مقالات
رئيس اتحاد الوطن العربى الدولى يتحدث عن مفهوم التربية

رئيس اتحاد الوطن العربى الدولى يتحدث عن مفهوم التربية
بقلم \ المفكر العربى الدكتور خالد محمود عبد القوي عبد اللطيف
مؤسس ورئيس اتحاد الوطن العربي الدولي
رئيس الإتحاد العالمي للعلماء والباحثين
مما لاشك فيه أن التربية عملية متكاملة، هدفها تنشئة الفرد تنشئة تشمل النواحي النفسية، والعقلية، والاجتماعية، والجسمية، وغيرها، والله سبحانه وتعالى رب العالمين، وهو مربي البشرية. وكلمتا الرب والتربية مشتقان من مصدر واحد؛ فمفهوم الربوبية يتضمن التربية والعناية بالإنسان [ا، ج1، ص56]؛ وفي هذا دلالة واضحة على عظم أهمية التربية. كما أن إشارة القرآن الكريم إلى تلقي آدم عليه السلام كلمات من ربه تدل على أن التربية التي عاشت في ظلها البشرية أولاً كانت تربية مهتدية.
ولقد نشأت فيما بعد مجتمعات انحرفت عن طريق الهداية، وتبنت نظريات تربوية خاصة بها، ولا مجال لمناقشة النظريات المتعددة في هذه الدراسة، ويكفي أن يشار إلى أن كل مجتمع يدين بعقيدة معينة، له نظريته التربوية الخاصة به المنبثقة عن تلك العقيدة، ولا يستطيع أي مجتمع أن يتبني النظرية التربوية لمجتمع آخر دون أن يتخلى عن عقيدته، أو يجري تحويراً فيها؛ فالتربية لا تستعار ولا تستورد؛ بل هي ذات صلة وثيقة بعقيدة المجتمع ومبادئه التي يؤمن بها، وهذا لا ينفي وجود نقاط التقاء بين النظريات التربوية، كما انه لا يتعارض مع تبادل الخبرات بين المجتمعات في المجال التربوي، فالأمة الحية هي التي تستفيد من خبرات غيرها؛ سواء أكان ذلك في المجال الصناعي، أم التجاري، أم التربوي.
والتربية لها أركان، من أهمها: المتعلم، والمنهاج، والمعلم. والمنهاج يقوم على أسس، هي: الأساس العقدي، والأساس النفسي، والأساس الاجتماعي، والأساس المعرفي. وتختلف نظرة المربين إلى مفهوم عملية التعليم التي تعد جوهر العملية التربوية، ويمكن تلخيص أبرز الاتجاهات فيما يلي:
1- الاتجاه المعرفي: الذي يركز على الطريقة التي تقدَّم بها المعلومات؛ فنقل المعلومات إلى الطالب أهم ما يجب أن يركز عليه المعلِّمون، ونجد داخل هذا الاتجاه أكثر من مدرسة؛ فبعض المربين يرى أن حشو أذهان الطلاب بأكبر قدر ممكن من المعلومات هو ما ينبغي عمله؛ بينما يرى آخرون أن على المعلم تقديم المعلومات وترك الطالب يتفاعل معها، ويختار ما يراه مناسباً منها، إنهم يعطون مجالاً أكبر للتفكير القائم على الاستبصار.
2- الاتجاه السلوكي: يركز أنصار هذا الاتجاه على تعديل السلوك من خلال ضبط المثيرات والاستجابات، فالمثير يحدث استجابة معينة؛ فإذا كانت الاستجابة مرغوباً فيها عززت، وقدم لها التدعيم المناسب دون تأخير، وإذا كانت غير مرغوب فيها عوقبت أو أهملت.
3- الاتجاه الاجتماعي: يرى بعض المربين أن التعليم في جوهره عملية اجتماعية؛ فهي تتم في وسط اجتماعي، وتهدف إلى إعداد الفرد كي يكون متوافقاً مع البيئة الاجتماعية التي يعيش فيها؛ ولهذا لا يجوز أن تغفل التربية البعد الاجتماعي؛ وبخاصة الطريقة التي يتفاعل بها الطلاب مع بعضهم، ومع معلميهم.
4- الاتجاه الفردي: يرى أنصار هذه الاتجاه أن مشاعر الطالب واتجاهاته هي محور العملية التربوية، ولا يجوز أن يفرض عليه ما يتعارض مع اتجاهاته، أو ما لا يستطيع فهمه، ولهذا يركز المربون أصحاب الاتجاه الفردي على تفريد التعليم، ويعنون الفروق الفردية عناية كبيرة، ويطالبون أن يتقدم كل طالب في التعلم بالقدر الذي تسمح به قدراته [2، ص ص249 – 251].
إن النظرة المتأنية في الاتجاهات السابقة تقود إلى الاستنتاج بأن المعرفة، والسلوك، ورعاية مشاعر الفرد، والروح الاجتماعية لديه ليست اتجاهات متناقضة؛ بل هي مظاهر متعددة للعملية التربوية؛ فالمربي لا يحقق أهدافه إلا إذا كانت لديه معرفة يستخدمها لإحداث تغيير في أولئك الذين يشرف على تربيتهم، وهناك انسجام وتناغم بين الجانب الفردي والجانب الاجتماعي في النفس الإنسانية، وهذا يظهر بوضوح في قوله سبحانه وتعالى: {إِن يَكُن مِّنكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُواْ مِئَتَيْنِ وَإِن يَكُن مِّنكُم مِّئَةٌ يَغْلِبُواْ أَلْفاً مِّنَ الَّذِينَ كَفَرُواْ} [الأنفال:65]. فهذه الآية الكريمة تشير إلى عدد الكفار الذين يستطيع المؤمن مواجهتهم في ساحة القتال، فالمؤمن يستطيع أن يواجه عشرةً من الكفار؛ ولكن الخطاب جاء على صورة الجماعة؛ مما يدل على أن الفرد يستمد بعض خصائصه من الجماعة التي ينتمي إليها.
والسلوك هو المحصلة النهائية التي تهدف إليها التربية؛ فلا خير في معرفة لا تؤدي إلى عمل مفيد، ونجد في كثير من الآيات القرآنية ربطاً بين الإيمان والعمل الصالح، ومثال ذلك قوله سبحانه وتعالى: {قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ * الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ} [سورة المؤمنون، الآيات 1-5]. فالعمل من مقتضيات الإيمان ولوازمه.
وهكذا يبدو واضحاً أن التربية عملية مقصودة، هدفها العناية بالإنسان الفرد، وبالمجتمع الذي يعيش فيه، وهي تسعى لإكساب الفرد سلوكاً مرغوباً فيه، والعلم الذي تقدمه التربية للمتعلمين علم نافع يؤدي لتعديل السلوك نحو الأحسن، ولكي يتضح مفهوم التربية؛ فإنه لابد من ذكر الحقائق التالية:
– ليست التربية مجموعة من المعارف والحقائق وحسب، وإن كانت هذه تدخل في العملية التربوية.
– ليست التربية مجرد نقل للمعلومات من الكتب أو أذهان المربين إلي الطلاب؛ وإن كانت تنطوي على اكتساب الطلاب معارف ومعلومات.
– ليست التربية مجرد عملية تحفيظ لنصوص معينة؛ وإن كان حفظ بعض النصوص من الأهداف التي تسعى إليها التربية.
– ليست التربية مجرد ضبط لسلوك الطلاب ضبطاً صارماً، فضبط السلوك لا يفرض على الطلاب فرضاً، كما أنه لابد من إدراك أن ضبط السلوك في الصف ليس هدفاً في حد ذاته؛ بل إجراء يقصد به توجيه الطلاب إلى القيم والمثل العليا.
– ليست التربية اهتماماً بالجانب الفردي في الإنسان على حساب الجوانب الأخرى، وهي ليست كذلك ترجيحاً للجانب الاجتماعي على الجانب الفردي؛ فالتربية الصحيحة هي التي توازن بين جوانب النفس الإنسانية؛ ولا تضحي بأي منها لصالح الجوانب الأخرى.