سياسة

قمة منتدى التعاون الصينى الأفريقى ٢٠٢٤ والرؤية المشتركة بين الرئيسين المصرى والصينى “السيسى وشى جين بينغ”

تحليل الدكتورة/ نادية حلمى

الخبيرة المصرية فى الشؤون السياسية الصينية والآسيوية- أستاذ العلوم السياسية جامعة بنى سويف

بصفتى خبيرة مصرية فى الشئون السياسية الصينية، فإن أكثر ما لفت إنتباهى تحليلياً خلال كلمة الرئيس الصينى “شى جين بينغ” فى الجلسة الإفتتاحية لمنتدى التعاون الصينى الأفريقي (فوكاك) هو إقتراحه بترقية الوضع العام للعلاقات الصينية الأفريقية إلى “مجتمع صيني أفريقي مرن دائمًا بمستقبل مشترك في العصر الجديد”، خلال كلمته في قمة منتدى التعاون الصيني الأفريقي ٢٠٢٤ التي عقدت في العاصمة الصينية بكين. ويؤكد الرئيس المصري “عبد الفتاح السيى دائماً على أهمية التعاون بين الصين وأفريقيا كمثال يحتذى به للتعاون الفعال والبناء بين الدول النامية ونموذج فعال لأطر التعاون الأفريقي المتعدد الأطراف، بالإضافة إلى استمرار مصر في العمل على تعزيز وتفعيل الشراكة بين الصين وأفريقيا. ومن هنا جاءت دعوة الرئيس الصيني شي جين بينج إلى تعزيز بناء مجتمع ذي مستقبل مشترك للبشرية بين الصين وأفريقيا، وربط مبادرة الحزام والطريق الصينية بأجندة الاتحاد الأفريقي ٢٠٦٣ واستراتيجيات التنمية في الدول الأفريقية. وفى هذا الصدد، طرح الرئيس الصيني “شى” (٨ مبادرات) لاقت إستحساناً كبيراً لدفع هذه الأهداف التي من المتوقع أن تعزز التنمية والسلام والأمن في القارة الأفريقية.

وإستعداداً لإستضافة هذا الحدث الصيني الأفريقي المهم، الذي عُقِدَ فى الفترة من ٤ إلى ٦ سبتمبر ٢٠٢٤، شددت بكين إجراءاتها الأمنية مع وضع لافتات على الطرق ومواقف الحافلات تؤكد أن الصين وأفريقيا “تقفان معاً من أجل مستقبل أكثر إشراقاً”. كما إعتمد منتدى التعاون الصيني الأفريقي ٢٠٢٤ “إعلان بكين بشأن بناء مجتمع صينى أفريقى شامل بمستقبل مشترك”. حيث أعلن الرئيس الصيني “شى جين بينغ” رسمياً أمام منتدى التعاون الصيني الأفريقى أن بكين مستعدة لإصدار بيان مشترك مع أفريقيا في إطار مبادرة التنمية العالمية التى تشمل ١٠٠٠ مشروع، مؤكداً: “نحن مستعدون لتقديم كل المساعدات الممكنة لمكافحة الأوبئة في أفريقيا وإطلاق ٢٠ مشروعاً طبياً وصحياً هناك”.

وأكد الرئيس الصينى “شى جين بينغ” فى منتدى التعاون الصيني الأفريقي أن بكين ستنشئ ٥٠٠ مشروع خيري في أفريقيا وستقدم مليار يوان كمساعدات غذائية طارئة، معربًا عن استعداده لإنشاء ٣٠ مشروعاً جديداً للطاقة في أفريقيا وإنشاء منصة مشتركة للاستخدام السلمي للطاقة النووية. وأوضح الرئيس الصيني في منتدى التعاون الصيني الأفريقي أن بكين مستعدة لإنشاء ٣٠ مشروعاً لربط البنية التحتية في أفريقيا وتعزيز مشاريع مبادرة الحزام والطريق، مضيفًا: “نحن مستعدون لإنشاء ٢٤ مشروعاً رقمياً لتعزيز الثورة التكنولوجية فى أفريقيا”. فضلاً عن وجود طرق عديدة لتحسين جودة ومستوى التعاون الصيني الأفريقي بشكل أكبر.

وفي هذا السياق، وضعت الصين والدول الأفريقية رؤية لعام ٢٠٣٥، بهدف تحديد اتجاهات وأهداف التعاون المتوسط والطويل الأجل وتعزيز مجتمع أفضل بمستقبل مشترك للصين وأفريقيا. إن السعي المشترك للتحديث من قبل الصين وأفريقيا سيطلق العنان لموجة من التحديث في الجنوب العالمي ويفتح فصلاً جديداً فى بناء مجتمع بمستقبل مشترك للبشرية.

وأكد الرئيس الصيني “شي جين بينج” خلال كلمته في الجلسة الافتتاحية لمنتدى التعاون الصيني الأفريقي ٢٠٢٤ في العاصمة الصينية بكين، أن “بلاده مستعدة للعمل مع أفريقيا لتنفيذ ١٠ خطط عمل مشتركة خلال السنوات الثلاث المقبلة”، مشيراً إلى أن خطط العمل العشر للشراكة ستغطي مجالات (التعلم المتبادل بين الحضارات، وازدهار التجارة، والتعاون في سلسلة الصناعة، والترابط والتواصل، والتعاون التنموي، والصحة، والزراعة، والتبادل الثقافي، والتنمية الخضراء، والأمن المشترك). كما إقترح الرئيس الصينى “شى جين بينغ” رفع المستوى العام للعلاقات الصينية الأفريقية إلى مجتمع المستقبل المشترك في جميع المجالات في العصر الجديد، ورفع العلاقات الثنائية بين الصين وجميع الدول الأفريقية التي تربطها علاقات دبلوماسية مع الصين إلى مستوى العلاقات الإستراتيجية.

ومن المتوقع أن تعزز قمة منتدى التعاون الصيني الأفريقي لعام ٢٠٢٤ دور الصين كشريك رئيسي في تنمية أفريقيا ودولة رائدة في الجنوب العالمي، وسيكون هذا الإجتماع فرصة ثمينة لتعزيز العلاقات الاستراتيجية والاقتصادية والدبلوماسية بين الصين والدول الأفريقية. وقد نما التعاون الاستثماري والتجاري بين الصين وأفريقيا بشكل كبير، مما أعطى زخما قويا لتطوير العلاقات الصينية الأفريقية. وفي القرن الحالي، وقعت 52 دولة أفريقية ومفوضية الاتحاد الأفريقي وثائق تعاون بشأن بناء الحزام والطريق بشكل مشترك مع الصين. وكانت أفريقيا أول قارة ترحب بمبادرات التنمية العالمية التي تقودها الصين وتدعمها، وإنضمت ٣٣ دولة إلى (مجموعة أصدقاء مبادرة الحزام والطريق)، وهو ما يمثل أكثر من ٤٠٪ من إجمالي عدد الدول الأعضاء في مبادرة الحزام والطريق في جميع أنحاء العالم.

وقد إتخذت الصين موقفاً مختلفاً عن الحكومات الغربية في التعاون الإقتصادى مع أفريقيا. فمنذ إنشاء منتدى التعاون الصيني الأفريقي، استمر التعاون الإقتصادى والتجاري بين الصين وأفريقيا في التقدم إلى مستويات جديدة، مما جلب فوائد ملموسة لشعبي الصين وأفريقيا.

يعد منتدى التعاون الصيني الأفريقي منصة مهمة للحوار الجماعي بين الصين والدول الأفريقية وآلية فعالة لتعزيز التعاون العملي بينهما. وتحرص الحكومات الأفريقية على العمل مع الجانب الصيني للاستفادة من منتدى الصين أفريقيا من أجل رفع مستوى التعاون، مما سيمكنها من مواجهة التحديات المشتركة والمساهمة في تحقيق تطلعات الشعوب وبناء مستقبل أفضل لها. من جانبه، جدد الجانب الصيني إلتزامه بمواصلة دعم التنمية الإقتصادية والإجتماعية في مختلف الدول الأفريقية، وإستعداده الكامل لدعم جهودها في تنفيذ المشاريع الإستراتيجية، وخاصة في قطاعات الصحة والبنية الأساسية والطاقة والنقل والبحث العلمي والزراعة والتحول إلى الإقتصاد الأخضر، وغيرها من القطاعات التي يتم الإتفاق عليها.

ويمكن تحليل إتجاه التنمية المستقبلية بين الصين والدول الأفريقية من خلال فهم اعتماد الصين على مفهوم جديد في العلاقات الدولية اليوم يسمى “الشراكة لبناء المستقبل”. ويضاف هذا المفهوم إلى المفهوم الأساسي للمدرسة الجيوسياسية الصينية، والذي يسمى “التواصل”. ولم تترك الصين أي فرصة للآخرين لرسم الخريطة الجيوسياسية للعالم، والتي تجاوزت الأحادية القطبية الأمريكية.

لقد عملت الصين على تشجيع الدول، وخاصةً فى أفريقيا، على تنويع شراكاتها الدولية لخلق عالم دولي متعدد الأقطاب بعيدًا عن لغة الصراع والهيمنة الأمريكية ونظريات الصراع والتنافس والصراع الحضاري، مع دعوة الصين إلى مبادرات التنمية العالمية مثل مبادرة الحزام والطريق والتنمية العالمية والحضارة العالمية والأمن العالمي وصوت الجنوب العالمي.

اليوم تجد مصر نفسها في إطار إستراتيجى، نظراً لموقعها بين أفريقيا وأوروبا والعالم العربي والإسلامي والشرق الأوسط والبحر الأحمر وحوضي البحر الأبيض المتوسط الشرقي والغربي. لذلك يمكن لمصر أن تثمن هذه الورقة الاستراتيجية المهمة، والتي تمثل بالنسبة للصين حقيقة أساسية في معادلة التوسع في منطقة البحر الأبيض المتوسط وجنوب أوروبا، وفي نفس الوقت مدخلًا إلى أفريقيا التي تعتبر مصر أحد أهم محركاتها الرمزية ثقافيًا وسياسيًا. وفي هذا الصدد، يتعين على مصر والدول الأفريقية إستغلال هذا التقارب مع الصين من خلال شراكات متعددة والخروج من العباءة الأمريكية والغربية والأوروبية وتقدير قدراتها التى إستنزفها الغرب وإعادة التوازن في العلاقات مع كافة الشركاء على أساس مبدأ (السيادة الوطنية واحترام استقلال البلاد وعدم التدخل في الشئون الداخلية).

وفيما يتعلق بمجالات التعاون التي يمكن لمصر والدول الأفريقية طرحها في إطار مشاركتها في فعاليات منتدى الصين أفريقيا ٢٠٢٤، فمن الممكن مناقشة العديد من المجالات مع الجانب الصيني، ومنها الموانئ المصرية والأفريقية ضمن شبكة التبادل التجاري البحري، والتي تعد الصين رائدة فيها والقوة العالمية الأولى في هذا المجال.

وخلال هذا الحدث الدولي يمكن مناقشة مشروعات البنية الأساسية والبنية الأساسية الصحية أيضاً، خاصة وأن مصر والدول الأفريقية لديها خبرة مع الصين في هذا المجال، بالإضافة إلى دور المنطقة الاقتصادية الحرة في الجزء الغربي من قناة السويس المصرية والمشروعات الصينية هناك (تيدا)، والتي تعتبر من المجالات الاستراتيجية للتعاون والتبادل بين الطرفين.

وعليه، نفهم أن خطاب الرئيس الصيني شي جين بينج جاء كملخص لأجندة التعاون والتنمية بين الصين وأفريقيا على مدى السنوات الثلاث المقبلة، حيث يعقد منتدى التعاون الصيني الأفريقي كل ثلاث سنوات. مع تركيز منتدى الصين أفريقيا هذا العام ٢٠٢٤ على سبل تعزيز التعاون الصيني الأفريقي في إطار المبادرات التي تتبناها بكين في هذا الصدد، وبما يتماشى مع أهداف أجندة التنمية الصينية الأفريقية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى