منوعات
رئيس اتحاد الوطن العربي الدولي يؤكد أن السنة مصدر من مصادر تفسير القراّن الكريم
رئيس اتحاد الوطن العربي الدولي يؤكد أن السنة مصدر من مصادر تفسير القراّن الكريم
بقلم \ المفكر العربي الدكتور خالد محمود عبد القوي عبد اللطيف
مؤسس ورئيس اتحاد الوطن العربى الدولى ،
رئيس الإتحاد العالمي للعلماء والباحثين
مما لاشك فيه أن السنة لها مكانة عظيمة في هذا الدين، فإنها المفسرة للقرآن الكريم، والمبينة له. وهي وحي من الله عز وجل؛ كما قال الرسول صلى الله عليه و سلم ” “ألا إني أوتيت القرآن ومثله معه “[1]
فالسنة لها منزلة عظيمة وميزات مرتبطة بميزات ومنزلة الرسول العظيم صلى الله عليه وسلم منها:
1- لقد ميز الله رسوله بالعصمة فيما يبلغه عن ربه -عز وجل-، وهي ميزة جميع الأنبياء – عليهم الصلاة والسلام -. وهذه العصمة ليست خاصة بتبليغ القرآن بل في كل ما يبلغه عن ربه – عز وجل – من قول أو فعل أو تقرير فهو لا ينطق عن الهوى كما قال تعالى: ﴿ وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى ﴾ [النجم: 1-4]، ومن خصّ هذه العصمة بتبليغ القرآن دون سنة محمد صلى الله عليه وسلم فقد ضل وغوى.
2- وقرن الله الإيمان بهذا الرسول الكريم بالإيمان به – عز وجل- في كثير من الآيات.
قال تعالى: ﴿ إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِذَا كَانُوا مَعَهُ عَلَى أَمْرٍ جَامِعٍ لَمْ يَذْهَبُوا حَتَّى يَسْتَأْذِنُوهُ ﴾ [النور: 62].
وقال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُوراً تَمْشُونَ بِهِ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾ [الحديد: 28].
فالإيمان به يقتضي الإيمان بكل ما جاء به وأخبر عنه من الأمور الماضية والمستقبلة من أخبار الرسل وأممهم وأخبار الجنة والنار وأهلهما وأشراط الساعة والملاحم وغيرها[2].
والسنة هي المصدر الثاني من مصادر التشريع الإسلامي..
• قال تعالى: ﴿ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ﴾ [ النساء: 59 ].
روى ابن عبد البر عن ميمون بن مهران أنه قال في قوله تعالى: (فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول) قال: (الرد إلى الله الرد إلى كتاب الله، والرد إلى رسوله إذا كان حياً، فلما قبضه الله فالرد إلى سنته) [3].
• و قال عز و جل ﴿ وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ ﴾ [النحل: 44] وقال سبحانه و تعالى ﴿ فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ﴾ [النور: 63 ].
• وأمر سبحانه بطاعته في مواضع كثيرة تربو على ثلاثين موضعاً، وقرن طاعته بطاعته. بل جعل طاعته طاعة لله، ومعصيته معصية لله قال تعالى: ﴿ مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ ﴾ [النساء: 80].
وقال: ﴿ وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا ﴾ [ الحشر: 7 ].
قال الطاهر ابن عاشور[4]: (وهذه الآية جامعة للأمر باتباع ما يصدر من النبي صلى الله عليه وسلم من قول وفعل فيندرج فيها جميع أدلة السنة).
قال الحافظ ابن كثير: ” أي مهما أمركم به فافعلوه، ومهما نهاكم عنه فاجتنبوه، فإنه إنما يأمركم بخير وإنما ينهى عن شر”. وقال الشيخ السعدي: ” وهذا شامل لأصول الدين وفروعه، ظاهره وباطنه، وأن ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم يتعين على العباد الأخذ به واتباعه، ولا تحل مخالفته، وأن نص الرسول – صلى الله عليه وسلم – على حُكم الشيء كنص الله – تعالى -، لا رخصة لأحد ولا عذر له في تركه، ولا يجوز تقديم قول أحد على قوله – صلى الله عليه وسلم – “.[5]
فهم النبى صلى الله عليه وسلم والصحابة للقرآن
كان طبيعياً أن يفهم النبى صلى الله عليه وسلم القرآن جملة وتفصيلاً، إذ تكفل الله تعالى له بالحفظ والبيان: ﴿ إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ * فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ * ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ ﴾ [القيامة: 17 – 19]، كما كان طبيعياً أن يفهم أصحاب النبى صلى الله عليه وسلم القرآن في جملته، أى بالنسبة لظاهره وأحكامه، أما فهمه تفصيلاً، ومعرفة دقائق باطنه، بحيث لا يغيب عنهم شاردة ولا واردة، فهذا غير ميسور لهم بمجرد معرفتهم للغة القرآن، بل لا بد لهم من البحث والنظر والرجوع إلى النبى صلى الله عليه وسلم فيما يشكل عليهم فهمه، وذلك لأن القرآن فيه المجمل، والمشكل، والمتشابه، وغير ذلك مما لا بد في معرفته من أمور أُخرى يُرجعَ إليها.
ولو أننا رجعنا إلى عهد الصحابة لوجدنا أنهم لم يكونوا في درجة واحدة بالنسبة لفهم معانى القرآن، بل تفاوتت مراتبهم، وأشكل على بعضهم ما ظهر لبعض آخر منهم، وهذا يرجع إلى تفاوتهم في القوة العقلية، وتفاوتهم في معرفة ما أحاط بالقرآن من ظروف وملابسات، وأكثر من هذا، أنهم كانوا لا يتساوون في معرفة المعانى التى وُضعت لها المفردات، فمن مفردات القرآن ما خفى معناه على بعض الصحابة، ولا ضَيْر في هذا، فإن اللغة لا يحيط بها إلا معصوم، ولم يدَّع أحد أن كل فرد من أُمَّة يعرف جميع ألفاظ لغتها.
ومما يشهد لهذا الذى ذهبنا إليه، ما أخرجه أبو عبيدة في الفضائل عن أنس: “أن عمر بن الخطاب قرأ على المنبر: ﴿ وَفَاكِهَةً وَأَبّاً ﴾.. فقال: هذه الفاكهة قد عرفناها، فما الأبّ؟. ثم رجعَ إلى نفسه فقال: إن هذا لهو التكلف يا عمر”.
وما أخرجه أبو عبيدة من طريق مجاهد عن ابن عباس قال: “كنت لا أدرى ما ﴿ فَاطِرِ ٱلسَّمَاوَاتِ ﴾ حتى أتانى أعرابيان يتخاصمان في بئر، فقال أحدهما: أنا فطرتها، والآخر يقول: أنا ابتدأتها”.
فإذا كان عمر بن الخطاب يخفى عليه معنى “الأَبّ” ومعنى “التَخَوُّف” ويسأل عنهما غيره، وابن عباس – وهو ترجمان القرآن – لا يظهر له معنى “فاطر” إلا بعد سماعها من غيره، فكيف شأن غيرهما من الصحابة؟ لا شك أن كثيراً منهم كانوا يكتفون بالمعنى الإجمالى للآية، فيكفيهم – مثلاً – أن يعلموا من قوله تعالى: ﴿ وَفَاكِهَةً وَأَبّاً ﴾ أنه تعداد للنِعمَ التى أنعم الله بها عليهم، ولا يلزمون أنفسهم بتفهم معنى الآية تفصيلاً ما دام المراد واضحاً جلياً.
الحق أن الصحابة – رضوان الله عليهم أجمعين – كانوا يتفاوتون في القدرة على فهم القرن وبيان معانيه المرادة منه، وذلك راجع – كما تقدَّم – إلى اختلافهم في أدوات الفهم، فقد كانوا يتفاوتون في العلم بلغتهم، فمنهم من كان واسع الاطلاع فيها ملِّماً بغريبها، ومنهم دون ذلك، ومنهم مَن كان يلازم النبى صلى الله عليه وسلم فيعرف من أسباب النزول ما لا يعرفه غيره، أضف إلى هذا وذاك أن الصحابة لم يكونوا في درتهم العلمية ومواهبهم العقلية سواء، بل كانوا مختلفين في ذلك اختلافاً عظيماً.
قال مسروق: “جالست أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم فوجدتهم كالإخاذ – يعنى الغدير – فالإخاذ يروى الرجل، والإخاذ يروى الرجلين، والإخاذ يروى العشرة، والإخاذ يروى المائة، والإخاذ لو نزل به أهل الأرض لأصدرهم”.
هذا.. وقد قال ابن قتيبة “إن العرب لا تستوي في المعرفة بجميع ما في القرآن من الغريب والمتشابه، بل إن بعضها يفضل في ذلك على بعض “.
كان الصحابة في هذا العصر يعتمدون في تفسيرهم للقرآن الكريم على أربعة مصادر:
الأول: القرآن الكريم.
الثاني: النبى صلى الله عليه وسلم.
الثالث: الاجتهاد وقوة الاستنباط.
الرابع: أهل الكتاب. [6]
أهمية السنة النبوية كمصدر من مصادر التفسير
عن الأوزاعي، عن مكحول، قال: ” القرآن أحوج إلى السنة من السنة إلى القرآن “
قال يحيى بن أبي كثير: ” السنة قاضية على الكتاب وليس الكتاب بقاض على السنة “.
وقال الفضل بن زياد: سمعت أبا عبد الله يعني أحمد بن حنبل، وسئل عن الحديث الذي روى أن السنة قاضية على الكتاب، فقال: ” ما أجسر على هذا أن أقوله، ولكني أقول: إن السنة تفسر الكتاب وتبينه ” [7]
وقد بين ذلك السيوطي بقوله: والأصل أن معنى احتياج القرآن إلى السنة أنها مبينة له، ومفصلة لمجملاته، لأن لوجازته كنوزاً تحتاج إلى من يعرف خفايا خباياها فيبرزها، وذلك هو المنزل عليه صلى الله عليه وسلم، وهو معنى كون السنة قاضية على الكتاب، وليس القرآن مبيناً للسنة، ولا قاضياً عليها، لأنها بينة بنفسها، إذ لم تصل إلى حدّ القرآن في الإعجاز والإيجاز، لأنها شرح له، وشأن الشرح أن يكون أوضح وأبين وأبسط من المشروح.[8]
فيجب على المسلم الحريص على معرفة كلام الله عز وجل أن يعود إلى المصدر الأول والمنبع الصافي، ألا وهو سنة الرسول عليه الصلاة والسلام الصحيحة الثابتة، فهي خير ما يفسِّر كتاب الله تعالى؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم أُمِرَ بالبلاغ، قال تعالى: ﴿ إِن عَلَيكَ إِلاَّ البَلاغُ ﴾ [الشورى: 48]، وقال: ﴿ لَا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ * إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ * فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ * ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ ﴾ [القيامة: 16 – 19]، وقال: ﴿ يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغ مَا أُنزِلَ إِلَيكَ مِن رَبِّكَ وَإِن لَم تَفعَل فَمَا بَلَّغتَ رِسَالَتَهُ ﴾ [المائدة: 67].
فالرسول عليه الصلاة والسلام مطالب بالبلاغ والبيان، لكن ما هو البلاغ الذي طولب به الرسول صلى الله عليه وسلم؟
إن البلاغ النبوي للقرآن الكريم يشتمل على الأمور الآتية:
أولاً: بلاغ الألفاظ:
والمقصود به بلاغ النبي صلى الله عليه وسلم لألفاظ القرآن الكريم كما نزلت، وكما بلغه جبريل إياها، دون زيادة أو نقص.
يقول الله عز وجل في سورة آل عمران: ﴿ لَقَد مَنَّ الله عَلَى المُؤمِنِينَ إِذ بَعَثَ فِيهِم رَسُولاً مِن أَنفُسِهِم يَتلُو عَلَيهِم آيَاتِهِ ﴾ [آل عمران: 164]، فالبلاغ النبوي لألفاظ القرآن الكريم هو المقصود بقوله تعالى: ﴿ يَتلُو عَلَيهِم آيَاتِهِ ﴾.
وهذا البيان اللفظي جزء من البلاغ الذي أُمر به رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا شك أن الرسول صلى الله عليه وسلم بلَّغ ألفاظ القرآن الكريم بلاغًا تامًّا، ولم يكتم شيئًا مما أُنزل عليه.
إن الله تعالى اختار محمدًا صلى الله عليه وسلم على علم على العالمين، قال تعالى: ﴿ الله أَعلَمُ حَيثُ يَجعَلُ رِسَالَتَهُ ﴾ [الأنعام: 124]، اختار رجلاً يعلم أنه لن يكتم شيئًا مما يوحى إليه، فحتى الآيات التي عاتبه ولامه الله فيها على بعض ما صدر منه صلى الله عليه وسلم، ينقلها للناس كما ينقل الآيات التي مُدح فيها!.
فيقرأ على الناس قول الله جل وعلا له صلى الله عليه وسلم: ﴿ وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ ﴾ [القلم: 4]، ويقرأ عليهم قوله تعالى: ﴿ مُحَمَّدٌ رَسُولُ الله وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَينَهُم تَرَاهُم رُكَّعًا سُجَّدًا يَبتَغُونَ فَضلاً مِنَ الله وَرِضوَانًا ﴾ [الفتح: 29]، كما يقرأ الآيات التي فيها اللوم والعتاب، سواء بسواء.
إذًا يجزم كل موحِّد يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله؛ بأن النبي صلى الله عليه وسلم قد بلَّغ القرآن الكريم بألفاظه بلاغًا تامًّا لا ريب فيه.
ثانيًا: بلاغ المعاني:
كان النبي صلى الله عليه وسلم شديد الحرص على البلاغ اللفظي للقرآن الكريم، لكنه – صلى الله عليه وسلم – لم يكتف ببلاغ ألفاظه ولكن بلغهم معانيه أيضاً.
إن تبليغه صلى الله عليه وسلم لمعاني كتاب الله تعالى هي بنص كتاب الله تعالى جزء من مهمته في البلاغ، فمن مهمة الرسول صلى الله عليه وسلم ومسئوليته أن يبلِّغ الناس ألفاظ القرآن ومعانيه.
فبعد أن قال تعالى: ﴿ لَا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ * إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ ﴾ [القيامة: 16، 17]، وهذا هو البلاغ اللفظي كما سبق، قال سبحانه: ﴿ ثُمَّ إِنَّ عَلَينَا بَيَانَهُ ﴾ [القيامة: 19]، أي: علينا أن نبين لك لفظه ومعناه.
وبعد أن قال تعالى: ﴿ رَسُولاً مِن أَنفُسِهِم يَتلُو عَلَيهِم آيَاتِهِ ﴾ [آل عمران: 164]، قال: ﴿ وَيُزَكِّيهِم ﴾، والتزكية تعني أن الرسول صلى الله عليه وسلم يربي أصحابه على القرآن الكريم، بحيث يتحوَّل القرآن من مجرد كتاب مكتوب ومقروء إلى واقع حياة عملية، تتحقق على ظهر الأرض.
حتى قال بعضهم: “إن أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم، كان الواحد منهم كأنه قرآن يمشي على الأرض”، وهذا التعبير ليس بعيدًا، فإن عائشة رضي الله عنها لما سئلت عن خلق الرسول صلى الله عليه وسلم، قالت للسائل -كما في مسلم وغيره-: “أتقرأ القرآن؟”، قال: “نعم”، قالت: “فإن خلق نبي الله صلى الله عليه وسلم كان القرآن.
فهذا معنى قوله تعالى: ﴿ وَيُزَكِّيهِم ﴾ أي: يربيهم ويزكيهم بالعقائد الصحيحة، والأخلاق الفاضلة، والسلوك الحسن، ويعدُّهم للدور العالمي الذي ينتظرهم لقيادة البشرية.
ولذلك قال أبو عبد الرحمن الجهني: حدَّثنا من كان يقرئنا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، أنهم كانوا يقترئون من رسول الله صلى الله عليه وسلم عشر آيات، فلا يأخذون في العشر الأخرى حتى يعلموا ما في هذه من العلم والعمل، قالوا: فعلمنا العلم والعمل.
فمهمة الرسول صلى الله عليه وسلم البلاغ اللفظي والمعنوي، وقد قام بمهمة البلاغ بشقيها خير قيام، عليه الصلاة والسلام.[9]
منهج الرسول صلى الله عليه وسلم في التفسير
لم يكن الرسول صلى الله عليه وسلم يطنب في تفسير الآية أو يخرج إلى ما لا فائدة في معرفته ولا ثمرة في إدراكه، فكان جل تفسيره بياناً لمجمل، أو توضيحاً لمشكل، أو تخصيصاً لعام، أو تقييداً لمطلق، أو بياناً لمعنى لفظ أو متعلقه.
وقد أوجز ذلك القرطبي رحمه الله في تفسيره، فقال: ” البيان منه صلى الله عليه وسلم على ضربين: بيان لمجمل في الكتاب كبيانه للصلوات الخمس في مواقيتها وسجودها وركوعها وسائر أحكامها … وبيان آخر وهو زيادة على حكم الكتاب كتحريم نكاح المرأة على عمتها وخالتها.
ويفهم من هذا أنه صلى الله عليه وسلم اقتصر على بيان المعاني الضرورية التي لا تحتمل التأخير، أو التي لا سبيل إلى معرفتها إلا عن طريقه، وترك ما سوى ذلك للأمة ليعملوا عقولهم في التدبر والتفكر[10].
أوجه بيان السنة للقرآن:
والسنة مع القرآن على ثلاثة أوجه ; أحدها: أن تكون موافقة له من كل وجه ; فيكون توارد القرآن والسنة على الحكم الواحد من باب توارد الأدلة وتظافرها. الثاني: أن تكون بيانا لما أريد بالقرآن وتفسيرا له. الثالث: أن تكون موجبة لحكم سكت القرآن عن إيجابه أو محرمة لما سكت عن تحريمه، ولا تخرج عن هذه الأقسام، فلا تعارض القرآن بوجه ما، فما كان منها زائدا على القرآن فهو تشريع مبتدأ من النبي صلى الله عليه وسلم: تجب طاعته فيه، ولا تحل معصيته، وليس هذا تقديما لها على كتاب الله، بل امتثال لما أمر الله به من طاعة رسوله، ولو كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يطاع في هذا القسم لم يكن لطاعته معنى، وسقطت طاعته المختصة به، وإنه إذا لم تجب طاعته إلا فيما وافق القرآن لا فيما زاد عليه لم يكن له طاعة خاصة تختص به، وقد قال الله تعالى: ﴿ مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ ﴾[11].
وقد أوضح العلماء أوجه السنة مع القرآن:
النوع الأول: أن تأتي مؤكدة لآيات من القرآن الكريم، ومثاله أحاديث وجوب الصلاة والزكاة والصوم والحج، كقوله صلى الله عليه وسلم في حديث ابن عمر رضي الله عنهما: (بني الإسلام على خمس شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة والحج وصوم رمضان) رواه البخاري، فهذا الحديث مؤكد لقوله تعالى في شأن الصلاة والزكاة: ﴿ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ ﴾ [البقرة: 83]، ولقوله تعالى في شأن الصوم: ﴿ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ﴾ [البقرة: 183]، ولقوله تعالى في شأن الحج: ﴿ وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ ﴾ [آل عمران: 97].
النوع الثاني: أن تأتي مبينة لكتاب الله، قال سبحانه: ﴿ وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ ﴾ [النحل: 44]، وبيان السنة للقرآن يتمثل في عدة جوانب، منها:
1- بيان مجمله: فقد جاءت كثير من أحكام القرآن العملية مجملة، فبينت السنة إجمالها، ومن ذلك أن الله أمر بأداء الصلاة من غير بيان لأوقاتها وأركانها وركعاتها وغير ذلك، فبينت السنة كل ذلك بفعل رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتعليمه لأصحابه كيفيتها، وأمره لهم بأدائها كما أداها، فقال صلى الله عليه وسلم: (صلوا كما رأيتموني أصلي) رواه البخاري، وفرض الله الزكاة من غير بيان لمقاديرها وأوقاتها وأنصبتها، وما يزكَّى وما لا يزكَّى، فجاءت السنة ببيان كل ذلك وتفصيله، وشرع الله الحج من غير أن يبين مناسكه، فبين صلى الله عليه وسلم بقوله وفعله تلك المناسك وقال في حجة الوداع: (لتأخذوا عني مناسككم) رواه مسلم، وكذلك بين صلى الله عليه وسلم أحكام الصوم مما لم ينص عليه في الكتاب، وأحكام الطهارة والذبائح والصيد والأنكحة، وأحكام البيوع والجنايات والحدود، وغير ذلك مما وقع مجملاً في القرآن وفصله النبي صلى الله عليه وسلم.
2- تخصيص عامه: فقد وردت في القرآن أحكام عامة جاءت السنة بتخصيصها، ومن ذلك قوله تعالى: ﴿ يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ ﴾ [النساء: 11]، فهذه الآية عامة في كل أصل موروث، فخصص صلى الله عليه وسلم ذلك بغير الأنبياء فقال عليه الصلاة والسلام: (لا نوْرَثُ ما تركنا صدقة) رواه البخاري.
3- تقييد مطلقه: فقد ورد في القرآن آيات مطلقه جاءت السنة بتقييدها، ومن ذلك قوله تعالى: ﴿ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ ﴾ [النساء: 11]، فأمرت الآية بإخراج الوصية من مال الميت ولم تحدد مقدارها، فجاءت السنة مقيدة للوصية بالثلث.
4- توضيح المشكل: فقد أشكل فهم بعض الآيات على الصحابة، فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يوضح لهم ما أشكل عليهم، ومن ذلك ما رواه البخاري عن عبد الله ابن مسعود رضي الله عنه أنه قال: لما نزلت هذه الآية ﴿ الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ ﴾ [الأنعام: 82]، شق ذلك على أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، وقالوا: أينا لم يلبس إيمانه بظلم ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إنه ليس بذاك، ألا تسمعون إلى قول لقمان: ﴿ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ ﴾) [لقمان: 13]، ففهم الصحابة رضوان الله عليهم أن المراد بالظلم في الآية عموم الظلم، فيدخل في ذلك ظلم الإنسان نفسه بتقصيره في بعض الحقوق، فأزال صلى الله عليه وسلم هذا الإشكال بأن الظلم ليس على عمومه، وإنما المقصود منه أعظم أنواع الظلم الذي هو الشرك بالله عز وجل.
وهذان النوعان السنة المؤكدة والسنة المبينة لم يخالف فيهما أحد من أهل العلم.
النوع الثالث: أن تأتي السنة بأحكام زائدة على ما في القرآن، فتوجب أمراً سكت القرآن عن إيجابه، أو تحرم أمراً سكت القرآن عن تحريمه، ومن أمثلة هذا النوع الأحاديث التي تحرم الجمع بين المرأة وعمتها والمرأة وخالتها، وتحريم الحمر الأهلية، وكل ذي ناب من السباع، وغير ذلك.
وهذا النوع وإن كان زائداً على ما في القرآن إلا أنه تشريع من رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو مما يجب طاعته فيه ولا تحل معصيته امتثالاً لما أمر الله به من طاعة رسوله، قال تعالى: ﴿ مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ وَمَنْ تَوَلَّى فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا ﴾ [النساء: 80].[12]
أنواع التفسير النبوي للقرآن
والسنة مبيّنة للقرآن، وشارحة له، وهي على ثلاثة أنواع: قول النبي صلى الله عليه وسلم، وفعله، وإقراره، وكلّ ما أفهمَ بيانَ مرادِ اللهِ عز وجلّ من ذلك بنصّ صريح فهو تفسير نبويّ للقرآن.
1- التفسير القولي:
• قول النبي صلى الله عليه وسلم في تفسير قول الله تعالى: ﴿ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا ﴾ [الإسراء: 78] قال: «تشهده ملائكة الليل وملائكة النهار» رواه الترمذي.
• عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «قيل لبني إسرائيل: ﴿ وَادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّدًا وَقُولُوا حِطَّةٌ نَغْفِرْ لَكُمْ خَطَايَاكُمْ ﴾ [البقرة: 58] فبدلوا، فدخلوا الباب يزحفون على أستاههم، وقالوا: حبة في شعرة» رواه البخاري ومسلم.
2- التفسير العملي:
• منها: تفسير النبي صلى الله عليه وسلم لمعنى إقامة الصلاة المأمور بها في قول الله تعالى: ﴿ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ ﴾ وقوله: ﴿ أَقِمِ الصَّلَاةَ ﴾ بأدائه للصلاة أداءً بيّن فيه أركانها وواجباتها وشروطها وآدابها، وقال لأصحابه: «صلّوا كما رأيتموني أصلّي» رواه البخاري من حديث مالك بن الحويرث رضي الله عنه.
• ومنها: تفسيره صلى الله عليه وسلم لمعنى إتمام الحجّ المأمور به في قوله تعالى: ﴿ وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ ﴾ [البقرة: 196] بأدائه لمناسك الحج على الوجه الذي رضيه الله تعالى، وأمر أصحابه أن يأخذوا عنه مناسكهم.
• وكذلك كثير من العبادات والمعاملات التي ورد الأمر بها في القرآن فإنّ هدي النبي صلى الله عليه وسلم تفسير عملي لمراد الله تعالى بها.
3- التفسير بالإقرار:
• إقرار النبي صلى الله عليه وسلم لعمر لما نزل قول الله تعالى: ﴿ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ ﴾ [هود: 114] في شأن رجلٍ أذنب ذنباً.
فقال الرجل: يا رسول الله، أهي في خاصة، أو في الناس عامة؟ فقال عمر: (لا، ولا نعمة عين لك، بل هي للناس عامة). فضحك النبي صلى الله عليه وسلم وقال: «صدق عمر».
• وإقراره لعمرو بن العاص لما تيمم من الجنابة في شدة البرد؛ كما في مسند الإمام أحمد وسنن أبي داوود من حديث عمران بن أبي أويس عن عبد الرحمن بن جبير المصري، عن عمرو بن العاص قال: احتلمت في ليلة باردة في غزوة ذات السلاسل؛ فأشفقت إن اغتسلت أن أهلك فتيممت، ثم صليت بأصحابي الصبح فذكروا ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فقال: «يا عمرو صليت بأصحابك وأنت جنب؟» فأخبرته بالذي منعني من الاغتسال وقلت: إني سمعت الله يقول: ﴿ وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا ﴾ [الفاتحة: 29] فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يقل شيئا.
ختامًا:
مما ينبغي أن يُعلم أن تفسير النبي صلى الله عليه وسلم له خصائص امتاز بها عن غيره من التفاسير:
• فإن تفسير النبي صلى الله عليه وسلم للقرآن واجب القبول بالشروط المعتبرة لقبول الحديث وهي صحة الإسناد، وسلامة الحديث من الشذوذ والعلة القادحة. فإذا صحّ التفسير عن النبي صلى الله عليه وسلم لم يجز لأحد مخالفته.
• أنه تفسير معصوم من الخطأ ابتداء أو إقراراً؛ فكلّ ما صحّ عن النبي صلى الله عليه وسلم في تفسير القرآن فهو حجّة لا خطأ فيه.
والنبي صلى الله عليه وسلم قد يجتهد في التفسير كما يجتهد في سائر الأحكام لكنه معصوم من أن يُقرّ على خطأ في بيان ما أنزل الله إليه.
المصادر:
• حجية خبر الآحاد في العقائد والأحكام – ربيع المدخلي.
• جامع بيان العلم وفضله – ابن عبد البر.
• تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان – ا لسعدي.
• التفسير و المفسرون – محمد حسين الذهبي.
• الجامع لأحكام القرآن للقرطبي.
• مناهل العرفان – الزرقاني.
• التفسير النبوي للقرآن الكريم – د. سلمان العودة.
• بحوث في أصول التفسير و مناهجه – د. فهد الرومي.
• إعلام الموقعين عن رب العالمين – ابن قيم الجوزية.
• الشبكة الإسلامية.
________________________________________
[1] صحيح الجامع _ الألباني 2643.
[2] حجية خبر الآحاد في العقائد والأحكام – ربيع المدخلي ص11.
[3] “جامع بيان العلم وفضله” ص 1189.
[4] في تفسيره “التحرير والتنوير”.
[5] تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان للسعدي.
[6] التفسير و المفسرون – محمد حسين الذهبي – ج1/ص 28 بتصرف.
[7] الجامع لأحكام القرآن للقرطبي: 1 /39.
[8] مناهل العرفان – الزرقاني: 1 /299.
[9] التفسير النبوي للقرآن الكريم – د. سلمان العودة – ص 26.
[10] بحوث في أصول التفسير و مناهجه – د. فهد الرومي.
[11] إعلام الموقعين عن رب العالمين – ابن قيم الجوزية – ض 221.
[12] الشبكة الإسلامية.