مقالات

نداء القرآن لأهل الإيمان

كتب :د . أحمد طلب 

الفرقَ بينَ الإسلامِ والإيمانِ، وهل أنتَ مسلمٌ أم مؤمنٌ؟!! ولماذا يُكْتَبُ في البطاقةِ الشخصيةِ والمستنداتِ عامةً ، الديانةُ: مسلمٌ ، ولا يُكْتَبُ مؤمنٌ؟!!

إنّ الإسلامَ معناه: الاستسلامُ والخضوعُ والانقيادُ لأوامرِ اللهِ تباركَ وتعالى، فهو الانقيادُ الظاهريُّ
وأمّا الإيمانُ فمعناه: التصديقُ بالقلبِ، فهو الانقيادُ الباطنيُّ، فَخُصَّ الإسلامُ بالأعمالِ الظاهرةِ، والإيمانُ بالأعمالِ القلبيةِ التي لا يطّلِعُ عليهَا إلّا اللهُ.

ففي حديثِ جبريلَ عليهِ السلامُ، لمَّا سَألَ النبيَّ ﷺ: ” وَقَالَ يَا مُحَمَّدٌ: أَخْبِرْنِي عَنْ الْإِسْلَامِ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ الْإِسْلَامُ: أَنْ تَشْهَدَ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ، وَتُقِيمَ الصَّلَاةَ، وَتُؤْتِيَ الزَّكَاةَ، وَتَصُومَ رَمَضَانَ، وَتَحُجَّ الْبَيْتَ إِنْ اسْتَطَعْتَ إِلَيْهِ سَبِيلًا، قَالَ صَدَقْتَ: قَالَ فَعَجِبْنَا لَهُ يَسْأَلُهُ وَيُصَدِّقُهُ.

قَالَ: فَأَخْبِرْنِي عَنْ الْإِيمَانِ؟ قَالَ: أَنْ تُؤْمِنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ، وَتُؤْمِنَ بِالْقَدَرِ خَيْرِهِ وَشَرِّهِ.

قَالَ: صَدَقْتَ” (مسلم)، فنحنُ نرى أنّ أعمالَ الإسلامِ كلَّهَا ظاهرةٌ، وتُؤَدَّى وتُحَسُّ بإحدى الحواسِ الخمسةِ، كالشهادتينِ والصلاةِ والزكاةِ والصيامِ والحجِّ وغيرِهَا، أمّا أعمالُ الإيمانِ فكلُّهَا أعمالٌ اعتقاديةٌ قلبيةٌ لا يطلعُ عليها إلا اللهُ، كالإيمانِ باللهِ والملائكةِ واليومِ الآخرِ بما فيه مِن حسابٍ وصراطٍ وميزانٍ وجنةٍ ونارٍ وغيرِ ذلك، لذلك قيدَ اللهُ الإيمانَ بأنّه لا يكونُ إلا بالغيبِ، قال تعالي: { الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ }.(البقرة:3).

 هذه النداءاتُ في القرآنِ الكريمِ قد بلغَ عددُهَا:”تسعًا وثمانينَ مرة” كلُّهَا في صدرِ الآياتِ إلّا مرةً واحدةً في قولِه:﴿إِنَّ اللَّهَ وَمَلاَئِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾،

** إبتداءً من سورة البقرة وختاماً في سورة التحريم:
النداء الأول:
{ يا أيُّها اللذينَ آمنوا لا تقولوا راعنا وقولوا انظُرنا واسمَعوا وللكافرينَ عذابٌ أليمٌ}
النداء التاسع والثمانون:
{ يا أيُّها الَّذينَ آمَنوا تُوبوا إلى اللهِ تَوبةً نَصوحاً…سورة التحريم
وهذه النداءاتُ قد تناولتْ جميعَ مناحِي الحياةِ المختلفةِ،
وقال ابْنِ مَسْعُودٍ :”إِذَا سَمِعْتَ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا} فَأَرْعِهَا سَمْعَكَ فَإِنَّهُ خَيْرٌ يَأْمُرُ بِهِ، أَوْ شَرٌّ يَنْهَى عَنْهُ” (الزهد لأحمد بن حنبل)
وهذه النداءات ، ****
منهَا ما يأمرُ بوجوبِ الاستجابةِ لأمرِ اللهِ وأمرِ نبيِّهِ ﷺ،
ومنها ما يتناولُ أحكامَ المعاملاتِ ،
وبعضُهَا يشيرُ إلى الآدابِ الاجتماعيةِ التي نحتاجُهَا في حياتِنَا
ومنها ما يتناولُ الجانبَ الأخلاقِيَّ والسلوكِيَّ
وغيرِ ذلك مِمّا يدلُّ عليهِ السياقُ القرآنِيُّ.

** فالاستجابةَ لنداء الله تعالي يعززُ العلاقةَ بينَ العبدِ وربِّهِ، ويورثُ الراحةَ والطمأنينةَ، ويقضِي على الخوفِ الذي قد ينجرفُ بصاحبِهِ نحوَ اليأسِ والقنوطِ، فالمؤمنُ باللهِ- تعالى- يخضعُ لهُ ويذعنُ لأوامرِهِ ونواهيهِ، وتكونُ لهُ منهجيةٌ في جميعِ أمورِهِ.

وقد حرصَ نبيُّنَا ﷺعلى تربيةِ الصحابةِ وتنشئَتِهِم نشئةً ربانيةً إيمانيةً، أنبتَهُم بالقرآنِ إنباتًا، وأنشأَهُم على عينِه، فكانُوا الجيلَ الفريدَ الذي لم يعرفْ لهُ التاريخُ مثيلًا،

* كما في قضيةِ تحريمِ الخمرِ، قال ربُّنَا مناديًا على أهلِ الإيمانِ: ﴿يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصابُ وَالْأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾ قال سيدنا أَنَسٌ:« إِنِّي لَقَائِمٌ أَسْقِيهَا أَبَا طَلْحَةَ، وَأَبَا أَيُّوبَ، وَرِجَالًا مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللهِ ﷺ فِي بَيْتِنَا إِذْ جَاءَ رَجُلٌ، فَقَالَ: هَلْ بَلَغَكُمُ الْخَبَرُ؟ قُلْنَا: لَا، قَالَ: فَإِنَّ الْخَمْرَ قَدْ حُرِّمَتْ، فَقَالَ: يَا أَنَسُ أَرِقْ هَذِهِ الْقِلَالَ، قَالَ: فَمَا رَاجَعُوهَا، وَلَا سَأَلُوا عَنْهَا بَعْدَ خَبَرِ الرَّجُلِ» (متفق عليه).

فما أحوجَنَا إلى هذا الإذعانِ، وتلك الاستجابةِ الفوريةِ للنداءاتِ الربانيةِ، مثلَمَا ربَّى سيدُنَا ﷺ الرعيلَ الأوّلَ، فهذا يجعلُ المسلمَ متمسكًا بعقيدتِه فلا تزلزلهُ رياحُ الشكوكِ ولا أبواقُ الإلحادِ فيحيَا بذلك حياةً طيبةً، قال ربُّنَا:﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ﴾ وإلّا فمَن أعرضَ كان الشقاءُ مصيرَهُ، والاضطرابُ والقلقُ سمتَهُ ﴿وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى﴾ .وعَن أَبِي هُرَيْرَة قال: ﷺ: «لَا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى يَكُونَ هَوَاهُ تَبَعًا لَمَّا جِئْتُ بِهِ» (رِجَالُهُ ثِقَاتٌ صَحَّحَهُ
**..

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى