مقالات

رئيس اتحاد الوطن العربي الدولي يؤكد أن الظلم جرم عظيم

رئيس اتحاد الوطن العربي الدولي يؤكد أن الظلم جرم عظيم
بقلم / المفكر العربي الدكتور خالد محمود عبد القوي عبد اللطيف
مؤسس ورئيس اتحاد الوطن العربي الدولي
رئيس الإتحاد العالمي للعلماء والباحثين
مما لاشك فيه أن الظُّلْمَ داءٌ مُهلِك، وجُرمٌ عظيم، تُخرِب به الأُمم، ويزول به المُلك، وتَتَقطَّع به الأرحام، وتَتَفَتَّت به القلوب، وتُنزَع بسببه البركات.
وما من معصية توعّد الله صاحبها بالهلاك السريع مثل الظُّلْم؛ إذ هو مُضادٌّ لاسم الله العدل، ومناقضٌ لما قامت به السماوات والأرض من القسط.
وقد دلّت نصوص القرآن والسنّة، وإجماع العلماء، وتجارب التاريخ، أنّ الظلم باب كلّ شر، وأن العدل أساس كل خير.
⚫ أوّلًا: تعريف الظلم
● التعريف اللغوي
• الظُّلْمُ في اللغة: وضع الشيء في غير موضعه، وهو الجَوْرُ والمَيْل عن الحقّ.
• التعريف الشرعي
• الظلم شرعًا: “التعدّي على حقوق الله أو حقوق العباد، قولًا أو فعلًا أو حكمًا أو نيةً”.
قال تعالى: ﴿ وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ ﴾ (فَصِّلَتْ: ٤٦).
⚫ ثانيا : حكم الظلم .
الظُّلْمُ حرامٌ شرعًا، وهو من الذنوب العظيمة التي حرمها الله على عباده،ومن أعظم الكبائر؛ لأنّه اعتداءٌ على حقوق الله وحقوق العباد، وقد توعَّد اللهُ تعالى الظالمين بأشدِّ العقاب، وقد جاءت نصوص القرآن والسنة صريحةً واضحةً في تحريمه وذمّه.
قال تعالى: {وَلاَ تَحْسَبَنَّ اللهَ غَافِلاً عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الأَبْصَارُ} [إبراهيم: 42].
وقال سبحانه: ﴿ إِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ﴾
[إبراهيم: 22]
وروى مسلم في صحيحه من حديث أبي ذر – رضي الله عنه -: أن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال فيما يرويه عن ربه عز وجل أنه قال: «يَا عِبَادِي إِنِّي حَرَّمْتُ الظُّلْمَ عَلَى نَفْسِي، وَجَعَلْتُهُ بَيْنَكُمْ مُحَرَّمًا، فَلاَ تَظَالَمُوا»
رواه مسلم رقم (2577))
⚫ ثالثا : أقسام الظلم .
الظلم ينقسم إلى ثلاثة أقسام:
● القسم الأول: ظلم العبد نفسه بالكفر والشرك والنفاق .
ويسمى بالظلم الأكبر:
وهو أعظم أنواع الظلم على الإطلاق.
قال تعالى:{إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ} [لقمان:13]
• وعن ابن مسعود رضي الله عنه:
«أَيُّ الذَّنْبِ أَعْظَمُ؟» قال: «أَنْ تَجْعَلَ لِلَّهِ نِدًّا وَهُوَ خَلَقَكَ»أخرجه البخاري (4477)، ومسلم (86) باختلاف يسير من حديث عبد الله بن مسعود.
وقال تعالى: {الَّذِينَ آَمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ} [الأنعام: 82].
روى البخاري ومسلم في صحيحيهما من حديث عبد الله بن مسعود أنه قال: لما نزلت هذه الآية: {الَّذِينَ آَمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ} شق ذلك على أصحاب رسول الله – صلى الله عليه وسلم -، وقالوا: أينا لا يظلم نفسه؟ فقال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: «لَيْسَ هُوَ كَمَا تَظُنُّونَ، إِنَّمَا هُوَ كَمَا قَالَ لُقْمَانُ لاِبْنِهِ: {يَا بُنَيَّ لاَ تُشْرِكْ بِاللهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ} [لقمان: ]
خرجه البخاري رقم (32)، ومسلم رقم (124))
فهذا النوع من الظلم لا يغفر الله لصاحبه إذا مات عليه، بل هو ملعون مطرود من رحمة الله في كتاب الله، وعلى لسان رسوله – صلى الله عليه وسلم -، قال تعالى: {أَلاَ لَعْنَةُ اللهِ عَلَى الظَّالِمِينَ} [هود: 18].
⚫ ثانيا القسم الثاني: ظلم العباد – وهو أخطر أنواع الظلم بعد الشرك
– الظلم بين الناس من أعظم المهالك، وهو سبب خراب الأمم، ونزع البركات، وتأخير النصر.
قال تعالى:
﴿ وَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلًا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ ﴾ (إِبْرَاهِيمَ: ٤٢).
⚫ صور ظلم العباد .
من هذه الصور :
● ١- ظلم الدماء
قتل النفس بغير حقّ من أكبر الكبائر.
قال تعالى:
﴿ وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا ﴾ (النِّسَاء: ٩٣).
ان ظلم الناس بالقتل والسجن والضرب والشتم والتعذيب من أبشع أنواع الظلم ، روى مسلم في صحيحه من حديث أبي هريرة: أن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال: «صِنْفَانِ مِن أَهْلِ النَّارِ لَم أَرَهُمَا: قَوْمٌ مَعَهُم سِيَاطٌ كَأَذْنَابِ البَقَرِ، يَضْرِبُوْنَ بِهَا النَّاسَ … »
رواه مسلم رقم (2128))
– وما يفعله اليهود عليهم لعائن الله المتتابعة، بإخواننا المسلمين في فلسطين من قتل وتشريد وانتهاك للحرمات لهو من أعظم الظلم وأشنعه، ولا غرابة في ذلك، فهم قتلة الأنبياء عليهم السلام، قال تعالى: {لَقَدْ سَمِعَ اللهُ قَوْلَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاءُ سَنَكْتُبُ مَا قَالُوا وَقَتْلَهُمُ الأَنْبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَنَقُولُ ذُوقُوا عَذَابَ الحَرِيقِ} [آل عمران: 181].
● ٢- ظلم الأموال
• من أكل مال الناس بغير حقّ.
قال تعالى: ﴿ وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُوا بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ… ﴾ (الْبَقَرَة: ١٨٨).
– إن أكل أموال الناس بالباطل ظلمًا وعدوانًا، مثل أكل مال اليتيم، أو عدم إعطاء العمال رواتبهم، أو بخسها، أو السرقة، أو الغش، أو الربا، وغير ذلك، حرام شرعا
روى مسلم في صحيحه من حديث جابر – رضي الله عنه -: أن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال: «اتَّقُوا الظُّلْمَ، فَإِنَّ الظُّلْمَ ظُلُمَاتٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ»
صحيح البخاري برقم (2447)، وصحيح مسلم برقم (2578) من حديث ابن عمر)
● ٣- ومنها الاعتداء على أراضي المسلمين، روى البخاري ومسلم من حديث عائشة رضي الله عنها: أن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال: «مَنْ ظَلَمَ قِيدَ شِبْرٍ مِنَ الأَرْضِ، طُوِّقَهُ مِنْ سَبْعِ أَرَضِينَ»
رواه البخاري رقم (2453)، ومسلم رقم (1612))
ومعنى طوقه: أي يجعل طوقًا في عنقه، يحمله، لا من أرض واحدة، بل من السبع الأرضين، نسأل الله العافية.
● ٤- ومنها: مطل الغني، أي منع قضاء ما استحق أداؤه، روى البخاري ومسلم في صحيحيهما من حديث أبي هريرة: أن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال: «مَطْلُ الْغَنِيِّ ظُلْمٌ»
رواه البخاري رقم (2287)، ومسلم رقم (1564))
فمن كان مديونًا لرجل، واستطاع السداد فلا يجوز المماطلة؛ لأن هذا من الظلم.
● ٥ – ظلم الأعراض
• كالغيبة، والقذف، والتشهير، والخوض في الشرف.
قال تعالى: ﴿ وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا ﴾ (الْأَحْزَاب: ٥٨).
● ٦- ومنها: اتهام الآخرين ورميهم بما ليس فيهم، قال تعالى: {وَمَنْ يَكْسِبْ خَطِيئَةً أَوْ إِثْمًا ثُمَّ يَرْمِ بِهِ بَرِيئًا فَقَدِ احْتَمَلَ بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا} [النساء: 112].
● ٧ – ظلم الزوج لزوجته أو الزوجة لزوجها
وهو ظلم منتشر، ويشمل القهر، والمنع، والإهانة، وترك الواجبات.
وظلم المرأة حقها من صداق ونفقة وكسوة، أو الاستيلاء على مالها، وغير ذلك من الأحوال،
قال النبي ﷺ:
«اللَّهُمَّ إنِّي أُحَرِّجُ حَقَّ الضَّعِيفَيْنِ: اليَتِيمِ، وَالْمَرْأَةِ»
أخرجه ابن ماجه (3678)، وأحمد (9664)، والنسائي في ((السنن الكبرى)) (9149)من حديث أبي هريرة .
فمن وقع في شيء من الظلم فليسارع بالتوبة والرجوع إلى الله تعالى، ولا يغتر بإمهال الله له، فإنه يمهل ولا يهمل.
● ٨ – ظلم العامل والخادم
عن أبي ذر الغفاري، قال ﷺ: «إخوانُكُم جعلَهُمُ اللَّهُ تحتَ أيديكُم ، فأطعِموهم مِمَّا تأكُلونَ ، وألبِسوهم مِمَّا تلبَسونَ ، ولا تُكَلِّفوهم ما يغلبُهُم ، فإن كلَّفتُموهُم فأَعينوهُم»
صحيح : أخرجه البخاري (30)، ومسلم (1661) واللفظ له
⚫ القسم الثالث: ظلم العبد نفسه بالمعاصي والذنوب
قال تعالى: {ثُمَّ أَوْرَثْنَا الكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللهِ ذَلِكَ هُوَ الفَضْلُ الكَبِيرُ} [فاطر: 32].
وقال تعالى عن نبيه موسى عليه السلام: {قَالَ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي فَغَفَرَ لَهُ إِنَّهُ هُوَ الغَفُورُ الرَّحِيمُ} [القصص: 16].
وهذا النوع من الظلم – وهو ظلم العبد نفسه بالمعاصي والذنوب التي دون الشرك- فإن صاحبه تحت مشيئة الله، إن شاء عذبه، وإن شاء غفر له وستره.
روى البخاري ومسلم من حديث ابن عمر: أن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال: «إِنَّ اللهَ يُدْنِي الْمُؤْمِنَ، فَيَضَعُ عَلَيْهِ كَنَفَهُ وَيَسْتُرُهُ، فَيَقُولُ: أَتَعْرِفُ ذَنْبَ كَذَا؟ أَتَعْرِفُ ذَنْبَ كَذَا؟ فَيَقُولُ: نَعَمْ أَيْ رَبِّ، حَتَّى إِذَا قَرَّرَهُ بِذُنُوبِهِ، وَرَأَى فِي نَفْسِهِ أَنَّهُ هَلَكَ قَالَ: سَتَرْتُهَا عَلَيْكَ فِي الدُّنْيَا، وَأَنَا أَغْفِرُهَا لَكَ الْيَوْمَ، فَيُعْطَى كِتَابَ حَسَنَاتِهِ، وَأَمَّا الْكَافِرُ وَالْمُنَافِقُ فَيَقُولُ الأَشْهَادُ: {هَؤُلاَءِ الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى رَبِّهِمْ أَلاَ لَعْنَةُ اللهِ عَلَى الظَّالِمِينَ} [هود: 18]»
رواه البخاري رقم (2441)، ومسلم رقم (2768)) .
ويجب على المؤمن أن يحرص على براءة ذمته من حقوق الآخرين، وأن يتحلل منهم قبل يوم القيامة، حيث لا درهم ولا دينار، وإنما هي الحسنات والسيئات.
روى البخاري في صحيحه من حديث أبي هريرة – رضي الله عنه -: أن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال: «مَنْ كَانَتْ لَهُ مَظْلَمَةٌ لأَحَدٍ مِنْ عِرْضِهِ أَوْ شَيْءٍ فَلْيَتَحَلَّلْهُ مِنْهُ الْيَوْمَ، قَبْلَ أَنْ لاَ يَكُونَ دِينَارٌ وَلاَ دِرْهَمٌ، إِنْ كَانَ لَهُ عَمَلٌ صَالِحٌ أُخِذَ مِنْهُ بِقَدْرِ مَظْلَمَتِهِ، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ لَهُ حَسَنَاتٌ أُخِذَ مِنْ سَيِّئَاتِ صَاحِبِهِ فَحُمِلَ عَلَيْهِ»
رواه البخاري رقم (2449))
⚫ رابعًا: آثار الظلم في الدنيا والآخرة
وَالظُّلْمُ مِنَ الذُّنُوبِ الْعِظَامِ, الذي تَزُولُ بِهِ النِّعَمُ، وَتَنْزِلُ بِهِ النِّقَمُ، فِي الدُّنْيا وَفِي الْآخِرَةِ.
● ١ – آثار دنيوية
– الظَّالِمُ لَا يُحِبُّهُ اللَّهُ، وَلَا يَهْدِيهِ، وَلَا يَغْفِرُ لَهُ -إلّا إِذَا شَاءَ رَبُّنَا تَبَارَكَ وَتَعَالَى- بَلْ إِنَّهُ مَحْرُومٌ مِنَ الْفَلاَحِ فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ. تَأَمَّلْ مَعِي فِي قَوْلِ اللهِ تَعَالَى: (وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الظّالِمِينَ) [آل عمران: 57]، وَقَوْلُهُ: (وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظّالِمِينَ) [البقرة: 258]، وَقَوْلُهُ جَلَّ اسْمُهُ: (إِنَّه لَا يُفْلِحُ الظّالِمُونَ) [الأنعام: 21]، وَقَوْلُهُ: (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَظَلَمُوا لَمْ يَكُنِ اللّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلَا لِيَهْدِيَهُمْ طَرِيقًا إِلاَّ طَرِيقَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللّهِ يَسِيرًا)
روى البخاري ومسلم من حديث أبي موسى الأشعري قال: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: «إِنَّ اللهَ عز وجل يُمْلِي لِلظَّالِمِ، فَإِذَا أَخَذَهُ لَمْ يُفْلِتْهُ» ثُمَّ قَرَأَ: {وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ القُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ} [هود: 102] رواه البخاري رقم (4686)، ومسلم رقم (2583)) .
وروى الإمام أحمد في مسنده من حديث أبي بكرة: أن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال: «مَا مِنْ ذَنْبٍ أَحْرَى أَنْ يُعَجِّلَ اللهُ تبارك وتعالى الْعُقُوبَةَ لِصَاحِبِهِ فِي الدُّنْيَا، مَعَ مَا يَدَّخِرُ لَهُ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْبَغْيِ وَقَطِيعَةِ الرَّحِمِ»
«إن الناس لم يتنازعوا في أن عاقبة الظلم وخيمة، وعاقبة العدل كريمة، ويروى أن الله ينصر الدولة العادلة وإن كانت كافرة، ولا ينصر الدولة الظالمة وإن كانت مسلمة»
مجموع الفتاوى: ابن تيمية (28/ 63))
• إنَّ الظَّالِمَ لَا يَهْنَأُ بِحَيَاةٍ, فَهُوَ دَائِمُ الشُّعُورِ بِالْخَوْفِ وَالْقَلَقِ, وَالْخَوفِ مِنِ انْتِقَامِ الْمَظْلُومِينَ، وَمِنْ دَعَوَاتِهِمُ الَّتِي لَا تُرَدُّ.
وَمِنْهَا: الْمَصَائِبُ وَالْبَلايَا الَّتِي تُصِيبُهُ مِنْ دُعَاءِ الْمَظْلُومِينَ وَابْتِهَالِهِمْ إِلَى اللهِ، فَكَمْ نَغَّصَتْ عَلَى الظَّالِمِينَ حَيَاتَهُمْ! وَكَمْ جَرَّتْ عَلَيْهِمُ الْأَوْجَاعَ وَالْأسْقَامَ، وَذَهَابَ الْأَوْلاَدِ وَالْأَمْوَالِ، وَالْقَتْلَ وَالتَّعْذِيبَ وَغَيْرَ ذَلِكَ.
إن دعوة المظلوم مستجابة كما في الحديث الذي رواه أحمد في مسنده من حديث أبي هريرة: أن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال: «ثَلاثَةٌ لاَ تُرَدُّ دَعْوَتُهُمْ: الإِمَامُ الْعَادِلُ، وَالصَّائِمُ حَتَّى يُفْطِرَ، وَدَعْوَةُ الْمَظْلُومِ تُحْمَلُ عَلَى الْغَمَامِ، وَتُفْتَحُ لَهَا أَبْوَابُ السَّمَاءِ، وَيَقُولُ الرَّبُّ عز وجل: وَعِزَّتِي لأَنْصُرَنَّكِ وَلَوْ بَعْدَ حِينٍ»
قطعة من حديث (13/ 410) برقم (8043)، وقال محققو المسند: حديث صحيح بطرقه وشواهده)
قال الشاعر:
لا تَظْلِمَنَّ إِذَا ما كُنْت مُقْتَدِراً … فَالظُّلمُ مَرتَعُهُ يُفْضِي إلى النَدَم
تَنَامُ عَيْنُكَ وَالمَظلُومُ مُنْتَبِهٌ … يَدعُو عَلَيكَ وَعَينُ اللهِ لم تَنَم
• هلاك الأمم
– من الذنوب التي يعجل الله بعقوبتها في الدنيا قبل الآخرة، وغالبا ما تكون العاقبة هي هلاك الأمم
قال تعالى : (وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَمَّا ظَلَمُوا)[يونس: 13]،
وقال: (وَتِلْكَ الْقُرَى أَهْلَكْنَاهُمْ لَمَّا ظَلَمُوا وَجَعَلْنَا لِمَهْلِكِهِمْ مَوْعِدًا)[الكهف: 59]، بل يكون هلاكهم بعقاب أليم؛ (وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ)[هود: 102].
وقال سبحانه:
﴿ فَكُلًّا أَخَذْنَا بِذَنْبِهِ… وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ ﴾ (الْعَنْكَبُوت: ٤٠).
ونحن نرى في هذه الأيام تساقط هؤلاء الظلمة الطغاة واحدًا تلو الآخر، قد ذهب عزهم، وزال سلطانهم، وأصبحوا في حالة يُرثى لها، وصدق الله إذ يقول: {كَمْ تَرَكُوا مِنْ جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ * وَزُرُوعٍ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ * وَنَعْمَةٍ كَانُوا فِيهَا فَاكِهِينَ * كَذَلِكَ وَأَوْرَثْنَاهَا قَوْمًا آَخَرِينَ} [الدخان: 25 – 28]، وقال تعالى: {فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الأَبْصَارِ} [الحشر: 2].
• نزع البركة من المال والعمر والولد
• تحويل النعمة إلى نقمة
• السخط الاجتماعي وانتشار الفوضى
● ٢ – آثار أخروية
• فِي الْآخِرَةِ:
أَوَّلُ مَا يَنْزِلُ بِالظَّالِمِ اللَّعْنَةُ، وَهُوَ الطَّرْدُ وَالْإبْعَادُ مِنْ رَحْمَةِ اللهِ تَعَالَى، يَقُولُ عَزَّ وَجَلَّ: (يَوْمَ لَا يَنْفَعُ الظَّالِمِينَ مَعْذِرَتُهُمْ وَلَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ) [غافر: 52].
– ثُمَّ إِنَّ هَذَا الظَّالِمَ لَنْ يَكُونَ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ نَصِيرٌ وَلَا شَفِيعٌ وَلَا حَمِيمٌ. فَيُحْرَمُ الظَّلَمَةُ مِنْ شَفَاعَةِ إمَامِ الْمُرْسَلِينَ, وَشَفَاعَةِ مَنْ يَأْذَنِ اللهُ له فِي الشَّفَاعَةِ مِنْ عِبَادِهِ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: (مَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ وَلَا شَفِيعٍ يُطَاعُ) [غافر: 18]، وَيَقُولُ عَزَّ وَجَلَّ: (وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ) [البقرة: 270].
• الظلمات والحسرات يوم القيامة.
– وَمِمَّا يُصِيبُ الظَّالِمِينَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أيضًا الْحَسْرَةُ وَالنَّدَمُ، فَكُلُّ ظالِمٍ سَيَنْدَمُ هُنَاكَ، وَلاتَ سَاعَةَ مَنْدَمٍ؛ (وَلَوْ أَنَّ لِكُلِّ نَفْسٍ ظَلَمَتْ مَا فِي الْأَرْضِ لَافْتَدَتْ بِهِ وَأَسَرُّوا النَّدَامَةَ لَمَّا رَأَوُا الْعَذَابَ وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ) [يونس: 54].
وقال النبي ﷺ:
«الظُّلْمُ ظُلُمَاتٌ يَوْمَ القِيَامَةِ»
أخرجه مسلم (2578)
والطبراني في ((الأوسط)) (8561)، والبيهقي (11612)، وأبو عوانة في ((مستخرجه)) (11260) جميعا بلفظه.
• قصاص العباد من بعضهم
عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
لتؤدُّنَّ الحُقوقَ إلى أَهلِها ، حتَّى يقادَ الشَّاةُ الجلحاءُ منَ الشَّاةِ القرناءِ
أخرجه مسلم (2582)
من حديث أبي هريرة رضي الله عنه .
تَأَمَّلُوا – فِي ذَلِكَ الظَّالِمِ, عِنْدَمَا يُحِيطُ بِهِ خُصَمَاؤُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ, كُلٌّ يُرِيدُ أَخْذَ حَقِّهِ مِنْهُ؛ فَهَذَا يُمْسِكُ يَدَهُ, وَهَذَا يَتَعَلَّقُ بِرَقَبَتِهِ, وهَذَا يَقُولُ: ظَلَمَنِي فَغَشَّنِي، وَذَاكَ يَقُولُ: ظَلَمَنِي فَخَدَعَنِي، وَثَالِثٌ يَقُولُ: ظَلَمَنِي فَأَكَلَ مَالِي, وَرَابِعٌ يَقُولُ: ظَلَمَنِي فَاغْتَابَنِي، وآخَرٌ يَقُولُ: كَذَبَ عَلَيَّ، وَهَذِهِ زَوْجَةٌ تَقُولُ: ظَلَمَنِي فِي النَّفَقَةِ وَلَمْ يُحْسِنْ عِشْرَتِي، أَوْ تَقُولُ: لَمْ يَعْدِلْ بَيْنِي وَبَيْنَ زَوْجَتِهِ الْأُخْرَى. وَهَذَا الزَّوْجُ يَقُولُ: عَصَتْنِي زَوْجَتِي وَنَشَزَتْ عَلَيَّ… وَهَكَذَا.
فبينما هو كذلك وقد انشب الخصماء فيه مخالبهم وأحكموا في تلابيبه أيديهم وهو مبهوت متحير من كثرتهم، حتى لم يبق أحد عامله على درهم أو جالسته في مجلس إلا وقد استحق عليه مظلمة. إذ قرع سمعه نداء الجبار جل جلاله: (الْيَوْمَ تُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ لَا ظُلْمَ الْيَوْمَ) [غافر: 17]، فعند ذلك ينخلع قلبه من الهيبة وتوقن نفسه بالبوار، ويتذكر عندئذ ما أنذره الله تعالى على لسان رسول حيث قال : (وَلَا تَحْسَبَنَّ اللهَ غَافِلًا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصَارُ مُهْطِعِينَ مُقْنِعِي رُءُوسِهِمْ لَا يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ وَأَفْئِدَتُهُمْ هَوَاءٌ وَأَنْذِرِ النَّاسَ) [إبراهيم: 42- 44].
يا لَهَا مِنْ مُصِيبَةٍ وَمَا أَشَدَّهَا مِنْ حَسْرَةٍ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ إِذَا جَاءَ الرَّبُّ جَلَّ وَعَلَا لِلْفَصْلِ بَيْنَ عِبَادِهِ بِحُكْمِهِ الْعَدْلِ، وَرَأَى الظَّالِمُ وَعَلِمَ أَنَّهُ مُفْلِسٌ فَقِيرٌ عَاجِزٌ مَهِينٌ، لَا يَقْدِرُ عَلَى أَنْ يَرُدَّ حَقًّا أَوْ يُظْهِرَ عُذْرًا. وَبَعْدَ هَذَا الْمِشْوَارِ، وَبَعْدَ كُلِّ هَذَا سَيَمْكُثُ الظَّلَمَةُ فِي نَارِ جَهَنَّمَ، ما شاء الله, وَتَكُونُ هِي نِهَايَتُهُمْ فَبِئْسَتِ النِّهَايَةُ، وَسَاءَتِ الْخَاتِمَةُ، قَالَ تَعَالَى: (وَنَقُولُ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا ذُوقُوا عَذَابَ النَّارِ الَّتِي كُنْتُمْ بِهَا تُكَذِّبُونَ) [سبأ: 42]، فَعَاقِبَةُ الظَّالِمِينَ جَهَنَّمُ، اعاذنا الله منها.
⚫ خامسا : أسباب الظلم
• ضعف الإيمان
• حب السلطة
• الطمع
• الغضب
• الجهل بالحقوق
• اتباع الهوى
يَقُولُ جَابِرُ بنُ عبدِ اللهِ: لَمَّا رَجَعَتْ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مُهَاجِرَةُ الْبَحْرِ، قَالَ: “أَلَا تُحَدِّثُونِي بِأَعَاجِيبِ مَا رَأَيْتُمْ بِأَرْضِ الْحَبَشَةِ؟” قَالَ فِتْيَةٌ مِنْهُمْ: بَلَى، يَا رَسُولَ اللَّهِ بَيْنَا نَحْنُ جُلُوسٌ مَرَّتْ بِنَا عَجُوزٌ مِنْ عَجَائِزِ رَهَابِينِهِمْ، تَحْمِلُ عَلَى رَأْسِهَا قُلَّةً مِنْ مَاءٍ، فَمَرَّتْ بِفَتًى مِنْهُمْ، فَجَعَلَ إِحْدَى يَدَيْهِ بَيْنَ كَتِفَيْهَا، ثُمَّ دَفَعَهَا فَخَرَّتْ عَلَى رُكْبَتَيْهَا، فَانْكَسَرَتْ قُلَّتُهَا، فَلَمَّا ارْتَفَعَتِ الْتَفَتَتْ إِلَيْهِ، فَقَالَتْ: سَوْفَ تَعْلَمُ يَا غُدَرُ إِذَا وَضَعَ اللَّهُ الْكُرْسِيَّ، وَجَمَعَ الْأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ، وَتَكَلَّمَتِ الْأَيْدِي وَالْأَرْجُلُ، بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ، فَسَوْفَ تَعْلَمُ كَيْفَ أَمْرِي وَأَمْرُكَ
عِنْدَهُ غَدًا، قَالَ: يَقُولُ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «صَدَقَتْ، صَدَقَتْ كَيْفَ يُقَدِّسُ اللَّهُ أُمَّةً لَا يُؤْخَذُ لِضَعِيفِهِمْ مِنْ شَدِيدِهِمْ؟» (رَوَاهُ ابْنُ مَاجَه)
⚫ سادسا: طرق العلاج
● ١ – تقوى الله ومراقبته
قال تعالى:
﴿ أَلَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ اللَّهَ يَرَى ﴾ (الْعَلَق: ١٤).
● ٢ – تعلم الحقوق والواجبات
● ٣ – تربية النفس على العدل والرحمة
● ٤ – تذكير الظالم بعاقبة ظلمه
● ٥ – نصرة المظلوم
عن انس بن مالك ،قال ﷺ: «انْصُرْ أَخَاكَ ظَالِمًا أَوْ مَظْلُومًا، قالوا: يا رَسُولَ اللَّهِ، هذا نَنْصُرُهُ مَظْلُومًا، فَكيفَ نَنْصُرُهُ ظَالِمًا؟ قالَ: تَأْخُذُ فَوْقَ يَدَيْهِ.»
أخرجه البيهقي (11510) واللفظ له، والترمذي (2255)، وأحمد (11949) باختلاف يسير.
⚫ الخاتمة
إنَّ العدلَ روحُ الحياة، وسِرُّ البقاء، وسببُ النصر، وإنَّ الظلمَ لعنةٌ تُلاحِقُ صاحبها، ولو بعد حين. وما ضاع حقٌّ وراءه طالب، وما نسِيَ اللهُ ظالمًا قطّ. فليتب كل ظالم، وليعتذر كل معتدٍ، ولينصر كل قادر أخاه الضعيف.
🤲 ونسأل الله نيل شرف العدل، والبعد عن الظلم، وأن يجعلنا مفاتيح للخير مغاليق للشر.
اللهم لا تجعلنا مقيقين الظالمين، ولا من المعينين لهم، ولا من الراضين يقضي
بظلمهم.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى