منوعات

المطبخ الأمريكي .

بقلم : نجوى حجازي .

طرأت على حياتنا في السنوات العشر الأخيرة الكثير من المتغيرات ، ليس فقط على المستوى الاجتماعي ،بل للأسف طالت تلك المتغيرات الحياة الاجتماعية والثقافية ،والطامة الكبرى أنها طالت العقائدية .
وقد يعتقد البعض أن تلك المتغيرات الحديثة هي ظاهرية فقط طالما أنهم متمسكون بتقاليدهم ودينهم ، ولكن هذا ليس بصحيح وربما خدعوك فقالوا لك هذا ، ولنبدأ مثلاً على مستوى منازلنا وتلك التي تحوي كل ما يخصنا فالبيوت فيها من الأسرار والأبواب المغلقة التي يستتر وراءها الناس كي يخرجوا للمجتمع بلا حرج أو خوف الكثير، فإذا بتلك المتغيرات تفتح تلك الأبواب على مصرعيها لتبدو المنازل وكأنها حكايات تُروى كل يوم على الملأ ، ولنأخذ مثالا بسيطاً ألا وهو المطبخ ، ولا تتعجب عزيزي القارئ من ذكر المطبخ ، لأنني ربما أكون من القلائل الآن الذين لا يؤمنون بفكرة المطبخ الأمريكي في منزلي ، وقد أرى ذلك عيباً كبيراً ومسبة في حقي وحق بيتي ونشأتي ، فقد تربيت على أن المطبخ سر البيت وأهله فلا يصح بأي حال من الأحوال إذا حللت في مكان حتى لو كان بيت جدتي أن ادخل المطبخ وافتح ثلاجته أو اتناول طعاماً دون أن استأذن جدتي لتأتيني بهذا الطعام ، وعندما انتابني الفضول لأسأل لماذا وهو بيت جدتي فجاءتني الإجابة بأن المطبخ سر البيت ولا يصح ابداً أن نفتش في أسرار البيوت ، فربما ذهبت إلى منزل صديقتك وكانوا لا يملكون طعاماً أو ظروفهم قاسية فلم تحرجينهم وتقللين من شأنهم ؟!!!!، وربما العكس فيكون شخص ظروفه قاسية ويشتهي أشياء فماذا يفعل إذا ما ذهب إلى بيت به مطبخ يمتلئ بالخيرات الكثيرة ولم يقدم له أصحاب البيت سوى شيئاً يسيراً ؟!! هل يحقد عليهم أم يحسدهم أم يكره ظروفه التي لا حيلة له فيها .
ومن هنا تعلمت أن المطبخ من الأماكن التي لا يجب أن يطلع عليها سوى أصحابها فقط .
فماذا عنا الآن ؟؟؟ والمطابخ بكل ما تحويه ملك الجميع .
واعجب ممن قبلوا فكرة أن يكون المطبخ مفتوحاً هكذا على المنزل فقد تربينا على أن المنازل النظيفة لا تحوي رائحة الطبخ مطلقاً فكيف أصنع الطعام في الصالون واملأ المنزل بروائح الطعام ؟!!! أليس هذا منافياً لقواعد الذوق والرقي .
في الماضي كان الفقير هو الذي لا يملك سوى غرفة تحوي المطبخ والسرير وأريكة لاستقبال الضيوف ، فتحولت بيوتنا بفعل التقليد لمظاهر الغرب إلى غرف لفقراء العصر الحديث ، وهم بالفعل فقراء والفقر ليس نعتاً لمن لا يملك المال وإنما لمن لا يملك الذوق والإحساس بالآخرين ، اصبحنا نقلد الغرب تقليداً أعمى فافتقرنا إلى الذوق والحس وأفقرنا الله بالغلاء الفاحش فباتت المطابخ للزينة دواليب فارغة من الخير الذي كانت مطابخنا القديمة تحويه فكان الخير لنا ولغيرنا .
لست ضد التغيير والتطوير ولكن لابد أن أعي أولاً هل هذا التغيير يتناسب مع بيئتنا وما تربينا عليه ؟هل الأجانب الذين تربوا على الوجبات السريعة في حياتهم اليومية مثل شعوبنا العربية التي لها موروثات من الأطعمه والأكلات والتي لها روائح نفاذة لا يُخطؤها الأنف !!! وهل يصح بأي حال من الأحوال أن اجعل بيتي نافذة يطل عليها كل من طرق بابه غريباً كان أم قريباً !!
ويبدو أن الموضوع تطور مع الكثير فبدت البيوت كلها بحجراتها بأسرارها مفتوحة من أجل المشاهدات الكثيرة وكلما زادت الفضائح زادت المشاهدات وزادت العطايا ، فبات المال الحرام يشتهيه الفقير ولا يسأل فهو مال يأتي بسهوله والفقر حجة أمام الله والمجتمع فتخرج علينا الأم التي تتاجر ببناتها فتعلمهن احقر مهنة في التاريخ وهي التجارة بالجسد بحجة الفقر ، ويأتي الرجل مشاركاً زوجته تفاصيل الحياة اليومية بحلوها ومرها من أجل نفس الهدف أو الغاية ، ثم ماذا ؟وهذا هو السؤال الأهم وأنا لا أسأل عن ماذا يحدث في الغد وإنما أسأل عن يوم السؤال إذا كان الحلال سوف يسألنا الله عنه فماذا نفعل عندما يحاسبنا على الحرام ؟؟؟
للأسف الحرب هذه الأيام باتت شرسة وعظيمة لأنها حرب على المبادئ والقيم والموروثات العقائدية وأكبر بكثير من المطبخ الأمريكي .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى