“هنكريت”
بقلم ..سماح علام
الفنان محمد رضا الكوميديان العبقري الراحل ، في فيلم من آروع الأفلام المصرية ( ٣٠ يوم في السجن ) ، وفي جملة تُعد من أشهر الإفيهات في تاريخ السينما ، قال للفنان فريد شوقي وهو يستعرض ويتباهى بمهاراته في السرقة ك (حرامي) ” أصل انا بقص الكلا.. الكلام يعني ” ، فقد كان في اغلب المشاهد يكتفي بنطق نصف بعض الكلمات او الجزء الذي سيؤدي الغرض ويفي بتوصل المعنى منها غير عابيء بما يسببه من تشويه للغة ،وعلى من يستمع إلى حديثه بأن يتحلى بسرعة البديهة ويفهم المراد من كلامه ..
منذ فترة جمعتني جلسة عمل بمبرمج شاب ، وعندما بدأ في شرح ماسيقوم به من مهام وكنت كباقي الحضور ليس لدينا فكرة عن عالم الحاسوب والبرمجيات ، وبينما كان مندمج في الشرح بسلاسة رنت في أُذني كلمة تبدو مألوفة ولكنها غريبة في نفس الوقت ، فقد قال بشكل سريع وعفوي أثناء حديثه ( هنسرش ) وجدت نفسي غير قادرة على استيعاب الكلمة فسألته .. عفواً ماذا سنفعل؟ فأجاب وهو يضحك متعجباً من جهلي ( هنسرش .. هنعمل search يعني ) .
عندما وصلني جواب التنسيق الجامعي شعرت بشيء من خيبة الأمل لوقوع الأختيار على كلية ( دار العلوم ) لم تكن مشكلتي في دراسة اللغة العربية بشكل متخصص بقدر ما كنت اتطلع لدراسة مجال مختلف وجديد ، فكانت دراسة الأدب الإنجليزي أقرب إلى ميولي ، وفي اول يوم دراسي لفت انتباهي مايقوم به اغلب طلاب القسم وتعمدهم تجاهل الحديث طوال الوقت باللغة العربية واستبدالها باللغة الإنجليزية حتى خارج قاعات الدراسة كنوع من التميز عن باقي الأقسام او هكذا حكمت عليهم من وجهة نظري ، وفي الحقيقة لم اتوقع بأن شعوراً بالغيرة على لغتي العربية سوف يسيطر عليَّ هكذا .
في بداية عملي كصحفية كنت اخفي على المصادر أنني مازلت طالبة جامعية لأنال القدر الكافي من الإحترام والتقدير ، وذات مرة قبيل دخولي مؤتمر لأحد الوزراء ، سألني مدير مكتبه وكان رجلاً حكيماً .. ما رأيك فيما يحدث من بعض الشباب بعمرك في حق اللغة العربية؟ فقلت له ماذا تقصد بالتحديد ، ما الذي يحدث؟ فسرد لي قائمة من الإنتهاكات التي تواجهها لغة الضاد بشكل ممنهج مبدياً اسفه على كثير من الشباب الذي يفترض بأن يتسم بقدر من الوعي وينساق بل ويساهم في إنحدار و إندثار اللغة ، وقال بصوت حزين ” يقولون نحن نتحدث فرانكو !! ”
مازال المبرمج الشاب يشرح لي وللحضور خطته المحكمة في العمل ويستعرض مهاراته في عالم البرمجة ، وبين كل كلمتين بالعربي ينطق بكلمة من اللغة الجديدة التي لا اعرف لها مسمى ما جعلني أضطر لمجاراته في الحديث وقد اقنعت نفسي بأنه على طريقة الفنان محمد رضا بيعرب الكلا.. ، إلى أن فاجأني قائلاً ” إحنا كده هنبدأ نكريت ” ، فنظرت إليه وانا ابتسم إبتسامة بلهاء ، فقال ” هنكريت جايه من creat يعني!“ .