لم أشعر يومًا بانتمائي لهذا الجيل… لأني ابحث عن القيمة التي تكمن في الجمال ذاته

كتبت: سارة هليل
لم أشعر يومًا بانتمائي لهذا الجيل… لا كرهًا فيه، ولا نفورًا منه، ولكن لأنني دائمًا ما كنت أبحث عن شيء مختلف. شيء أعمق من كل ما يحيط بي. شيء لا يُرى بالعين، بل يُحَسّ بالقلب ويُفهم بالعقل.
لم أكن أبحث عن “الجمال” كمجرد مصطلح لغوي يُشير إلى التناسق أو الأناقة أو الإبهار البصري، بل عن الجمال كقيمة… كنبض يُلامس الوجدان، كفكرة تتجسد في لحظة صمت، أو لمسة صدق، أو موقف أخلاقي بسيط لا يراه الآخرون جديرًا بالاهتمام.
تقول الفيلسوفة الألمانية حنة آرنت:”الجمال ليس شيئًا في ذاته، بل هو ما يبدو جميلاً بالنسبة لنا، وفقًا لإحساسنا نحن.”
هكذا فهمت أن الجمال نسبي، وأن قيمته لا تكمن في المظهر، بل في ما يمنحنا من إدراك وفهم لذواتنا.
ولهذا، تعلّقت دومًا بـ”البساطة”… لا بوصفها ضعفًا أو سذاجة، بل بوصفها قناة داخلية تقودني لاكتشاف نفسي بصدق وعمق.
لكن هذا البحث الدائم عن المعنى جعلني أقف في تساؤل دائم أمام ما يفعله جيلي…
كلما تأملت، شعرت أن معايير الجمال لديهم أصبحت مرتبطة بما هو سطحي، عابر، وتحت حكم الآخرين، لا بما ينبع من الذات.
هل ما يفعله هذا الجيل نابع من وعي خاص؟
أم أنه شكلٌ من أشكال التيه الفكري والانقياد اللاواعي؟
يقال إنهم مأسورون بثقافة “الترند” و”السوشيال ميديا”، وبالبحث المحموم عن الإعجاب الرقمي…
لكن هل يمكن لعقل سليم أن يفرض عليه ما يتعارض مع فطرته الإنسانية؟
وإن كانت الإجابة “نعم”… فهل بقي من إنسانيته شيء؟ وهل لا زال يحق لنا أن نُصنّفه ضمن البشر؟
ربما أنا من أولئك الذين يعيشون في صراع دائم بين ما “يجب أن يكون” وبين ما هو واقع فعلي يُعاد تكراره يومًا بعد يوم، من قبل طبقات وأعمار شتى.
أشياء كثيرة أراها تُهين العقل الإنساني وتُشعل في داخلي أسئلة لا تنتهي: كيف يجدون السعادة في تلك الترهات؟ كيف يستمتعون بإيذاء الآخرين؟ كيف يمكنهم العيش دون تفكير، ودون وعي، ودون أن يسألوا أنفسهم:”لماذا أفعل ما أفعل؟”
يؤلمني هذا الانحدار… ويؤلمني أكثر حين يُبرَّر باسم “الحرية” أو يُقدَّم كنمط “حياة غربي متطور” وصلنا عبر ما يسمونه الإنترنت.
لكن ما يُعزيني هو أن طرح السؤال نفسه هو بداية وعي… بداية رفض… بداية طريق نحو الذات.
أود توضيح أن حديثي لا يشمل الجميع، ولا أعمّم…
هناك من هذا الجيل من ما زالت أرواحهم حيّة، وقلوبهم نقية، وعقولهم تفكّر وتقاوم، وأؤمن أنهم النور القليل الذي لا يزال يشتعل في زوايا هذا العالم الضبابي.
لكن حديثي موجّه إلى الأغلبية…
تلك التي غلب عليها السطح، ونسيت الجوهر.
جيل في كثير من مظاهره، يفتقر إلى التثقيف، إلى شغف المعرفة، إلى لذّة القراءة التي تصقل الوعي وتنبت الفكر.
جيل فقد الجمال الخُلقي… لا ذاك الذي نراه، بل ذاك الذي يُشعر: في الكلمة الطيبة، في احترام الآخر، في الرحمة، في التواضع، وفي الحياء الذي كان يومًا عنوانًا للسمو لا للرجعية.
أنتم لستم أرقام متابعين، ولا مشاهدات مؤقتة…
أنتم أعمق من ذلك بكثير.
في كل واحد منكم بذرة جمال حقيقي، لا ذاك الذي يُباع ويُشترى على الشاشات، بل الجمال الذي يُخلق من الداخل، من الفكرة الصادقة، من النية الطيبة، من الرغبة في أن تكونوا “أنتم” لا ما يريده العالم منكم.
تأملوا قليلاً، واصغوا لصمتكم.
اسألوا أنفسكم:”هل هذا يشبهني؟ هل يُرضي روحي؟ هل أنا على طريقي أم على طريق الآخرين؟”
لا تتبعوا “الترند” فقط لأنه شائع، ولا تعتقدوا أن التقليد طريق للقبول.
الحياة أعمق، وأنتم قادرون أن تمنحوها لونًا مختلفًا، لونًا لا يصنعه السوق، بل تصنعه قلوبكم.
كونوا أنتم، حتى وإن بدا الطريق غريبًا… فالغربة الحقيقية هي أن نعيش بعقول مُعارة وقلوب مغلقة.