مقالات

رئيس اتحاد الوطن العربي الدولي يتحدث عن الأحكام الفقهية للشتاء

رئيس اتحاد الوطن العربي الدولي يتحدث عن الأحكام الفقهية للشتاء
بقلم \ المفكر العربي الدكتور خالد محمود عبد القوي عبد اللطيف
مؤسس ورئيس اتحاد الوطن العربي الدولي
رئيس الإتحاد العالمي للعلماء والباحثين
مما لاشك فيه أن رفع الحرج ودفعَ المشقة سمةٌ من أهم سمات هذا الدينِ العظيم ، ومقصدٌ من مقاصدِ هذه الشريعة السَّمحة ، كيف وقد تظافرت الأدلةُ من الكتابِ والسنة على تأكيد هذا الأصل العظيم ، وتثبيت هذا المقصد النبيل ، فمن ذلك قولُهُ تعالى (ما يريد الله ليجعل عليكم من حرج ولكن يريد ليطهركم وليتم نعمته عليكم لعلكم تشكرون) ويقول عز وجل ( هو اجتباكم وماجعل عليكم في الدين من حرج ملة أبيكم إبراهيم) .
إنَّ مما جاءت به الشريعة في باب الطهارة مشروعيةُ المسحِ على الخُفين أو الجوربين وقد جاءت الأدلة من كتاب الله ومن سنة النبي صلى الله عليه وسلم والإجماع على جواز المسحِ عليهما، ففي قوله تعالى (وامسحوا برؤوسِكم وأرجُلِكم إلى الكعبين) على قراءة الجرّ، وأما من السنة فأحاديثُ كثيرة تواترت عن النبي صلى الله عليه وسلم ، يقول الإمام أحمد رحمه الله ( ليس في قلبي من المسحِ شيئٌ فيه أربعون حديثاً عن النبي صلى الله عليه وسلم ) ، ويقول الحسن البصري رحمه الله ( حدثني سبعون من أصحابِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم أنه مسح على الخُفين ) ، وأما من الإجماع فقد أجمع أهل السُّنة على جواز المسح على الخفين وخالف في ذلك الرافضة ، ولهذا ذكر بعض العلماء مسألةَ المسحِ على الخُفَّين في كتب العقيدة لمخالفة الرافضةِ له ، يقول الطحاوي رحمه الله في عقيدته ” ونرى المسح على الخُفين في السفر والحظر كما جاء في الأثر” ،
ويقول شيخ الإسلام بن تيمية رحمه الله تعالى ” واليهودُ لا يرَونَ المسحَ على الخُفين
إنَّ الكلام على مسألةِ المسحِ على الخُفين تشتد حاجةُ الناسِ إليه اليومَ وخصوصاً في فصل الشتاء ، وقد ذكر الفقهاء شروطا له، استنبطوها مما ورد من النصوص الشرعيةِ في ذلك ، من هذه المسائل أن يكون لِبْسُهُما على طهارة والدليل على هذا حديث المغيرة بن شُعبةَ رضي الله تعالى عنه حيث قال كنتُ مع النبيِّ صلى الله عليه وسلم في سفرٍ فأهويتُ لأنزِع خُفَّيه فقال عليه الصلاة والسلام (دعهما فإني أدخلتُهما طاهرتين) فمسح عليهماـ متفق عليه ،
وثانياً من الأحكام أن يكون الممسوحُ عليه طاهراً مباحاً وذلك بأن لا يكون مصنوعاً مما يَحرُمُ لِبْسُه سواءً كان مُحرَّما لنجاسته كجلد الكلب ونحوه، أم لِحُرمتِهِ في الأصلِ على الرجال كالحرير ، أم مُحرَّماً لحقِّ الآخرين كالمغصوبِ أو المسروق ،
وثالثاً أن يكون المسحُ في المدةِ المشروعة للمقيم يومٌ وليلة ، وللمسافر ثلاثةُ أيامٍ بلياليها، فعن شُرَيح بن هانئ قال أتيتُ عائشة رضي الله عنها أسألُها عن المسحِ على الخُفَّين فقالت عليكَ بابنِ أبي طالبٍ فسلْه فإنه كان يسافر مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فسألناه فقال جعل رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاثةَ أيامٍ ولياليهن للمسافر ويوماً وليلة للمقيم. رواه مسلم ،
ورابعاً أن يكون المسحُ من الحدث الأصغر فلايصحُّ المسحُ حال غُسلِ الجنابة ، فعن صفوان بن عسالٍ رضي الله عنه قال كان رسولُ الله صلى الله عليه وسلم يأمرُنا إذا كنا سفراً أن لا ننزِعَ خِفافَنا ثلاثةَ أيام ولياليهن إلا من جنابة ولكن من غائطٍ وبولٍ ونومٍ. رواه أحمد والترمذي والنَّسائي ،
ولا يُشترط أن يكون الجورب صفيقاً أي سميكاً لأنه لادليل على هذا الشرط فلو كان شفافاً او به بعضُ الخروقِ جاز المسحُ عليه في أصحِّ أقوالِ أهل العلم ، وقد صحَّ عن الثوري رحمه الله تعالى أنه قال (امْسَحْ عليها ما تعلقت به رِجْلُك وهل كانت خِفافُ المهاجرين والأنصار إلا مُخَرَّقةُ مُشَققةً مُرَقَعة). رواه عبدالرزاق بإسناد صحيح ، يقول شيخ الإسلام بن تيمية رحمه الله تعالى ويجوز المسحُ على اللفائف وعلى الخُفِّ المُخرَّق مادام اسمُهُ باقيا والمشيُ فيه ممكنا ، أما عن كيفية المسح فهو أن يَبُلَّ المُتوضِئُ يديه بالماء ثم يُمَرِّرْهما على ظاهرِ قدميه فقط اليد اليُمنى على القدم اليمنى واليدُ اليسرى على القدمِ اليُسرى مرةً واحدة جميعا من أطرافِ أصابع القدمين إلى بداية الساق ، يقول علي رضي الله تعالى عنه( لو كان الدين بالرأي لكان أسفلَ الخُفِّ أولى بالمسحِ من أعلاه وقد رأيتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يمسحُ على ظاهر خُفَّيه).رواه أبوداوود ،
أما المسحُ على ظاهرهما وباطنهما وجانبهما فهذا لاشكَّ أنهُ ليس من السنة ، واعلم عبدَالله أنَّ بدايةَ المسح تكون من أولِ مسْحةٍ بعد الحدث وليس من وَقْتِ اللِّبْسِ أو الحدث فلو لبِستَ الجوربين على طهارة بعد صلاة العشاء مثلاً ، ثم استيقظتَ لصلاة الفجر توضأتَ ومسحتَ عليهما فاعلم أنَّ بداية المسحِ تكون من هذه المسحة أي من وضوءكَ لصلاة الفجر ولك أن تمسح إلى مثلِ ذلك الوقت من الفجر في اليوم التالي إن كنت مقيما وإن كنت مسافرا ثلاثة أيام بلياليهن ، ثم اعلم أن بعض الناس يغسِلُ رِجلهُ اليمنى ثم يُدخلها في الجورب ثم يغسل رِجله اليسرى ثم يُدخلها في الجورب الأخر وهذا أمرٌ مرجوحٌ وليس له أن يمسحَ عليهما لأنه في الحقيقة لم يتحقق لِبْسُهما على طهارة فينتظر إلى أن يغسل رِجليه جميعا ثم يلبسُ خُفَّيهِ بعد ذلك ،
يقول ابن باز رحمه الله تعالى (وظاهر هذه الأحاديث الثلاثة وماجاء في معناها أنه لا يجوز للمسلم أن يمسح على الخُفين إلا إذا كان قد لبِسَهما بعد كمال الطهارة والذي أدخل الخُفَّ برِجله اليمنى قبل غسل رِجله اليسرى لم تكمن طهارته).أنتهى.
ومما يَحسُنُ بك أن تعرِفه أن من مسح في سفر ثم أقام فإنه يُتمَّ مُدةَ مسحِ المقيم، وكذلك من مسح وهو مقيم ثم سافر فإنه يتم مدةَ مسحِ المسافر وهذا الراجح من أقوال أهل العلم ، من المشهور عند العامة أن المسح يوماً وليلة يعني أنه لا يمسح أكثرَ من خمسِ صلوات ، وهذا ليس بصحيح بل التوقيتُ بيوم وليلة يعني أنَّ له أن يمسحَ يوما وليلة سواءٌ صلى خمسَ صلواتٍ أو أكثر فليس لعددِ الصلوات تأثيرٌ في الحكم .
واعلم أنه إذا خلع شخصٌ الجورب وهو على طهارة وقد مسحه فإنه وضوءه لا ينتقض وذلك لأنَّ الرَّجُل إذا مسح على الخُف فقد تمت طهارتُهُ بمقتضى الدليل الشرعي، فإذا خلعه فإن هذه الطهارة لا يمكن نقضُها إلا بدليل شرعي ، فالطهارة باقية وهي خلافٌ بين أهل العلم وهذا هو الراجح من أقوال أهل العلم الذي اختارَه شيخُ الإسلام بن تيمية رحمه الله وجماعةٌ من أهل العلم، وهو ما ثبت عن علي رضي الله تعالى عنه أنه أحدث ثم توضأ ومسح على نِعله ثم خلعهما ثم صلى ، فصلى بعد خلع الممسوح ولم يَعُدَّ ذلك ناقضاً للوضوء، وكذلك إذا انتهت مدةُ المسحِ لا يعني ذلك انتقاضُ الوضوء ، فليس من نواقض الوضوء انتهاءِ مدة المسحِ بل يبقى على طهارة لكن يُحرم عليه المسحُ على الخُفين أو الجوربين بعد انتهاء المدة، وهذا كذلك هو الصحيحُ في المسألة مع وجود خلافٍ فيها بين أهل العلم وهذا هو الذي اختاره أيضا شيخ الإسلام بن تيمية رحمه الله تعالى ، وإن احتاط وغسل كلتي رِجليه في الحالتين خروجاً من الخلاف فلا بأس ،
كثيرٌ من الناس يتساهلُ في مسألة إسباغِ الوضوء وإتمامِه خاصةً مع برْدِ الشتاء فلا يوصِلُ الماءَ إلى مِرْفَقيْه بسبب الملابس التي يلبَسُها وهذا قد أخلَّ بوضوءِه ويترتب عليه إخلالُهُ بصلاتِه ، يقول صلى الله عليه وسلم ( ألا أدلُّكُم على ما يمحو اللهُ به الخطايا ويرفع به الدرجات) قالوا بلى يا رسولُ الله ، قال ( إسباغُ الوضوءِ على المكاره وكَثْرةُ الخُطى إلى المساجد وانتظار الصلاةِ بعد الصلاة فذلكمُ الرباط فذلكمُ الرباط) رواه مسلم، يقولُ القاضي عياض رحمه الله تعالى (وإسباغُ الوضوءِ تمامُه والمكارِه تكون بشدة البرد وألمِ الجِسْمِ ونحوِ ذلك ) .
ومن المسائل كذلك،ما ذكره الشيخ بن عثيمين رحمه الله تعالى عن بعض المُصلين قال (لا يفسُرون ) أي لا يرفعون أكمامَهم عند غسل اليدين فسْراً كاملاً وهذا يؤدي إلى أن يتركوا شيئاً من الذراع بلا غَسْلٍ وهو مُحَرَّم والوُضوءُ معه غيرُ صحيحٍ ، فالواجبُ أن يُفَسِّرَ كُمَّهُ إلى مارواء المِرْفَق مع اليدِ لأنَّ ذلك من فروضِ الوضوء ، ومن المكروهات كذلك التلثُّم في الصلاة فقد صحَّ عن النبي صلى الله عليه وسلم أنَّه نهى عنِ السَّدْلِ في الصلاة وأن يُغَطِّيَ الرَّجُلُ فاه –أي فمَه- . رواه أبو داوود وغيره ، يقول ابن باز رحمه الله تعالى (يُكرَهُ التلثُم في الصلاة إلا منة علَّة) .
عبادَ الله : لقد كان السلف رحمهم الله تعالى يفرحون بالشتاء لِقِصَرِ نهارِهِ للصائم وطولِ ليْلِهِ للقائم ، وثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال ( الصومُ في الشتاء الغنيمةُ الباردة ) ، وقال عمر رضي الله تعالى عنه ( الشتاءُ غنيمةُ العابدين ) ، وقال ابن مسعود رضي الله تعالى عنه ( مرحباً بالشتاء تتنزَّلُ فيه البَركة ويطُولُ فيه اللَّيلُ للقيام ويَقصُرُ فيه النهارُ للصيام ) ، ويقول الحسنُ رحمه الله تعالى ( نِعْمَ زمانُ المؤمن الشتاء ليلُهُ طويل يقومُه ونهارُه قصير يصُومُه).
: ومعنى كونه غنيمة باردة أنها غنيمة حصلت من غير قتال ومن غير مشقة وعناء,وكذلك يقدر المسلم في الشتاء على قيام ليله مع أخذ نفسه حقاً كاملاً من النوم, بخلاف ليل الصيف فإنه لِقِصَرِه وشِدَّة ِحرِّه يغلبك النوم فيه ويشق قيامه فيحتاج القيام فيه الى مجاهدة كبيرة.
فحريٌ بالمسلم إذا بغى أن ينتهز هذه الفرصة المباركة وأن يجعل من ساعات ليل الشتاء ساعة يخلو فيها بربه جل وعلا علَّ عثرة تُقال أو ذنباَ يُغفَر أو كرباَ يُفرَّج أو درجة تُرفع فإن قيام الليل يزيدُ المؤمن إيمانا إلى إيمانه ويجعل المسلم معظماً لحصول الثواب المخفَى في قول الله تعالى (فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرقِ أعين جزاء بما كانوا يعملون) أنتهى .
فها قد جاء الشِّتاء ، وشدةُ البرْدِ في الشِّتاء عباد الله تُذَكِّرُ المؤمنَ أيضاً بنار جهنم وتُذَكِّرُهم بزمهريرِها وهو شِدَّةُ البَرْدِ فيها، يقول صلى الله عليه وسلم ( اشتكتِ النارُ إلى ربِّها فقالت ياربِّ أكَلَ بعضي بعضا فأذِنَ لي بنَفَسيْن نفسٍ في الشِّتاءِ ونفسٍ في الصيف فهْو أشدُّ ما تجِدون من الحرّ وأشدُّ ماتجدون من الزَّمْهريرِ) أي البرْدِ الشَّديدِ ، وهذا من تنوُّعِ العذاب في نارِ جهنَّم أعاذنا اللهُ وإيَّاكم منها ، فنسْأَلُهُ سبحانه وتعالى أن يُجِيرَنا من النيران اللهمَّ أجرنا من النيران اللهمَّ أدخِلْنا الجنة،

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى