخابية.
أداة تفاوض لا مجرد حماية
لم يُخفِ ترامب في أكثر من مناسبة رغبته في إعادة صياغة العلاقات التجارية الدولية. اعتبر أن الشركاء التجاريين استغلوا الاقتصاد الأمريكي لسنوات طويلة. ووفقًا لتقرير نشرته وكالة Associated Press، فإن فرض الرسوم المرتفعة على الصين جاء كرد مباشر على زيادات جمركية فرضتها بكين، مما فاقم من حدة الحرب التجارية التي دارت بين أكبر اقتصادين في العالم.
لكن مصادر مطلعة داخل البيت الأبيض كشفت عن أن الرسوم كانت أيضًا أداة ضغط سياسية. إذ أكد وزير التجارة، هوارد لوتنيك، أن أكثر من 50 دولة بادرت بالاتصال لطلب التفاوض بشأن الرسوم الجديدة، وفق ما ذكرته New York Post، مما يعكس توظيف الرسوم كوسيلة لفرض أجندة سياسية وتجارية أمريكية.
الرسوم كوسيلة تمويل وتحصين انتخابي
وراء هذه الاستراتيجية، يكمن هدف مالي داخلي، حيث أشار المستشار الاقتصادي لترامب، بيتر نافارو، إلى أن الرسوم الجمركية توفر إيرادات هامة يمكنها تعويض الخسائر الناتجة عن التخفيضات الضريبية الكبيرة التي استفادت منها الشركات الكبرى في عهد ترامب (BNN Bloomberg).
كما اعتمد ترامب هذه الخطوة لتعزيز شعبيته، لا سيما في الولايات الصناعية مثل ميشيغان وبنسلفانيا، وهي مناطق لطالما شعرت بالخذلان من آثار العولمة وتراجع الصناعة المحلية. وقدّم بذلك نفسه كمدافع عن “العامل الأمريكي” في مواجهة التغول الخارجي والمنتجات المستوردة.
ردود أفعال متباينة: الداخل الأمريكي والعالم
السياسة الحمائية التي انتهجها ترامب لاقت دعمًا من بعض النقابات العمالية والمصنعين المحليين، لكنها أثارت قلقًا عارمًا بين خبراء الاقتصاد الذين حذّروا من تأثيرها على أسعار السلع الاستهلاكية وسلاسل التوريد.
وقد أفادت مجلة New Yorker بأن هذه السياسات أحدثت ارتباكًا في الأسواق المالية وأدت إلى تذبذب كبير في مؤشرات الأسهم الأمريكية. كما واجهت الولايات المتحدة إجراءات مضادة من قبل الصين والاتحاد الأوروبي، ما زاد من تعقيد المشهد التجاري العالمي وهدد بإشعال حرب تجارية ممتدة.
خلاصة المشهد: اقتصاد بوجه سياسي
في المحصلة، لم تكن الرسوم الجمركية التي فرضها ترامب مجرد سياسة اقتصادية لحماية الإنتاج المحلي، بل شكلت أداة شاملة استخدمها لتحقيق أهداف متعددة: من الضغط السياسي على الخارج، إلى ضمان النفوذ داخل الساحة الانتخابية الأمريكية، وصولاً إلى تعويضات مالية للسياسات الضريبية السابقة.
ويبقى السؤال المركزي:
هل كانت هذه الاستراتيجية بالفعل لصالح “أمريكا أولاً”، أم أنها ستسجل كإحدى المغامرات الاقتصادية التي أعادت تشكيل التجارة العالمية لكن بثمن باهظ؟