مقالات

رئيس اتحاد الوطن العربي الدولي  يتحدث عن ميزان الإعتدال

رئيس اتحاد الوطن العربي الدولي  يتحدث عن ميزان الإعتدال
بقلم \ المفكر العربى الدكتورخالد محمود عبد القوي  عبد اللطيف
مؤسس ورئيس اتحاد الوطن العربي الدولي
رئيس الإتحاد العالمي للعلماء والباحثين
مما لاشك فيه أن من فضل الله، علينا أن يودع فينا نعمة العقل، وما أعظمها من نعمة! خاصة إن هي وُظِّفَت بالشكل اللائق لحضارة الكيان الإنساني عبر ربوع التواصل الاجتماعي؛ بُغْيَة تحقيق ذاك التكافل السوي، والتراحم العطر، بأحلى شذى سيرة كانت لنا على الأرض، سيرة الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم.
لذلك كان على ابن آدم أن يجعل من لُبِّ تفكيره ما يحقِّق له نَسَقًا حياتيًّا متوازنًا، وهدفًا أُخْرَوِيًّا ناجحًا وَفْق أبعاد السعي والاجتهاد؛ لإدراك الفَهم الصحيح للدين الإسلامي الحنيف.
وعليه؛ كان لزامًا على المسلم أن يعيَ ثقافة الأخذ والرد مع الناس بما يوافق ذكاء فطرته، وسلامة سريرته، في أنه يطمح في مرضاة الله أولاً، ومن ثَم تحقيق ما استطاع من كسب وُدِّ الناس، من منطلق أن الإنسان كيان اجتماعي؛ لأن هذا الكسب هو مكسب على شاكلة أُلفة وتراحم وتبادل للخيرات على كل أشكاله، وآخرها الكلمة الطيبة، التي تُوزَن بارتسام ابتسامة الرضا.
ولي في قول عمرو بن براقة الهمداني تكملة لكلامي:
مَتَى تَجْمَعِ القَلْبَ الذَّكِيَّ وَصَارِمًا
وَأَنْفًا أَبِيًّا تَجْتَنِبْكَ المظَالِمُ
وَكُنْتُ إذَا قَوْمٌ غَزَوْنِي غَزَوْتُهُم
فَهَلْ أنَا فِي ذَا آلَ هَمْدَانَ ظَالِمُ
إنها سلامة العقل وطهارة القلب، في توفير أكبر مساحة من الحماية لحرمة الجسد والكيان والدين، ولا يتحقق ذلك إلا بتقسيم الإقبال على أصناف فئات الأهل والمجتمع، بحسب مراتب القربة والأخوة والصداقة.
وإني أطرق بالتفكير كثيرًا حينما يكون الإسراف والميل لأحد الأطراف دون سواها، لهو إجحاف في حق من الحقوق، خاصة إن كان الطرف الثاني ذا أولوية ومكانة عند الله أولاً، ومن ثم عند الضمير الإنساني، كأن يعامل الزوج زوجته بإفراط في الاهتمام على حسب الواجب المقدَّس مع الأم مثلاً، أو الأب، ولو أني أميل كثيرًا لأحقية الأم؛ لأنها الأكثر تعبًا وصبرًا وتحمُّلاً واحتمالاً لأشكال مضاربات الحياة، فإن تحظ الزوجة بالسؤال والرعاية والمال الوفير وكماليات العيش الرغيد في حين تنتظر الأم على مشارف البيت سؤالاً أو اهتمامًا، بالمثل تبقى في صبر وتغاضٍ عن ذلك؛ لأنها ترى في راحة ابنها أفضل وأهم من راحتها، في حين لا يلتمس الابن ملامة لنفسه عن التقصير ضانًّا بل معتقدًا كمال الاعتقاد أنه ليس لديه وقت، وأن مشاغل أسرته أخذت جُلَّ الاهتمام، لكن أرى في ذلك تقصيرًا مقصودًا، بل تجريحًا لشعور الأم الصبور، فهي من أردتك رجلاً لتحظى بالسعادة الزوجية، ومنها كل الدعاء لكي يحفظك الله ويصونك، فهل يفطن الأبناء لمثل هذا التقصير منهم لاستدراج مراتب الوقت والأحقية على قائمة الأولوية؟ ثم ليكن الذكاء من كل ابن في تقسيم عطائه بما يكفل رضًا وقبولاً من الاثنتين: الزوجة والأم، دون تغليب واحدة على الأخرى، على الرغم أن مسألة الوالدين لا نقاش فيها على الإطلاق بتَعداد التضحيات منهما.
ومن زاوية الأخوة وصلة الأرحام، فكثير من يفضّل واجب الزيارة وتفقُّد الأحوال للأصدقاء، أولاً قبل صلة الرحم القريبة من الهرم العائلي، سواء أكانت قرابة من الدرجة الثانية أو الثالثة أو الرابعة، فالبدء مفروضٌ لذوي القرابة أولاً، سواء أكان في أداء معروف أم في أي مظهر من مظاهر صلة الرحم، فمن المفروض أولاً بأول وثانياً بثانٍ..
فإذا ما زمان السوء مال بركنه
علينا عدلْنَاه بإحسان ثابتِ
كريم يفوت الناس مَجدًا وسُؤْدُدًا
وليس الذي نرجوه منه بفائتِ
فالاعتدال في الإنفاق وفي العطاء يكون بميزان متوازن من القلب والعقل معًا، مثلما وصف في ذلك ابن عرفة:
حسبي بقلبك شاهدًا لي في الهوى
والقلب أعدل شاهد يُستشَهَد
وما لفت شفقتي في أداء الواجب تلك العجوز الكبيرة، حينما لا تحظى بالوقار والأخذ بيدها لتمشي مسافة برٍّ مع حفيدها أو حفيدتها، لا لشيء سوى لأنها كبيرة، وليست الفائدة فيها كثيرة، ولكن من قال: إن هذا الظن صحيح؟ فكل البركة في هرَم تلك العجوز الرائعة بسكنات التجاعيد على وجهها، ولكنها نور على نور، وهي مع السبحة في تهليل وتكبير، فلمَ تضيع أيها الشاب وأيتها الشابة دعاء الخير بأبسط لقطة فعل منك؟ قد تكون في جلستِكِ مع جدّتكِ وأنت تناولينها أكلاً أو مشروبًا أو تفرشين لها سجادة للصلاة، وتطلبين منها أن تدعو لكِ فور انتهائها من صلاتها، وكوني في انتظار عند التسليم لترفعي أنت السجادة من الأرض بكل احترام منكِ؛ لتَحْظَيْ بكثير من الرضا والخير، أوَ يبدو هذا البر صعبًا؟ أم هل يبدو لك أيها الشاب وأيتها الشابة أن في ذلك مضيعة لوقتك؟ بالعكس إنها تجارة لوقت فيما يرضي الله عز وجل، فتفرغوا لأعمال البر لتجدوا في كبركم من يحظى بكم في رعاية بين الأحضان وعلى الأكتاف، يا الله على روعة الاعتدال حينما يوزن بميزان التبصُّر والحكمة والإدراك الجيد لفوائد السلوك الحسن، وخاصةً أعمالَ البر، والروعة كل الروعة حينما تكون بين الحفيدة وجدَّتها.
وللجار حق من الكرم والسؤال، فلا تسأل في نفسك حاجة أن يكون سلوك جارك مثل سلوكك، فكثيرون من يشتكون سوء الكلام والعشرة من الجيران، ولكن بمنظور الالتزام الصحيح، لا تنتظر وأنت تحسن إلى جارك أن يحسن لك مثلما فعلتَ معه، بل تغاضَ عن سلوكه مصداقًا لقول الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم: ((مِنْ جَهْدِ البلاء جار سوء معك في دار مُقامة، إن رأى حسنة دفنها، وإن رأى سيئة أذاعها وأفشاها)).
ولذلك قابِلِ السيئة بالحسنة تَمْحُها، وتَعَامَلْ مع الناس بإنصاف وحق وعدل، فسترى الوجود جميلاً، يسير على نحو التيسير في قضاء حاجاتك، ولو شهدتم لأحد تفوقًا أو نجاحًا أو سعادةً في حياته فثقوا أن ذاك المتألق إنما حَظِيَ بوافر الدعاء والرضا من والديه وأجداده وجيرانه وعشيرته، إنها مكارم الأخلاق تصدح في سماء الجمال صوتًا وصورة لروعة الدين الإسلامي وشموليته لفضل السلوك المتوازن.
إنها الحضارة، إنه الرقي، إنها الحظوة الكبرى في النجاح دنيا وآخرة، فقط اجعل من ميزان الاعتدال كفتي اختيار وتخيير على نسق الأولوية والأهمية كما جاء في ترتيب الكتاب والسُّنة، تَلْقَ الطموح قد تحقق، وأحسِنِ الظن بالله ترسم خطواتك إلى الجنة على نسق السلف الصالح.
.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى