الهذيان .. برابرة الكيان.. بقلم ميرغني معتصم
ال
لن أتناول مزاعم المعجزات الاقتصادية والديموغرافية التي يتعين أن يوفرها الحل السياسي في إطار الدولة العبرية المستأسدة.
كما لن أتواطأ مع التوترات الإثنية والصراعات الاجتماعية والدينية تلك التي يزعم أن ترافق معجزة التبني العلماني، الأمر برمته لايعدو أن يكون ضربا من اللعب بالأوهام. أما إذا كان الأمر هذيانا تكتيكيا للمواجهة الٱيديولوجية مع الكيان الصهيوني، أو المواجهة السياسية الميدانية مع شراسة الهولوكوست ومبتغاه الدولي، فلا ضير على اعتبار أن الهذيان أحيانا هو من مولدات الراحة.
أما إذا كان الهذيان لصيقا بالمستقبل، قد يستحيل إلى خطر مهلك يقبر المستقبل الفلسطيني، إذ أنه ـ أي الهذيان ـ سيوظف ماعلى نقيض أوسلو في مرحليات الرد الاستراتيجي، الذي يرى أن الحل هو في إلغاء الوجود الفلسطيني، حتى في أحلام الأجنّة وأهازيج الأساطير. ثم، ألا يتوفر حل غير مأساوي للمأزق الفلسطيني إلا بالتنازل من طرف واحد؟. فإن كان الخلل يكمن في إسراف غزو من طرف واحد، حري بالإسرائيليين أن يتخلوا عن صهيونيتهم بوصفها تسخيرًا كولونياليا ذا علاقة مجانية بتاريخهم الإنساني. لقد ظل الفلسطيني يرزح كضحية مقترحة لفرية تاريخية، فحواها تسخير الشعب الإسرائيلي كربيب ساهر على مصالح الغرب في المنطقة بدم الآخرين. وعليه، في ذات الوقت، أن يستنبط عناصر الحل غير المأساوي مع الفلسطينيين، دون تفكيك لمغزى الوجود الصهيوني، والاعتراف سياسيا وجغرافيا بأحقية فلسطينية كاملة على فلسطين. بيد أن الأمر ليس مكسبا ظرفيا تنفحه الدولة العبرية وفق ما تفتقت عنه ذهنية بن جوريون أو ليفي أشكول أو جولدا مائير أو حتى “البرابرة الجدد” على شاكلة نتنياهو وبن غفير وسموتريتش. أليسوا معًا صناع المعجزات في هذا العالم؟!!. هذا حديث واقعي ولكنه غير مخلص حتى النهاية. تبقى الظروف الإملائية القاسية للعدوان على الشعب الفلسطيني، وإصرار الصهيونية الاستعلائي على الفصل بين الشعب والتراب الوطني وذاكرة الوجود الممتدة إلى ما وراء التاريخ، والمعاناة الدموية الخرافية التي عاناها وما زال، وكل المبتغى هو سبيل فصله وجوديا عن هويته، قد وجهت إنسانية الفلسطيني نحو التعلق الأكثر عمقاً في التاريخ بالوطن. إن قسوة التجربة وشمولها وآلياتها ومجانيتها على مستوى أية علاقات إنسانية مفترضة، جعلت الفلسطيني هو الذي يعيش في الموقع المهدد وليس الإسرائيلي. كل هذه الملابسات للتجربة حتمت عليه إدراك أهمية السيادة الوطنية الكاملة على وطنه ليكون إنساناً وفلسطينيًا وآمناً أيضاً. ليس هذا تبريرًا، فليس من المتوقع من أحد في هذا العالم أن يتنازل عن أي جزء من وطنه أو سيادته الوطنية. ولكنه ترافع ضد غيبية العقلية الصهيونية التي تجمع بين العزة بالإثم والأسطورة.