كراسي بلا استحقاق والسقوط في غربال الممر الخامس والخمسين
2025-10-07 - 1:11 مساءً
5٬011 2 دقائق
كراسي بلا استحقاق والسقوط في غربال الممر الخامس والخمسين
بقلم كاتب صحفي / محمد جابر
على أعتاب الممر الخامس والخمسين من ذاكرة هذا الوطن المثقلة بالخيبات المتعاقبة تتجلى الحقيقة كقيمة نادرة وسط طوفان من التزييف فالرجوع إلى التاريخ لم يعد ترفا فكريا بل ضرورة حيوية لفهم الحاضر وبناء المستقبل فالتاريخ ليس أكواما من الكتب ولا صورا معلقة على جدران المتاحف بل هو ذاكرة حية تحفظ الوقائع كما جرت لا كما أراد البعض لها أن تروىلقد عرفنا عبر هذه الممرات المتعاقبة صعود متسلقين إلى المنابر بلا أهلية وجلوسهم على الكراسي دون استحقاق ومنح أنفسهم ألقابا لا يستحقونها حتى تحولت تلك الألقاب إلى سلعة تباع وتشترى وأصبح الاشتراك في استحقاق انتخابي وسيلة لنيل لقب مرشح سابق وكأن السقوط نفسه بات وساما يتفاخرون به فانتشرت ثقافة الزيف وتسيد الادعاء وأرتفعت أصوات المتحدثين بأسم الناس وهم أبعد ما يكونون عنهم فتجول بيننا مدعون لا يملكون من الصدق شيئا يدعون المعرفة وهم غرباء عن العلم ويتحدثون عن القيم وهم غارقون في التناقض والمصالح يتشدغون بالوعي وهم الأفقر إليهورغم هذا الضجيج يتجلى الممر كاشفا لا يعرف المجاملة ولا يحتمل الازدواجية فمن ينظر بإنصاف يرى أن كل ما يحدث حولنا يؤكد قاعدة واحدة لا تتغير وهي أن لا شيء يمنح بلا مقابل وأن زمن العطاء الخالص قد ولى أو ندر وجوده فما من منصب أو سلطة أو نفوذ إلا وله ثمن وثمنه غالبا ما يدفعه المواطن البسيط من كرامته وحقوقه وأحلامهوإن من أعظم ما أفسد الحياة العامة أن يعتلي المنصة من لا يملك أدواتها وأن يجلس على كراسي البرلمان من لا يفهم مسؤولياتها وأن يلبس المرء رداء لا يليق به فتختلط المعايير وتتوه البوصلة ويعلو الباطل على الحق وبين هذا وذاك يظهر من يختبئون خلف أمراضهم النفسية لا رغبة في العلاج بل هروبا من الاعتراف وتبريرا لسلوك لا يليق بموقع ولا كرامةغير أن الزمن لا يرحم أحدا فالأيام لا تبقى على حالها وسجلاتها لا تمحى وغربال التاريخ واسع الفتحات لا يحتفظ إلا بمن له وزن وثقل أما الزيف وإن طال بقاؤه فهو إلى سقوط حتمي فالحقيقة كالماء لا تحبس وإن حجبتها السدود فإنها ستجرف كل هش وزائف وتغرق من ظن أن الكذب نجاة وأن التزييف يمكن أن يخلدومن أراد أن يسجل له موقفا في ذاكرة التاريخ فليدرك أن الأصوات المرتفعة لا تصنع شرعية ولا الشعارات الجوفاء تخلق مجدا وأن السعي وراء المصلحة على حساب المبدأ لا يورث إلا خواء في الذاكرة ومكانا في هامش التاريخ لا في متنه فمن باع ضميره في أسواق التوازنات أو على أرصفة النخاسة ومن صمت حين وجب عليه الكلام فلا يلومن إلا نفسه حين تسقط عنه أوراق التوت ويقف مجردا من القيمة والاحتراموفي نهاية هذا الممر الذي شهد الكثير نوجه كلمتنا إلى جمهور المثقفين وصناع القرار والعاملين بالشأن العامإن اللحظة الراهنة ليست لحظة تأجيل أو تبرير بل لحظة مراجعة صادقة ومسؤولة فالمناصب لا تخلد أحدا والمنابر ليست غنائم والكراسي مسؤوليات ثقيلة لن يغفر التاريخ التفريط فيها ومن لا يملك أدوات القيادة فليترجل بشرف قبل أن يسقطه الناس بذل فالأدوار تمنح بالكفاءة وتسحب بالعجز ولن تنفع الوجاهة في لحظة المحاسبة ولا المناورة عند انكشاف الحسابوسأقولها دوما الكلمة مسؤولية وشرف لا يعي معناها من يعلو صوته بل من يترك أثرا بعد أن يرحل ويبقى صدقه حيا في ضمير الناس وذاكرة الزمن