كتب د.عبد الرحيم ريحان
وافقت اللجنة الدائمة للآثار الإسلامية والقبطية في جلستها بتاريخ 8 نوفمبر الحالى على إقامة الأفراح وعقود القران داخل كلًا من قصر الأمير طاز والتكية المولوية على أن تكون الفعاليات تحت إشراف المنطقة الأثرية
تقع التكية بشارع السيوفية خلف قسم الخليفة وهى نموذج لتماذج الثقافات فهي المكان شبه الوحيد في مصر الذي امتزج فيه المذهب السني بالشيعي
ومن هذا المنطلق توجهت حملة الدفاع عن الحضارة المصرية برئاسة الدكتور عبد الرحيم ريحان إلى أكثر الشخصيات العلمية المرتبطة بالتكية المولوية لمعرفة رأيه وهو الدكتور حجاجي إبراهيم محمد أستاذ متفرغ بآداب طنطا، رئيس قسم الآثار بكلية الآداب جامعة طنطا الأسبق، عميد معهد السياحة والفندقة بالغردقة السابق، الحاصل على وسام فارس من الدرجة الأولي بدرجة ” الفارس الأعظم” من رئيس جمهورية إيطاليا، هو من قام بتسجيل التكية فى عداد الآثار الإسلامية والقبطية وترأس الجانب المصرى فى ترميم التكية، بصفته وكيل المركز المصرى الإيطالي للترميم والآثار، وقد كلف بالإشراف الأثري على كافة أعمال البعثة الإيطالية بالتكية المولوية
وأكد الدكتور حجاجي إبراهيم محمد رفضه استخدام قاعة للذكر كقاعة أفراح لتنافيه مع وظيفتها كقاعة للذكر لها دورها الروحانى الفلسفي، فهى طريق الروح والتصوف، وأن كل شيء بالوجود يسبح لله ويدور حول المركز في حركة دائرية، حيث نجد أن القاعة الأساسية أو المسرح به 12 عمودًا على أسماء الأئمة الاثنى عشر عند الشيعة وبها رقم ثمانية دلالة على أبواب الجنة الثمانية وحملة العرش الثمانية، وتقع القاعة فوق حمام السيدات الذي يستخدم الماء الساخن دلالة على أن عرش الرحمن فوق الماء وصالة فوق الماء، وقبة الساحة مزينة برسوم وصور جميلة لعصافير وطيور دلالة على فناء جسد الدرويش وتحليق روحه في الفضاء بعد انطلاقها، وشجر السرر يرمز للخلود ورائحته العطرة تغطي على رائحة جثث الموتى، والصبار بالمقابر على عادة المصريين من آلاف السنين كرمز للخضرة والحياة والبعث ومقاومة الفناء، وأعلى المسرح توجد لوحات خطية أشهرها “يا حضرت مولانا قدس سره” كتبها الخطاط التركي الشهير “عزيز رفاعي” الذي جلبه الملك فؤاد
ويوضح الدكتور حجاجى إبراهيم أنه اختلف مع وزير الثقافة الأسبق الفنان فاروق حسني وكانت الآثار تتبع الثقافة حين أراد توظيف التكية المولوية مثل قصر المانسترلي وهذا لا يليق بقاعة للذكر
وعن أهمية التكية ومكانتها الدينية يوضح الدكتور حجاجي إبراهيم المسؤول عن التكية منذ أن كان مفتشًا للآثار 1977 أن مؤسس التكية مولانا “جلال الدين الرومى”، أما منشىء الأثر فهو “الأمير سنقر السعدي” أحد أمراء دولة الناصر محمد بن قلاوون وقد أنشأه عام 721 هـ، 1321م وبنى لنفسه ضريحًا كي يُدفن فيه، كما بنى ضريحًا آخر للعالم الصوفي “سيدي حسن صدقة” ويشاء القدر أن يقوم أحد أتباع “سنقر” ويُدعى “قيسون” بالوشاية به لدى السلطان الناصر محمد بن قلاوون فيطرده من مصر إلى طرابلس بالشام ويموت هناك، أما “سيدي حسن صدقة” فكان بمثابة الشقيق الروحي في التصوف للقطب الصوفي الكبير سيدي “أحمد البدوي” وضريحه في طنطا بوسط الدلتا، واعتاد الأثريون أن يطلقوا مسمى “مشهد” على مدافن آل البيت، و “ضريح” على مدافن الصوفية و”مدفن” على مدافن الناس العاديين، وعائلة “سيدي حسن صدقة” تعود جذورها لنابلس بفلسطين، وأقامت بين القاهرة و “شبشير” و “تلا” و “المحلة”
ألحق سنقر السعدي بالضريح مدرسة وملجأ للأرامل والمطلقات والعجائز ولأن ثقافتنا المتوراثة كانت ضد إلحاقهن بالملاجىء تعطلت وظيفتها هذه لقرون، فقلب “سنقر” وظيفتها من ملجأ إلى مدرسة، وظلت المدرسة مستخدمة حتى حضرت “طائفة المولوية” إلى مصر، وهم الدراويش أتباع مولانا جلال الدين الرومي، فاستوطنوا بالمكان وأقاموا احتفالاتهم به وهي احتفالات بحركات دائرية ذات رموز فلسفية خاصة
ومن الجدير بالذكر أن مولانا جلال الدين الرومي كان فقيهًا عاديًا حتى التقى بالصوفي “شمس تبريزي” فعلمه طريق الروح والتصوف وأخبره أن كل شيء بالوجود يسبح لله ويدور حول المركز في حركة دائرية، من هنا احتفلت الطريقة المولوية بهذا التعبير الجسدي الدائري وأدخلت رموزها الخاصة، فالطربوش فوق رأس الدرويش هو عنوان على “شاهد القبر” فوق الجسد الفاني ويسمى “القاووق” والجبة هي “التابوت” واللون الأبيض دلالة على الكفن بلونه الأبيض، وعندما يرفع الدرويش يده لأعلى عند الأداء الحركى فمعناه أنه يتلقى الهبات من السماء وعندما يهبط بها لأسفل يعني أنه يقدم العطايا للناس…
وينوه الدكتور حجاجى إبراهيم إلى أن المولوية طريقة مشهورة في تركيا إلى اليوم وقد حضرت إلى مصر أكثر من مرة لتقديم حفلاتها، وقد طور المصريون كعادتهم الطريقة وقلّدوها كما فعل “أولاد أبو الغيط” و “فرقة التنورة” وقد خلّف جلال الدين الرومي مؤلفات كثيرة أشهرها “المثنوى” المطبوع في 6 مجلدات بتحقيق الدكتور شتا.
وشهدت التكية أول مؤتمر للموسيقى العربية في مصر عام 1932 وقد جمعت اسطواناته من المرحوم عبد العزيز عناني بناءً على توصية الموسيقار الراحل عبد الحميد توفيق زكي، وظلت المولوية بالتكية حتى قامت الثورة عام 1952 فطردوا منها
ولم يكن المكان مسجلًا كأثر وتم تسجيله واختارته المستشارة الثقافية الإيطالية ” كارلا ماريا بورى” لترميمه واختارت المرمم ” فان خوري” واختارت مفتش الآثار المرافق لأعمال الترميم رئيس الجانب المصرى الدكتور حجاجى إبراهيم منذ عام 1977 وبالفعل نجح المكان في تخريج دفعات عديدة من المرممين، وظل يقوم بدور وظيفي كدار مسنين حتى سنة 1984 وتحول إلى مركز للآثار الإيطالية وبعثاتها في مصر، وبين الحين والآخر يشهد حفلات روحية لفرقة المولوية التركية