مصرمقالاتمنوعات

النقابات العمالية .. بين تاريخ مشرف وواقع من التحديات 2

 النقابات العمالية .. 
فى خضم النضال الوطني  
بقلم د. اسامة طلبة  .. 

مع نيل الاتحاد العام لنقابات عمال مصر الاعتراف الرسمي عام 1936، دخلت الحركة النقابية المصرية مرحلة جديدة تميزّت بالمشاركة الفاعلة في النضال الوطني ضدّ الاحتلال البريطاني  . وشهدت هذه الفترة نضالات عمالية عظيمة ساهمت بشكل كبير في دفع مسيرة التحرير الوطني وتحقيق الاستقلال ،  وفى هذا الجزء من مقالاتنا سنسلط الضوء على اهم الاحداث والشخصيات والفعاليات النقابية خلال فترة ما قبل ثورة يوليو 1952  وما هي العوامل التي اثرت على النشاط النقابي .

أولاً: النقابات العمالية في مواجهة الاحتلال البريطاني: 

لعبت النقابات العمالية المصرية دورًا هامًا في مقاومة الاحتلال البريطاني خلال فترة حكمه لمصر (1882-1952).

فما هي أهم مساهماتها في هذا المجال؟

  1. عملت النقابات على تعبئة العمال المصريين ضد الاحتلال من خلال تنظيم المظاهرات والاحتجاجات.

ودعت إلى مقاطعة البضائع البريطانية ودعم المنتجات المصرية. ورفعت شعارات مناهضة للاحتلال مثل “الاستقلال التام” و”مصر للمصريين”.

  1. نظمت النقابات العديد من الإضرابات العمالية ضد سياسات الاحتلال البريطانية،
    • أبرز الإضرابات: برزت خلال هذه الفترة العديد من الإضرابات المهمة، من أهمّها:
    • إضراب عمال شركة الغزل والنسيج في المحلة الكبرى عام 1945: قاد هذا الإضراب زعيم العمال “السيد زين العابدين”، وشارك فيه أكثر من 30 ألف عامل. استمرّ الإضراب لمدة 54 يومًا، وتمّ التوصل إلى اتفاق بين العمال والإدارة يقضي بزيادة الأجور وتحسين ظروف العمل. يُعدّ هذا الإضراب من أهمّ الإضرابات في تاريخ الحركة العمالية المصرية، حيث شكّل انتصارًا كبيرًا للعمال وساهم في تعزيز مكانتهم في المجتمع.
    • إضراب عمال البترول عام 1949: قاد هذا الإضراب زعيم العمال “إسماعيل مرزوق”،  وحسن البصري  . وشارك فيه أكثر من 10 آلاف عامل. استمرّ الإضراب لمدة 10 أيام، وتمّ التوصل إلى اتفاق بين العمال والشركة يقضي بزيادة الأجور وتحسين ظروف العمل. كان لهذا الإضراب تأثير كبير على الاقتصاد المصري، حيث أدّى إلى نقص في إمدادات البترول، ممّا دفع الحكومة المصرية إلى التفاوض مع العمال وتلبية مطالبهم.
    • إضرابات أخرى: شهدت هذه الفترة العديد من الإضرابات الأخرى المهمة، مثل: إضراب عمال شركة النقل العام عام 1946،  وإضراب عمال السكك الحديدية عام 1948، وإضراب عمال المطابع عام 1950.   وإضراب عمال شركة النقل العام بالقاهرة عام 1951 والذي قاده عبد الرحمن الشباشي الذي لعب دورًا هامًا في تأسيس نقابة عمال النقل العام،  وساهمت هذه الإضرابات في تحسين ظروف العمل للعمال في مختلف القطاعات، ورفعت من مستوى الوعي النقابي لديهم.

وقد ألحقت هذه الإضرابات خسائر كبيرة بالاقتصاد البريطاني في مصر وأجبرت الحكومة البريطانية على تقديم بعض التنازلات.

  1. دعمت النقابات المصرية الأحزاب والكتل السياسية التي تناصرت على الاحتلال، مثل حزب الوفد المصري. وشاركت في المسيرات والمظاهرات التي نظمتها هذه الأحزاب. وساهمت في حشد التأييد للقضية الوطنية المصرية.
  2. تعاونت النقابات مع الحركات الوطنية الأخرى، مثل حركة الشباب المصري وحركة كرم الجابر، في مقاومة الاحتلال. ونسقت معها في تنظيم الفعاليات والاحتجاجات. وقدمت لها الدعم المادي والمعنوي.
  3. مثلت النقابات المصرية العمال في المحافل الدولية، مثل مؤتمر العمل الدولي. وطرحت القضية الوطنية المصرية على الساحة الدولية. وحشدت الدعم الدولي لمصر في كفاحها ضد الاحتلال.

واجهت النقابات العمالية المصرية العديد من التحديات في مقاومة الاحتلال البريطاني، مثل القمع والاعتقالات والملاحقة.  ولكنها تمكنت من تحقيق بعض الإنجازات المهمة، مثل تحسين ظروف العمل للعمال المصريين وإجبار الحكومة البريطانية على تقديم بعض التنازلات. وأسهمت بشكل كبير في تعزيز الروح الوطنية المصرية وتقوية حركة المقاومة ضد الاحتلال

لقد شهدت هذه الحقبة تصاعدًا ملحوظًا في وتيرة النضال العمالي ضدّ سياسات الاحتلال البريطاني، حيث نظمت النقابات العديد من الإضرابات والمظاهرات للمطالبة بتحسين ظروف العمل، ورفع الأجور، وتطبيق قوانين العمل، والمشاركة في القرارات التي تمسّ مصالحهم.

 

ثانياً :  الشخصيات النقابية البارزة :
برز العديد من الشخصيات النقابية البارزة على مر تاريخ الحركة النقابية في مصر، ولعبوا دورًا هامًا في الدفاع عن حقوق العمال وتحسين ظروفهم المعيشية.
إسماعيل صدقي: لعب دورًا محوريًا في تأسيس الاتحاد العام لنقابات عمال مصر عام 1936، وقاد العديد من الإضرابات والمظاهرات ضدّ الاحتلال البريطاني.

حسين عبد الرحمن: ساهم بشكل كبير في تنظيم وتوجيه الحركة العمالية المصرية، وكان من أشدّ المدافعين عن حقوق العمال.

زكي مرسي: برز كقائد عمالي بارز، ونظم العديد من الإضرابات الناجحة ضدّ الشركات الأجنبية والحكومة المصرية

السيد زين العابدين: زعيم عمالي بارز، قاد العديد من الإضرابات المهمة، مثل إضراب المحلة الكبرى عام 1945. كان من أشدّ المدافعين عن حقوق العمال، ونضال من أجل تحسين ظروف عملهم.

إسماعيل مرزوق: زعيم عمالي بارز، قاد إضراب عمال البترول عام 1949. لعب دورًا هامًا في تأسيس الاتحاد العام لنقابات عمال مصر، وساهم في توحيد الحركة النقابية المصرية.

حسين السباعي: زعيم عمالي بارز، شغل منصب أمين عام الاتحاد العام لنقابات عمال مصر لعدة سنوات. كان من أبرز المؤيدين لثورة يوليو 1952، وساهم في دعمها وتحقيق أهدافها.

 

ومن الشخصيات النقابية البارزة: زكريا محيي الدين  حيث يُعدّ من أهمّ زعماء الحركة النقابية المصرية   ومن  أهمّ الشخصيات التي ساهمت في تشكيل تاريخ مصر الحديث، حيث برز كزعيم عمالي بارز وقائد ثوري عظيم. ونظرًا لِما قدّمه من تضحيات ونضالاتٍ خالدة، حفر اسمه في ذاكرة الشعب المصري كرمزٍ للوطنية والنضال من أجل العدالة الاجتماعية  ،

  انضمّ زكريا محيي الدين إلى الحركة النقابية عام 1919، وشارك في العديد من الإضرابات والمظاهرات التي نظمتها النقابات العمالية ضدّ الاحتلال البريطاني. ولعب زكريا محيي الدين دورًا محوريًا في تأسيس الاتحاد العام لنقابات عمال مصر عام 1936،   قاد زكريا محيي الدين العديد من الإضرابات والمظاهرات العمالية الناجحة، وساهم بشكل كبير في تحسين ظروف العمل وحقوق العمال في مصر.

كما لعب المثقفون   دورًا هامًا في دعم الحركة النقابية المصرية في بداياتها، وذلك من خلال التوعية والتثقيف والدعم المعنوي والمادي. وساهمت كتاباتهم ونشاطهم في تعزيز الوعي بأهمية العمل النقابي وحقوق العمال، ودفعتهم إلى التنظيم في نقابات للمطالبة بحقوقهم  ، اضافة  الى مساهمة بعض المثقفين في تمويل النقابات العمالية وتقديم المساعدة القانونية للعمال.

  • طه حسين: رائد الأدب العربي الحديث، كتب العديد من المقالات التي دافع فيها عن حقوق العمال وحثّهم على التنظيم في نقابات.
    في كتابه “مستقبل الثقافة في مصر”، دعا طه حسين إلى ضرورة اهتمام المثقفين بقضايا العمال ودعم نضالهم من أجل حقوقهم.
  • محمد عفيفي مطر: كاتب وصحفي اشتراكي، أصدر مجلة “العمال” التي كانت من أهمّ المنابر التي دافعت عن حقوق العمال.  وفي مجلة “العمال”، نشر محمد عفيفي مطر العديد من المقالات التي كشفت عن ظروف العمل السيئة التي يعاني منها العمال، وقام بتحريضهم على التنظيم في نقابات للمطالبة بحقوقهم.
  • عبد الرحمن الرافعي: كاتب وصحفي، كتب العديد من المقالات التي انتقدت ظروف العمل السيئة التي يعاني منها العمال.  وفي كتابه “العمال في مصر”، قدم عبد الرحمن الرافعي دراسة شاملة عن تاريخ الحركة العمالية المصرية، ودور النقابات في الدفاع عن حقوق العمال.
  • علياء شكري: كاتبة وصحفية، دافعت عن حقوق المرأة العاملة من خلال كتاباتها ونشاطها. وفي كتابها “المرأة العاملة في مصر”، دافعت علياء شكري عن حقوق المرأة العاملة، وطالبت بتحسين ظروف عملها.

 

ولقد كان للمثقفين المصريين دور هام في دعم النقابات العمالية المصرية في بداية إنشائها خلال الفترة من عام 1936 إلى عام 1951. ولقد شمل هذه عدة مجالات تتمثل فى الاتي : 

  1. التوعية بأهمية العمل النقابي:

قام المثقفون بتوعية العمال بأهمية العمل النقابي وحقوقهم في تكوين تنظيمات تمثلهم للدفاع عن مصالحهم. استخدموا وسائل الإعلام المختلفة، مثل الصحف والمجلات، لنشر الوعي النقابي بين العمال. نظموا ندوات ومحاضرات لشرح مبادئ العمل النقابي وأهميته.

  1. المساعدة في تأسيس النقابات العمالية:

ساعد المثقفون العمال في تأسيس النقابات العمالية في مختلف القطاعات. قدموا لهم الاستشارات القانونية والإدارية اللازمة لتأسيس وتنظيم النقابات. ساعدوا في صياغة لوائح وأنظمة النقابات العمالية.

  1. الدفاع عن حقوق العمال:

وقف المثقفون إلى جانب العمال في دفاعهم عن حقوقهم من خلال المشاركة في المظاهرات والإضرابات. ضغطوا على الحكومة لتحسين ظروف عمل العمال وأجورهم. دافعوا عن حقوق العمال في المحاكم وفي البرلمان.

  1. نشر الوعي السياسي:

ساعد المثقفون في نشر الوعي السياسي بين العمال ودعوهم للمشاركة في الحياة السياسية. شجعوا العمال على تكوين أحزاب سياسية تمثلهم. ساعدوا في تنظيم حملات انتخابية لدعم المرشحين الذين يدافعون عن حقوق العمال.

  1. مساهمات أدبية وفنية:

ألف العديد من المثقفين المصريين روايات ومسرحيات وقصصًا قصيرة تناولت قضايا العمال وظروفهم المعيشية. غنى العديد من المطربين المصريين أغانيًا تدافع عن حقوق العمال وتدعو إلى التضامن العمالي. رسم العديد من الفنانين المصريين لوحات عبّرت عن معاناة العمال وتطلعاتهم.

كان دور المثقفين حاسماً في دعم النقابات العمالية المصرية في بداية إنشائها، وساهموا بشكل كبير في تحسين ظروف عمل العمال وحقوقهم، وهناك العديد من المثقفين المصريين الذين ساهموا في دعم النقابات العمالية المصرية، وهذه جزء قليل من قائمة كبيرة كبيرة.

 

ثالثاً : العوامل التي ساعدت على نجاح النقابات  :

لعبت العديد من العوامل دورًا هامًا في نجاح النقابات المصرية في تحقيق أهدافها خلال الفترة من عام 1936 إلى عام 1951.  ويمكن تلخيص هذه العوامل في النقاط التالية:

  1. تزايد الوعي النقابي:
  • شهدت هذه الفترة تزايدًا ملحوظًا في الوعي النقابي بين العمال المصريين، وذلك بفضل جهود المثقفين والنشطاء النقابيين.
  • أدرك العمال أهمية العمل النقابي في الدفاع عن حقوقهم وتحسين ظروف معيشتهم.
  • ساعد هذا الوعي في زيادة عدد الأعضاء في النقابات العمالية وتفعيل دورها.
  1. الدعم السياسي:
  • حظيت النقابات العمالية المصرية بدعم سياسي من قبل بعض الأحزاب السياسية، مثل حزب الوفد المصري والحزب الشيوعي المصري.
  • ساعد هذا الدعم في حشد التأييد للقضايا النقابية والدفاع عن حقوق العمال أمام الحكومة.
  1. النضالات العمالية:
  • خاض العمال المصريون العديد من النضالات العمالية، مثل الإضرابات والمظاهرات، للمطالبة بتحسين ظروف عملهم وأجورهم.
  • أثبتت هذه النضالات فاعلية العمل النقابي في تحقيق المطالب العمالية.
  • اجبرت الحكومة على الاستجابة لمطالب العمال في العديد من الحالات.
  1. الظروف الاقتصادية والسياسية:
  • شهدت هذه الفترة تحولات اقتصادية وسياسية هامة، مثل ازدياد الطلب على المنتجات المصرية خلال الحرب العالمية الثانية، وارتفاع معدلات التضخم، وتصاعد الحركات الوطنية.
  • ساهمت هذه الظروف في زيادة وعي العمال بحقوقهم وتشجيعهم على الانضمام إلى النقابات العمالية للمطالبة بتحسين أوضاعهم.
  1. التضامن الدولي:
  • حظيت النقابات العمالية المصرية بدعم من المنظمات النقابية الدولية، مثل الاتحاد الدولي لنقابات العمال.
  • ساعد هذا الدعم في تبادل الخبرات والمعلومات بين النقابات العمالية في مختلف الدول، وتعزيز قدرة النقابات المصرية على المطالبة بحقوقها.
  1. التنظيم الجيد:
  • تميزت النقابات العمالية المصرية خلال هذه الفترة بتنظيمها الجيد وقيادتها القوية.
  • ساعد ذلك على توحيد جهود العمال وفعالية نضالاتهم.
  • كانت هذه العوامل مجتمعة هي التي ساعدت على نجاح النقابات المصرية في تحقيق أهدافها خلال الفترة من عام 1936 إلى عام 1951. وساهمت هذه النجاحات في تحسين ظروف عمل العمال المصريين وأجورهم، وتعزيز حقوقهم الاجتماعية والسياسية.

 لقد أثبتت النقابات العمالية المصرية قدرتها على التنظيم والتحرك الجماعي للدفاع عن حقوق العمال وتحقيق مصالحهم الوطنية. ولعبت دورًا هامًا في النضال الوطني ضدّ الاحتلال البريطاني ودعم ثورة يوليو 1952، وساهمت بشكل فعّال في تحقيق العديد من إنجازات الثورة.

والى اللقاء  في الجزء الثالث ..
د. اسامة طلبة

مقالات ذات صلة

‫45 تعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى