منوعات

الورم والمبضع … ووطن يتجدد لا يتبدد

كتب  د.ميرغنى معتصم

☆ طبول الحرب  يتناوب على قرعها فرقاء البلاد

☆ مشكلة العقل السياسي بالسودان نتاجها أزمات

☆ السلطة تأكل أبناءها ما دامت تتغذي على العنف

☆ البرهان وحميدتي خليفتا البشير يتصارعان على ماذا؟
***

تبقى الدولة المدنية بناء سياسي إداري رصين، لكن من هو المؤهل والأصلح لاستيعاب نظريات البناء ؟ ..ومن هو الأصلح لإجراء التطبيقات ؟ .. ومن يملك القدرة والخبرة المستمدة من التجربة والدراية لقيادة وإدارة الدولة؟

… فقط أتساءل: ماذا عن دولتنا الحالية التي أفرزتها مرحلة ما بعد ” الأباشرة” ؟ .. هل تمكن رموزها من بناء هيكليتها الإدارية والسياسية بموجب خبرات الدول المتقدمة ؟ مرت سنوات والدولة المدنية الجديدة لم تبدأ بعد ، لماذا ؟.

.. لا يمكن اعتبار ما جرى بعد سقوط البشير، هو تجربة سياسية ناجحة ، بل الذي جرى هو مجرد تدافع وصراع على السلطة بين أفراد، .. حركات مسلحة، وأحزاب هلامية ، ونتيجة لذلك لا مكان لتطبيقات بناء الدولة .

من البديهي أن من يصلح لبناء ثم قيادة الدولة، هم المفكرون السياسيون الحكماء وليس الدخلاء ، فالمفكرون السياسيون الحكماء يملكون القدرة على التنظير وكذلك التنفيذ ،أما الدخلاء فإنهم سيعيثون فسادا وتخريبا سيشعلون الحرائق، كما يحدث الٱن، سيبددون موارد الدولة ، سوف يتحول كل شيء إلى رماد ، ستتحول السلطة إلى دمية يتصارع حولها زمرة من الصغار والجهلة .

نحن لا ننكر وجود البعض من السياسيين والمفكرين والحكماء في واقعنا السياسي الحالي، لكنهم بلا تأثير ،فهنالك ثمة عوامل ضاغطة لا تسمح لهم برسم ملامح الدولة ثم قيادة زمام أمورها ، هنالك دخلاء وطارئون ” أميون ” يتحصنون داخل أروقة السلطة, التي لا يمكن أن نعتبرها دولة.

.. وهاهم يتراشقون بالتصريحات والبيانات الجوفاء ، .. وكل فريق يجأر بين أعمدة الدخان ويصرخ : ” أكلتم تمري وعصيتم أمري ، .. فلن نزيدكم إلا نيرانا”.

… إن طبول الحرب التي يتناوب على قرعها كل الفرقاء في البلاد، تنذر بوقوع قيامة لا هوادة فيها، .. وتحديداً إذا أخذت شكلها الجهوي, .. القبلي، .. والعنصري المقيت !!!….”

“… ان إضفاء البعد السياسي على قداسة الوطن، هو محاولة أخرى لافراغ هويته من محتواها ، وجرها إلى دائرة الصراع السياسي الضيق ، والذي من شانه ان يشوه الصورة الحقيقية لهوية التراب ، ويقزم من رسالته ودواعي تقديسه …

… كم من الدماء أريقت؟ .. كم هي الأرواح التي أزهقت؟ .. من أجل من؟ .. هل من أجل المصلحة العامة؟… كلا بل من أجل نزوة عابرة يطمح فرد مستبد لتلبيتها. فرد لا يمكنه التخلي عن نزعة التسلط، ومعنى ذلك أن هناك نظرية واقعية ومنطقية، عندما لا يبرز حكام عادلون يستحقون منزلة قيادة المجتمع وإدارة شؤون الدولة، إنما يوجد حكام ظالمون يعبثون بمصير البلاد والعباد. كما يمكننا القول لا يوجد حكام أكفاء يملكون القدرة على تطبيع الأوضاع، وتجسيد العدل دستوريا، بل يوجد حكام قاصرون يفتقرون إلى التجربة، .. الخبرة السياسية، .. والحزم تجاه المواقف الصعبة، .. فيشعلونها حربا !!! …

… تبقى مشكلة العقل السياسي السوداني أنه نتاج أزمات، تبرمج على المماحكات السياسية وإجادة فن المماطلة في التفاوض، ..وعده الصراع وجوب التغلب على الآخر. وهو لا يقرأ ما يكتبه دهاقنة الخبراء ،ولا استعان يوما بعقلاء البلاد وحكماء القوم، من غير المتعاطفين مع هذا على حساب ذاك …

… فلتضع الحرب أوزارها ، .. ولن نقبل الخطأ عندئذ، .. وقد يعترض البعض على أن ذلك غير ممكن “عمليا” لأننا بصدد “أمزجة” مختلفة لبشر مختلفين، فأقول : إن بيني وبين أي شخص في العالم، ثمة قواسم مشتركة يمكن البناء عليها، فكيف لا يمكن مو أن نجد مشتركاتنا للبناء عليها؟ …

… نعم ، .. هناك من يستميت لاسترجاع الماضي في ظروف بائسة، وبقصد تبرير الحاضر أو سياسة ما. الأمر هو خيانة للذات وللوطن، وإرباك للحاضر، وادخال عناصر اضافية في وضعية مأزومة أصلاً.

السؤال الحق هو: ماذا نفعل اليوم؟ .. ماذا نفعل لحياتنا؟ ما هو الواقع… هنا والآن؟

كان يمكن لجميع الأفكار، .. والمرويات الوطنية الاجتماعية، .. والمظالم التاريخية، أن تأخذ طريقها إلى تداول وطني وعقلاني، لو كنا نمتلك دولة، ولو واصلنا بناء دولة بمواصفات آلة، وبمواصفات مرجع ودليل سياسي على استقلالنا الوطني، ونمونا المستقل. .. دولة تنظم وتضع القياسات وتدمج ما بين تطلعات الإثنيات والمصالح الكلية للشعب الموحد، .. لكن أين هي هذه الدولة؟

“أيها المحتربون، .. إن السلطة مهما تكرست فيها أسباب القوة وعبر كل أضابير الأنظمة التي تتابعت عبر تأريخ البشرية، لايمكن أن تستوي وتعيش على حساب إرادة من تتولى أمورهم.

وان السلطة ستأكل أبناءها ما دام أداؤها يغذي مسلسل العنف، .. الاقتتال الداخلي، .. والتصفيات الجسدية، تحت أي باب أو شعار، .. ٱيدولوجية، .. أو فلسفة…. ولكي لا ندفن حلم الدولة، وهو لا يزال نطفة، دون أن نهيئ له مراسيم وداع يستحقها بجدارة، عقب معادلة الورم والمبضع…

.. وحتى نرد كيد المتربصين، ونحرمهم من متعة التشفي بشعبنا، والتندر على مكتسباتنا.

.. وحتى نرتقي إلى مستوى طموحات شعبنا ووطننا.

.. وحتى لا نكرر تاريخنا مرتين، ..كمأساة ولت مرة، ومرة أخرى كملهاة!

.. وحتى لا ندفع الثمن مرتين..

.. علينا أن ندرك بوعي عميق،.. أن الخطر المحدق بوطننا لا يفرق بين طرف وآخر..، ولا يوفر أحداً.

كل ذلك، علينا أن نصحو… كي لا نتسمم بالزمن ، ونلعق مفردات الذاكرة، . فقادة هذا العبث بالبلاد والعباد ، قرود عمياء في سفينة !!! …

… كل أطراف هذه الحرب الماثلة، لها مصلحة في أن تشن حرباً أو تدافع، وتختلف الغاية من طرف لآخر. ولا يوجد طرف من الأطراف يخوض الحرب عبثاً، أونتيجة الملل، وكنوع من الترفيه، فيصغي لمن يقول له : “أوقف الحرب العبثية”، ليوقفها بكبسة زر. كأنها معركة في لعبة إلكترونية !!!

… ترى، .. لو لم يسقط البشير، لما فعل شيئاً أفضل ممّا فعله هذا البرهان، في متاهة السودان الحالية.

لم يبق على “الزعيم” الجديد، سوى أن يعيد رفع العصا في الوجوه، يرقص و”يعرض” من جديد، أسوة بسلفه.

وأتساءل، .. فقط أتساءل، ما هو بالضبط هذا النمط الجديد من الثورات، الذي ينتهي بنا إلى مصائر كهذه؟

لماذا لم تعد المقدمات المنطقية لهذا النمط من الثورات، تؤدي إلى النتائج العقلانية، التي تنتظرها الشعوب منها؟.

هل يحدث ذلكَ لأنَ “الثورة” لم تعُد ثورة، بل ديكوراً ملحقا بالأنظمة الحاكمة، و “الشعوب” لم تعد شعوباً، بل قطيعاً من الاتباعِ الراكعينَ لسطوة السلطة والثروة؟

هل يحدث ذلك لغياب “دالة” محددة لأهداف التشكيل الاقتصادي/ الاجتماعي القائم، معرفته لما يريده من عملية التغيير، معرفةَ أكيدة؟؟

أم يحدث ذلك لغيابِ الوعي الجامعِ للطبقات الثورية، ولتداخل الخطابات والوسائل اللازمة لتحقيق الانتقال لوضعٍ أفضل، .. بحيث اختلطت “المادية الديالكتيكيّة”، و “تناقضات” أنماط الإنتاج، وعلاقات الإنتاج، باستبداد “الزعماء” الثوريين، وانتهازية المنظرين، وطروحات “المجاهدين”، و”السرديات” المثيرةِ للأتباع الموالين، وبنادق الكلاشنكوف، وحد السيف، وأحكام الإقصاء للمارقين و”الخوارج”، وأحجار الرجم لـ “الزناة” بالعقائد السائدة.. كلها معاً؟.

… لست أدري، .. ولست مؤهلاً للإجابة عن أسئلة كهذه !!!

مقالات ذات صلة

‫39 تعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى