مقالات
رئيس اتحاد الوطن العربي الدولي يؤكد أن إعراب ( لا إله إلّا الله ) هو الإعرابُ الأكثرُ أهميةً، والأعظمُ فائدةً
رئيس اتحاد الوطن العربي الدولي يؤكد أن إعراب ( لا إله إلّا الله ) هو الإعرابُ الأكثرُ أهميةً، والأعظمُ فائدةً
بقلم \ المفكر العربي الدكتور خالد محمود عبد القوي عبد اللطيف
مؤسس ورئيس اتحاد الوطن العربي الدولي
رئيس الإتحاد العالمي للعلماء والباحثين
يُعرَّف الإعرابُ بأنه أثر ظاهرٌ أو مقدرٌ يجلبُهُ العاملُ في آخرِ الكلمة[1]، وليس الإعرابُ مجردَ حركاتٍ تظهرُ على أواخر الكلمات العربية فسحب، إنما للإعراب دورٌ محوريٌّ وأثر جوهريٌّ في المعنى والبيان، قال ابنُ جني: (الإعرابُ هو الإبانةُ عن المعاني بالألفاظ)[2]، وقال ابنُ فارس: (فأما الإعرابُ فبه تُميزُ المعاني ويوقَف على أغراض المتكّلمين، وذلك أن قائلاً لو قال: ما أحسن زيد (غيرَ مُعْرِبٍ)، أو: ضرب عمر زيد (غير معرِبٍ) لم يوقَفْ على مرادِهِ، فإذا قال: مَا أحْسَنَ زَيْداً !، أو: مَا أحْسَنَ زَيْدٌ!، أو: مَا أحْسَنَ زَيْدٍ! أبان بالإعراب عن المعنى الذي أراده)[3]، والعلاماتُ الإعرابيةُ تقومُ بوظائف مزدوجة بين الوظيفة النحوية والمعنى الدلالي[4]، وتركُ الحركات الإعرابية يوصل إلى الغموض، ويقود إلى الإبهام.
ويعدّ إعراب ( لا إله إلّا الله ) هو الإعرابُ الأكثرُ أهميةً، والأعظمُ فائدةً للمسلم؛ وذلك لأنه يكشفُ عن معناها الذي لابدّ للمسلم من العلم به، إذ من شروط صحة لا إله إلّا الله (العلم) بمعناها المراد منها نفياً وإثباتاً، المنافي للجهل بذلك، قال الله تعالى: ﴿ فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ ﴾ [محمد: 19]، وقال تعالى: ﴿ إِلَّا مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِّ ﴾ [الزخرف: 86] أي بلا إله إلا الله ﴿ وَهُمْ يَعْلَمُونَ ﴾ بقلوبهم معنى ما نطقوا به بألسنتهم. وفي الصحيح عن عثمان رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : “من مات وهو يعلم أنه لا إله إلا الله دخل الجنة ” [5]. ومعرفةُ إعراب لا إله إلّا الله له أهميةٌ بالغةٌ؛ لأنه يَكشفُ عن التوحيد السليم، ويبين الدين الخالص، ويظهر العقيدة الصافية، ويبدد كلّ ما يتنافى معها وينفي الشرك وضلالاته، ومعلوم أن إثبات التوحيد لله تعالى، ونفي الشرك عنه جلّ جلاله هي الغايةُ العظمى، والوظيفةُ الكبرى التي لأجلها خُلقنا، يقول الله تعالى: ﴿ وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ ﴾[6]، ويقول تعالى: ﴿ وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ ﴾[7]، ويقول سبحانه وبحمده: ﴿ وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ ﴾[8].
وإعراب لا إله إلّا الله كما يلي:
(لا) حرف نفي، وهي مشبهة بـ (إنّ وأخواتها) فتدخل على الجملة الاسمية فتنصب المبتدأ وتصيره اسمها، وترفع الخبر وتصيره خبرها، ويجب أن يكون اسمُها وخبرُها نكرتين، فهي لا تعمل في المعارف، وتسمى (لا) النافية للجنس، وسُميت بذلك؛ لأنها تنفي خبرها عن جنس اسمها.
(إله) اسم (لا) النافية للجنس مبني على الفتح؛ لتركبه مع (لا) مثل تركب ثلاثة عشر. وخبر (لا) النافية للجنس محذوفٌ، والغالب في اسمها الحذفُ، وتقديره: (حقٌّ)، وتقدير خبر (لا) المحذوف بـ (حقّ) أصح من تقديره بـ (موجودٌ)؛ وذلك لأن هناك آلهة موجودة عبدها الناس، لكنها باطلة وليست حقّة، كما قال الله تعالى: ﴿ ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ هُوَ الْبَاطِلُ ﴾[9].
(إلّا) أداة استثناء مفرغ، وحينما تكون إلّا أداة استثناء مفرغ فإنها تستخدم للحصر، والاسم الذي يقعُ بعدها يُعرب حسب موقعه من الجملة.
(الله) لفظ الجلالة بدل من خبر (لا) المحذوف. وهذا الإعرابُ يوضح بجلاء لا لبس فيه أن لا إله إلّا الله معناها لا معبودَ حقٌّ إلّا الله، كما أن هذا الإعراب يُبين بوضوح لا غموض معه أن لا إله إلّا الله تشتمل على ركنين، الركن الأول: النفي، وهذا حاصلٌ بكلمة (لا) النافية للجنس، ونفي الجنس كما قال ابن يعيش: (هو أعم أنواع النفي)[10]، والركن الثاني: الإثبات مع الحصر، وهذا حاصل بكلمة (إلّا) التي هي أداة استثناء مفرغ، و(إلّا) إذا فُرغت صارت تدل على الحصر، وقد جمع الله عز وجل بين الركنين في قوله تعالى: ﴿ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى ﴾[11]، إذن لا إله إلّا الله تنفي الألوهية عما سوى الله سبحانه وتعالى وتثبتها لله وحده لا شريك له.
________________________________________
[1] أوضح المسالك ألفية ابن مالك، ابن هشام الأنصاري، دار الطلائع، ط2 القاهرة 1 /38.
[2] الخصائص، ابن جني، دار الهدى، بيروت، ط1، 1 /35.
[3] الصاحبي، لابن فارس، دار الشروق، بيروت، ط4، ص190.
[4] اللغة العربية معناها ومبناها، د. حسان تمام، الهيئة المصرية العامة للكتاب، ط2، ص17.
[5] عقيدة التوحيد، صالح بن فوزان الفوزان، المكتبة العصرية، ط3، ص26.
[6] سورة الذاريات: 56.
[7] سورة الأنبياء: 25.
[8] سورة النحل: 36.
[9] سورة الحج: 62.
[10] شرح المفصل، ابن يعيش، دار المعرفة، بيروت ط1، 2 /24.
[11] سورة البقرة: 256.