مقالات

رئيس اتحاد الوطن العربي الدولي ورئيس الإتحاد العالمي للعلماء والباحثين يتحدث عن سورة الإخلاص

بقلم

\ المفكرالعربى الدكتور خالد محمود عبد القوي عبد اللطيف
مؤسس و ورئيس اتحاد الوطن العربى الدولي
مما لاشك فيه أن الله أنزل هذا القرآن؛ لتدبُّره والعمل به؛ قال سبحانه: {كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِّيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُوا الأَلْبَابِ} [ص: 29]، وجعل فيه الشفاء والنور والهداية؛ قال تعالى: {وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ وَلا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلاَّ خَسَارًا} [الإسراء: 82]، وقال تعالى: {قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدًى وَشِفَاءٌ} [فصلت: 44].
ومن السور التي تتكرَّرُ على أسماعنا، وتحتاج منا إلى وقفة تأمل وتدبُّر: سورة الإخلاص، قال تعالى: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ * اللَّهُ الصَّمَدُ * لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ * وَلَمْ يَكُن لَّهُ كُفُوًا أَحَدٌ} [الإخلاص: 1: 4].
عن أنس – رضي الله عنه -: كان رجلٌ من الأنصار يؤمُّهم في مسجد قُباء، وكان كُلَّما افتتح سورةً يقرأ بها لهم في الصلاة، مما يقرأ به افتتح بِـ{قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ} حتى يفرغ منها، ثم يقرأ سورةً أخرى معها، وكان يصنع ذلك في كلِّ ركعة، فكلَّمه أصحابه فقالوا: إنك تفتتحُ بهذه السورة، ثم لا ترى أنها تُجْزِئُكَ حتى تقرأ بأخرى! فإما أن تقرأ بها، وإما أن تدعها وتقرأ بأخرى، فقال: ما أنا بتاركها، إنْ أَحْبَبْتُمْ أن أؤمَّكم بذلك فعلتُ، وإنْ كَرِهْتُم تَرَكْتُكُم – وكانوا يرون أنه من أفضلهم، وكرهوا أن يؤمَّهم غيره – فلما أتاهم النبيُّ – صلى الله عليه وسلم – أخبروه الخبر، فقال: ((يا فلان، ما يَمْنَعُكَ أن تفعل ما يأمرك به أصحابك، وما يحملك على لزوم هذه السورة في كل ركعة؟))، فقال: إني أحبُّها – وفي رواية: “لأنها صفة الرحمن عزَّ وجل[1] – فقال: ((حُبُّكَ إياها أدخلكَ الجنَّة))[2].
وعن أبي سعيد الخُدْرِيّ – رضي الله عنه – قال: قال النبي – صلى الله عليه وسلم – لأصحابه: ((أيعجِزُ أحدكم أن يقرأ ثُلُثَ القرآن في ليلةٍ؟))، فشقَّ ذلك عليهم، وقالوا: أيُّنا يطيق ذلك يا رسول الله؟! فقال: ((الله الواحد الصمد ثُلُثُ القرآن))[3].
وكان النبيُّ – صلى الله عليه وسلم – يستشفي بهذه السورة مع غيرها من السور، والقرآن كله شفاءٌ.عن عائشة – رضي الله عنه -: أنَّ النبيَّ – صلى الله عليه وسلم – كان إذا أوى إلى فراشه كل ليلة، جمع كَفَّيْه، ثم نفث فيهما، فقرأ فيهما: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ}، و{قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ}، و{قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ}، ثم يمسح بهما ما استطاع من جسده، يبدأ بها على رأسه ووجهه، وما أقبل من جسده، يَفْعَلُ ذلك ثلاث مَرَّاتٍ[4].
قوله تعالى: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ}:
قال ابْنُ كثيرٍ: “أي: هو الواحد الأحد، الذي لا نظير له، ولا وزير، ولا نديد، ولا شبيه، ولا عديل، ولا يُطْلَقُ هذا اللفظ على أحد في الإثبات إلاَّ على الله – عز وجل – لأنه الكامل في جميع صِفاتِه وأفعالِه”[5]. اهـ.
وقوله: {اللَّهُ الصَّمَدُ}: قال عكرمة عن ابن عباس: “الذي يصمد إليه الخلائق في حوائجهم ومسائلهم، والعرب تسمِّي أشرافها الصَّمَد”، وقال أبو وائل: “هو السيد الذي انتهى سؤدده”.
وقوله: {لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ * وَلَمْ يَكُن لَّهُ كُفُوًا أَحَدٌ}؛ أي: ليس له والد، ولا ولد، ولا صاحبة.
قال مجاهد: “{وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفْوًا أَحَدٌ}؛ أي: صاحبة”. اهـ.
والمراد بالصاحبة: الزوجة، كما قال تعالى: {بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ أَنَّى يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ وَلَمْ تَكُن لَّهُ صَاحِبَةٌ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ وهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} [الأنعام: 101]؛ أي: هو مالك كلِّ شيءٍ وخالقه، فكيف يكون له من خلقه نظيرٌ يساميه، أو قريبٌ يدانيه – تعالى وتقدَّس؟!
قال تعالى: {وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا * لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئًا إِدًّا * تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنشَقُّ الأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدًّا * أَن دَعَوْا لِلرَّحْمَنِ وَلَدًا * وَمَا يَنبَغِي لِلرَّحْمَنِ أَن يَتَّخِذَ وَلَدًا * إِن كُلُّ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ إِلاَّ آتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا * لَقَدْ أَحْصَاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدًّا} [مريم: 88 – 94].
عن أبي موسى الأشعريّ – رَضِيَ اللهُ عَنْهُ -: أنَّ النَّبِيَّ – صلى الله عليه وسلم – قال: ((ما أحدٌ أصْبَر على أذًى سمعه من الله، يدعون له الولد ثم يعافيهم ويرزقهم))[6].
وعن أبي هريرة – رضي الله عنه -: أن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال: ((قال الله تعالى: كذبني ابن آدم ولم يكن له ذلك، وشَتَمَنِي ولم يكن له ذلك، فأما تكذيبه إياي، فقوله: لن يعيدني كما بدأني، وليس أوَّل الخلق بأهون علي من إعادته، وأما شتمه إياي، فقوله: اتخذ الله ولدًا، وأنا الأحد الصمد، لم ألد ولم أولد، ولم يكن لي كفوًا أحدٌ))[7].
ومن فوائد هذه السورة الكريمة:
أوَّلا: إثبات وحدانية الله – جلَّ وعلا – والردُّ على اليهود، والنصارى الذين يجعلون له الوَلَدَ؛ قال تعالى: {وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ وَقَالَتِ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ ذَلِكَ قَوْلُهُم بِأَفْوَاهِهِمْ يُضَاهِئُونَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِن قَبْلُ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ} [التوبة: 30].
ثانيًا: أن هذه السورة اشتملت على اسم الله الأعظم، الذي إذا سُئل به أعطى، وإذا دُعِيَ به أجاب.
فعن عبدالله بن بُرَيْدَة، عن أبيه – رضي الله عنه -: أنَّ النبيَّ – صلَّى اللَّهُ عليه وسلَّم – سمع رجلاً يقول: اللَّهُمَّ إنِّي أسألُكَ أنِّي أشهد أنك أنت الله لا إله إلا أنت الأحد الصمد، الذي لم يلد ولم يولد، ولم يكن له كُفُوًا أحد، فقال: ((لقد سألتَ الله بالاسم الذي إذا سُئل به أعطى، وإذا دُعيَ به أجاب))[8].
ثالثًا: استحباب قراءتها عند المبيت؛ كما تقدم من فعله – عليه الصلاة والسلام – وقراءتها أيضًا صباحًا ومساءً ثلاث مرات.
عن عبدالله بن خُبَيْب – رضي الله عنه – أنه قال: خرجنا في ليلةِ مَطَرٍ وَظُلْمَةٍ شديدةٍ، نطلب رسولَ الله – صلى الله عليه وسلم – ليصلِّيَ لنا، فأدركناهُ، فقال: ((أَصَلَّيْتُمْ؟)) فلم أَقُلْ شيئًا، فقال: ((قُلْ))، فلم أَقُلْ شيئًا، ثم قال: ((قُلْ))، فلم أَقُلْ شيئًا، ثم قال: ((قُلْ))، فقلت: يا رسول الله، ما أقولُ؟ قال: ((قل هو الله أحد، والمعوِّذتين، حين تُمْسي وحين تُصبِح، ثلاثَ مرَّاتٍ، تكفيكَ من كلِّ شيءٍ))[9].
ــــــــــــــــــــــــ
[1] صحيح البخاري (4/379) برقم (7375).
[2] صحيح البخاري (1/252) برقم (774).
[3] صحيح البخاري (3/344) برقم (5015)، ورواه مسلم من طريق أبي الدرداء (1/556) برقم (811).
[4] صحيح البخاري (3/344) برقم (5017).
[5] تفسير ابن كثير (4/570).
[6] صحيح البخاري (4/379) برقم (7378).
[7] صحيح البخاري (3/334) برقم (4974).
[8] سنن أبي داود (2/79) برقم (1493).
[9] سنن أبي داود (4/322) برقم (5082).
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى