مقالات

رئيس اتحاد الوطن العربي الدولي يتحدث عن الطبيعة فى القراّن الكريم

رئيس اتحاد الوطن العربي الدولي يتحدث عن الطبيعة فى القراّن الكريم
بقلم \  المفكر العربي الدكتور خالد محمود عبد القوي  عبد اللطيف
مؤسس ورئيس اتحاد الوطن العربي الدولي
رئيس الإتحاد العالمي للعلماء والباحثين
تناول القرآن الكريم الطبيعة[1] ولفت النظر إلى كثير من دقائقها، ووضع الأيدي والأنظار على ما خفي من جمالها، وسمح للعين والفكر أن ينساحا في ظلال تلك المناظر الخلابة التي تتعامل مع حواس الإنسان كلها في آن واحد، وإذا بالإنسان مشدود كله إلى ذلك الجمال الذي أبدعه الله تعالى.
وإذا كان القرآن الكريم – وهو المنهج الإلهي – يأخذ بيد الإنسان ليعرفه إلى الله الواحد، فإِن هذا القرآن نفسه – وهو كتاب الله – يلفت النظر إلى كتاب آخر منظور هو “الكون” حيث يكون التعرف إلى الله في الميدان النظري المشاهد بعد الميدان القلبي والفكري، وبهذا تكون المعرفة ملء النفس الإنسانية كلها وفي جميع زواياها، وبهذا تكون الإضاءة عامة، ولا يبقى شيء في الظل لم يصل إليه نور الهداية.
والقرآن الكريم إذ يتناول “المشهد الطبيعي” أو “المشهد الكوني” فإنما يتناوله لغرض من الأغراض.. ومع ذلك فالهدف والغاية لا ينفيان أن يكون ذلك المشهد هو الحقيقة.. الحقيقة الكونية، والحقيقة العلمية، والحقيقة الجمالية، فلا تهمل جوانب لإبراز جانب.. كل هذا يعرضه القرآن بالأسلوب الجمالي البديع، وكأن الصياغة القرآنية لم يكن همها إلا الإعجاز البياني، وبهذا كان الإعجاز القرآني إعجازاً في كل الاتجاهات.
ونحن في حديثنا هنا عن الطبيعة إنما نهدف التعرف إلى الجانب الجمالي منها.
وهذا لا يمنع أن تكون هذه المعرفة في ظل الغاية التي هدف النص إليها وهو يعتمد المشهد الجمالي وسيلة.
وإذا ذهبنا نتتبع الأغراض القرآنية التي كانت خلف مشاهد الطبيعة ألفيناها تسير في اتجاهات شتى لتلتقي جميعاً في ساحة العقيدة. فالمشهد الطبيعي في القرآن يأتي:
• إما دلالة على الألوهية.
• وإما دلالة على الوحدانية.
• وإما برهاناً على البعث.
• وقد يكون تذكيراً بنعم الله تعالى على الإنسان.
• وقد يكون بياناً لعلاقة الطبيعة بالله الخالق.. وهي علاقة العبودية بالألوهية.
• وقد يكون بياناً لعلاقة الطبيعة بالإنسان وهي علاقة التسخير له – بأمر الله – من جانب، وعلاقة الأخوة في العبودية لله تعالى من جانب آخر.
من خواص المشهد القرآني:
وإذا كان هناك من أمر ينبغي التأكيد عليه أو لفت النظر إليه فهو “الحركة” التي يتماز بها المشهد القرآني، فهو ليس لوحة جامدة باردة، وإنما هو حركة الحياة تمد إلى كل شيء.. حتى فيما يبدو لحواسنا أنه لا حركة له – لأنه من الجمادات – يعرضه القرآن الكريم من خلال الحركة الحية الفاعلة، فالأحجار تتشقق ليخرج منها الماء، والجدار يريد أن ينقض، والجبال تمر مر السحاب… صنع الله الذي أتقن كل شيء.
وقد تكون هذه “الحركة” غير منظورة – لأنها حركة قلبية أو نفسية – فالأرض تصل في درجة سكونها إلى الخشوع[2] في محراب العبودية لله تعالى، والخشوع سكون ظاهر، ولكنه حركة وعمل واتجاه.. يحتاج من التركيز القلبي والنفسي ما لا يحتاجه العمل الظاهر.
وتصل هذه الحركة إلى ذروتها حين تشتمل على النوعين، فتكون حركة غير منظورة ثم ينتج عنها حركة منظورة ونجد هذا واضحاً في الأحجار التي تهبط من خشية الله[3]. إنه هبوط – وهو حركة ظاهرة – نتج عن الخشية وهي حركة غير منظورة.
والمشاهد الطبيعية في القرآن تذهب في اتجاهين:
فهي مشاهد إجمالية – تارة – تتناول “الكليات” حيث تلفت الآية النظر إليها، ثم تترك المتأمل يعيش المشهد، فيمعن النظر ويستخرج العلاقة، ويقف على الموطن الجمالي.. فهي – بتعبير آخر – تفتح الباب وتسمح له بالدخول، وتترك له حرية التجوال… وقد تأخذ بيد المشاهد – أحياناً – ليكون تركيزه على جانب واحد، حيث توجَّه الأضواء إليه..
وهناك مشاهد تفصيلية، حيث يتبين لنا ما خفي علينا، وتتفتح أعيننا على ما غفلنا عنه، أو ما لم ننتبه إليه… فنجد أنفسنا أمام الجزئيات، وتتضح لنا العلائق والوشائج.
ونظل هنا وهناك أمام المشهد “الفسيح” الذي تتقاصر الحدود أن تحيط به، كما تتقاصر العين عن أن تسيطر عليه، فهي تعيش فيه وتنتقل هنا وهناك، ولكنها لا تهيمن عليه، وهذه هي الخاصية الثانية للمشهد الطبيعي في القرآن إنها خاصية الاتساع.
ولا بد لنا من جولة نقف بها على بعض هذه المشاهد.. ونبدأ بالمشاهد الإجمالية:
نماذج من المشاهد الإجمالية:
قال تعالى: ﴿ إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنْفَعُ النَّاسَ وَمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ مَاءٍ فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ ﴾[4].
إنها مشاهد.. ولوحات إلهية، لا تحدها الأبعاد والأطر، يسرح فيها الخيال بعيداً بعيداً، كما يسرح فيها البصر حراً طليقاً، ومع ذلك فهي مشاهد إجمالية.
﴿ إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ﴾ إنه العالم بأسره في كلمتين موضوع أمامك، ففيه مشاهد… قف على ما شئت منها، وتخير ما شئت.. بلا حدود في الكم والكيف.
والحديث عن السماء والأرض يكاد يلغي حدود البعد المكاني.. فاذهب في الأرض طولاً وعرضاً.. وحلِّق بنفسك – إن استطعت – أو بفكرك في عالم السماء.. حيث أردت، فأنت هنا وهناك أمام مشاهد..
﴿ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ ﴾ إنه تعاقب الليل والنهار.. الذي يعني الشروق والغروب، ويعني انبلاج الفجر وظهور الشفق.. ويعني ضياء الضحى واشتداد الظلمة.. ويعني تنفس الصبح وشمس الأصيل.. ويعني رطوبة الليل وحر النهار.. إنه اختلاف الليل والنهار.. بهذا الإجمال.
وإذا كان الحديث عن السماء، والأرض كاد أن يلغي “البعد المكاني” فإن اختلاف الليل والنهار يكاد أيضاً أن يلغي “البعد الزماني” إنه الاستمرار والتعاقب…
﴿ وَالْفُلْكِ.. ﴾ تلك المدن العائمة على وجه الماء، إنها كبيرة، ولكنها تبدو على صفحة الماء صغيرة صغيرة.. إنها لوحة.. لوحة الماء الشفاف الرقراق يحمل ذلك الثقل الضخم.. إنه الماء يحمل الجبال.. إنها لوحة للعين وللفكر وللقلب.. ومع هذا فهي مشهد إجمالي.
وإذا انتقلنا من ماء البحر إلى اليابسة وجدنا أنفسنا مع الماء بشكله الآخر.. الماء الهاطل من السماء فيه الحياة لهذه الأرض…
وبين السماء والأرض مشاهد.. الرياح تسوق الغمام.. إنها لوحات لا حصر لها…
إنها آية واحدة أجملت مشاهد الكون.. وتركت المشاهد يتأمل ويعمل فكره فإذا به أمام الحقيقة التي سيقت الآية تعقيباً عليها ﴿ وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ ﴾[5].
ونقف على خاصية “الحركة” – التي ألمحنا إليها – في هذه الآية:
إن السماء والأرض، ليستا متحركتين – فيما يبدو للناظر – ومع هذا فإن النظر فيهما يدعو المتأمل إلى الحركة التي لا تهدأ.. حركة البصر، وحركة القلب وحركة الفكر.
والليل والنهار متعاقبان يخلف الواحد منهما الآخر.
والفلك.. تجري.
والماء ينزل.. والأرض تدب فيها الحياة، فتتحرك بعد سكون.. وتنتشر الدواب فيها بكل اتجاه..
وحركة السحاب تصاحب حركة الرياح..
وتوشي الحركة المنظورة في الآية – وهي حركة الليل والنهار والفلك والماء النازل من السماء.. وحركة السحاب والرياح – بحركة غير منظورة: هي حركة السماء والأرض وحركة الحياة في الأرض.
وأما الخاصية الثانية “الاتساع” فهي من الوضوح بحيث لا تحتاج إلى بيان:
السماء والأرض.. إنه اتساع المكان.
الليل والنهار.. إنه اتساع الزمان.
ومع البحر يمتد النظر إلى الأفق ويتابع الخيال المشهد فيما وراء الأفق والمطر النازل من السماء يصاحب السحاب الذي يقوم بجولة واسعة المدى مع الرياح.. إنه السراح بين السماء والأرض..
ويتحول المشهد الواحد بموجب هاتين الخاصتين إلى مشاهد.. ففي كل آونة حركة يتغير فيها الوضع عما كان عليه.. وهكذا تتحرك المَشَاهِد نفسها… إنه البعد الجديد.. إنه التجديد المستمر..
••••
وإذا كنا قد وقفنا بشيء من التفصيل مع المشهد الأول، فإنا نورد بعد ذلك نماذج لمشاهد إجمالية أخرى مكتفين بالنص القرآني الكريم:
قال تعالى: ﴿ أَوَلَمْ يَنْظُرُوا فِي مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا خَلَقَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ… ﴾[6].
وقال تعالى: ﴿ قُلِ انْظُرُوا مَاذَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ… ﴾[7].
وقال تعالى: ﴿ وَفِي الْأَرْضِ آَيَاتٌ لِلْمُوقِنِينَ * وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُونَ ﴾[8].
إنها مشاهد بعيدة الغور واسعة المدى تعرض بكلمات يسيرة، وتترك للإنسان الباب مفتوحاً كي يتأمل..
••••
وقد ذكرت من قبل أن بعض المشاهد تتجه في مسار واحد لتلفت النظر إلى صفة معينة فتجعلها محط الأنظار.
ومن أمثلة ذلك قوله تعالى:
﴿ وَالسَّمَاءَ بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ * وَالْأَرْضَ فَرَشْنَاهَا فَنِعْمَ الْمَاهِدُونَ * وَمِنْ كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ ﴾[9].
إننا هنا أمام مشهد توجه فيها الأنظار إلى جانب واحد، يعد مركز الاهتمام:
إنه السماء من حيث سعتها وإنه الأرض من حيث فرشها وتمهيدها وإنه الزوجية كقاعدة عامة في أمر الخلق وبهذا يوجه النص الكريم إلى جانب جمالي قد لا يتنبه له..
ومن أمثلته – أيضاً – قوله تعالى:
﴿ أَفَلَا يَنْظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ * وَإِلَى السَّمَاءِ كَيْفَ رُفِعَتْ * وَإِلَى الْجِبَالِ كَيْفَ نُصِبَتْ * وَإِلَى الْأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ ﴾[10].
إنه التوجيه إلى الوقوف على الكيفية، وإمعان النظر فيها. وتفتح كلمة “كيف” هنا أبواباً عجيبة من التأمل.. إنه توجيه عام إجمالي إلى التفكير في أمر الكيفية.. أي استبطان الظواهر والوقوف على خفايا الأشياء ودقائقها.. وذلك مرشد إلى بعض أسرارها.
نماذج من المشاهد التفصيلية:
كان الحديث عن السماء والأرض حديثاً مجملاً، تكفلت بعض الآيات بتفصيله، ومن تلك الآيات قوله تعالى:
﴿ اللَّهُ الَّذِي رَفَعَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى يُدَبِّرُ الْأَمْرَ يُفَصِّلُ الْآَيَاتِ لَعَلَّكُمْ بِلِقَاءِ رَبِّكُمْ تُوقِنُونَ * وَهُوَ الَّذِي مَدَّ الْأَرْضَ وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنْهَارًا وَمِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ جَعَلَ فِيهَا زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ * وَفِي الْأَرْضِ قِطَعٌ مُتَجَاوِرَاتٌ وَجَنَّاتٌ مِنْ أَعْنَابٍ وَزَرْعٌ وَنَخِيلٌ صِنْوَانٌ وَغَيْرُ صِنْوَانٍ يُسْقَى بِمَاءٍ وَاحِدٍ وَنُفَضِّلُ بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ فِي الْأُكُلِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ ﴾[11].
﴿ اللَّهُ الَّذِي رَفَعَ السَّمَاوَاتِ.. ﴾.
والرفع هنا يتناسب في علوه مع سعة السقف المرفوع. وقد كان البصر ينظر في هذا الارتفاع فيتلاشى قبل بلوغ أدنى غاية؟! وتقدم العلم وساعد العين على مد رؤيتها وساعد العقل على المعرفة.. وتبين أن ارتفاع السموات هائلٌ هائل.. إن مقاييسه آلاف السنين الضوئية..
وقد تعود الناس أن يرفعوا ما يريدون رفعه.. على أعمدة ووسائط ولكن السماوات رفعت بغير عمد.
وكلمة ﴿ بِغَيْرِ عَمَدٍ ﴾ في الآية، وإن كانت تثبت حقيقة واقعة يعيشها كل إنسان، إلا أنها تدفعك أن ترفع رأسك لتنظر، وكأنك تنتبه للأمر لأول مرة، إن شدة الإلف أنستك هذه الحقيقة.. وترفع رأسك وتسرح مع بعد الارتفاع.. وتعجب وتعجب.
والسماء عالم مليء بالكواكب والنجوم التي لا تعد ولا تحصى، منها المنظور ومنها غير المنظور، وتكتفي الآية هنا بذكر الشمس والقمر لما لهما من صلة وثيقة بحياة الناس.
وأما الأرض..
فإنها مدت ومهدت ..
وأقيمت فيها الرواسي حفظاً للتوازن أن تميد بكم..
وشقت فيها الأنهار لتكون عروق الحياة.
وهي بعد ذلك ليست نوعية واحدة، بل قطع.. لكل خصائصها وتربتها ونباتاتها.. إنها متجاورة ولكنها مختلفة.
والجنات المقامة فوق هذه الأرض تتنوع ثمارها بتنوع شجرها. فهناك شجر العنب.. والزروع.. والنخيل.. إنه يسقى بماء واحد، ويختلف فيه الطعم واللون والحجم.
إنه عالم الأرض.. ولكنه عوالم، عالم النبات، وعالم الحيوان وعالم الإنسان وعالم الجماد.. ولكل خصائصه وميزاته.
وفي مثال آخر تتناول الآيات بيان بعض المراحل في عملية إنزال المطر.
قال تعالى:
﴿ أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُزْجِي سَحَابًا ثُمَّ يُؤَلِّفُ بَيْنَهُ ثُمَّ يَجْعَلُهُ رُكَامًا فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلَالِهِ وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ جِبَالٍ فِيهَا مِنْ بَرَدٍ فَيُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَصْرِفُهُ عَنْ مَنْ يَشَاءُ يَكَادُ سَنَا بَرْقِهِ يَذْهَبُ بِالْأَبْصَارِ ﴾[12].
وقال تعالى:
﴿ أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَسَلَكَهُ يَنَابِيعَ فِي الْأَرْضِ ثُمَّ يُخْرِجُ بِهِ زَرْعًا مُخْتَلِفًا أَلْوَانُهُ… ﴾[13].
وقال تعالى:
﴿ اللَّهُ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ فَتُثِيرُ سَحَابًا فَيَبْسُطُهُ فِي السَّمَاءِ كَيْفَ يَشَاءُ وَيَجْعَلُهُ كِسَفًا فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلَالِهِ… ﴾[14].
إنها دقائق فيها من التقابل والتناظر ما يبهر النظر والحس والفكر.
الله الذي يرسل الرياح التي تؤدي مهمتها وفق ما خطط لها. فتثير السحاب ثم تبسطه وتوزعه وفق إرادته سبحانه ثم تسوقه وتجمعه في تنسيق رائع حيث يصبح ركاماً بعضه فوق بعض.. ولهذا التراكم درجات يصل بعضه إلى تكوين جبال..
وينزل المطر من هذا الركام..
أما ما ينزل من الجبال!! فهو “البرَد” الصلب القاسي.
إنها جبال في ضخامتها وحجمها ووزنها.. وفتاتها هو فتات الجبال صلابة وقوة.. يصغر حيناً ويكبر حيناً..
ومع هذا فهي جبال من بخار فيها الشفافية والرقة وعدم الكثافة.. إنها غيوم بيضاء اللون حوَّل تراكمها هذا اللون إلى لون داكن فتمم بذلك شكلية الجبال ومظهرها.
وفي ذلك الجو المغطى بتلك الغيوم التي ربما أعطته شيئاً من الظلمة بتراكمها..
ومن تلك الغيوم الداكنة يلوح البرق فإذا ضوؤه يكاد يذهب بالأبصار..
وينزل الغيث.. فإذا الحياة تدب في الأرض بعد موت.. وإذا بفريق من هذا الغيث يذهب في الأعماق ليكون مدخراً.. تتفجر منه الينابيع ومعها تتفجر الحياة زاهية الألوان..
••••
تلك نماذج من مشاهد الطبيعة سجلتها الآيات الكريمة مشاهد تنبض حيوية وحركة وجمالاً.. إنها تستحق التأمل. ولذا ورد التعقيب عليها بقوله تعالى:
﴿ .. إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِأُولِي الْأَبْصَارِ ﴾[15].
﴿ .. إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِأُولِي الْأَلْبَابِ ﴾[16].
﴿ .. فَانْظُرْ إِلَى آَثَارِ رَحْمَةِ اللَّهِ… ﴾[17].
________________________________________
[1] الطبيعة في اللغة: الطبع والسجية, ولكنها استعملت فيما يدل على المخلوقات التي يتألف منها الكون, وهو المقصود من هذه الكلمة في مثل هذه الموضوعات.
[2] قال تعالى: ﴿ وَمِنْ آَيَاتِهِ أَنَّكَ تَرَى الْأَرْضَ خَاشِعَةً ﴾ [فصلت: 39].
[3] قال تعالى: ﴿ وَإِنَّ مِنَ الْحِجَارَةِ لَمَا يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الْأَنْهَارُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَشَّقَّقُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ الْمَاءُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ .. ﴾ [سورة البقرة: 74].
[4] سورة البقرة الآية [164].
[5] سورة البقرة الآية [163].
[6] سورة الأعراف الآية [185].
[7] سورة يونس الآية [101].
[8] سورة الذاريات الآية [20 – 21].
[9] سورة الذاريات الآية [47 – 49].
[10]سورة الغاشية الآية [17 – 20].
[11] سورة الرعد الآية [2 – 4].
[12] سورة النور الآية [43].
[13] سورة الزمر الآية [21].
[14] سورة الروم الآية [48].
[15] سورة النور الآية [44].
[16] سورة الزمر الآية [21].
[17] سورة الروم الآية [50].

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى