مصرمقالاتمنوعات

النقابات العمالية .. بين تاريخ مشرف وواقع من التحديات 3

 

النقابات العمالية .. الجزء الثالث 
فى دعم ثورة يوليو وانجازاتها   
بقلم د. اسامة طلبة  ..

تُعدّ ثورة يوليو 1952 علامة فارقة في تاريخ مصر الحديث، حيث شهدت هذه الثورة تحولات جذرية على مختلف الأصعدة، الاجتماعية والسياسية والاقتصادية. ولعبت النقابات العمالية المصرية دورًا محوريًا في دعم هذه الثورة وتحقيق أهدافها، انطلاقًا من تاريخها العريق ونضالاتها المستمرة لتحسين ظروف العمال وحقوقهم.

وفى الحلقات السابقة ذكرنا ان النقابات العمالية المصرية  بدأت في الظهور مطلع القرن العشرين، كردة فعل طبيعية على الظروف القاسية التي عانى منها العمال المصريون في ظل الاستعمار البريطاني. فقد واجه العمال استغلالاً فادحًا وظروف عمل لا إنسانية، مما دفعهم إلى التنظيم والوحدة للدفاع عن حقوقهم ومصالحهم. وواجهت النقابات الوليدة العديد من التحديات، من قمع السلطات الاستعمارية، إلى ضعف التنظيم ونقص الخبرات. لكنها واصلت نضالاتها، ونجحت في تحقيق بعض الإنجازات، مثل تحسين أجور العمال وتخفيف ساعات العمل ، اضافة الى تكوين الاتحاد العام لنقابات عمال مصر .

ومع تصاعد الحركة الوطنية المصرية ضد الاستعمار البريطاني، برز دور النقابات العمالية والاتحاد كقوة سياسية فاعلة. فقد شاركت النقابات في المظاهرات والاحتجاجات، ودعت إلى مقاطعة البضائع البريطانية، وساهمت في إضرابات واسعة شلت حركة الاقتصاد المصري. كما لعبت دورًا هامًا في توعية الجماهير بأهداف الحركة الوطنية، وحشد الدعم الشعبي للثورة.


مشاركة النقابات في ثورة يوليو:

مع اندلاع ثورة يوليو 1952، وقفت النقابات العمالية إلى جانب الثورة ودعمتها بكل قوتها. فقد شارك العمال في المظاهرات والاحتجاجات، وساهموا في إضرابات واسعة شلت حركة الاقتصاد المصري، مما شكل ضغطًا كبيرًا على النظام الملكي. كما لعبت النقابات دورًا هامًا في توعية الجماهير بأهداف الثورة، ودعمت قيادتها الجديدة ممثلة في حركة الضباط الأحرار.

دور النقابات بعد ثورة يوليو:

بعد ثورة يوليو، استمرت النقابات المصرية في لعب دور هام في دعم مسيرة التنمية والعدالة الاجتماعية. فقد شاركت في وضع خطط التنمية الاقتصادية، وساهمت في حل المشكلات العمالية، ودعمت جهود الدولة في محاربة الفقر والبطالة. كما لعبت دورًا هامًا في تعزيز الوعي الوطني والثقافي بين العمال.

يُمكن اعتبار ثورة يوليو 1952 نقطة تحول هامة في تاريخ الحركة العمالية المصرية، حيث شهدت هذه الفترة العديد من الإنجازات التي ساهمت في تحسين ظروف العمال وحقوقهم.

 

إنجازات ثورة يوليو ودعم الحركة العمالية:

أدركت ثورة يوليو أهمية الحركة العمالية في بناء مصر الجديدة، وحرصت على دعمها وتحقيق العديد من الإنجازات التي ساهمت في تحسين ظروف العمال وحقوقهم. ومن أهم هذه الإنجازات:

قانون العمل: صدر عام 1959، ونظم علاقة العمل بين العمال وأصحاب العمل، وحدد حقوقًا وواجبات للطرفين، وضمن شروط عمل آمنة وعادلة.

التأمينات الاجتماعية: تم إنشاء نظام تأميني شامل يشمل معاشات التقاعد، والتأمينات الصحية، والتأمين ضد البطالة، وتعويضات العمل.

التعليم والرعاية الصحية: اهتمت الثورة بتوفير فرص التعليم والرعاية الصحية للعمال وعائلاتهم، من خلال إنشاء مدارس ومستشفيات مخصصة لهم.

المشاركة السياسية: تم إعطاء العمال حق المشاركة في الحياة السياسية من خلال تمثيلهم في مجلس الأمة، واللجان النقابية، والجمعيات التعاونية.

 

لعبت النقابات العمالية المصرية دورًا محوريًا في دعم ثورة يوليو 1952 وتحقيق أهدافها، انطلاقًا من تاريخها العريق ونضالاتها المستمرة لتحسين ظروف العمال وحقوقهم. وقد ساهمت بشكل فعّال في إنجازات الثورة، مثل إصدار قانون العمل، وإنشاء نظام التأمينات الاجتماعية، وتوفير فرص التعليم والرعاية الصحية للعمال، وتعزيز مشاركتهم السياسية. ومع ذلك، واجهت النقابات المصرية العديد من التحديات خلال الفترة من قيام ثورة يوليو حتى نهاية الستينات، والتي يمكن تلخيصها في النقاط التالية:

 

عانت بعض النقابات المصرية من ضعف التنظيم ونقص الخبرات، مما أثر على قدرتها على الدفاع عن حقوق العمال ومصالحهم.

لم تُشارك جميع فئات العمال في النقابات العمالية، مما أدى إلى استبعاد بعضهم من التمتع بحقوقهم ومزاياها.

مع مرور الوقت، تراجع دور النقابات العمالية السياسي، وانحصر دورها في الغالب في المجالات الاجتماعية والاقتصادية.

تغيّرت الظروف الاقتصادية في مصر بشكل كبير خلال الفترة من قيام ثورة يوليو حتى نهاية الستينات، مما أثر على دور النقابات العمالية وأهدافها.

ظهرت تحديات جديدة واجهتها النقابات العمالية، مثل البطالة والفقر والتفاوت الطبقي.

عانت النقابات المصرية من ضعف التنسيق بين بعضها البعض، مما أضعف قدرتها على التأثير على السياسات الحكومية.

لم تحظ النقابات المصرية بدعم دولي كبير خلال هذه الفترة، مما صعّب عليها مواجهة التحديات التي واجهتها.

شهدت مصر خلال هذه الفترة تغيرات سياسية واجتماعية هائلة، أثرت على دور النقابات العمالية وأهدافها.

أدت حرب 1967 إلى تغيرات كبيرة  بأولويات الدولة المصرية  ، مما أدى إلى تراجع الاهتمام بدور النقابات العمالية.

كان عام 1967 عامًا حاسماً في تاريخ مصر، حيث شهدت البلاد نكسة عسكرية في حرب يونيو ضد الكيان الصهيوني . أدى ذلك إلى العديد من التغييرات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، بما في ذلك تأثيرها على الحركة العمالية ودور النقابات والاتحاد العام لنقابات عمال مصر .

تأثيرات على الحركة العمالية:

انخفاض المعنويات: واجهت الحركة العمالية المصرية انخفاضًا كبيرًا في المعنويات بعد هزيمة 1967. شعر العديد من العمال بالإحباط والغضب من أداء الحكومة، وبدأ بعضهم في التشكيك في فعالية النقابات.

زيادة البطالة: أدت الحرب أيضًا إلى زيادة البطالة، حيث فقد العديد من العمال وظائفهم بسبب تدمير المصانع والبنية التحتية. أدى ذلك إلى زيادة الضغط على النقابات لتقديم المساعدة لأعضائها العاطلين عن العمل.

تراجع النشاط النقابي: تأثرت النشاطات النقابية بشكل كبير في أعقاب هزيمة 1967. فرضت الحكومة قيودًا على التجمعات والاحتجاجات، مما جعل من الصعب على النقابات تنظيم فعالياتها ورفع مطالبها.

دور النقابات والاتحاد العام لنقابات عمال مصر:

تقديم الدعم للعمال: على الرغم من التحديات، واصلت النقابات والاتحاد العام لنقابات عمال مصر تقديم الدعم للعمال خلال هذه الفترة الصعبة. وذلك من خلال:

توفير المساعدات المالية: قدمت النقابات المساعدات المالية للعمال العاطلين عن العمل وعائلاتهم.

البحث عن فرص عمل جديدة: ساعدت النقابات العمال في العثور على وظائف جديدة.

تقديم الدعم النفسي: قدمت النقابات الدعم النفسي للعمال الذين تأثروا بالحرب.

الدفاع عن حقوق العمال: واصلت النقابات والاتحاد العام لنقابات عمال مصر الدفاع عن حقوق العمال، حتى في ظل الظروف الصعبة. وذلك من خلال:

المفاوضة مع الحكومة: تفاوضت النقابات مع الحكومة للحصول على تحسينات في الأجور وشروط العمل.

رفع قضايا العمال في المحاكم: رفعت النقابات قضايا العمال في المحاكم للدفاع عن حقوقهم.

التظاهر والاحتجاج: نظمت النقابات مظاهرات واحتجاجات للمطالبة بحقوق العمال.

دعم الشعب المصري للاستنزاف:

التبرعات: تبرع العديد من المصريين بجزء من رواتبهم لدعم جهد الحرب.

العمل التطوعي: طوع العديد من المصريين وقتهم وجهدهم لدعم المجهود الحربي.

المشاركة في المظاهرات: شارك العديد من المصريين في المظاهرات للتعبير عن دعمهم للحكومة والجيش.

 

 تجدر الإشارة إلى أن هذه المقالة  تُقدم تحليلًا عامًا لدور النقابات العمالية المصرية خلال الفترة من قيام ثورة يوليو حتى نهاية الستينات. ولكل نقابة تجربتها الخاصة، وتاريخها المميز، مما يتطلب مقالات  مُفصلة لكل نقابة على حدة.

 

المصادر والمراجع ..

كتاب “النقابات العمالية المصرية: نشأتها وتطورها” تأليف د. عبد الرحمن الرافعي.

كتاب “دور النقابات العمالية في ثورة يوليو” تأليف د. محمد عابد الفضال.

موقع “دار الأرشيف القومي المصرية”

 

على الرغم من التحديات التي واجهتها، لعبت الحركة العمالية والنقابات والاتحاد العام لنقابات عمال مصر دورًا هامًا في دعم الشعب المصري خلال فترة الاستنزاف. وذلك من خلال تقديم الدعم للعمال والدفاع عن حقوقهم وتعزيز الروح الوطنية.

 

والى لقاء  في الجزء  الرابع ..
د. اسامة طلبة

مقالات ذات صلة

‫42 تعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى