مقالات

رئيس اتحاد الوطن العربي الدولي يتحدث عن مكانة العقل

رئيس اتحاد الوطن العربي الدولي يتحدث عن مكانة العقل

بقلم / المفكر العربي الدكتور خالد محمود عبد القوي عبد اللطيف

مؤسس ورئيس اتحاد الوطن العربي الدولي

رئيس الإتحاد العالمي للعلماء والباحثين

مما لاشك فيه أن مَكانةُ العَقلِ في الإسلامِ كبيرةٌ، فَهُو مَناطُ التَّكليفِ، ومِن أَعظَمِ النِّعَمِ والتَّشريفِ، وقدِ امتنَّ اللهُ بِهِ على الإنسانِ، لِأَنَّهُ يُمَيِّزُ بِهِ بينَ النَّافعِ والضَّارِّ، ولهذا، اعتَنى الإسلامُ بِهِ عِنايةً كُبرى، نَظَرًا لِأَهمِّيَّتِهِ، فمِن مَظاهِرِ عِنايةِ الإسلامِ بِالعَقلِ:

أَوَّلًا: إنَّهُ اعتَبَرَ العَقلَ إحدَى الضَّروراتِ الخَمسِ الكُبرى الَّتي يَنبَغي المُحافَظةُ عليها، وحرَّمَ كُلَّ ما يَضُرُّ بِالعَقلِ ويُغَيِّبُهُ، كالخُمورِ والمُسكِراتِ والمُفَتِّراتِ، وشَرَعَ العُقوباتِ الرَّادِعةَ لِمَن يَتَعاطى ذلك، حِفاظًا على هذهِ النِّعمةِ العَظيمةِ.

ثانيًا: إنَّهُ دعا العَقلَ إلى التَّفكُّرِ والتَّأمُّلِ، سَواءٌ كانَ التَّفكُّرُ في نُصوصِ الشَّرعِ بِحُسنِ فَهمِها والعَمَلِ بِها، أَوِ التَّفكُّرُ في مَجالاتِ الكَونِ الفَسيحِ، وما أَودَعَ اللهُ فيهِ مِن عَجائبِ المَصنوعاتِ، الدَّالَّةِ على وَحدانيَّتِهِ وعَظَمَتِهِ وجَلالِهِ، والقُرآنُ مَليءٌ بِالآياتِ الدَّاعيةِ إلى النَّظرِ في سُنَنِ الكَونِ وقَوانينِ الحَياةِ، قالَ تعالى: {قُلِ انظُروا ماذا في السَّماواتِ وَالأَرضِ}، وعِندما أُنزِلَت على نَبِيِّنا الكَريمِ عليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ، قَولُهُ سُبحانه: {إنَّ في خَلقِ السَّماواتِ والأَرضِ واختِلافِ اللَّيلِ والنَّهارِ لَآياتٍ لِأُولِي الأَلبابِ}، كانَ في حالٍ عَجيبةٍ مِن التَّأثُّرِ، حيثُ سُئِلَت عائشةُ رضيَ اللهُ عنها: أَخبرينا بأَعجَبَ شيءٍ رَأَيتِهِ مِن رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم، فَسَكَتَت، ثُم قالت: لَمَّا كانَ لَيلةً مِنَ اللَّيالي، قالَ: «يا عائشةُ، ذَرِينِي أَتعبَّدِ اللَّيلةَ لِرَبِّي»، قُلتُ: واللهِ إِنِّي لَأُحِبُّ قُربَكَ وأُحِبُّ ما سَرَّكَ، قالت: فقامَ فَتَطَهَّرَ ثُمَّ قامَ يُصَلِّي، فَلَم يَزَل يَبكي حتى بَلَّ حِجرَه، ثُم بَكى فَلَم يَزَل يَبكي حتى بَلَّ لِحيتَه، ثُم بَكى فَلَم يَزَل يَبكي حتى بَلَّ الأَرضَ، فَجاءَ بِلالٌ يُؤذِنُهُ بِالصَّلاةِ، فَلَمَّا رآهُ يَبكي قالَ: يا رسولَ اللهِ، لِمَ تَبكي، وقد غَفَرَ اللهُ لَكَ ما تَقَدَّمَ مِن ذَنبِكَ وما تَأَخَّرَ؟ قالَ: «أَفَلا أَكونُ عَبدًا شَكورًا؟ لَقَد نَزَلَت عَلَيَّ اللَّيلةَ آيةٌ، وَيلٌ لِمَن قَرَأَها ولَم يَتَفَكَّرْ فيها {إنَّ في خَلقِ السَّماواتِ والأَرضِ} الآية».

وقد عابَ اللهُ على مَن يُعطِّلونَ عقولَهم عن وَظائِفِها، ولا يُسَخِّرونَها في التَّفكُّرِ، سَواءٌ في آياتِهِ الشَّرعيَّةِ، كما في قَولِهِ: {أَفَلا يَتَدَبَّرونَ القُرآنَ أَم على قُلوبٍ أَقفالُها}، أَو في آياتِهِ الكَونيَّةِ، كما في قولِهِ: {وَكَأَيِّن مِن آيةٍ في السَّماواتِ والأَرضِ يَمُرُّونَ عليها وهُم عنها مُعرِضون}.

ثالثًا: إنَّ القُرآنَ حافِلٌ بِالحُجَجِ العَقليةِ الدَّامِغةِ على توحيدِ اللهِ وصِدقِ رُسُلِهِ وإثباتِ المَعادِ وغيرِ ذلك، فمِن ذلك على سبيلِ المثالِ، قولُهُ تعالى: {أَم خُلِقوا مِن غيرِ شيءٍ أَم هُمُ الخالِقون}، فَهذا بُرهانٌ عَقليٌّ قاطِعٌ، أَي: إِمّا أَن يكونوا خُلِقوا مِن العَدَمِ، ومَعلومٌ أَنَّ العَدَمَ لا يَخلُقُ شيئًا، لِأَنَّ فاقِدَ الشيءِ لا يُعطِيهِ، وإِمّا أَن يكونوا خَلَقوا أَنفُسَهم، وهُم يَعلَمونَ أَنَّهُم لَم يَخلُقوا أَنفُسَهم، فلا يَبقى إلّا أَنَّ لهم خالِقًا، هوَ اللهُ تعالى.

يَحكي جُبَيرُ بنُ مُطْعِمٍ رضِيَ اللهُ عنه أَنَّهُ سَمِعَ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم يَقرَأُ في المَغرِبِ بِسورةِ الطُّورِ، فَلَمّا بَلَغَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم هذهِ الآياتِ: {أَم خُلِقوا مِن غيرِ شيءٍ أَم هُمُ الخالِقون * أَم خَلَقوا السَّماواتِ والأَرضَ بَل لا يُوقِنونَ * أَم عِندَهُم خَزائِنُ رَبِّكَ أَم هُمُ المُصَيْطِرون} [الطور: 35 – 37]، قالَ جُبَيرُ بنُ مُطعِمٍ رضِيَ اللهُ عنه: «كادَ قَلبي أَن يَطيرَ»، يَعني: قارَبَ قَلبي أَن يَخرُجَ مِن مَكانِهِ؛ لِما تَضَمَّنَتْهُ الآياتُ مِن بَليغِ الحُجَّةِ. وقد كانَ جُبَيرُ بنُ مُطعِمٍ رضِيَ اللهُ عنه قَدِمَ على النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم بعدَ وَقعَةِ بَدرٍ في فِداءِ الأُسارى، في العامِ الثَّاني مِنَ الهِجرةِ، وكانَ إذ ذاك مُشرِكًا، وكانَ سَماعُه هذهِ الآياتِ مِن هذهِ السُّورةِ مِن جُملةِ ما حَمَلَهُ على الدُّخولِ في الإسلامِ بَعدُ.

من المعلوم أن رسول الله هو أعقل خلق الله

============================

لا شَكَّ أَنَّ العَقْلَ عُنْصُرُ الأَخْلاقِ الشَّرِيفَةِ، وَمِنْهُ يَنْبَعِثُ العِلْمُ وَالمَعْرِفَةُ.

#وَمِنَ المَعْلُومِ لِكُلِّ ذِي لُبٍّ أَنَّ سَيِّدَنَا مُحَمَّدًا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ مِنْ أَعْقَلِ خَلْقِ اللهِ، بَلْ أَعْقَلُهُمْ وَأَكْمَلُهُمْ عَلَى الإِطْلَاقِ.

#قَالَ وَهْبُ بْنُ مُنَبِّهٍ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى:

“قَرَأْتُ إِحْدَى وَسَبْعِينَ كِتَابًا، فَوَجَدْتُ فِي جَمِيعِهَا أَنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ لَمْ يُعْطِ جَمِيعَ النَّاسِ مِنْ بَدْءِ الدُّنْيَا إِلَى انْقِضَائِهَا مِنَ العَقْلِ فِي جَنْبِ عَقْلِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ إِلَّا كَحَبَّةِ رَمْلٍ مِنْ بَيْنِ رِمَالِ جَمِيعِ الدُّنْيَا، وَأَنَّ مُحَمَّدًا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ أَرْجَحُ النَّاسِ عَقْلًا، وَأَفْضَلُهُمْ رَأْيًا”.

رَوَاهُ الحَكِيمُ التِّرْمِذِيُّ وَأَبُو نُعَيْمٍ، وَابْنُ عَسَاكِرَ رَحِمَهُمُ اللهُ تَعَالَى.

#وَرَوَى دَاوُدُ بْنُ المُحَبَّرِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ تَعَالَى عَنْهُمَا رَفْعَهُ:

«أَفْضَلُ النَّاسِ أَعْقَلُ النَّاسِ»

قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: وَذَلِكُمْ نَبِيُّكُمْ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ.

#وَنُقِلَ عَنِ العَوَارِفِ عَنْ بَعْضِ الأَكَابِرِ قَالَ:

العَقْلُ وَاللُّبُّ مِائَةُ جُزْءٍ: تِسْعَةٌ وَتِسْعُونَ فِي النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ، وَجُزْءٌ فِي سَائِرِ النَّاسِ.

#وَمِمَّا يَتَفَرَّعُ عَنِ العَقْلِ ثَقُوبُ الرَّأْيِ، وَجَوْدَةُ الفِطْنَةِ، وَالإِصَابَةُ، وَصِدْقُ الظَّنِّ، وَالنَّظَرُ لِلْعَوَاقِبِ، وَمَصَالِحِ النَّفْسِ، وَمُجَاهَدَةُ الشَّهْوَةِ، وَحُسْنُ السِّيَاسَةِ وَالتَّدْبِيرِ، وَاقْتِفَاءُ الفَضَائِلِ، وَاجْتِنَابُ الرَّذَائِلِ، وَقَدْ بَلَغَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ مِنْ ذَلِكَ الغَايَةَ الَّتِي لَمْ يَبْلُغْهَا بَشَرٌ سِوَاهُ.

#وَمِنْ تَأَمَّلَ حُسْنَ تَدْبِيرِهِ لِلْعَرَبِ الَّذِينَ هُمْ كَالْوَحْشِ الشَّارِدِ، وَالطَّبْعِ المُتَنَافِرِ المُتَبَاعِدِ؛ كَيْفَ سَاسَهُمْ، وَاحْتَمَلَ جَفَاهُمْ، وَصَبَرَ عَلَى أَذَاهُمْ، حَتَّى انْقَادُوا إِلَيْهِ، وَاجْتَمَعُوا عَلَيْهِ، وَقَاتَلُوا دُونَهُ أَهْلِيهِمْ؛ آبَاءَهُمْ وَأَبْنَاءَهُمْ، وَاخْتَارُوهُ عَلَى أَنْفُسِهِمْ، وَهَجَرُوا فِي رِضَاهُ أَوْطَانَهُمْ وَأَحْبَابَهُمْ، مِنْ غَيْرِ مُمَارَسَةٍ سَبَقَتْ لَهُ، وَلَا مُطَالَعَةِ كُتُبٍ يَتَعَلَّمُ مِنْهَا سُنَنَ المَاضِينَ؛ تَحَقَّقَ أَنَّهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ أَعْقَلُ النَّاسِ.

وَلَمَّا كَانَ عَقْلُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ أَوْسَعَ العُقُولِ لَا جَرَمَ اتَّسَعَتْ أَخْلَاقُ نَفْسِهِ الكَرِيمَةِ اتِّسَاعًا لَا يَضِيقُ عَنْ شَيْءٍ.

#وَيَقُولُ صَاحِبُ كِتَابِ “خَاتَمِ النَّبِيِّينَ”:

[مُنْذُ نَشَأَ سَيِّدُنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ وَالعَقْلُ المُكْتَمِلُ حِلْيَتُهُ العُلْيَا الَّتِي سَمَا بِهَا عَلَى الغِلْمَانِ أَتْرَابِهِ؛ فَمُنْذُ اسْتَوَى غُلَامًا، وَالعَقْلُ يُزَيِّنُهُ.

وَلَقَدْ بَدَا ذَلِكَ لِجَدِّهِ عَبْدِ المُطَّلِبِ الَّذِي أَخَذَهُ لِيُعَوِّدَهُ أَخْلَاقَ الرِّجَالِ المُكْتَمِلِينَ.

#وَلَمَّا ذَهَبَ إِلَى بَيْتِ عَمِّهِ أَبِي طَالِبٍ بَعْدَ وَفَاةِ جَدِّهِ القَرِيبِ، كَانَ الغُلَامَ الرَّزِينِ المُكْتَمِلَ وَسْطَ أَوْلَادِ أَبِي طَالِبٍ، لَا يَسْبِقُ الأَيْدِيَ إِلَى الطَّعَامِ، وَلَا يَدْخُلُ فِي زَحْمَةِ الاغْتِرَافِ، بَلْ يَتَرَيَّثُ غَيْرَ نَهِمٍ وَلَا جَشِعٍ وَلَا طَامِعٍ، بَلِ الهَادِئُ الرَّزِينُ، قَدْ يَكْتَفِي بِالقَلِيلِ، أَوْ مَا دُونَهُ حَتَّى يَتَنَبَّهَ إِلَيْهِ عَمُّهُ الشَّفِيقُ فَيُقَرِّبُ إِلَيْهِ مَا يَبْعُدُ، وَيَخُصُّهُ بِمَا يَكْفِيهِ مَئُونَةَ المُزَاحَمَةِ…

حتّى إذا بَلَغَ قَدْرًا يَسْتَطِيعُ فيه الاكْتِسابَ عَمِلَ على رَعْيِ الأَغْنامِ؛ لِيَأْكُلَ مِنْ عَمَلِ يَدِهِ، وَلِيَنالَ مِنْ خَيْرِ الدُّنْيا بِمِقْدارِ ما قَدَّمَ فيها مِنْ نَفْعٍ غَيْرِ مُؤْثِلٍ وَلا مُقَصِّرٍ.

وَعَقْلُهُ المُدْرِكُ لِمَصِيرِهِ بِقابِلِ حَياتِهِ في قابِلِ عُمُرِهِ، فَهُوَ يَعِدُّ نَفْسَهُ لِلتِّجارَةِ ـ عَمَلِ قَوْمِهِ، وَمُكْتَسَبِ أَرْزاقِهِمْ، وَمُنَشِّطِ قُواهُمْ ـ، فَأَلَحَّ على عَمِّهِ أَبِي طالِبٍ أَنْ يَأْخُذَهُ مَعَهُ إِلَى الشّامِ في قافِلَةِ تِجارَةِ قُرَيْشٍ، لِيَكُونَ على خِبْرَةٍ بِالصَّفْقِ في الأَسْواقِ، وَلِيَتَعَلَّمَ المَصادِرَ وَالمَوارِدَ، وَذلِكَ وَهُوَ في الثّانِيَةِ عَشْرَةَ مِنْ عُمُرِهِ، حتّى إِذا عادَ مِنْ هذِهِ الرِّحْلَةِ المُبارَكَةِ عادَ وَقَدِ امْتَلَأَ عَقْلُهُ تَجْرِبَةً، فَيُمارِسُ التِّجارَةَ صَغُرَتْ بِضاعَتُهُ أَوْ كَبُرَتْ، وَهُوَ على بَيِّنَةٍ مِنْ أَمْرِها، عَلِيمٍ بِأَسْواقِها، وَالرّائِجِ مِنْها وَالكاسِدِ.

وَلِكَمَالِ عَقْلِهِ كانَ الشّابُّ التّاجِرُ يَحْضُرُ مُجْتَمَعاتِ قُرَيْشٍ؛ فَهُوَ يَحْضُرُ نَدْوَتَها، فاحِصًا ما يُقالُ فيها مِنْ حَقٍّ يَرْضاهُ، وَباطِلٍ يَجْفُوهُ وَلا يُقِرُّهُ، وَيَحْضُرُ حِلْفَ الفُضُولِ، وَيَرى لِعَقْلِهِ الكامِلِ المُدْرِكِ أَنَّهُ لا يَسُرُّهُ بِهِ حُمْرُ النَّعَمِ، وَلا يَرى نُصْرَةً لِلْحَقِّ أَقْوَى مِنْهُ، وَلَوْ دُعِيَ بِهِ في الإِسْلامِ بَعْدَ أَنْ عَمَّ الحَقُّ، لأَجابَ تَكْرِيمًا لَهُ وَإِعْلاءً لِقَدْرِهِ.

وَإِنَّنا وَنَحْنُ نَتَكَلَّمُ على قُوَّتِهِ العَقْلِيَّةِ النّافِذَةِ إِلَى الحَقائِقِ، لا إِلَى الظّاهِرِ، نَتَعَرَّضُ لِنُفُورِهِ مِنَ التَّقْلِيدِ مِنْ غَيْرِ دَلِيلٍ، فَهُوَ قَدْ نَفَرَ مِنْ عاداتِ الجاهِلِيَّةِ الَّتِي كانَتْ تُحَرِّمُ وَتُحِلِّلُ مِنْ غَيْرِ بَيِّنَةٍ وَلا عِلْمٍ قائِمٍ على الحَقائِقِ المُقَرَّرَةِ الثّابِتَةِ. فَلَمْ نَرَهُ يَسْجُدُ لِصَنَمٍ قَطُّ، لأَنَّ حُكْمَ العَقْلِ يَتَقاضاهُ أَلّا يَسْجُدَ لِمَنْ لا يَمْلِكُ لِنَفْسِهِ نَفْعًا وَلا ضَرًّا، وَيَكْرَهُ ذِكْرَ الأَصْنامِ وَعِبادَتَها، فَيَسْتَحْلِفُهُ الرّاهِبُ بِاللّاتِ وَالْعُزّى، فَيَقُولُ الغُلامُ ﷺ: «ما كَرِهْتُ شَيْئًا كَما كَرِهْتُهُما».

وَيَخْتَلِفُ مَعَ تاجِرٍ، فَيَسْتَحْلِفُهُ التّاجِرُ بِاللّاتِ وَالْعُزّى، فَيَمْتَنِعُ، فَيُسَلِّمُ لَهُ التّاجِرُ بِحَقِّهِ مِنْ غَيْرِ حَلِفٍ؛ لِأَمانَتِهِ.

لَقَدْ عَلِمَتْ قُرَيْشٌ كُلُّها بِكَمَالِ عَقْلِهِ، وَقُوَّةِ إِدْراكِهِ، فَرَضِيَتْ بِهِ حَكَمًا، ساعَةَ أَنْ احْتَدَمَ الجَدَلُ، وَكاتَتِ السُّيُوفُ تُمْتَشَقُ، وَالمَعَارِكُ أَنْ تُنْصَبَ، فَلَمّا نادَتْهُ القُرْعَةُ: أَنْ أَقْدِمْ، وَافْصِلْ بَيْنَ النّاسِ بِالحَقِّ، رَضُوا بِحُكْمِهِ، لأَنَّهُ سَيَكُونُ حُكْمَ العَقْلِ وَالحَقِّ، وَأَيُّ شَخْصٍ غَيْرُ عاقِلٍ وَحَكِيمٍ كانَ يَهْتَدِي إِلَى الحُكْمِ الَّذِي يُرْضِيهِمْ جَمِيعًا، فَيُشْرِكُهُمْ جَمِيعًا في فَضْلِ حَمْلِ الحَجَرِ الأَسْوَدِ إِلى مَوْضِعِهِ مِنْ غَيْرِ مُشاحَّةٍ وَلا خُصُومَةٍ وَلا تَفاضُلٍ بَيْنَهُمْ.

وَيَحْمِلُهُ هُوَ بِيَدِهِ ابْتِداءً فَلا يُنازِعُونَهُ لِفَضْلِ عَقْلِهِ، ثُمَّ يَحْمِلُهُ هُوَ وَحْدَهُ انْتِهاءً وَيَضَعُهُ في مَوْضِعِهِ بِيَدَيْهِ الكَرِيمَتَيْنِ، فَيَرْضَوْنَ ما يَفْعَلُ.

شكر الله على نعمة العقل بحسن استخدامه

================≠=======≠==

أَلَا فَلْنَشْكُرِ اللَّهَ تَعَالَى عَلَى نِعْمَةِ العَقْلِ ، أَلَا فَلْنَحْمَدْهُ عَلَى تَكْرِيمِهِ لَنَا بِهِ عَلَى سَائِرِ خَلْقِهِ، لَهُ المِنَّةُ وَالفَضْلُ.

لَكِنِ السُّؤَالُ المُهِمُّ بَعْدَ ذَلِكَ هُوَ: مَا مَدَى اسْتِخْدَامِنَا لِعُقُولِنَا فِيمَا يَنْفَعُنَا؟ إِنَّ مِنْ عَلامَاتِ الرَّشَادِ التَّفْكِيرُ قَبْلَ الإِقْدَامِ عَلَى فِعْلٍ أَوْ قَوْلِ شَيْءٍ مَا، التَّفْكِيرُ وَلَوْ لِثَانِيَةٍ وَاحِدَةٍ عَلَى الأَقَلِّ، وَهِيَ فِطْرَةٌ بَشَرِيَّةٌ تَتَفَاوَتُ بَيْنَ إِنْسَانٍ وَآخَرَ.

وَالتَّفْكِيرُ الَّذِي نَعْنِيهِ لَيْسَ هُوَ المُجَرَّدَ، لَا؛ وَإِنَّمَا هُوَ التَّفْكِيرُ الإِيجَابِيُّ المَبْنِيُّ عَلَى عَقْلِيَّةٍ إِيمَانِيَّةٍ تُفَكِّرُ فِي الحَلَالِ وَالحَرَامِ، وَالمَعْرُوفِ وَالمُنْكَرِ، وَالنَّافِعِ وَالضَّارِّ، هَذِهِ هِيَ أُولَى مَوَازِينِهَا وَأَدَوَاتِ قِيَاسِهَا الَّتِي تَحْكُمُ الإِقْدَامَ وَالإِحْجَامَ، هَذِهِ هِيَ مُنْطَلَقَاتُ تِلْكَ العَقْلِيَّةِ الَّتِي تَجْعَلُهَا تَقْبَلُ أَوْ تَرْفُضُ، تُقِرُّ أَوْ تَمْنَعُ، وَهِيَ مِنْ عَلامَاتِ رُجْحَانِهَا وَرَشَدِهَا وَحُسْنِ اسْتِخْدَامِهَا.

مَا هِيَ مَظَاهِرُ ضَعْفِ اسْتِخْدامِ العَقْلِ؟ مِنْ هَذِهِ المَظَاهِرِ التَّقْلِيدُ الأَعْمَى، فَهُوَ لَا شَكَّ مُؤَشِّرٌ عَلَى ضَعْفِ اسْتِخْدَامِ العَقْلِ.

أَلَا تَرَوْنَ إِبْرَاهِيمَ -عَلَيْهِ السَّلَامُ- يَعِيبُ عَلَى قَوْمِهِ تَبْرِيرَهُمْ عِبَادَةَ الأَصْنَامِ بِأَنَّهُ فِعْلُ آبَائِهِمْ، يَعْنِي مَا دَامَ فِعْلَ الآبَاءِ فَنَحْنُ نُقَلِّدُهُمْ!

فَأَرَادَ -عَلَيْهِ السَّلَامُ- أَنْ يُحَرِّكَ عُقُولَهُمْ، قَالَ:

(قَالَ هَلْ يَسْمَعُونَكُمْ إِذْ تَدْعُونَ * أَوْ يَنْفَعُونَكُمْ أَوْ يَضُرُّونَ * قَالُوا بَلْ وَجَدْنَا آبَاءَنَا كَذَٰلِكَ يَفْعَلُونَ) [الشُّعَرَاء: 72-74]،

فَقَالَ لَهُمْ مُسْتَنْكِرًا -كَمَا فِي آيَاتٍ أُخْرَى-:

(قَالَ أَفَتَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَنْفَعُكُمْ شَيْئًا وَلَا يَضُرُّكُمْ * أُفٍّ لَكُمْ وَلِمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَفَلَا تَعْقِلُونَ) [الأَنْبِيَاء: ٦٦-٦٧]،

يَعْنِي أَيْنَ هِيَ عُقُولُكُمْ؟ لِمَاذَا لَا تُفَكِّرُونَ بِهَا قَبْلَ أَنْ تَفْعَلُوا مَا تَفْعَلُونَ؟

حجج سيدنا ابراهيم العقلية لإبطال مزاعم قومه

=======≠=======================

وقال الله جل جلاله في سورة الأنعام [75-79]: ﴿وَكَذَلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ ۞ فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأَى كَوْكَبًا قَالَ هَـذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَا أُحِبُّ الآفِلِينَ ۞ فَلَمَّا رَأَى الْقَمَرَ بَازِغًا قَالَ هَـذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَئِن لَّمْ يَهْدِنِي رَبِّي لأكُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الضَّالِّينَ ۞ فَلَمَّا رَأَى الشَّمْسَ بَازِغَةً قَالَ هَـذَا رَبِّي هَـذَا أَكْبَرُ فَلَمَّا أَفَلَتْ قَالَ يَا قَوْمِ إِنِّي بَرِيءٌ مِّمَّا تُشْرِكُونَ ۞ إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ حَنِيفًا وَمَا أَنَاْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ﴾.

لما أراد سيدنا إبراهيم عليه السلام إبطال زعم قومه بربوبية ما سوى الله بطريق العقل، فلما شهد حركة الكواكب وأفولها قال: ﴿لَا أُحِبُّ الآفِلِينَ﴾، بل إنه استرسل بعد ذلك فقال: ﴿إِنِّي بَرِيءٌ مِّمَّا تُشْرِكُونَ﴾.

وباستدلال سيدنا إبراهيم على أن أفول الكوكب غير جائز في حق الخالق؛ وجب علينا النظر في أمرين:

– أحدهما: ما هو الأفول؟ والآخر: كيف يدل الأفول على عدم ربوبية الكوكب؟

أما الأول: الأفول: عبارة عن غيبوبة الشيء بعد ظهوره، إذًا فهو يدل على الحدوث؛ قال النحوي الأخفش الأوسط: “وإنما هذا مثل ضربه لهم ليعرفوا إذا هو زال: لا ينبغي أن يكون مثله إلهاً، وليدلهم على وحدانية الله، وأنه ليس مثله شيء”، وقال اللغوي ابن فارس: “وكل شيء غاب فهو آفل قال الخليل: وإذا استقر اللقاح في قرار الرحم فقد أفل”.

لكن لِمَ ترك إبراهيم الاستدلال على حدوثها بالطلوع وعول على إثبات الشرك بالأفول؟! طالما أن الطلوع والأفول حادثين.

والجواب: لأن الدليل الذي يحتج به الأنبياء في معرض دعوة الخلق كلهم إلى الله لا بد أن يكون ظاهراً جلياً بحيث يشترك في فهمه العالم والجاهل، ودلالة الأفول دلالة ظاهرة كونه انتقال مع اختفاء واحتجاب؛ فتستوي العقول في فهمه لأن الكوكب يزول سلطانه وقت الأفول فكان الشاهد أتم. أما الثاني: كون الكوكب له أفول، أفيمنع ذلك من ربوبيته؟!

والجواب من وجهين:

الوجه الأول: أن الإله صمد لا يحتاج إلى شيء ويحتاج إليه كل شيء، فإذا ثبت أن الأفول من علامات الحدوث وجب القطع باحتياجها لمن أحدثها وبالتالي أثر في أفولها، وبذلك يثبت لدينا أن الأفول من صفات المحدثات التي لا تستحق أن تقوم بذاتها فتكون إلهاً يعبد، ويكون المعنى: “لا أحب عبادة الأرباب المتغيرين من حال إلى حال فإن ذلك دليل على الحدوث وهو من صفات الأجرام والرب لا يجوز عليه التغير والانتقال”.

قال الصحابي قتادة بن النعمان رضي الله عنه: علم -سيدنا إبراهيم عليه السلام- أن ربه دائم لا يزول.

الوجه الثاني: أن أفول الكوكب دالٌّ على عجزها عن الخلق والإيجاد بل والتأثير بأفول غيرها، ولزم التسلسل وهو محال، نضيف لذلك أنها لو لم تكن متأثرة بغيرها لبقي احتمال ذلك في غيرها من المخلوقات، ولعبدت مخلوقات غيرها كونها مشتركة معها في هذه الصفة؛ قال الإمام الشافعي: “واعلموا أن العالم اسم لجميع ما سوى الله من عرشه وكرسيه وسمائه وأرضه وحيوانه وجماده ناطقاً ساكتاً، محدث كائن بعد أن لم يكن، والدليل عليه أنه قد ثبت أن العالم يتغير من صفة إلى صفة ومن حال إلى حال، لا ينفك عن الألوان المختلفة والأكوان المتباينة والحوادث المتعاقبة، وما لا ينفك عن الحوادث ولم يسبق فهو محدث مثلها؛ لأنه لا يعقل وجود الأجزاء الكثيرة إلا مجتمعة أو متفرقة أو متقاربة أو متباعدة، والاجتماع والافتراق حوادث، وفي معنى قوله هذه الدلالة قوله عز وجل في قصة إبراهيم عليه السلام: ﴿فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأَى كَوْكَبًا قَالَ هَـذَا رَبِّي﴾ الآية … حين نظر إلى الكواكب والشمس والقمر متغيرات في صفاتها؛ فأخرجها عن ربوبيته بعلة الأفول والزوال، والتنقل من حال إلى حال”.

إن من يكون له كيفية لا يستحق أن يكون إلهاً لقوله: ﴿فَلَمَّا رَأَى الشَّمْسَ بَازِغَةً قَالَ هَذَا رَبِّي هَـذَا أَكْبَرُ فَلَمَّا أَفَلَتْ قَالَ يَا قَوْمِ إِنِّي بَرِيءٌ مِّمَّا تُشْرِكُونَ﴾ [الأنعام: 78]؛ فبيّن أن الكيفية ﴿هَـذَا أَكْبَرُ﴾ هي من صفات المخلوقات المحدثات وأن من نسبها لخالقها يكون مشركًا؛ لأنه وصف الله بصفات مخلوقاته فوقع في الوهم؛ قال النحوي الفراء: “إنما قال: هذا ربي، استدراجًا للحجة على قومه ليعيب آلهتهم أنها ليست بشيء، وأن الكوكب والقمر والشمس أكبر منها ولسن بآلهة”، وقال الإمام الطبري: “وإنما قال ذلك على وجه الإنكار منه أن يكون ذلك ربه، وعلى العيب لقومه في عبادتهم الأصنام؛ إذْ كان الكوكبُ والقمرُ والشمسُ أضوأ وأحسنَ وأبهجَ من الأصنام، ولم تكن مع ذلك معبودة، وكانت آفلةً زائلة غير دائمة، والأصنام التي هي دونها في الحسن وأصغرَ منها في الجسم أحقُّ ألا تكون معبودة ولا آلهة”.

ثم ختم سيدنا إبراهيم حججه على قومه بقوله: ﴿إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ حَنِيفًا وَمَا أَنَاْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ﴾ أي: إني وجهت وجهي في عبادتي إلى الذي خلق السماوات والأرض، الدائم الذي يبقى ولا يفنى ويحيي ويميت، لا إلى الذي يفنى ولا يبقى، ويزول ولا يدوم، ولا يضر ولا ينفع .

ورغم أن سيدنا ابراهيم أقام عليهم الحجة إلا أن التقليد الأعمى والاستخدام السلبي للعقل الذي دفعهم إلى الجدال العقيم الذي لم ينبني على أدلة عقلية صحيحة حيث قال الله عز وجل: ﴿وَحَاجَّهُ قَوْمُهُ قَالَ أَتُحَاجُّونِّي فِي اللَّهِ وَقَدْ هَدَانِ﴾

وَحَاجَّهُ قَوْمُهُ: أي خاصموه وجادلُوه في شأن الله تعالى، حين أنكر عليهم عبادة الأصنام، فحاولوا أن يدافعوا عن آلهتهم بالجدال.

قَالَ أَتُحَاجُّونِّي فِي اللَّهِ: أي قال لهم إبراهيم: أَتُخاصِمونني في شأن الله وتوحيده، وتجادلونني في أمر واضح هو أن الله هو الخالق وحده؟

أمراض التقليد الأعمى وتعطيل العقل

=========================

التقليد الأعمى -عرَضٌ يدل على عدة أمراض منها الكسل، ومنها الفخر والتعالي الأحمق بعادات الأجداد ولو كانت خطأ؛ والتقليد الأعمى يدل على التعصُّب الجاهلي للحزب أو للجماعة أو أي انتماء.

= أما الكسل فالمقصود أن من الكسل أن تجعل آخرين يفكرون بالنيابة عنك، حتى فيما يتعلق بمصيرك أو شخصيتك أو عقيدتك أو مبادئك فلا تزيد على أن تتَّبع، فقط تتبع دون أن تُتعب عقلك بأن تراجع أو تتفكر أو تستوثق، هذا هو الكسل بعينه، كسل حتى في التفكير.

ولْنحذَر من أن نشطح في الفهم، فليس المقصود هنا أن يناقش الإنسان دقائق العلم الشرعي أو حتى المادي وتفاصيله وهو غير متخصص وجاهل بتلك التفاصيل، لا، ليس هذا المقصود، وإنما المقصود التفكر فيما له علاقة بالأخلاق والقيم وبناء النفس وتحديد المصير، مما يمكن العاقل من أن يستوعب فيه جانباً من الخير أو الشر لو تأمل هو بنفسه، أو استفسر وسأل أحداً من المختصين أو العلماء فيما يشكل عليه.

ولذلك لما سئل ابن عباس: بماذا نلت العلم؟ قال : بِلِسَانٍ سَؤولٍ، وَقَلْبٍ عَقُولٍ. لكن السؤال كان -رضي الله عنه- سؤولا، مبالغة في السؤال، بِلِسَانٍ سَؤولٍ، وَقَلْبٍ عَقُولٍ.

وقد عمِي آخرَ عمره، ولا ضير عليه -رضي الله عنه-:

إِنْ يَأخُذِ اللهُ مِنْ عَيْنَيَّ نُورَهَما *** فَفِي لِسَانِي وَقَلْبِي مِنْهُمَا نُورُ

قَلْبِي ذَكِيٌّ وَعَقْلي غَيرُ ذِي دَخَلٍ *** وفي فمِي صارمٌ كالسَّيْفِ مأثُورُ

فالكسل عن الإطلاع والقراءة والتثبت يجعل الإنسان يُسلم عقله لغيره كي يفكر له، ويقرأ له، حتى في أموره العامة.

= أما المرض الآخر الذي يسبب التقليد الأعمى التعصُّب للقبيلة أو للجماعة أو للحزب فهذا من خفة العقل، فإن العاقل لا يذوب في جماعته وآرائها ومنهجها في حق وبلا حق، ومن فعَل ذلك فمَثَلُه كمثل دريد الجاهلي وهو يقول:

وهَل أنا إلَّا مِنْ غُزَيَّةَ؟ إِنْ غَوَتْ *** غَوَيْتُ، وَإِنْ تَرْشَدْ غُزَيَّةُ أَرْشَدِ

فهذا التعصب للقبيلة أو الجماعة، ومتابعتها في خطئها وظلمها، وفي ممارستها للبدعة أو حتى في أخطائها الشرعية، هذا من التعصب، فيه مخازي الشخصية، وهو من قلة العقل.

ولذلك صح في السنن من حديثه -صلى الله عليه وسلم- عن الإمعية قوله: “لا يكن أحدُكُمْ إمَّعةً، يقول: إن أحسن الناس أحسنتُ وإن أساؤوا أساءتُ، ولكنْ وطِّنوا أنفسكم، إن أحسن الناس أن تحسنوا، وإن أساؤوا أَنْ تَجْتَنِبوا إساءتَهُم”.

= ومما يُعمِي البصيرة ويُلغي العقل التعصُّب للعرق أو الجنسية أو للبلد، التعصب الذي يؤدي إلى النصر للباطل، والموالاة للظالم أو المعتدي؛ لمجرد كونه من نفس البلد! هذا من أسخف التصرفات وأحمقها.

صح في البخاري قوله إن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: “اُنصُرْ أخاك ظالماً أو مظلوماً”، فقال: رجل يا رسول الله! أنصره إذ كان مظلوماً، أفرأيت إذا كان ظالماً، كيف أنصره؟! طبعا استفسار الصحابي هنا يدل على أن من المعلوم عقلاً وفطرة خطأ نصر الظالم ولو كان أخاً، ولذلك تساءل: أفرأيت إذا كان ظالماً كيف أنصره؟! هذا غير منطقي عنده! وهذا من حسن استخدام العقل الذي نقصده، أن تسأل، قال: “تحجزه أو تمنعه من الظلم، فإن ذلك نصره”.

سمات وأسباب قلة استخدام العقل

=======================

إنَّ مِن سِماتِ وأسبابِ قِلَّةِ اسْتِخْدامِ العَقْلِ طُغيانَ البَطْنِ والشَّهْوَةِ مع قِلَّةِ الإيمانِ، وإلَّا فإنَّ العاقِلَ لا يُمكِنُ أنْ يَشْتَرِيَ مِمَّن يَزعُمونَ أنَّهُم أعداؤُهُ طعامَهُ أو شَرابَهُ مَهْما كانَ لَذِيذًا! سَواءٌ كانَ مُنْتَجًا يُباعُ في السُّوقِ أو في مَطعَمٍ أو مَحلِّ قَهْوَةٍ مَشهورٍ عالَمِيًّا، فصاحِبُ العَقْلِ يُفكِّرُ مَلِيًّا قبلَ أنْ يَجْعَلَ مِن بَطْنِهِ قائِدَهُ ودَلِيلَهُ دونَ اعْتِبارٍ لِوَلاءٍ ولا بَرَاءٍ بِدِينٍ يَدِينُ بهِ للهِ، وتكونُ بِمَثابَةِ مُؤازَرَةٍ لِإخوانِهِ المُسْلِمينَ.

وانظُرْ إلى سيِّدِنا أبي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ كيفَ كانَ عَقْلُهُ مَشغولًا بالآخِرَةِ دَوْمًا، فقدْ كانَ لِأبي بَكْرٍ غُلامٌ يُخْرِجُ لهُ الخَراجَ، وكانَ أبو بَكْرٍ يَأكُلُ مِن خَراجِهِ، فجاءَ يَومًا بشَيءٍ، فأكَلَ منهُ أبو بَكْرٍ، فقالَ لهُ الغُلامُ: أَتَدْرِي ما هذا؟ فقالَ أبو بَكْرٍ: وما هوَ؟ قالَ: كُنتُ تَكَهَّنْتُ لِإنسانٍ في الجاهِلِيَّةِ، وما أُحسِنُ الكِهانَةَ، إلَّا أنِّي خَدَعْتُهُ، فَلَقِيَنِي فأعْطاني بذلكَ؛ فهذا الذي أكلتَ منهُ. فأدخَلَ أبو بَكْرٍ يَدَهُ، فقاءَ كُلَّ شيءٍ في بَطْنِهِ.

ومن مَظاهِرِ إلغاءِ العَقْلِ الغَضَبُ مِن النَّصيحَةِ حتَّى لوْ كانَتْ تِلكَ النَّصيحَةُ بأسلوبٍ حَسَنٍ، حتَّى لوْ كانَتْ في السِّرِّ بَينَكَ وبَينَهُ، حتَّى لوْ كانَ أساسُها الكِتابَ والسُّنَّةَ، حتَّى لوْ كانَ النَّاصِحُ صادِقًا، تَجِدُ بَعضَهُم يَتضايَقُ ويقولُ: يا أخي لا تَنْصَحْنِي، أنا ما أُحِبُّ أحَدًا يَنْصَحُنِي. وقدْ صَحَّ في السُّنَنِ قولُهُ -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ-: “المُؤمِنُ مِرآةُ المُؤمِنِ”.

كانَ الخَليفَةُ العاقِلُ العادِلُ الفاروقُ عُمَرُ بنُ الخَطَّابِ -رَضِيَ اللهُ عنهُ- يقولُ: رَحِمَ اللهُ مَن أهدى إلَيَّ عُيُوبِي. فَنَحنُ جَميعًا -دونَ استِثْناءٍ- نَحتاجُ إلى النَّصيحَةِ، ورَفْضُ مَبْدَإِ النَّصيحَةِ دَليلُ إقفالِ العَقْلِ على مِظَنَّةِ الكَمالِ، وهو ظَنُّ المُتَكَبِّرِ الذي يَعْتَقِدُ أنَّهُ أفْهَمُ الناسِ.

ومِن مَظاهِرِ قِلَّةِ العَقْلِ وعَدَمِ التَّفكيرِ إهداءُ الابْنِ الشَّابِّ الصَّغيرِ المُتَهَوِّرِ سيَّارَةً بالِغَةَ السُّرعَةِ، يَعني إهداءَهُ أداةَ مَوْتِهِ، فيَنبَغي التَّأَنِّي والنَّظرُ في المَصالِحِ والمَفاسِدِ، والخَوفُ مِن اللهِ أنْ يُؤَدِّيَ هذا التَّصرُّفُ إلى هَلاكِ الصَّبِيِّ أو إعاقَتِهِ، بالإضافةِ إلى إزْهاقِ أرْواحِ مُسْلِمينَ معهُ.

ومِن مَظاهِرِ قِلَّةِ العَقْلِ التَّبذيرُ والإسرافُ، يقولُ تعالى: (وَلَا تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا * إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ)، ويقولُ سبحانهُ: (وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا).

وهلْ حَجْرُ المالِ عنِ السَّفِيهِ إلَّا لِسَفَهِهِ وخِفَّةِ عَقْلِهِ؟ وخوفًا أنْ يُبَذِّرَهُ فيما لا يَنْفَعُ؟ ألمْ يَقُلْ تعالى في شَأنِ السُّفَهاءِ: (فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا -أي رَجاحَةَ عَقْلٍ- فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ)؟

وهلْ حُجِزَ المالُ عنِ المَجْنونِ إلَّا لذَهابِ عَقْلِهِ؟ فالتَّبذيرُ هو تَجاوُزُ مَوْضِعِ الحَقِّ، كَمَن يَصرِفُ الأموالَ على العازِفِينَ والمُغَنِّينَ، أو لِدَعْمِ بَرنامَجٍ فاسِدٍ في إحدى الفَضائياتِ، أو غيرِ ذلكَ ممَّا حَرَّمَهُ الإسلامُ، فهذا ليسَ مِن مَواضِعِ الحَقِّ.

والإسرافُ هو تَجاوُزٌ في كَمِّيَّةٍ، وجَهْلٌ في مَقادِيرِ الحُقوقِ، كَمَن يَصرِفُ الملايينَ على ناقَةٍ، أو على تَيْسٍ، أو لَوْحَةِ سيَّارَةٍ، ملايينَ! أو مَن يَصرِفُ أموالَهُ في تَشجيعِ شاعِرٍ يَمدَحُ قَبيلَتَهُ، كُلُّ ذلكَ لوْ تَأمَّلَ العاقِلُ فيهِ وفي أبعادهِ بمَنطِقِ العُقَلاءِ لَما أقدَمَ عليهِ.

كيفَ والنَّبيُّ -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ- يُحَذِّرُ: “لا تَزولُ قَدَمَا ابنِ آدَمَ يومَ القيامةِ مِن عندِ رَبِّهِ حتَّى يُسأَلَ عن خَمْسٍ…” ومنها “ومالِهِ مِن أينَ اكتَسَبَهُ وفيمَ أنفَقَهُ”.

فمِن مَظاهِرِ قِلَّةِ العَقْلِ وقِلَّةِ الذَّوقِ كذلكَ الإهمالُ في الحِفاظِ على النَّواصِي، كما يَرى الجَميعُ مَن يَرمي بِمُخلَّفاتِهِ في الشَّارِعِ، أو مِن إهمالِ الزّائرينَ والمُتَنَزِّهينَ على شاطِئِ البحرِ، فلا يَرْمونَ مُخلَّفاتِهِم في الحاوِيَاتِ المُخَصَّصَةِ والمُتَوَفِّرَةِ حَولَهُم! كَلّا! يَترُكونَها في البُقعَةِ التي جَلَسوا فيها!

مَنظَرُ أكوامِ المُهمَلاتِ مِن أوراقٍ وعُلَبٍ وأطعِمَةٍ، يُؤدِّي في النِّهايَةِ إلى إفسادِ المَكانِ؛ ذلكَ الإنسانُ المُهمِلُ وفي نِيَّتِهِ العَودَةُ إليهِ معَ عائلَتِهِ سيكونُ كَمَن خَرَّبَ بَيْتَهُ بِيَدِهِ، وهذا مِن قِلَّةِ العَقْلِ!

أيُّها الإخوةُ: الأمْثِلَةُ على ضَعْفِ اسْتِخْدامِ العَقْلِ كثيرةٌ، ويطولُ بنا المَقامُ لوْ سَرَدْناها كُلَّها، والقرآنُ مَليءٌ بصِفاتِ وأخلاقِ العُقَلاءِ الذينَ يَزِنونَ كلامَهُم بميزانِ الشَّرْعِ، ويَربِطونَ أفعالَهُم على أُسُسِ الدِّينِ والفِطرَةِ السَّليمَةِ.

فَلَعَلَّنا نَتَخَلَّقُ بأخلاقِ القرآنِ كما كانَ نَبِيُّنا -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ- يَفعَلُ، ولَعَلَّنا نُفَكِّرُ بِعُقولِنا قبلَ أنْ نُقْدِمَ على شيءٍ، أو قبلَ أنْ نَتَقَدَّمَ أو نَتَأَخَّرَ، قالَ تعالى: (وَإِذَا سَمِعُوا اللَّغْوَ أَعْرَضُوا عَنْهُ وَقَالُوا لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ لَا نَبْتَغِي الْجَاهِلِينَ).

فالمؤمنونَ إذا سَمِعوا الكلامَ المُحرَّمَ والعملَ المُحرَّمَ فَكَّروا في العاقِبَةِ والإثمِ والشُّؤمِ فأعرَضوا عنهُ، هذا هو التَّصرُّفُ العاقِلُ، وهذا ما يُرِيدُهُ الإسلامُ مِن كُلِّ مُسْلِمٍ ومُسْلِمَةٍ أنْ يَسْتَخدِموا عُقولَهُم التي أكْرَمَهُم اللهُ بها، وأنعَمَ بها عليهم مِن بَينِ خَلْقِهِ.

العقل الراجح يرشد الإنسان إلى الخير:

========================

مرَّةً قالَ النَّبيُّ عليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ حينَما أسلَمَ سيِّدُنا خالدٌ: “الحمدُ للهِ الذي هَداكَ، فقدْ كُنتُ أرى لَكَ عَقْلًا، ورَجَوْتُ ألَّا يُسْلِمَكَ إلَّا إلى الخَيْرِ”، وهناكَ روايَةٌ ثانيةٌ: “عَجِبْتُ لَكَ يا خالدُ! أرى لَكَ عَقْلًا، وأرجو ألَّا يُسْلِمَكَ إلَّا إلى خَيْرٍ، وقدْ أسْلَمَكَ إلى الخَيْرِ”.

أنا أروي هذه الوَمْضَةَ، أحَدُ زُعَماءِ غَطَفانَ ـ لا أقولُ اسمَهُ الآنَ ـ جاءَ لِيُحارِبَ النَّبيَّ عليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ في مَوْقِعَةِ الخَنْدَقِ، هو جالِسٌ في الخَيْمَةِ فَكَّرَ وقالَ: ولهُ اسمٌ، خاطَبَ نفسَهُ باسمِهِ: يا فُلانُ ما الذي جاءَ بِكَ إلى هنا؟ أَجِئْتَ لِتُحارِبَ هذا الرَّجُلَ الصَّالِحَ؟ ماذا فَعَلَ؟ هلْ سَفَكَ دَمًا؟ هلْ أخَذَ مالًا؟ هلِ انتَهَكَ عِرْضًا؟ أينَ عَقْلُكَ يا فُلانُ؟

هذا سيِّدُنا نُعَيْمُ بنُ مَسْعودٍ كانَ زَعِيمَ قَبيلَةِ غَطَفانَ، وجاءَ لِيُحارِبَ النَّبيَّ عليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ، وهو في الخَيْمَةِ فَكَّرَ: ما الذي جاءَ بِكَ يا نُعَيْمُ؟ أَجِئْتَ لِتُحارِبَ هذا الرَّجُلَ الصَّالِحَ؟ ماذا فَعَلَ؟ هلْ سَفَكَ دَمًا؟ هلْ أخَذَ مالًا؟ هلِ انتَهَكَ عِرْضًا؟ أينَ عَقْلُكَ يا نُعَيْمُ؟

وَقَفَ وتَوَجَّهَ إلى مَعْسَكَرِ النَّبيِّ عليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ ودَخَلَ على النَّبيِّ، فقالَ لهُ: نُعَيْمٌ! قالَ: نُعَيْمٌ، قالَ لهُ النَّبيُّ: ما الذي جاءَ بِكَ إلَيْنا؟ قالَ لهُ: جِئْتُ مُسْلِمًا. وأسْلَمَ وتمَّ النَّصْرُ على يَدِهِ. قالَ لهُ: مُرْنِي ماذا أفْعَلُ؟ قالَ لهُ: أنتَ واحِدٌ، خَذِّلْ عَنَّا ما اسْتَطَعْتَ.

الْتقى ببَني قُرَيْظَةَ وحدَّثَهُم حديثًا عن قُرَيْشٍ، أنَّهُم اتَّفَقوا على مُحَمَّدٍ، والْتقى بِقُرَيْشٍ وحدَّثَهُم حديثًا عن بَني قُرَيْظَةَ، وقعَ الخِلافُ بَيْنَهُم، وقالَ لَهُم: اطْلُبوا رَهائِنَ، وطَلَبوا رَهائِنَ، وقالَ لهم: إنْ طَلَبوا الرَّهائِنَ لِيَذْبَحوهُم. وقعَ الخِلافُ، كانَ لِقاءً ذَكِيًّا بشكلٍ مُذْهِلٍ، الاتِّفاقُ على حَرْبِ النَّبيِّ عليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ انتَهى، وقُرَيْشٌ ولَّتْ أَدْبارَها إلى مَكَّةَ، والْيَهُودُ انْحَسَروا عن حُصونِهِم، وكَفَى اللهُ المُؤْمِنينَ القِتالَ، اللهُ جَعَلَ هذا النَّصْرَ على يَدِ هذا الإنسانِ بَعْدَ لَحْظَةِ تَفْكيرٍ.

تدبُّر الآيات وفهمها على الوجه الصحيح أنقذ امرأة من الرحم

=============================

جاءَ في سُنَنِ البَيْهَقِيِّ ومُصَنَّفِ عبدِ الرَّزَّاقِ وغيرِهِما أنَّهُ: رُفِعَ إلى عُمَرَ امْرَأَةٌ ولَدَتْ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ، فأرادَ عُمَرُ أنْ يَرْجُمَها، فجاءَتْ أُخْتُها إلى عَلِيِّ بنِ أبي طالِبٍ رضيَ اللهُ عنهُ فقالَتْ: إنَّ عُمَرَ يَرْجُمُ أُخْتي فأنْشُدُكَ اللهَ إنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أنَّ لَها عُذْرًا لِما أخْبَرْتَني بِهِ، فقالَ عَلِيٌّ: إنَّ لَها عُذْرًا، فَكَبَّرَتْ تَكْبيرةً سَمِعَها عُمَرُ ومَن عِنْدَهُ.

فانْطَلَقَتْ إلى عُمَرَ فقالَتْ: إنَّ عَلِيًّا زَعَمَ أنَّ لِأُخْتي عُذْرًا، فأرْسَلَ عُمَرُ إلى عَلِيٍّ: ما عُذْرُها؟ قالَ: إنَّ اللهَ عزَّ وجلَّ يقولُ: ﴿وَالْوالِداتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كامِلَيْنِ﴾، وقالَ: ﴿وَحَمْلُهُ وَفِصالُهُ ثَلاثونَ شَهْرًا﴾، فالحَمْلُ سِتَّةُ أَشْهُرٍ، والفِصالُ أرْبَعَةٌ وعِشْرونَ شَهْرًا.

قالَ: فَخَلَّى عُمَرُ سَبيلَها، قالَ: ثُمَّ إنَّها وَلَدَتْ بَعْدَ ذلكَ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ.

اللَّهُمَّ أَلْهِمْنا الرُّشْدَ في القَوْلِ والعَمَلِ…

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى