مقالات

ربيع جمال الجوهري يكتب (الثأر… أسبابه… وكيفية القضاء عليه)

الثأر ما هو إلا جريمة انتقامية ارتبطت بعادات وتقاليد جاهلية ، لا تستطيع أن تفرق فيها بين (جاهل و متعلم ) (أمي أو مثقف)
فالغالبية العظمي يراه ضرورة لحفظ الكرامة وتحقيق هيبة العائلة أو الحفاظ علي مكانتها الاجتماعية خاصة في الصعيد التي لا يتورع “الجاني” فيها الإعلان عن فعلته والتباهي بها.
أو بمعني أخر فإن الثأر سلسلة لها حلقاتها:- أولها جهل وأوسطها أرواح ضحايا وآخرها سلسال من الدم لا نصل إلي نهايته فيطول “الجاني” أو يصيب أبرياء يدفعون ثمن ذنب لم يقترفوه
ولو بحثت عن الأسباب ستجد أن أغلب جرائم الثأر تتعلق بالخلافات في المصالح الاقتصادية بين العائلات ، كنزاع على منصب في البلد أو حدود أرض زراعية وكذلك خلافات اجتماعية تتعلق بالشرف،وحتى خلافات لعب الأطفال قد تجلب صراعات ثأرية لا تنتهي بين العائلات، أما الجديد الآن في هذه الجرائم هو دخولها إلى مجال الجريمة الالكترونية واستخدام وسائل التواصل الاجتماعي من خلال نشر صور وأخبار وشائعات عن فرد من عائلة ما من شأنها اشعال نيران الثأر بين العائلات وتدمير السلم الاجتماعي.

وما يؤجج نار الثأر هو انعدام الثقافة والتعليم وانتشار مقولة (شرف العائلة) خاصة عندنا في صعيد مصر لأن عاداتنا وتقاليدنا نشأت علي الثأر فضلا عن عدم اعترافنا بالسجن للقاتل بل نؤمن فقط بالثأر ونعيش علي مبدأ (القبر أضيق بكثير من الزنزانة) 
ولا ننسى (المعايرة) التي هي من أهم أسباب الثأر في الصعيد ويقصد بها أنه إذا حدث قتل في بلد ما وقبلت عائلة القتيل أخذ الدية وعدم اللجوء لطريق الثأر فتأتي عائلة أخري لتقول لأهل القتيل:- ياللي قتلكم فلان ويعايرونهم علي قبول الدية والتفريط في دم أهلهم ،لذلك نجد أن هؤلاء المعايرون هم مفاتيح الشر التي تدفع أهل المجني عليه لطريق القتل والثأر مع غياب فضائل العفو والتسامح.

ومما يزيد من أسباب الثأر ان أهل القتيل قد يقتلون فردا من العائلة الأخري ليس له أي ذنب فتثور العائلة الأخري ونظل في دائرة لا تنتهي من القتل المستمر
وعندما تناقش أحدهم دينيا تجده يستند لقول الله تعالي “النفس بالنفس” وقوله تعالي “ولكم في القصاص حياة”.. لكنه نسي أمرا آخر يوجه هذه النصوص نحو الفهم الصحيح وهو أنه من مصلحة الجميع ومصلحة العدالة أن يسود النظام بدلا من الفوضي وأن تعلو سيادة القانون ، فولي الأمر فقط ممثلا في القانون والعدالة هو الذي له الحق في تحقيق مبدأ أخذ النفس بالنفس والقصاص حتي يشفي عليل الجميع ولا ينقلب الأمر الي سلسال من الدم ونزيف لا يتوقف.

من هنا فإن المستند الديني الذي يروجون له لا أساس له من الصحة بل ان الحفاظ علي الأنفس من الضروريات التي يسعي الدين الإسلامي قبل ظهور القوانين
هتقول لي :-هل الثأر عادة اجتماعية
أقول لك :- ليس هذا صحيحا فهي عادة قبلية وليست اجتماعية خرجت عن عصبية وجاهلية مرفوضة حيث لا عصبية في الاسلام ولا جاهلية في الإسلام وهي عادة ترفضها المجتمعات وأصحاب الطباع السليمة والفطرة الانسانية التي تميل الي حقن الدماء وسلامة الأنفس
هتسالني:-هل الرجال هم السبب في هذه العادة بسبب عصبيتهم الزائدة وطباعهم الحادة و عزة أنفسهم ؟؟
أقول لك :- معك في ذلك ولكن لا تنسي المرأة لأن كيدها عظيم ، فهي المحرض القوى للاخذ بالثأر فمثلا في جنوب الصعيد تجد المرأة تتباكي بصوتها العالي وتقول :-
كنت فين يا وعد يا مقدر .. دي خزانة وبابها مسدر ” .. فهذه البكائية من مئات بل آلاف المواويل الحزينة التي يهرع إليها أهالي الصعيد في جنوب مصر في أحزانهم العديدة والمتوالية ، فلو ركزت ستجدها كلمات قصيرة لكنها قاتلة تصبغ القلب بالسواد ، وتفوح منها رائحة الموت الممزوجة بالدم
وقد تجد المرأة في موضع أخر تستحث الأعمام على أخذ ثأر أخيهم على لسان ابنها الرضيع فتقول :-
“وصيت يا بايا علينا مين‏..‏ قلب قاسي ولا قلب حنين” ثم تنتقل إلى الأخوال وتقول :- “يا خال ربيني ووديني حداك.. لابد أبويا يوم الرحيل وصاك”.
ولو لاحظت المرأة الصعيدية تباطؤً من جانب الأقارب في الاخذ بالثأر فإنها تتوجه إلى طفلها الصغير باعتباره الأمل الأخير وتقول :- “يا بويا هات لي توب مايدوبشي‏ .. ‏ ده العم ولا الخال ما بيدومشي”، فتغرس في نفس الطفل عشق القتل بهدف الثأر .

هتقول لي الصعيد دخلته الخدمات من مياه وكهرباء واتصالات 
وده ماله ومال الانتقام لمقتل اب او اخ
هتقول لي :-التعليم انتشر والصعيد ما شاء الله
اقول لك :- المشكلة ان المتعلمين تحولوا إلى ما يمكن أن نسميه “الجناح السياسي” لعائلات وقبائل الصعيد ، حيث يقوم هؤلاء بالتخطيط وإدارة عملية الثأر وما يعقبها من إجراءات قضائية أمام المحاكم.
بينما يتولى الأفراد الأقل تعليما في العائلة دور “الجناح العسكري” ، حيث يقومون بشراء الأسلحة وإخفائها حتى تحين ساعة “أخذ الثأر ” والانتقام لقتلاهم ، أما التمويل فيتولاه أثرياء العائلة من التجار وملاك الأراضي ، كما يقوم هؤلاء بالإنفاق على أسر من يقتلون أو يسجنون في مسلسل الثأر الدامي.
هقول لي :- الحل في نشر الوازع الديني والثقافي بخطورة هذه الظاهرة عن طريق دور العبادة ووسائل الإعلام
هقول لك :- لم نجد تأثيرا لأي منها الي وقتنا هذا
هتسألني :- إيه الحل؟
أقول لك:- لابد من (سياسة الحديد والنار )والقبضة الأمنية القوية من جانب الشرطة المصرية

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى