مقالات
رئيس اتحاد الوطن العربي الدولي يتحدث عن البلاغة القرآنية في خلق السماوات والأرض

رئيس اتحاد الوطن العربي الدولي يتحدث عن البلاغة القرآنية في خلق السماوات والأرض
بقلم / المفكر العربى الدكتور خالد محمود عبد القوي عبد اللطيف
مؤسس ورئيس اتحاد الوطن العربى الدولى
رئيس الإتحاد العالمي للعلماء والباحثين
لعل من الأَوْلى – بعد استعراض الآيات – أن يكون بدء البحث عن بدء خلق السموات والأرض؛ ليكون التسلسل منطقيًّا:

قال في تفسير الكشاف: “قلت: الرتق صالح أن يقع موقع مرتوقتين؛ لأنه مصدر، فما بال الرتق؟
قلت: هو على تقرير موصوف؛ أي: كانتا شيئًا رتقًا”.
وعند القرطبي: “ذواتَي رتق، ومعنى ذلك: أن السماء كانت لاصقة بالأرض لا فضاء بينهما، أو كانت السموات متلاصقات، وكذلك الأَرَضون لا فُرَج بينها، ففتقها الله وفرَّج بينها” هذا قول.
لقد عبر بالمصدر “رتقًا”؛ وذلك لإفادته العموم، وهو يصح مع المفرد والمثنى والجمع، ثم فتقهما الله وفصلهما.
والرتق: ضم هذه لتلك لتبدو واحدة، كما أن دلالة لفظ الفتق أقوى من دلالة لفظ الفصل، ويستعمل اللفظان في مهنة الخياطة، فالرتْق: ضم قطع الثوب بعضه لبعض وَفْق هندسة معينة يتم فيها تشكيل الثوب، وكذلك الفتق عودة القطع كما كانت قبل الرتق.
واستخدام كلمة “الفصل” قد يدخل قطعًا من هذه في تلك؛ لأنه سيكون مثل قَطْع السيف للأشياء على استقامة واحدة، وهذا غير المراد والمشاهد في الأرض، وفي هذه الآية استعارة توضيحية لتقريب المراد والصورة إلى الخيال؛ لأن الأمر غيبي، وإخبار الله لنا عن هذا الأمر ينبغي تصديقه على كل حال، كما فيها من أنواع البديع:

والقول الثاني في تفسير الآية:
أن السموات كانت رتقًا لا تمطر ففتقها الله بالمطر، والأرض كانت رتقًا لا تنبت، ففتقها الله بالنبات، ودليلهم ما جاء بعدها إشارةً إلى ذلك: ﴿ وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ ﴾ [الأنبياء: 30]، كما عبر عن الجمع بالتثنية ﴿ كَانَتَا رَتْقًا ﴾؛ وذلك إما للدلالة عنهما قبل الفصل ثم فتق كلاًّ منهما سبعًا، وكذلك قوله: ﴿ كَانَتَا ﴾، وهما قبل الفصل شيء واحد، فكيف ثناهما؟ واستعمال هذا الأسلوب في البلاغة يسمى: على ما سيكون عليه الحال، أو ما سيكون المآل إليه.




وورد في فتح القدير للشوكاني: “أن الفطور: تعني الشقوق والتصدع والخروق، كما ورد فيه الفروج: تعني الفتوق والشقوق والصدوع”.

الحُبُك: كما ورد في القاموس المحيط: “الشدة والإحكام وتحسين أثر الصنعة في الثوب، والبناء الوثيق القوي، وحَبَك الثوبَ: إذا أتقن صُنْعَه”، وفي تفسير ابن كثير عن ابن عباس “الحبك: ذات الجمال والبهاء والحسن والاستواء، وفيه أيضًا عن الضحاك والمنهال بن عمرو وغيرهما: مِثْلُ تجعُّد الماء والرمل والزرع إذا ضرَبَتْه الريح، فينسج بعضه بعضًا طرائق طرائق، فذلك الحُبُك”.
وفي الآية من البلاغة:



قال القرطبي: “جعل بمعنى صيَّر؛ لنصبها مفعولين، وفراشًا؛ أي: وطاءً يفترشونها ويستقرون عليها، والسماء بناء: السماء للأرض كالسقف للبيت، وقد جعل الله تعالى السماء مستودعَ المطر يُغِيث به البلاد والعباد، كما جعل الأرض مستودع الإنبات؛ فالسماء تروي، والأرض تنبت، وهذا لصالح الإنسان وما على الأرض من أحياء”.
وفي الآية من البلاغة الآتي:




آيات مختارة في خلق السموات والأرض بالحق، وليس للهو واللعب:

قال في تفسير ابن كثير:
إن الله خلق السموات والأرض بالحق، يعني لا على وجه العبث واللعب، وهناك آيتان تذكران صراحة هذا المعنى، في سورة الأنبياء، وسورة الدخان: ﴿ وَمَا خَلَقْنَا السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لَاعِبِينَ * مَا خَلَقْنَاهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ ﴾ [الدخان: 38، 39].
وعليه، فإن في الآية من البيان القرآني ما يشير إلى عظمة الخالق وجدية الأمر في خلق السموات والأرض، والتوجيه إلى أخذ الأمور بالجد والإتقان، وأن الإنسان مؤاخذ على أعماله؛ إن خيرًا فخير، وإن شرًّا فشر.
آيات مختارة في مدة خلق السماوات:
وباعتبارنا أفردنا الكلام لذكر نشوء الكون، فإنه من المكمل ذكر مدة خلق السموات، فقد استغرقت كما أراد الله يومين من أيام الله: ﴿ فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَوَاتٍ فِي يَوْمَيْنِ وَأَوْحَى فِي كُلِّ سَمَاءٍ أَمْرَهَا وَزَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَحِفْظًا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ ﴾ [فصلت: 12]، آية في منتهى الجمال.
فيها من البلاغة:
الالتفات؛ حيث انتقل من ضمير الغائب ﴿ فَقَضَاهُنَّ ﴾، إلى ضمير المتكلم ﴿ وَزَيَّنَّا ﴾.
الاستعارة؛ حيث استعار كلمة مصابيح للنجوم.
وفيها من البيان القرآني الجمع، وقد جمع بين الزينة التي هي في المصابيح، والحفظ التي هي مهمة لرجم الشياطين منعًا لاستراق السمع.
الفاصلة ومجيئها ﴿ ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ ﴾ لتمكين المعنى، فالعزة والقوة: للبناء والتزيين، والعلم: بحال عددها ومدة خلقها وأمر حفظها.