أزمة فيلم ” الست ” .

بقلم / محمد دنيا
في الحقيقة، هذه الأزمة هي أزمة فنية في التناول، وليس هناك أي مكيدة من هذا أو ذاك. أم كلثوم محبوبة في كل المنطقة، ويحبون فنها بطريقة عميقة جدًا، وأي ادعاء بأن الفيلم مكيدة أو محاولة لإنهاء صورة “كوكب الشرق” في أذهان الجماهير هو ادعاء خاطئ وفي غير محله.
الأزمة حدثت بسبب كيفية تقديم الفيلم أو بالأحرى صناعتهُ. أولًا، صناع فيلم “الست” ما زالوا شبابًا، وربما لم يتمكن فن أم كلثوم من الوصول إلى وجدانهم بالكامل. لذلك تعاملوا معها وكأنها شخصية تاريخية وليست شخصية وجدانية أثرت في وجدان الجميع. أم كلثوم لم ولن تكن مجرد شخصية تاريخية عبرت الزمن، بل هي شخصية تعيش في الوجدان؛ بمجرد أن تسمع أغانيها تلاصق وجدانك مباشرةً، وكأنها لا زالت بيننا ولن ينطوي بها التاريخ.
إذن، من هنا كانت الأزمة؟ صناع الفيلم تعاملوا معها على أنها شخصية تاريخية فقط، وحاولوا تجسيدها من الماضي، وهنا كان الخطأ. كان يجب أن يصنعوا الشخصية من وجدان الجماهير ، ومن هذا المنطلق كان سيُكتب للفيلم النجاح. الجهة التي أنتجت الفيلم قصدها صناعة أم كلثوم للأذهان، لكن من ارتكب الخطأ هم الصُناع. كان يجب التروي وعدم الاستعجال حتى يخلقوا شخصية أم كلثوم الموجودة في وجدان الجماهير أولًا.
هنا نسأل الكاتب: كيف خلقت هذه الشخصية التي صنعت الأزمة؟ كيف جئتُ بالأحداث التي صنعت كل هذا التضاد والتصارع، بدلًا من صناعة حالة من الحب والعودة إلى دروب الماضي؟ الكاتب أحمد مراد يميل إلى المعالجات السريعة وغير المنطقية التي تلفت الانتباه وتثير الفزع. ربما تم اختيارهُ لهذا العمل بسبب شهرتهُ بين الشباب، وربما هذا من حق شركة الإنتاج لضمان الانتشار والتوزيع، ولكن هذه الشهرة وحدها لا تكفل نجاح فيلم مثل هذا.
أما المخرج مروان حامد، فهو من نفس مدرسة الكاتب أحمد مراد، ويعتبر مخرجًا تقنيًا وليس وجدانيًا، ومن هنا صُوّرت الشخصية بشكل تاريخي بحت ومعالجة سريعة وشكل تقني براق وليس وجداني. كان بإمكان مروان حامد إخراج هذا العمل بشكل أفضل بعد عشر سنوات من الآن، وأنصحهُ نصيحة أخ لأخيهِ: عليك أن تفعل كما فعل والدك الكاتب الكبير وحيد حامد، إلتحم مع المجتمع، وأبتعد عن الروايات المصطنعة بالاستذكاء الأدبي وليس الأدب الحقيقي واعتقد أنت تفهم ما أقصدهُ جيداً . اقترب أكثر من المجتمع وخذ هدنة مؤقتة، وعليك أن تعلم أن تقنية الصورة وحدها لن تصنع التاريخ. التاريخ سيأتي عندما تلمس الناس وتصنع أعمالًا تعبر عنهم. تجربة “الست” ستمضي رغم الجميع، المهم هو ما هو قادم.
أما الذين يأخذون النقد بعيدًا عن التقييم الفني لدخول منطقة إشاعة الفتن بين جهة الإنتاج والجماهير، فهؤلاء ليسوا أهلًا للفهم الحقيقي. نحن أمام عمل فني، والنقد يجب أن يكون فنيًا فقط. هذا ليس قرارًا سياسيًا أو تعبئةً للحرب، إنه فيلم لا أكثر ولا أقل. كفانا انفعالات زائفة وادعاء المثالية، فالفن له نقد فني لا أكثر ولا أقل.
العلاقة بين الشعب المصري والشعب السعودي
بالنسبة للعلاقة بين الشعب المصري والشعب السعودي، فهي علاقة وطيدة ومتأصلة وتصل إلى حد الجسد الواحد. أي محاولة، أو مجرد تلميحات، أو إساءة لهذا الترابط بين الشعبين، فهي ركض في العراء ولن تأتي ثمارها. البلدين بينهما روابط لن يقدر أحد على إزالتها مهما حدث، ومهما صنع من براهين كاذبة أو مصطلحات فاتنة.
مصر والسعودية، على الصعيد الحكومي، بينهما تعامل على أعلى المستويات. مصر بلد كبير وعظيم، والسعودية بلد كبير وعظيم أيضًا. فلنتوقف عن هذا الهُراء. ليس من العقل أن يحاول فئة من الناس صناعة الفتن بين الشعبين من وقت لآخر، ويكون السبب عمل فني أو فنان أو ما شابه ذلك.
الفن له نقده الخاص به، والمحبة والود والتجانس والأخوة والجسد الواحد بين البلدين له كل تقديس واحترام. فلنفرق بين هذا وذاك من فضلكم.
ختامًا
حفظ الله الجمهورية المصرية وشعبها، وحفظ الله المملكة السعودية وشعبها، وأنعم الله علينا جميعًا بالتقدم والنمو والازدهار والمحبة الخلاقة.




