مقالات

د فايزة صقر تحدثنا عن الهوية المصرية عبر العصور

سمات الهوية المصرية عبر العصور

يعرف الباحثون رأس المال National Intellectual Capital مجموع الموارد غير الملموسة التي يمتلكها أفراد الأمة ومؤسساتها والتي تسهم اسهاما إيجابيا في تقديمها. ويتفق الباحثون على أن رأس المال الفكري لأمة ما يتكون من اربعة مكونات .

رأس المال الإنساني Human Capital

رأس المال التسويقي Market Capital

رأس المال العملياتي Process Capital

ورأس المال التجديدي Renewed Capital

ويظهر رأس المال الإنساني أهم مكون من مكونات رأس المال الفكري القومي. ويرتكز هذا المكون على مفهوم “المواطن – الثروة” ليحل بذلك محل مفهوم “المواطن العبء” الذى يسود أدبيات الفكر الاقتصادي في الدول الأقل تقدما. فلتترك أي أمة في نهاية الأمر أدواتها الأكثر أهمية في سعيها لتحقيق أهدافها القومية. لذا يعرف الباحثون “رأس المال الإنساني” لأمة بأنه مجموع ما يحوزه أفراد هذه الأمة من معارف ومهارات. هذا بالإضافة إلى منظومة القيم التي تحكم أداءهم فعلى سبيل المثال تحتل قيم احترام العمل أيا كان نوعه والقدرة على الإنجاز وتقدير قيمة الوقت مكان الصدارة في منظومات قيم المجتمعات الأكثر تقدما.

يحتل رأس المال الفكري مكان الصدارة في منظومات قيم رأس المال في المجتمعات الأكثر تقدما. هذا وتلعب أفراد الأمة ومؤسساتها من منظومتي التعليم والتعلم دورا بالغ وتسهم إسهاما إيجابيا في تقدمها واثراء رأس المال الفكري.

الأرض والانتماء في مصر الفرعونية

• حرص المصري القديم على غرس مشاعر الانتماء وبناء الشخصية المصرية في نفوس افراد الشعب المصري منذ نعومة أظافرهم، وهناك أمثلة عديدة في النصوص والآثار المصرية نذكر منها على سبيل المثال:

• يوجد نص في معاهدة قادش التي تمت بين الملك المصري رعمسيس الثاني الأسرة 19 والملك الحيثى خاتوسيل الثالث على تبادل الأسرى بين الطرفين والحرص على عودة المواطن المصري، حتى لو أخذ أسيرفى المعركة.

• وعن الانتماء فقد اصطحب رعمسيس الثاني اثنين من أبنائه في معركة قادش.

• وتشير بردية هاريس الأولى إلى الملك رعمسيس الثالث بقوله: ” لقد جعلت مصر تنبض في قلوب طبقات كثيرة من الشباب” وهذا يدل على حرص الملك في غرس روح الانتماء وحب الوطن في الشباب المصري.

• وعلى جدران معبد هابو نقش: ولى العهد يوزع الأسلحة وكان يهتف ويرددون عليه “سوف ننتصر … سوف ننتصر”.

• وتشير بردية ويلبور: حق الانتفاع بالأرض للمعسكرين 3 – 5 أرورا مع ذكر أسماء نساء وأطفال (أسر الشهداء)

• وعن قصة سنوهى: الأسرة 12 (2000 ق.م) فقد ذهب في حملة مع ولى العهد سنوسرت الأول بعد وفاة الملك أمنمحات ثم هرب خوفا من بطش الملك إلى سوريا وعن حبه وحنينه لوطنه وانتمائه عندما بلغ من العمر ارذله فقد قال: “ربما تسمح لي أن أرى المكان الذي يسكن فيه قلبي وأن تدفن جثتي في الأرض التي ولدت فيها”.

• وتذكر بردية انستاسى 6: الشوق والحنين الي العودة الي مسقط الرأس منف: “إن قلبي قد ذهب خلسة يسبح منحدرا مع التيار ليرى منف”

• اصطحاب أبناء الأمراء في الحروب في فترة حكم الملك تحوتمس الثالث وقد ذكر ذلك أيضا في رسائل تل العمارنة عصر اخناتون.

• حرص المصري القديم على أن يسمى كل شعوب الأعداء (الأجانب) باسم خاسوت أي البلاد الدنيئة أو المجتمعات التي لم تتحضر او التي لا تعرف الألهة لذا أطلق علي الهكسوس حقا خاسوت.

• التسميات المصرية للأبناء: عرفتها مصر في فترات الضعف مثلما حدث في العصر الفارسي عصر الاحتلال تمسكا بالهوية المصرية

• نظرة الأجانب الذين عاشوا في مصر وتربوا فيها في عصر تحوتمس الثالث يتضح ولائهم وخضوعهم للحاكم المصري في رسائل تل العمارنة

• دور المرأة المصرية في اذكاء الروح القومية:

• – (ايزيس) صوِّرت إيزيس عادة على أنها المانحة والمعطاءة والأم والزوجة والحامية، والتي تضع مصالح الآخرين ورفاهيتهم قبل اهتماماتها. كانت تُعرف أيضًا باسم «السحر العظيم» لقوتها، و«أم الآلهة»، والعديد من الأسماء الأخرى اعتمادًا على الدور الذي كانت تؤديه آنذاك.

• ولا ننسى دور الملكات المصريات وخاصة (تتى شيرى – ايعح مس – احمس نفر تارى) في عصر الهكسوس وما قاموا به من أدوار مهمة في غرس مشاعر حب الجندية في الشعب لتحرير الوطن من الهكسوس وتشجيع الشباب المصري على الانخراط في الجندية وتوزيع الأنواط الذهبية وأوسمة الحرب على الجنود الاكفاء.

• احترام الأماكن المقدسة أثناء الحرب وأماكن العبادة التي تقام بها الشعائر الدينية للعدو.

• صور كفاح الجندي المصري – قصة سقنن رع الملك المصري والذي دافع عن أرض الوطن بكل شرف وشجاعة ضد الهكسوس وقتل في سبيل ذلك.

• دفن رأس الحربة مع المتوفى حيث لا يمكن للمرء أن يأمل في الانتقال إلى محكمة الآلهة وإصدار حكم “أوزوريس” عليه بدون دفن لائق مع ممتلكاته التي يفخر بها.

الدور السياسي للمرأة كجزء من الهوية المصرية:

كان للمرأة المصرية في التاريخ الفرعوني دور في شتى ميادين العمل المختلفة، وقد أثبتت قدراتها حتى بلغ التقدير العملي لها إلى درجة منحها عرش البلاد، حتى إنها تولت عرش البلاد في العهود القديمة، ومن أبرز النساء في العصر الفرعوني؛ (حتب) أم الملك خوفو، و(خنت) ابنة الملك منقرع، و(حتشبسوت) ابنة تحتمس الأول وزوجة الثاني، و(تي) زوجة امنحتب الثالث وغيرهن.

• أول امرأة تحكم مصر الفرعونية، بل أول امرأة تحكم في تاريخ العالم بأسره الملكة “مريت نيت” ملكة مصر الفرعونية من الأسرة المصرية الأولى ولدت ٢٩٠٠ قبل الميلاد، ويعنى اسمها “محبوبة نيت”، وهى ابنة الملك “جر” وزوجة الملك واجيت” وأم الملك “دن”.

تزوجت الملكة “ميريت نيت ” من الملك “جت ” الذى حكم مصر فترة زمنية قصيرة وتوفي فجأة ويقال إنه قتل. وفى ذلك الوقت كانت تمر مصر بظروف عصيبة لم تمر بها المملكة من قبل، ونظراً لتلك الظروف، تم تكليف الملكة الأم “ميريت نيت ” بحكم البلاد نيابة عن ابنها، الملك الطفل، الملك “دِن “. وتعد هذه الواقعة التاريخية من أوائل الحوادث في هذا السياق، وأعنى تولى الملكات الأمهات حكم البلاد نيابة ووصاية عن أبنائهن الصغار.

‫ واختلفت الآراء في شأن هذه الملكة، وفيما إذا كانت قد حكمت البلاد، أم أنها كانت مجرد زوجة للملك وذلك لصعوبة اعتلاء سيدة لعرش مصر في مثل هذا العصر الذى كان لا يتولى فيه الحكم سوى الرجال والذي يؤكد توليها حكم البلاد لوحة عثر عليها في إحدى مقابر أبيدوس نقِش عليها اسم الملكة “ميريت نيت” وحدها.‬‬‬‬

‫كما جاء ذكرها في حجر بالرمو الخاص بأسماء الملوك الذين حكموا مصر وذكرت في المصادر التاريخية أنها اعتلت العرش وحكمت حكمًا منفردًا وهذه ميزة تميزت بها الملكة “مريت نيت ” عن سائر ملكات التاريخ.‬‬‬‬

وهذا يدل على عظمة الشخصية المصرية ومدى تحررها وانفتاحها والسماح للملكات بأن يعتلين عرش مصر العظيمة مثلهن مثل الرجال في هذا الأمر، الذي يرتبط بتقاليد مصر المقدسة في حكم أرض الإله المباركة.

وكانت الملكة “ميريت نيت ” امرأة قوية ذات طموح للسلطة فلم تمكن أحد من شئون الحكم وقامت هى بالوصاية على العرش برغم صعوبة الأصول والتقاليد الدينية المقيدة للحكم في ذلك الوقت ، وأن الحاكم هو حورس الذكر على أرض، فكان هذا اللقب “الحورى” هو أول الألقاب الملكية الذى اتخذه ملوك مصر منذ عصر مؤسس الأسرة الملك ” نعرمر”، وما أن مكنت “مريت ـ نيت” لابنها “دن” الحكم حتى انسحبت من المشهد السياسي كملكة مشاركة في الحكم بل وصاحبة القرار فيه، إلى دور الملكة الأم التي تقوى حكم ابنها وتقف خلفه بالمشورة والنصيحة وبالمشاركة في الرأي إن تطلب الأمر ، أحبها الشعب المصري، وكان يلقبها “المحبوبة” .

تميز عهدها بوضع أسس الحكم الملكي المقدس الذي اتبعه ملوك مصر فيما بعد، وحظي ابنها الملك “دن” بأم قوية تقدم له الدعم وتحافظ له على العرش، وبذلك أصبح الملك “دن ” من أسعد الملوك الذين حظوا بدعم أم قادرة قوية ذكية قامت على تربيته وتنشئته تنشئة تليق بالملوك وبمن سيحكم مصر، فكبر وأصبح أحد أهم ملوك العصر الفرعوني القديم. لم يذكر التاريخ قط أي زوجة ملك أو أم ملك أخرى في هذه الفترة مثلما ذكرت الملكة “مريت نيت” على قائمة ملكية، وهو ما يوضح مكانة “مريت ـ نيت”، كملكة حاكمة وليست مجرد زوجة ملك أو أم ملك.

• المعبودة سشات هي معبودة الكتابة ودور الكتب الوثائق ترافق جحوتي معبود العلم والمعرفة في بعض مهامه، صورت علي هيئة امرأة رشيقة ترتدي جلد النمر وعلي راسها عود تنبثق منه سبع وريقات قد يحتضنها من أعلي قرنان مقلوبان وتمسك بأحدي يديها قلما وبالأخرى محبرة أو جريدة نخل مقسمة بعدد السنوات لتسجل عليها عدد سنوات حكم الملك اللانهائية لأنها كانت تحمل ايضا رمز رقم 1000 وهو فرخ الضفدع الذي يشير الي الابدية eternity and infinity.

ظهرت ايضا في تسجيل هدايا وضرائب الشعوب الاجنبية وكذلك في تخطيط وعمارة المعابد وكان من القابها “ذات القرون السبعة”(سفخت عبو). سش معناها يكتب او كاتب

“فلسفة الابدية عند المصري القديم هي ابداع مصري ابقي مصر خالدة حتى يومنا” هذا ما ذكره: اندريه مالرو كاتب فرنسي

• الأسرة الرابعة: خنت كاوس حملت لقب يدل على الحكم ḥmt nswt أنها صاحبة دور مهم في انتقال السلطة سلميًا بين الأسرتين الرابعة والخامسة.

• الأسرة السادسة: نيت اقرت (نيتوكريس) زوجة نثر كارع والذى اغتيل على أيدى بعض المتآمرين النبلاء فأرادت الانتقام من قاتلي زوجها فدعت النبلاء المتآمرين للاحتفال بوضع حجر أساس أحد المعابد ودعتهم إلى قبو وأغلقت الأبواب وتركت المياه تتسرب لتغرقهم جميعا – وخشيت انتقام الشعب فحبست نفسها في حجرة مملوءة بدخان فحم الأخشاب.

• الأسرة 12: سوبك نفرو حكمت بصفتها ملكة بعد وفاة أخيها أمنمحات الرابع. هي آخر ملوك الأسرة الثانية عشر، وحكمت مصر قرابة أربع سنوات من 1806 حتى 1802 قبل الميلاد. معنى اسمها هو «جمال سوبك”.

• الأسرة 18: غنمت آمون أو حتشبسوت أي خليلة آمون المفضلة على السيدات، أو خليلة آمون درة الأميرات. أبرز الملكات اللاتي حكمن مصر، وأقواهن نفوذًا؛ فقد كان حكمها نقطة بارزة ليس في تاريخ الأسرة الثامنة عشرة فحسب، بل وفي تاريخ مصر القديم كله.

• الأسرة 19: الملكة تاوسرِت كانت آخر ملكة تحكم مصر من أسرة محلية وآخر فراعنة الأسرة التاسعة عشر. التي حكمت مصر لسبع سنوات، إلا أن هذا الرقم تضمن ما قارب الست سنوات التي كانت فترة حكم سي بتاح، السابق لها. ولذلك ففترة حكمها المستقل زادت عن السنة الواحدة بقليل من (1191 إلى 119. ق.م.). اوضحت الحفائر بقوة ان معبدها أُكمل وفُعل خلال حكمها وأن تاوسرت بدأت حكمها في العامِ التاسعِ وهذا يعنى إنها حكمت لمدة اثنين وتقريباً ثلاثة أعوام من الحكم المستقل، اتخذت الاسم الملكي، سـِت رع مري آمون وتعني «ابنة رع، محبوبة أمون”.

• نفرتارى (جميلة الجميلات) هي واحدة من أكثر الملكات المصرية شهرة مثل نفرتيتي وحتشبسوت. زين رمسيس الثاني مقبرة نفرتاري، وهي الأكبر والأبرز في وادي الملكات، ان منظر نفرتاري وهي تلعب لعبة السنت “الشطرنج” مع نفسها هي رمزية للتجدد والتمتع بالأبدية فهي تفوز علي نفسها أي تجدد نفسها بنفسها اي تتجدد الحياة بالفوز، كذلك اهداء زهور “اللوتس” هي رمز اخر للتجدد والخلود وهي سمة من سمات الشخصية المصرية.

• نفرتيتى والتي يعنى اسمها «الجميلة أتت» هي زوجة الملك أمنحوتب الرابع (الذي أصبح لاحقاً أخناتون) فرعون الأسرة الثامنة عشر الشهير، وحماة توت عنخ آمون. وكانت تعد من أقوى النساء في مصر القديمة. عاشت فترة قصيرة بعد وفاة زوجها، وساعدت توت عنخ أمون على تولي المُلك، وكانت لهذه الملكة الجميلة منزلة رفيعة أثناء حكم زوجها. هي تنتمي للأسرة الثامنة عشرة، وعاشت في القرن الرابع عشر قبل الميلاد.

 دور المجتمع الأبوي في تكوين الشخصية المصرية:

 هو المجتمع الذي يملك فيه الأب أو الكبير بشكل عام المال والسلطة والقرار والحكمة والمعرفة ، في حين يكون الأبناء أو التابعين بشكل عام تابعين متلقين لا يتحركون ولا يفعلون شيئا إلا من خلال الأب الذى يعرف كل شيء ويفكر بالنيابة عنهم فهو أكثر منهم خبرة ومعرفة بالحياة وأدرى بما يصلحهم ، وهم لذلك يسلمون له إرادتهم . وفى هذا المجتمع نرى إعلاء لقيم الطاعة والإتباع والتسليم للكبار، ونرى خوفا من الاستقلال والإرادة الشخصية والإبداع والتجديد فما هو قائم أفضل بكثير مما يمكن أن يكون لأنه ينتمى إلى جيل الكبار وليس في الإمكان أبدع مما كان ، وما فعله الأولون هو الحكمة بعينها التي يجب السير على منوالها ، أما المحدثون فقد لوثتهم الأفكار والمذاهب فلا يوثق في رأيهم ولا يطمأن إلى فعلهم.

وفى المجتمع الأبوي يصبح الزمن الماضي هو أفضل الأزمنة وتسود فكرة الزمن الجميل ، ويقدس كل قديم ويحقر كل حديث، ويصبح التراث بما يحويه من ثمين وغث قانونا يحكم الحياة المعاصرة ويسقط عامل الزمان وعامل المكان وعامل الظروف المتغيرة ، وتصبح كل الكتب القديمة مقدسة وتفسيراتها أيضا مقدسة والممارسات القائمة عليها مقدسة، والأشخاص المتصلين بها مقدسون ، وللمجتمع الأبوي جذور عميقة في الحياة المصرية ربما رسخ له الكهنة في مصر القديمة ليضمنوا ولاء الناس للفرعون ولهم . ثم توالت الرسالات السماوية اليهودية والنصرانية والإسلامية والتي تحمل في جوهرها فكرة التوحيد لله والعبودية له وحده دون سواه والتحرر من أي عبودية للبشر وتحرير العقل من أغلاله ، إلا أن أهواء ومصالح رجال الدين المتحالفين مع السلطة رسخت فكرة القداسة والأبوية والطاعة المطلقة لبعض البشر كآباء أو كهنة أو حكام بأمر الله فترسخت مبادئ المجتمع الأبوي الذى يلغى الأفكار والعقول والإبداع والتطور لحساب الطاعة والانقياد والتسليم لبشر يملك ويحكم ويفكر ويخطط بوكالة وتفويض من الله على حد زعمه أو زعم من يقدسونه وقد تأخذ فكرة المجتمع الأبوي معنى الاحترام والتبجيل للكبار عموما وللآباء على وجه الخصوص (وهم بالفعل جديرين بالاحترام جزاء ما قدموه لأبنائهم)، ولكننا هنا نتكلم على مستوى يقوم على تقديس الكبير والقديم وتحقير الصغير والحديث ، وهذا يجعل الحياة تتجمد أو تتقهقر، ويجعل الناس يهاجرون دوما إلى الماضي وينسون الحاضر والمستقبل، ويجعل العبودية لغير الله ، ويرسخ لفكرة الاستبداد والطغيان سواء من الحكام أو من رجال الدين ، ويصم الحرية والاستقلال والمساواة ، وكلها أمراض استشرت في المجتمع المصري على مدار التاريخ وأفرزت الكثير من سلبياته وأفقدته مميزات أتاحها الله له من رزق وفير وطبيعة حية معطاءة وجميلة وهادئة ، ونهر من أجمل وأروع أنهار الدنيا وسماء صافية وعقولا ذكية وساعد على ترسيخ المجتمع الأبوي وجود النهر الذى شكل ما يسميه علماء الاجتماع بالمجتمع النهري أو المائي أو الهيدروليكي ، ذلك المجتمع الذى يحتاج إلى سلطة مركزية تدير النهر وتتحكم في مياهه إذا فاضت أو غاضت ، وهذا الأمر لا يستطيع الأفراد وحدهم القيام به نظرا لضخامته ، وهذا أعطى للسلطة المركزية قوة وسلطانا يختلف بكثير عما يحدث في المجتمعات الرعوية التي تعيش على ماء المطر وما ينبت من عشب، فهذا لا يستدعى قوة مركزية منظمة ، فكل قبيلة تعيش في منطقة وتنتظر المطر من السماء ولا توجد ضرورة لأنظمة مركزية كبيرة باستثناء سلطة شيخ القبيلة الذى ينظم علاقات أفرادها 6 وفكرة المجتمع الأبوي على المستوى السياسي والاجتماعي ترسخ لحكم الفرد لأنها تعطى الحاكم كل حقوق ومميزات الأب في حين تضع الشعب كله في موضع الأبناء القصر الذين يحتاجون الرعاية الحاكم ووصايته وتوجيهه ، وهم بدونه لا يعلمون شيئا ولا يهتدون ، ولولا وجوده وحكمته وتدبيره لضاعوا وأضاعوا كل شيء ، وهذا يدعم فكرة أبدية الحاكم – كما هي أبدية الأب – فالحاكم كلما استمر في الحكم زادت قيمته وقدسيته وأصبحت حياة الرعية أمرا مفزعا بدونه ، فهم تعودوا على السير ورائه واتباع خطواته والعمل برؤيته والاهتداء بحكمته، ثم إذا أفاقوا بحثوا عن حاكم (أب) آخر يتعلقون به إلى آخر العمر . وفي علم النفس تسمى هذه العلاقة ” علاقة والد بطفل “، وهى علاقة مشحونة بالوصاية والتحكم والنقد أو الرعاية من جانب الوالد من ناحية ، ومشحونة بالسلبية والاعتمادية ومشاعر متناقضة بين التعلق والرفض من جانب الطفل من ناحية أخرى . وهذا الوضع يختلف كثيرا عن العلاقة المقابلة في الدول الديموقراطية حيث تكون علاقة ” ناضج بناضج ” ، فكلا من الحاكم والمحكوم في حالة نضج وتعاون متبادل وتفاهم واضح و شفاف خال من الوصاية أو التحكم أو الاستخفاف.

الضعف والعطب الذى أصاب الشخصية المصرية

يشير الدكتور محمد المهدي في ورقته البحثية عن الشخصية المصرية يشير إلى سمات المنحدر وتعني سير الشخصية المصرية على منحدر في بعض من سماتها حيث يبدأ المنحدر في أعلاه بصفة إيجابية ثم يتدرج إلى أن يصل إلى صفة سلبية، وفيما يلى بعض الأمثلة:

۱ – من التسامح إلى التساهل إلى التسيب : الشخصية المصرية بطبيعتها الزراعية تميل إلى التسامح ، ففى البيئة الزراعية لا توجد حاجة للإنضباط الصارم فالأخطاء لاتؤدى لكوارث بل يمكن تلافي آثارها دائما . يضاف إلى ذلك الطبيعة الدينية للمصريين والتي تدعو غالبا إلى التسامح ، كما أن الإرتباطات الأسرية والإجتماعية القوية تشجع دائما على التسامح خاصة مع الأهل والأصدقاء والجيران وغيرهم. وفى ظروف معينة نجد هذه الصفة الإيجابية – وهى التسامح – تتحول تدريجيا إلى حالة من التساهل مع الآخرين فى ظروف العمل أو في الأخطاء التي يرتكبونها ، فهناك ميل دائما للعفو والتساهل ، وهذا الميل يصل في النهاية إلى حالة من التسيب تترك آثارا سيئة على الإنضباط والإلتزام المطلوب لنجاح أي عمل

۲ – من الكرم إلى الإسراف إلى البذخ إلى السفه ربما تكون وفرة الطعام في مراحل معينة من تاريخ المصريين قد خلقت لديهم صفة الكرم فالنهر بما يفيض به من خيرات يعطى حالة من الطمأنينة للناس تشجعهم على الإنفاق دون خوف . ورغم تغير الأحوال بالنسبة لجموع المصريين وحالة الشح التي يعيشها أغلبهم إلا أن صفة الكرم مازالت موجودة، وقد تتحول عند البعض إلى حالة من البذخ والسفه، فنجد أنه رغم الظروف الاقتصادية الصعبة ينفق الناس بسفه في الأفراح والحفلات، ويكلفون أنفسهم مالا يطيقون وربما يستدينون في سبيل الظهور بمظهر الأثرياء ، ويطلق المصريون على هذا أوصاف مثل : ” العنطزة ” … و الفشخرة ” ….. و ” الأنزحه ” ، ولديهم أمثلة شعبية دالة على ذلك مثل : ” الصيت ولا الغنى ” من بره هلا هلا ومن جوه يعلم الله

٣ – من المطاوعة إلى المسايرة إلى الخضوع المصري لا يميل إلى التصلب أو العناد، بل هو أقرب للمرونة والمطاوعة، وربما يؤكد هذه الصفات انتشار كلمة “ماشى” على السنة المصريين، وهى تعنى ميلهم الغالب للموافقة، حتى ولو كانت لديهم بعض التحفظات فهم دائما قادرون على التجاوز والتساهل والتنازل. وفي مجلس الشعب الذى يفترض فيه المناقشان والاعتراضات والتحفظات على قرارات الحكومة، إلا أننا نجد أن كلمة موافقة هي السائدة طول الوقت تقريبا على لسان رئيس المجلس) حتى أصبحت مثارا للعجب والتهكم في الصحف والمجلات (وأحيانا يقولها رئيس المجلس دون أن يدقق في عدد الموافقين والمعترضين، وكأنه يعلم أن عدم الموافقة غير وارد بالمرة. وصفة المرونة والمطاوعة كثيرا ما تتحول إلى حالة من المسايرة حيث يلغى الشخص خياراته لحساب الآخر خداعا (خذه على قد عقله)، أو تكيفا) اربط الحمار مطرح ما يعوز صاحبه) أو يأسا وضعفا (هو احنا ها نغير الكون) ما يقدر على القدرة إلا اللى خالقها ( أو سعيا نحو الراحة السلبية ) … (كبّر)… (نقض) …. (فوت) ….. ( طنش ) …. (عدّيها).

    وإذا زادت الضغوط خاصة إذا كانت تحمل بصمة سلطوية (فإن خيار الخضوع – لا المواجهة – يصبح أكثر احتمالا)، والخضوع هنا يلبس مسوح الحكمة أو تقدير الظروف، أو الحفاظ على لقمة العيش، أو تربية العيال. وأحيانا يلبس الخضوع رداء دينيا) يعضده علماء السلطة (يدعو إلى طاعة أولى الأمر وجعلها ردفا لطاعة الله وطاعة الرسول. وفى مرحلة تالية قد يتبنى الشخص المطيع أو المساير أو الخاضع خيارات المتحكم فيه ويقنع نفسه بوجاهتها وأهليتها للإتباع، وهذا ما يطلق عليه: ” التوحد مع المعتدى “، فنجد المصري يبرر آراء المستبدين به ويتبناها وربما يروج لها، ولا ينجو من هذا المصير غير أصحاب البصيرة القوية ومن لديهم القدرة على الفكر النقدي بعيدا عن الانزلاقات الدفاعية أو التحيزات الوجدانية.

الاستعمار البريطاني

استقرت بريطانيا في مصر حتى تحولت هذه إلى أكبر قاعدة حربية لها عبر البحار وثانية أكبر وحدات الامبراطورية بعد الهند. وخلال الحربين العالميتين تحولت مصر إلى أرض معركة رئيسية، بل ونقطة تحول حاسمة في مصيرهما ابتداء من سيناء والحملة التركية إلى العلمين وغزو المحور. وفي هذا كله لم تكن مصر مجرد قاعدة ارضية استراتيجية عظمي، وإنما قاعدة بشرية كبرى فالحقيقة أن بريطانيا استغلت كثافة السكان في مصر كمصدر القوة البشرية أثناء الحرب كما في وقت السلم، على غرار ما كانت تفعل فرنسا في الجزائر كبديل عن نقص القوة البشرية.

     ذكر جمال حمدان ان أبشع نموذج لذلك استغلال قوة العمال (أنفار السلطة) التي التزمتها بريطانيا قسرا من بين الفلاحين وأبناء مصر وحشدتها كالقطيع أثناء الحرب الأولى وسخرتها في آلة الحرب وجهاز الاحتلال تحت ظروف أسوأ من عصر السخرة والكرباج داخل القطر وخارجه، في سيناء وفلسطين والعراق وجزيرة مودروس ببحر إيجه بل وحتى فرنسا: وتختلف المصادر في تقدير حجم هذه القوة فهي في تقدير نحو ١٢٥ ألفا خدم ٢٣ ألفا منها في فرنسا . وفي تقدير آخر أن الجهاز الأساسي للسلطة Egyptian Labor Corps ، شحن في ١٥ – ١٩١٦ نحو ٨٥٠٠ رجل إلى العراق ، ١٠٥٠٠ إلى فرنسا . وابتداء من ۱۹۱۷ ارتفع طلب السلطة إلى ۱۷۰۰۰۰ رجل كل شهر ، ثم إلى ٢٦٠٠٠ في ١٩١٨ . وفي نهاية الحرب كان هناك ١٣٥ ألفا من المصريين يعملون في سوريا. بالإضافة إلى هذا فإن الجهاز الثانوي، Camel Transport Corps ، جند 170 ألف رجل بل لقد وصل الجود بتقديره لمجموع القوة العاملة المهاجرة حتى نهاية الحرب إلى رقم لا يكاد يصدق وهو ۱,۱۷۰,۰۰۰ شخص ، لم يتم التأكد من عوة بعضهم إلى الوطن . وعلى أية حال، فقد كانت الخسائر في الأرواح فادحة.

التغيرات في السمات الأصلية للشخصية المصرية

تميزت الشخصية المصرية على مر عصور طويلة بسمات كانت أقرب إلى الثبات ولذلك يعتبرها العلماء سمات أصيلة وذلك لتمييزها عن سمات فرعية أو ثانوية قابلة للتحريك مع الظروف الطارئة. فالمصري تميز بكونه: ذكيا متدينا طيبا فنانا ساخرا عاشقا للاستقرار) عزه عزت : التحولات في الشخصية المصرية، كتاب الهلال). وكان هذا يشكل الخريطة الأساسية للشخصية المصرية في وعى المصريين ووعى غيرهم، وقد أدى إلى الثبات النسبي لهذه السمات ارتباطها بعوامل جغرافية ومناخية مستقرة نسبيا

وقد حدثت تحولات نوعية في بعض السمات وتحولات نسبية في سمات أخرى، فمثلا استخدم البعض ذكاءه في الفهلوة, وتعددت صور التدين بعضها أصيل وبعضها غير ذلك، وقلت درجة الطيبة وحل محلها بعض الميول العنيفة أو العدوانية الظاهرة أو الخفية، وتأثر الجانب الفني في الشخصية تحت ضغط التلوث والعشوائيات ، وزادت حدة السخرية وأصبحت لاذعة قاسية أكثر من ذي قبل وأحيانا متحدية فجة جارحة ، أما عشق المصري للاستقرار فقد اهتز كثيرا بعدما أصبحت البيئة المصرية طاردة نحو الخارج بحيث أصبح حلم كثير من الشباب السفر إلى أي مكان لتحقيق أهدافه بعد أن أصبح متعذرا تحقيق الأمال والأحلام على أرض الوطن . نستطيع أن نرصد عددا من العوامل الرئيسة التي أدت إلى تلك التغيرات في السمات الأصلية للشخصية المصرية ومنها:

1 – معاهدة السلام مع إسرائيل وما تبعها من تغيرات سريعة ومفاجئة لكثير من المفاهيم حول إسرائيل كعدو أساسي والارتماء بعد ذلك في الحضن الأمريكي وما تبعه من تغيرات ثقافية واجتماعية بناء على التفاعل مع ثقافات غريبة تستقبلها الشخصية المصرية بمشاعر متناقضة وبشكل أسرع من طريقتها وطبيعتها في استيعاب وهضم وتمصير الثقافات الأخرى.

2 – الانفتاح الاقتصادي المنفلت وما تبعه من تنامى القيم الاستهلاكية، والرغبة في الثراء السريع دون جهد حقيقي ، وشيوع قيم الخفة والفهلوة وانتهاز الفرص

3 – السفر إلى بلاد الخليج وغيرها من الدول العربية، وما تبع ذلك من تغير الأنماط الاستهلاكية والثقافية والدينية تبعا للنموذج الخليجي، مما أدى إلى تعتعة استقرار النماذج القائمة والمستقرة منذ قرون لصالح النموذج السلفى من ناحية أو النموذج المستغرب من ناحية أخرى

4 – العولمة وما أدت إليه من فتح السماوات للقنوات الفضائية والإنترنت، وفتح الأسواق لكل ما هو جديد وفتح شهية المتلقي للمزيد من الجديد والغريب والمثير.

5 – قانون الطوارئ الذي امتد العمل به لمدة ٢٥ سنة بحيث أدى إلى شيوع حالة من القهر والخوف وانعدام الثقة بين السلطة والشعب. وأطلق يد السلطة الأمنية في كل صغيرة وكبيرة في حياة الناس) تعيينات الوظائف على كل المستويات والترقيات واختيار الوظائف القيادية والانتخابات والبعثات وكل شيء ) . وأطفأ النبض الحقيقي على المستويات السياسية والفكرية والدينية والاجتماعية وأتاح الفرصة لتغلغل الفساد المحتمي بالسلطة ووصول عناصر تفتقر إلى الكفاءة والضمير إلى مراكز عليا تحت سقف الطاعة والولاء. في نفس الوقت الذي ابتعدت فيه) أو استبعدت) العناصر الموهوبة والمتميزة عن مراكز التأثير والتوجيه.

أما بقية الناس فقد تحولوا إلى أغلبية صامتة تسعى إلى أن تحصل على لقمة عيشها وعيش أبنائها ولكى تتقى سطوة السلطة المطلقة تحت مظلة قانون الطوارئ لجأت إلى تعلم مهارات الفهلوة والتحايل والكذب والالتواء والتخفي والتنازل عن أشياء كان يعتز بها المصريون مثل الكرامة والضمير والصدق والشهامة، واستبدل كل هذا بحالة من الخنوع والخداع والنفاق والتحايل ومد اليد تسولا أو رشوة أو سرقة.

 الطبيعة والشخصية المصرية:

للطبيعة أثر كبير على الشخصية لدرجة أن علماء النفس والاجتماع استطاعوا أن يضعوا صفات مميزة لسكان المناطق الريفية تميزهم عن سكان سواحل البحار، وتميز هؤلاء وهؤلاء عن سكان الجبال والصحارى.

يقول جوستاف لوبون في كتابه ” الحضارة المصرية القديمة ” إذا كان المصري قد شعر بالسأم من سهوله الوضاءة المشرقة، فإنه قد جهل الآلام المفزعة والتي تنشأ على شواطئ البحار الموحشة وفى خلال الشفق الأحمر تحت السماء المتقلبة الغادرة.

فإذا نظرنا إلى الطبيعة المصرية وجدنا النيل يتمايل في هدوء بين جنبات الوادي السهل المنبسط ووجدنا سجادة من الخضرة الجميلة والمريحة منبسطة على ضفتيه تدعو للراحة والاسترخاء، وخرير المياه في القنوات والترع، وأنين السواقي وهى تروى عطش الأرض، ووفرة الغذاء الناتج عن الأرض الخصبة المعطاءة، والسماء الصافية معظم فصول السنة، والشمس المشرقة على مدار العام، والمناخ المعتدل صيفا و شتاء والذى يخلو من التقلبات الحادة والعنيفة والمهددة. هذه هي الطبيعة التقليدية التي عاش فيها المصري على ضفتي النيل وتركت بصماتها على شخصيته في صورة ميل إلى الوداعة والطمأنينة والهدوء وطول البال والدعابة والمرح والتفاؤل والوسطية وحب الحياة. هذه السمات لا ندركها بوضوح إلا إذا قارناها بسمات من يعيشون في بيئات مهددة مليئة بالعواصف والنوات على سواحل البحار والمحيطات الهائجة، أو من يعيشون في بيئة صحراوية أو جبلية شديدة القسوة والفقر والجفاف، أو من يعيشون في غابات مليئة بالحيوانات المفترسة يتوقعون الخطر في كل لحظة، أو من يعيشون في القطبين تحت العواصف الثلجية ويلبسون ثيابا ثقيلة تحد من حركتهم وتلقائيتهم وتخنقهم تحت ثقلها.

وإذا كانت الطبيعة السمحة البسيطة المعطاءة قد أعطت صفاتا إيجابية فإن لها أيضا جانبا سلبيا حيث منحت المصري شعورا زائدا بالطمأنينة والسكينة وصل به في بعض الأحيان إلى حالة من الكسل والتواكل والسلبية والتسليم للأمر الواقع والميل إلى الاستقرار الذي يصل أحيانا إلى حالة من الجمود. فالشخصية المصرية مثل الطبيعة المصرية لاتتغير بسهولة ولا تتغير بسرعة، بل تميل إلى الاستقرار والوداعة والمهادنة وتثبيت الوضع القائم كلما أمكن والتصادق معه وقبوله. وهذه الصفات قد خدمت إلى حد كبير كل من حكموا مصر على مدار التاريخ حيث كان ميل المصري للوداعة والطمأنينة والاستقرار يفوق ميله للثورة والتغيير ، وربما يكمن هذا العامل وراء الحالة المزمنة من الحكم الاستبدادي على مدار التاريخ المصري ، فقد كان الحاكم يبدأ بسيطا متواضعا ثم بطول المدة واستقرار الأوضاع تتمدد ذاته على أرض الوادي الخصيب وسط أناس طيبين مسالمين وادعين ، وشيئا فشيئا تتوحش هذه الذات الحاكمة وتحكم قبضتها على رقاب الشعب ، والحاكم يعرف دائما أن الشعب المصري لا يميل إلى الثورة خاصة في أشكالها العنيفة . فخلو الطبيعة المصرية – نسبيا – من الزلازل والبراكين والأعاصير الجارفة يقابله ميل شعبي لاستمرار الاستقرار واستقرار الاستمرار، وهذا شعار يرفعه كل حاكم استبد بحكم مصر واستغل هذه الرغبة الدفينة لدى المصريين في الاستقرار والوداعة وراحة البال. وذكر ابن خلدون في مقدمته: ” أن أهل مصر يميلون إلى الفرح والمرح والخفة والغفلة عن العواقب “. وربما يفسر هذا كون المصريين كانوا يحكمون بواسطة حكام أجانب معظم مراحل تاريخهم، وكانوا يقبلون ذلك سماحة، أو طيبة أو غفلة أو تهاونا أو رغبة في الراحة والاستقرار. وحين كانت تشتد بهم الخطوب نتيجة عسف الحاكم الأجنبي المستبد والمستغل كانوا يستعينون بالنكات اللاذعة والسخرية لتخفيف إحساسهم بالمرارة مما يعانون وكان سلاح السخرية يؤجل الثورة وربما يجهضها لأنه يعمل على تنفيث الغضب الكامن والمصري يتحرك ويثور في حالات قليلة ومحددة وهي:

١- حين تنتهك قدسية عقيدته الدينية المتراكمة عبر عصور طويلة .

۲- حين تجرح كرامته الوطنية بشكل مهين .

 ۳ – حين تهدد لقمة عيشه بشكل خطر.

والطغاة والمستبدون كانوا يعرفون حدود هذه الأشياء فيحفظون له الحد الأدنى منها حتى يضمنوا استمرار ولائه، أو يحاولون خداعة حتى لا يصل إلى حالة الشعور بالمهانة أو العوز المحرض على الثورة.

ولا شك أنه قد حدثت تغيرات شملت الطبيعة المصرية وامتد تأثيرها إلى الشخصية المصرية، فقد أدى الزحام الشديد في المدن والقرى إلى الإحساس بالضيق والاختناق والحرارة الزائدة خاصة في الصيف، إضافة إلى ارتفاع معدلات التلوث السمعي والبصرى، كل ذلك أدى إلى تنامي حالة من العصبية وسرعة الاستثارة والعدوان لدى المصريين بشكل لم يكن معهودا من قبل. وعرف المصريون الزلازل في السنوات الأخيرة فاهتز الإحساس بالاستقرار بعض الشيء. ولم تعد خيرات الأرض تكفي المصري أو تطمئنه لذلك لم يعد مطمئنا كما كان واضطر للسفر إلى شرق الأرض وغربها باحثا عن لقمة العيش له ولأسرته – ثم عاد بعد سنوات وهو يحمل أفكارا وتوجهات تنتمى إلى بيئات وثقافات أخرى، وضعف لديه الانتماء بدرجات متفاوتة عن ذي قبل لأن البيئة المصرية لم تعد معطاءة كما كانت ولم تعد مستقرة كعهده بها ولم تعد وديعة مطمئنة كما عرفها. وقد أدى هذا إلى بعض التغيرات نذكر منها:

١ – توجهات دينية استقطابية لا تعترف بالآخر المختلف وتميل إلى تكفيره أو استبعاده.

۲ – جماعات تميل إلى التعامل بعنف مع السلطة والمجتمع ، ولكن هذه الجماعات لا تشكل حتى الآن تيارا عاما ، حيث بقى عموم الناس متأثرين بالطبيعة القديمة للشخصية المصرية نوعا ما .

وإن كان هذا قابل للتغير في السنوات القليلة القادمة في حالة استمرار الضغوط السياسية والاجتماعية والاقتصادية القائمة.

٣- رغبة في الهجرة إلى أي مكان في الأرض بعيدا عن الأحوال المعيشية الصعبة التي تخلو من الأمل والحلم خاصة للشباب.

٤ – حالة عامة من الإحباط والقلق والضيق.

٥- شراهة استهلاكية لدى الجميع – رغم الفقر – وخاصة الفئات التي أثرت ثراءا طفيليا سريعا إذن فقد تغيرت الطبيعة في بعض جوانبها وتغيرت تبعا لذلك الشخصية المصرية في بعض سماتها.

وقد وضع الدكتور ميلاد حنا كتابه ” الأعمدة السبعة للشخصية المصرية ” ليوضح فيه روافد تعددية وثراء وأحيانا تناقض سمات هذه الشخصية.

ووضع أيضا جمال حمدان فصلا في كتابه شخصية مصر تحدث فيه عن تعدد الأبعاد والجوانب (جمال حمدان شخصية مصر، كتاب الهلال، عدد ٥۰۹ ، ۱۹۹۳ ) وخلص إلى أن الأمة المصرية أمة متعددة

الجوانب، متعددة الأبعاد والآفاق، مما يثرى الشخصية الإقليمية والتاريخية … فلها بعد آسيوي وبعد إفريقي وبعد نيلى وبعد متوسطي، وكل بعد من هذه الأبعاد يترك بصمته على الشخصية لمصرية بشكل أو بآخر.

الشخصية المصرية بين التكيف والتشوه:

المصريون لديهم قدرة هائلة على التكيف مع الظروف، ويبدو أن هذه القدرة اكتسبوها من تاريخهم الطويل في التعامل مع أنماط متعددة من الحكام والحكومات، وتغير الظروف والأحوال التي يعيشون تحت وطأتها، فلديهم مرونة كبيرة في التعامل، ولديهم قدرة على قبول الأمر الواقع والتكيف معه أيا كان هذا الأمر، ولديهم صبر طويل على الظروف الضاغطة والقاصمة، ولديهم أمل في رحيل من يظلمهم بشكل قدري لا دخل لهم فيه ( اصبر على جارك السو ، يا يرحل يا تجيله داهية تأخذه )، فهم يراهنون دائما على الزمن يحل لهم المشكلات.

وعلى الرغم من بريق هذه القدرة العالية على التكيف في الظاهر إلا أن عين الباحث الموضوعي يرى أنها ربما تكون عيبا كبيرا في كثير من الأحوال ، فالمصري كثيرا ما يقبل الأمر الواقع ويغير في نفسه وفى شخصيته وفى ظروف معيشته لكى يلائم هذا الواقع ، وبالتالي لا يفكر كثيرا أو جديا في تغيير الواقع بل يميل غالبا للاستسلام له والتسليم به إلى درجة الخضوع المذل ، ولهذا عرف عن المصريين ميلهم للاستقرار وعدم التغيير وخوفهم من الجديد وابتعادهم عن المغامرة أو المخاطرة ورضاهم بما هو كائن وصبرهم السلبي على ظروف تستحق المواجهة أو التغيير أو الثورة . ويبدو أن هذه السمات مرتبطة بالطبيعة الزراعية التي ترى أن دورها في الإنتاج الزراعي محدود ببذر البذرة وانتظار نموها دون تدخلات جذرية في هذا النمو سوى الرعاية والانتظار وهذا يختلف عن المجتمع الصناعي الذى يشعر فيه الفرد (والمجتمع) بقدرته الكبيرة على التغيير والتوجيه والنمو.

وقد أدت محاولات التكيف المتكررة أو المستمرة مع ظروف ضاغطة وسيئة في فترات متعاقبة إلى حدوث تشوهات في سمات الشخصية لم ينج منها إلا قليل من الناس كانوا على وعى بهذا الأمر، أو قرروا الامتناع عن التكيف المشوه مع ظروف مشوهة. وهذه القلة من الناس تعاني ظروفا صعبة حين تتعامل مع مجتمع وافق غالبيته على قبول الأمر الواقع – دون محاولة صادقة أو جادة لتغييره، وهذا الأمر يضع تلك الأقلية في حالة غربة واغتراب وصعوبات حياتية كثيرة. وإذا أخذنا مثلا لذلك موضوع الرشوة، فقد انتشرت بشكل وبائي في المجتمع المصري حتى أصبحت من القواعد الأساسية للتعامل مع موظفي الحكومة، ويقابلها البقشيش أو الإكرامية أو الدخان في القطاع الخاص فإذا وجدنا شخصا شريفا يرفض هذا الأمر من منطلق أخلاقي. فإننا يمكن أن نتوقع كم الصعوبات التي سيوجهها في حياته اليومية مع أناس تعودوا لدرجة الإدمان على الرشوة بكافة صورها. وقس على هذا الأمر كثير من الأمور. ومع هذا فقد بقى في المصريين نماذج مشرفة في كل مجال وفي كل مكان يقاومون هذا الانحراف العام ويعطون الأمل بإمكانية تصحيحه يوما ما في ظروف تصل فيه هذه النماذج إلى مراكز التأثير) كيف؟ ….. لا ندرى؟ ……. حيث الرموز والقوى الداعمة والراعية للفساد أو الساكنة عنه والمتساهلة فيه مازالت متشبثة بمواقعها )والشعب المصري ليس شعبا ثوريا لذلك تمر سنوات طويلة على أي ظروف غير مواتية يعيشها وغالبا يتحرك بعوامل خارجية نحو التغيير تضغط عليه فلا يجد مناصا من الحركة أما لو ترك لذاته فهو يميل إلى استقرار الأوضاع إلى درجة الجمود أحيانا طمعا في الأمن وبقاء لقمة العيش حتى ولو كان أمنا ذليلا أو لقمة مرة ولكي يتمكن المصري من مواصلة التكيف وتحمل ثقل الأمر الواقع الذى لا يسعى جديا لتغييره ) فإنه يستخدم النكتة والقفشة والسخرية سلاحا يواجه به من فرض عليه هذه الظروف ، وهذه الوسائل تقوم بتفريغ طاقة الغضب ، إن كان ثمة غضب ، وتؤدى بالتالي إلى استقرار الأمور أو بالأحرى إلى بقاء الوضع على ما هو عليه رغم قسوته وضغطه وتشوهه . ولهذا نجد الحكام أو على الأقل بعضهم لا يضيقون بما يصدره الشعب من نكات سياسية تمسهم لأنهم يعرفون أن في ذلك تفريغ الطاقة الغضب الشعبي وتأجيل لأى محاولة للتغيير.

تزييف الوعي وتأثيره علي اضعاف الشخصية المصرية

– انتشار خطاب الكراهية hate speech بين فئات المجتمع الواحد الفتنة الطائفية نموذج

– التحايل على ألفاظ الكراهية – شائعات الفيس بوك تسقط دول وتثير الفوضي

– الأدوات كثيرة وتأثيرها قوى بناء على وعى الطرف الثاني

– سقوط الدولة بالنقاط وليس بالضربة القاضية (افتعال أزمات)

– حملات سياسية حملات رياضية والمكايدات يهدد السلم الاجتماعى

– كسر حالة الثقة بين الشعب وصاحب القرار (احباط)

– الصفحات المزيفة (ترند مزيف) تكلفة 3-4 آلاف جنيه

يلعب على مساحة مرغوبة لدى المتلقي (روحوا بكرة علشان تصرفوا إعانة البطالة)

الحل هو استمالات وطنية – البعد عن الأوامر المباشرة . اضرب كما يضربون باستخدام الأساليب المتطورة.

– فئة عمرية 15 :24 فئات تستمد معلوماتها من Social Media 66% (إدارة صورة الدولة الذهنية عبر مواقع التواصل الاجتماعي) تجريم الجرعة الإلكترونية وتفعيل القوانين – استغلال الشخصيات “انفلونسر او فنان او بلوجر” إيجابي.

دور الاعلام في مواجهة الشائعات

هدف الشائعات هو زعزعة الثقة بين أبناء الوطن وبث الفرقة والخلاف عبر تأليب بعضهم على بعض بشتى الوسائل من خلال نشر الفتن وتفكيك وحدة المجتمع بحيث تضعف معنوياته، فلا مانع من تأليب الفقراء على الأغنياء والشباب على كبار السن أو العاملين على أصحاب العمل وهكذا. والأسلوب واحد هو الترويج لأخبار لا أساس لها من الصحة، والتعليق على الأخبار الصحيحة بشكل يخالف الحقيقة وهو ما يسمى تلوين الخبر، كما أن التنافس بين وسائل الاعلام ورغبة كل وسيلة في الحصول على السبق الإعلامي جعلاها تتنازل عن المصداقية. ومن هنا تصبح وسائل الاعلام وسيلة من وسائل نشر الشائعات.

الوعي هو الأساس في مواجهة الشائعات تفعيل دور المواقع الإلكترونية الموضوعية باعتبارها شكلا من أشكال الاعلام الجديد. التأكد من مصداقية ما يرد على الفيس بوك وتويتر.

خاتمة:

تأتى قضية الهوية حين تستشعر الأمة الحاجة إلى الدفاع عن النفس وإلى التعريف بمشروع وجودها في لحظة تهدد كيانها. فالهوية ليست جوهرا ثابتا، وتشكيلها هو عملية بناء فكري، ضاربة في عمق الزمن بقدر ما أنها متواصلة ومستمرة. لكن الهوية مع ذلك، تتعرض للتهديد حتى حين تبدو مؤكدة. بيد أنه لا يُخيفنا، أن يلح البعض، في لحظات الاحساس بالخطر، على طرح التساؤل عن الجوهر والأصل والهوية؛ فعلى عكس ما هو متوقع، قد يصل لذلك أثر إيجابي في تنشيط الذاكرة، وإعادة قضية الهوية الوطنية إلى مركز المناقشات، ونخرج من هذه الأزمة الاجتماعية باستبصار جديد وواضح حول مقومات الأمة وأصالتها، ومدى فائدة الحفاظ على روحها اليقظة. إن إذكاء الوعي بمحصلة التجارب التاريخية يؤدي بالضرورة إلى مساندة والاطمئنان الاجتماعي في تصادم المعضلات التي تهدد وحدة الكيان والمصير. وفى هذا السياق تبدو دراسة الهوية، بين الحين والآخر، توجيه هام وصحي؛ لأجل تغيير ذاكرة الأمة بنفسها، والحفاظ على توهج روحها وتماسك نسيجها الوطني. يسعى هذا المقال إلى معالجة قضايا الهوية عبر العصور لإيجاد إجابات ممكنة عن كثير من التساؤلات الراهنة التي لا تزال تشغل العقل المصري.

ستبقى مصر قوية بجيشها وشعبها وحدودها التي لم تتغير منذ سبعة آلاف سنة.

مصيرك أن تكون مينا وأحمس ورعمسيس وعبد الناصر، رجال أتوا وعبروا بمصر في أوقات حالكة.

ا.د. فايزة صقر

 

 

 

 

 

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى