مقالات

سلسال الألم .. وتربية الأبناء استهداف هوية الإنسان

كتبت: بسمة مصطفى الجوخى

خلق الله عز وجل الإنسان وكرمه عن سائر المخلوقات، وجعله خليفته على الأرض ، ودائما يقال ما يزرع يحصد ،
وما يعيشه الشخص يكون من ضمن نتاجه ما زرع فيه وهو فى بطن أمه ،
وتحديدا إلى سن ال ٢١ وما كتبه الله له ، وأيضا الطريق الذى يختار أن تسير حياته عليه إذا كان صحيحا أو خاطئا ،
ولذلك نقول أن الذى يعيشه أى إنسان فى طفولته سينعكس عليه وعلى من حوله وعلى المجتمع بأكمله ،
وسيحصد نتاجه الكل ، ولكن من يكون فى المرتبة الأولى من هذا الحصاد هو الشخص نفسه ،
فالأهل من ضمن الأسباب الرئيسية فى تحديد نوع هذه الزرعة وجنى حصادها بالخير أو بالشر ،
فمثلا الطفل إلى المرحلة السابعة لا يخطأ فهو مجرد رد فعل ،
وما يعيشه هذه الفترة من ألم يظل معه إلى الكبر،
وتتكون العقد النفسية ويتغير السلوك ويكبر معه،
أما تربيته فى هذه المرحلة بالمرح وإشباع حاجاته النفسية وزرع القيم الدينية فى حدود ما يستوعبه عقله ،
حتى عندما يصل إلى مرحلة المراهقة ويبدأ سن التكليف تكمل نشئته الدينية ،
فهذه المرحلة من أصعب وأخطر المراحل التى يمر بها الإنسان ،
ومن يتجاوزها بالطريقة الصحيحة قد يكون بطلا ،
وتكون الأهل حينها محل تقدير واحترام لمعاونه أولادهم على تجاوز هذه المرحلة ،
التى يتبلور فيها معالم شخصيته ويبدأ فى مرحلة النضج العقلى والنمو الجسدى ،
والطريقة التربوية المتزنة والتنشئة الدينية فى هذه المرحلة هى من تعبر بالشخص إلى بر الأمان ،
ولا يحتاج الأب والأم والمربى سواء تنفيذ وصايا لقمان الحكيم لابنه ،
والعمل بها واحتواء أولادهم ومراقبة أنفسهم أولا لأنهم قدوة صامته ،
ودائما ما تراقب الأبناء ما يفعله الآباء وسيفعلون ذلك بدون أخذ أوامر ،
وهذا الجانب ذات أهمية كبيرة ومفيدة إذا كان ما يفعله الآباء إيجابيا ،
فيقومون به الأبناء ويكبرون على الأفعال الجيدة ،
فإذا تربى الطفل إلى سن ال ٧ سنوات بالمرح واللعب وإشباع حاجته وغرز القيم الدينية فى حدود استيعابه ،
والمرحلة التى تليها التى هى إلى سن ١٤ ، ينبغى أن ينشأ فيها الطفل على التهذيب والأخلاق وترك مساحة بسيطة لاستقلاليته ،
وحريته التى تكون متوازنة بحيث لا يفعل ما يحلو له إذا كان خطأ ،
وفى نفس الوقت عدم التسلط الشديد الذى يجعله يعاند ويفعل العكس ،
مع زرع القيم والأخلاق وإكمال تربيته على الحاجة التعبدية والنشئة الدينية التى هى حاجة فطرية،
والتى تعبتر صمام الأمان الأول له ،
ثم تأتى المرحلة التى هى إلى سن ال ٢١ فيكون الآباء أصدقاء فى هذه المرحلة لأولادهم ويكون مقربين أكثر ،
فى الصحبة والمشورة مع التوجيه والإرشاد لهم فى حدود عدم التعدى على رغباتهم لمجرد التحكم ،
لذلك الطلاق إذا كان بأسباب تافهه ، والمشاكل الزوجية التى تكون أمام الأبناء ،
والأفعال الخاطئة التى يرتكبوها الآباء والأمهات وفرض الرأى حتى ولو خطأ ،
وفرض معرفة شخصيات على الأبناء لا يرتاحون لها بدون المناقشة أو احترام نفسيتهم ومشاعرهم ،
وأيضا الاستهانة بمشكلاتهم والتعليقات السلبية الدائمة ،
والنقد الذى يزعزع ثقتهم فى أنفسهم ، ومقارنتهم الدائمة بالغير فهم غير مجبورين أن يكونوا مثل أحد ،
بل من الممكن أن يكون الكلام بطريقة غير مباشرة وعفوية،
إذا كان الأمر متعلق بالدين فمثلا الغيرة فى الدين تجعل الإبن يفعل الأحسن دوما ، فكل ذلك يدمر نفسية المراهق ..
وما يتعلق بهذا الموضوع الذى نتناوله يطول شرحه ،
ولكن نحاول أن نقول النقاط المهمة لتنشئة الأبناء بطريقة سوية بحيث يكون هناك توازن،
لا يكون هناك عدوانية على نفسه وعلى من حوله ،
أو انطواء وكبت أو شخصية مضطربة نفسيا و مهزوزة لا تسطيع مواجهه الحياة ،
وسيكون حينها الأذى الأكبر له،
فعلى الأهل أن يكونوا على قدر كبير من المسؤولية ،
بداية من أنفسهم أولا ، لأن الألم الذى يعيشه الإبن يكون السبب الأول له الآباء ،
ولا ينبغى تركه للمجتمع ينهش فيه ، وسلسال الألم قد يترتب عليه معظم الأحداث بداية من تغير نفسية الإبن ،
وانحراف سلوكه وبعده عن خالقه وعدم استشعار مراقبة الله عز وجل له ،
وعدم التأدب مع الله ،
الذى ينتج عنه عدم تأدب مع الآباء والأهل وجميع من حوله ،
ويخفق فى كل شئ يفعله وتفشل علاقاته ويشعر وكأنه شخص منبوذ ،
ويدخل الحقد قلبه ، وما يترتب على ذلك من انتشار جرائم وحشية وانحلالات أخلاقية وأذى للغير ،
وخروج هذه العقد النفسية والسلوك المنحرف على غيره من لا ذنب لهم فيما عاشه هذا الطفل ،
وما تجرعه من الألم الذى أصبح معه سلسال يخنقه كثعبان إلى أن ينتهى ،
ويكون السبب الأول لذلك هم وللأسف الأب والأم ،
وهذا جزء بسيط لما يتعلق بالآباء وتأثيرهم فى حياة الأبناء ،
أما ما يخص الشيطان وأعوانه ممن وضعوا منظمات متخصصة تكرس وقتها للعبث بهوية الإنسان ،
وتحديدا استهداف الأطفال والشباب وهدفها الأول والأوحد ،
هى محاربة المسلمين تحديدا ثقافيا ودينيا واقتصاديا واجتماعيا ،
وغير المسلمين عن طريق إبعادهم عن الفهم الصحيح للدين الإسلامي ،
لعدم الدخول به وتصدير الأفكار الخاطئة التى تجعلهم يكرهونه ،
لذلك لم يتركوا شيئا إلا وفعلوه للعمل على طمس الهوية الدينية والثقافية للإنسان ،
وتحريف كل شئ ، ومثلا هم يستغلون حتى ما يعيشه الطفل من مآسى مع أسرته ،
وينهون دور المدارس والمؤسسات وتم تحريف مناهج التعليم وإنشاء منظومة تعليم فاشلة ،
بداية من جعل الدين مادة وخارجة عن المجموع ،
وهذا أخطر ما حدث ،
فالدين الإسلامى هو المنهج الإلهي الذي أكمله الله سبحانه وتعالى وجعله منهجا للبشرية لتقيم عليه حياتها وواقعها ،
وهو منهج ميسر فريد يشمل جميع مجالات الحياة بأدق تفاصيلها ..
فهم أرادوا إنهاء شئفة أمة بأكملها وطمس هوية أفرادها ،
لذلك ينبغى تربية الأبناء ونشئتهم نشئة دينية صحيحة وتربوية سليمة وسوية متزنة ،
حتى يتخطى الأبناء التحديات التى يواجهوها من صراعات بين براءة الطفولة وما يحتاجوه أثناء حياتهم الراشدة ،
وما بين اعتمادهم على أسرتهم وفى نفس الوقت محاولة الاستقرار عنها،
ومابين تقاليد أسرتهم وما يجدوه فى المجتمع الذى يعيشون فيه ،
وما بين غرائزهم الداخلية والضغوط الاجتماعية التى يواجهوها ،
ويكمن هنا دور الأب والأم بداية و المربى والمدرسة والمؤسسات المتخصصة والمساجد ،
فى صناعة هوية للشخص وتحديدا للمراهق نظرا لصعوبة وخطورة هذا المرحلة ،
ليكون الهدف الأكبر هو “صناعة شاب عصرى بهوية إيمانية متزنة ” وما أعظمها من صناعة ! فيتمسك بدينه ويواكب تغيرات العصر بقوة وشجاعة ،
تجعله يتعايش مع كل شئ سواء إيجابى أو سلبى ،
وتجعله يواجه ما يعيشه من صعوبات ويواجه أخطاؤه ويعترف بها ،
ويعمل على حلها ، فالتربية السليمة السوية والنشئة الدينية تحميه من مكر ومكائد الشيطان وأعوانه ،
وغير ذلك سيكون ضحية ضعيفة مهزوزة ولا هوية له ،
ويكون فى صراع دائم مع نفسه ولا يستطيع مواجهتها ولا يقدر على مواجهه من حوله …

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى