مقالات

عندما يرتدي الشيطان ثوب الملائكة

كتبت : نجوى حجازي .

 الكثير منا يقرأ في كتاب الله ، وإذا تدبر في آياته فإنه يفهم أن القرآن يكمل بعضه بعضاً في الأحكام والشرائع ، وهذا من إعجاز الخالق المبدع الذي جعل في كتابه زاداً لكل مخلوق على وجه الأرض .
وهناك آيات تستوقفني لأبحث فيها وعن معانيها لأنكم كما تعلمون أن الكلام له معان ظاهرة ومعان خفية ، الظاهر منها تفهمه ولكن الخفي هو ماتبحث عنه وتربطه بما قبله وبما أتى بعده كي تفهم المعنى السياقي للكلمة وليس المعنى اللفظي ، ومن تلك الآيات التي استوقفتني وبحثت عن معناها قد جاءت في سورة النساء في قوله تعالى “إن الذين كفروا بآياتنا سوف نصليهم ناراً كلما نضجت جلودهم بدلناهم جلوداً غيرها ليذوقوا العذاب إن الله كان عزيزاً حكيما . والذين آمنوا وعملوا الصالحات سندخلهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها أبداً لهم فيها أزواج مطهرة وندخلهم ظلا ظليلا . إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل إن الله نعمّا يعظكم به إن الله كان سميعاً بصيرا .”

فتلك الآيات أرى أنها لخصت علاقة الإنسان بربه والبشر وأوضحت كيف أن صلاح هذه العلاقة مرهون بدخول الجنه وفسادها هو السبب الحتمي لدخول النار ، ودخول النار هنا كما هو واضح في الآية الكريمة هو عقاب خالق عظيم أمر وأنذر وسمح للإنسان بفرص عظيمة في الدنيا ليعود إلى ربه ولكنه أبى إلا أن يقع في نار من خلق الله وبأمر من خالق عظيم أراد للعاصي المتكبر الذي أصرّ على عصيانه في الدنيا أن يخلد في النار ، حتى أنني بحثت في طلب أهل الجنه العفو عن بعض أهل النار فوجدت أن الذي لا يعفو عنه الله يلقيه في النار ويأمر بتبديل جلده ومع تبديل جلده يأمر بتبديل خلقته فينادي أهل النار يافلان من أهل الجنه ألا تعرفني ألست من أهلك ألم أصنع كذا وكذا فينكر أهل الجنة معرفتهم به لأنه صاحب وجه مختلف … يا الله …

كم تحمل هذه الآية مسائل خطيرة وهامة ، فهناك من يقول إن الله غفور رحيم ، فأجيب نعم إن الله غفور رحيم ولكن في ماذا المغفرة والرحمة ؟!! وهنا السؤال الذي يغفل عن إجابته الكثيرين ويتمادى الإنسان في غفلته فيرى في لفظي المغفرة والرحمة الشمول والعموم ، فيتمادى في كل شئ وهنا نذهب للمعنى الخفي للمغفرة والرحمة ، فالله سبحانه وتعالى خلق الإنسان ليعبده فأمره بالصلاة والصيام والزكاة والحج وقبل ذلك التوحيد بنطق الشهادتين بنية مؤمنة صادقة تشمل القول والفعل ، والفعل يؤيده الصلاة والصيام والزكاة والحج ، فماذا لو قصر الإنسان في ركن من هذه الأركان عن تكاسل مثل الصلاة أو عدم قدرة عن الصيام أو بخل عن أداة الزكاة مثلا ، هنا نجد الإجابة واضحة العفو والمغفرة إذا تاب الإنسان وعاد إلى ربه معترفاً بتقصيره قبل أن يموت وليس على فراش الموت ، لأن هذه العبادات هي عبادات خاصة بين العبد وربه ، فليس هناك ثواب محدد لأداء الصلاة أو الصوم أو الصدقة او الحج او الزكاة فكلها أعمال مرهونة بنية العبد وقبول الله لها ، وعندما أمرك بتعليم أولادك الصلاة والصيام قال في الصلاة “وأمر أهلك بالصلاة واصطبر عليها

” وفي الصيام يبدأ بالتدريب في سن صغيرة ويحاسب عليه عند البلوغ فجعله سر بينه وبين العبد وهو يجزي به ، وجعل فيه أحكاما تصل إلى حد الإعفاء والكفارة في بعض الحالات ، والحج للقادر المستطيع وليس شرطا أن تحج إذا كانت أموال الحج ستؤول إلى محتاج أو يتيم ، فستجزى بثواب الحج وفوقه ثواب مساعدتك للفقير والمحتاج وستكون صدقة جارية لك إلى يوم القيامة ، والصدقة ثوابها عظيم ومنافعها أعظم ، والزكاة إذا ما أخرجتها في موعدها وبمقدارها الصحيح فإنك تطهر مالك وتدعم صحتك ويبارك لك الله في عمرك وأولادك ،

فالخالق يعلم طبيعة الإنسان وأن الإنسان بطبيعته شحيحاً ولكن تختلف تلك الطبيعة من إنسان إلى آخر فقال في ذلك “ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون ” وقال أيضاً ” ويطعمون الطعام على حبه مسكيناً ويتيماً وأسيرا “. ولذا فالفائز هو من يغلب هوى نفسه بجهادها ويكسب رضا الله بالإنفاق فيدخل من باب العفو والمغفرة ، ولكن ماذا عن ظلم العباد ؟ فالظالم الذي يأكل حق البنات في الميراث ليحرمهن أو ينتقص من حقهن واكل مال اليتيم وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق ، وقتل النفس هنا لا يكون فقط بالقتل المادي ولكن القتل قد يكون معنوياً ، أليس الله بمطلع على الأفئدة فماذا عن عبد يشكو الله عن ظلم وقع عليه ، أو من مال سُلب منه بغير حق ،أو ممن يُضيق عليه حاله ، أو من ذي منصب لم يراع الله في حقوق الناس وكان سبباً في موت مريض لأنه لا يجد حق الدواء ، أو تسبب نقص الغذاء في أمراض مناعية جعلته لا يقوى على العمل ، أو ضيق الحال جعله ينحرف عن الطريق المستقيم ، ألم تأتي الآيه الكريمه اللاحقه لآية العذاب بأن الله يأمر بأداء الأمانات إلى أهلها ، وكلمة الأمانات كلمة عامة تشمل الكثير والكثير ، فكل منا يحمل أمانة في عنقه والناجي منّا هو من يخرج من الدنيا وليس لمخلوق حاجة له في عنقه ، لأن التقصير في أدائها ظلم عظيم ،ألم يحرم الخالق الظلم على نفسه فقال في الحديث القدسي (ياعبادي إني حرمت الظلم على نفسي )

وقال في كتابه “وما ربك بظلام للعبيد ” ، فيا أيها المخلوق الذي وضعت الدنيا نصب عينيك فتاجرت بقوت الناس ، وسممت طعامهم ، وغليت عليهم الأسعار ، وأخفيت البضاعة عنهم ، ولكل مسئول كان في يده الإصلاح والتعمير وتغيير حياة الناس للأفضل ولم تفعل ، لكل من ظلم وتجبر على الناس ولم يرحمهم في الدنيا فضيّق عليهم حالهم ، تذكروا جميعاً أن عفو الله ومغفرته لكم مرهون بعفو العباد عنكم وتذكروا كم تطيقون المكوث في نار جهنم ، فعذاب الله واقع لا محالة حتى عندما يرتدي الشيطان ثوب الملائكة .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى