مقالات

رئيس اتحاد الوطن العربي الدولي  يتحدث عن الاهتمام بالطفولة من منظور الإسلام

رئيس اتحاد الوطن العربي الدولي  يتحدث عن الاهتمام بالطفولة من منظور الإسلام
بقلم \  المفكر العربي الدكتور  خالد محمود عبد القوي  عبد اللطيف
مؤسس  ورئيس اتحاد الوطن العربي الدولي
رئيس الإتحاد العالمي للعلماء والباحثين
إذا اشتدت محنة أهل الإسلام، وعظم تسلط أهل الكفر والنفاق، وكثر التفلت من الدين والانتكاس؛ فإنه حق على كل مؤمن أن يخاف على نفسه وأهله وولده، وأن يكثر من أدعية الثبات على الحق كما كان النبي صلى الله عليه وسلم يفعل ذلك مع أنه معصوم من مفارقة الحق، قَالَ أَنَس رضي الله عنه: كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُكْثِرُ أَنْ يَقُولَ: “يَا مُقَلِّبَ الْقُلُوبِ، ثَبِّتْ قَلْبِي عَلَى دِينِكَ “. قَالَ: فَقُلْنَا يَا رَسُولَ اللهِ، آمَنَّا بِكَ وَبِمَا جِئْتَ بِهِ، فَهَلْ تَخَافُ عَلَيْنَا؟ قَالَ: فَقَالَ:”نَعَمْ، إِنَّ الْقُلُوبَ بَيْنَ أُصْبُعَيْنِ مِنْ أَصَابِعِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ يُقَلِّبُهَا”رواه أحمد.
والشغل الذي يجب أن يشغل الرجل والمرأة على أولادهما ليس الشهادة ولا الوظيفة ولا المستقبل؛ لأن كل مولود مرزوق، والأرزاق مكتوبة، وكم من مبدع في دراسته فاشل في أمور دنياه، وكم من مخفق في دراسته يحسن إدارة دنياه. وكثير من الأثرياء بلا شهادات ولا وظائف.
ولكن الخوف كل الخوف في هذا الزمن هو على إيمان الأولاد؛ لأنه مربط سعادتهم وشقائهم، فمن مات منهم محققا الإيمان سعد أبدا، ومن مات منهم تاركا الإيمان شقي أبدا. وفي هذا زمن قد أحاطت بهم الشبهات، وطوقتهم الأهواء والشهوات، وبلغ اليأس بهم مداه، وانحطاط الأمة منتهاه، فيقدح الشيطان في عقولهم أن لو كان الإيمان حقا ما أوذي المؤمنون هذا الأذى الشديد، ولا اضطهدوا هذا الاضطهاد المهين، ولا عذبوا هذا العذاب الأليم، ولا شردوا من ديارهم، ولا احتلت أوطانهم، ولا انتهكت أعراضهم، وهذه الإشكالات ترد على أذهانهم، ويجترئ بعضهم فيبوح بها، وأكثرهم لا يعرف سنن الله تعالى في الابتلاء والتمكين، ولا آياته في المؤمنين والمكذبين.
ومن تأمل السنة النبوية وجدا كما كبيرا من النصوص تظهر فيها عناية النبي عليه الصلاة والسلام بإيمان الصغار والشباب، وترسيخه بكل الوسائل والأساليب؛ حتى لا تميد بهم الأهواء، ولا تقلبهم الشبهات.
يجب في هذا الزمن أن يعلم الطفل الإيمان وهو رضيع، ثم وهو يحبو، ثم وهو لا ينطق إلا الكلمة والكلمتين. يجب أن يكرر الإيمان بالله تعالى على مسمعه كل حين حتى يسكن الإيمان قلبه، ويتمكن فيه، فيُعرف بالله تعالى وقدرته وعلمه المحيط بكل شيء، ويُعلم نسبة النعم إليه سبحانه، ويربى على تعلق القلب به عز وجل. فينمو إيمانه مع نمو جسده حتى إذا بلغ مرحلة التلقين التي هي دون التمييز لقن الأذكار والسور القصار من القرآن ليزيد الذكر والقرآن ما ثبت في قلبه من إيمان. وهكذا كان يُربى الأطفال في حضرة النبي عليه الصلاة والسلام وصحابته الكرام رضي الله عنهم.
تأملوا معي قول جُنْدُبِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رضي الله عنه، قَالَ: كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَنَحْنُ فِتْيَانٌ حَزَاوِرَةٌ “فَتَعَلَّمْنَا الْإِيمَانَ قَبْلَ أَنْ نَتَعَلَّمَ الْقُرْآنَ، ثُمَّ تَعَلَّمْنَا الْقُرْآنَ فَازْدَدْنَا بِهِ إِيمَانًا” رواه ابن ماجه.
وقَالَ الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ رَضِيَ عَنْهُمَا: عَلَّمَنِي رَسُولُ صَلَّى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَلِمَاتٍ أَقُولُهُنَّ فِي الْوِتْرِ “اللَّهُمَّ اهْدِنِي فِيمَنْ هَدَيْتَ… إلى آخر الدعاء” رواه أبو داود.
كم كان عمر الحسن رضي الله عنه حين علمه النبي صلى الله عليه وسلم هذا الدعاء؟! إنه على اليقين لم يتجاوز سبع سنوات، ويحتمل أنه ابن ست أو خمس أو أربع؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم توفي وعمر الحسن سبع سنوات فقط.
يعلمه أن يدعو بهذا الدعاء في وتره، والوتر كل ليلة، فهو دعاء يتكرر كل ليلة، وتأملوا بماذا يدعو: يسأل الله تعالى أن يهديه وأن يعافيه وأن يتولاه وأن يبارك له فيما أعطاه، وأن يقيه شر ما قضاه، ثم يختمه بهذه المعاني الإيمانية العالية: “إِنَّكَ تَقْضِي وَلَا يُقْضَى عَلَيْكَ، وَإِنَّهُ لَا يَذِلُّ مَنْ وَالَيْتَ، وَلَا يَعِزُّ مَنْ عَادَيْتَ”.
بالله عليكم هل يزيغ الحسن رضي الله عنه وهو يلتزم هذا الدعاء الذي ينضح بمعاني الإيمان منذ طفولته؟! فلا غرو أن يقف الحسن موقفا عظيما حين افترقت الأمة، فيتنازل عن أعظم منصب فيها وهو الخلافة وقد انعقدت له؛ ليحقن دماء المسلمين، ويصلح ذات بينهم. فهل يفعل الحسن ذلك لولا الإيمان الذي عمر قلبه بالنشأة عليه منذ طفولته، فنمى إيمانه مع نموه، فلما ثارت الفتنة أسعفه إيمانه، فأصلح الله تعالى به الأمة، وأطفأ به نيران الفتنة.
وفي حادثة أخرى عجيبة يحكيها صاحبها أَبِو سَعِيدِ بْنُ المُعَلَّى رضي الله عنه فيقول: كُنْتُ أُصَلِّي فِي المَسْجِدِ، فَدَعَانِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ… ثُمَّ قَالَ لِي: “لَأُعَلِّمَنَّكَ سُورَةً هِيَ أَعْظَمُ السُّوَرِ فِي القُرْآنِ، قَبْلَ أَنْ تَخْرُجَ مِنَ المَسْجِدِ”. ثُمَّ أَخَذَ بِيَدِي، فَلَمَّا أَرَادَ أَنْ يَخْرُجَ، قُلْتُ لَهُ: “أَلَمْ تَقُلْ لَأُعَلِّمَنَّكَ سُورَةً هِيَ أَعْظَمُ سُورَةٍ فِي القُرْآنِ”، قَالَ: ﴿ الحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ العَالَمِينَ ﴾ [الفاتحة: 2] “هِيَ السَّبْعُ المَثَانِي، وَالقُرْآنُ العَظِيمُ الَّذِي أُوتِيتُهُ” رواه البخاري.
يعلمه سورة الفاتحة، ويعظمها في نفسه، فيخبره أنها أعظم سورة في القرآن ليعتني بها، ويفهم معانيها، ويتزود الإيمان منها؛ وذلك أنها سورة جمعت معاني الإيمان، وحوت خصاله، وتضمنت جميع أنواع التوحيد، فالعناية بها عناية بالإيمان، وفهمها يزيد الإيمان.
وتوفي النبي صلى الله عليه وسلم وعمر أبي سعيد بن المعلى الأنصاري تسع سنوات فقط، فعلمه النبي صلى الله عليه وسلم عظمة الفاتحة وهو ابن تسع أو ثمان أو سبع أو أقل من ذلك.
فلا يأنف أحد من الناس أن يرى طفلا فيعلمه شيئا من الإيمان، فقد تقذف أنت كلمة إيمانية في قلب طفل فارغ من أي شيء، فيتمكن الإيمان من قلبه بسبب كلمتك وأنت لا تدري، فينتفع بهذه الكلمة في دنياه وأخراه، وتؤجر أنت على ذلك.
وكان أنس بن مالك رضي الله عنه خادما للنبي صلى الله عليه وسلم منذ كان عمره عشر سنوات، فتعلم الإيمان منه بطول ملازمته، ومما علمه النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال له:”يَا أَنَسُ، إِنَّ النَّاسَ يُمَصِّرُونَ أَمْصَارًا، وَإِنَّ مِصْرًا مِنْهَا يُقَالُ لَهُ: الْبَصْرَةُ – أَوِ الْبُصَيْرَةُ – فَإِنْ أَنْتَ مَرَرْتَ بِهَا، أَوْ دَخَلْتَهَا، فَإِيَّاكَ وَسِبَاخَهَا، وَكِلَاءَهَا، وَسُوقَهَا، وَبَابَ أُمَرَائِهَا، وَعَلَيْكَ بِضَوَاحِيهَا، فَإِنَّهُ يَكُونُ بِهَا خَسْفٌ وَقَذْفٌ وَرَجْفٌ، وَقَوْمٌ يَبِيتُونَ يُصْبِحُونَ قِرَدَةً وَخَنَازِيرَ” رواه أبو داود.
فخصه بهذه الوصية، وعاش أنس رضي الله عنه طويلا فأدرك تمصير البصرة وإعمارها فعمل بالوصية. وهذا الحديث من علامات النبوة.
وكان النبي صلى الله عليه وسلم يذكر للشباب ما قد يدركونه من شبهات تقذف عليهم؛ ليكون لهم علم بها، فلا تنصت لها أسماعهم، ولا تستسلم لها قلوبهم، ومن ذلك ما رواه أَنَسٌ رضي الله عنه عن رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قال: “لَنْ يَبْرَحَ النَّاسُ يَتَسَاءَلُونَ حَتَّى يَقُولُوا: هَذَا اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ، فَمَنْ خَلَقَ اللَّهَ” رواه الشيخان.
ورغم سذاجة هذه الشبهة فإن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر أن أناسا من أمته سيلقونها، ويتلقفها غيرهم؛ لئلا يستهين المؤمن بأي شبهة، ولا سيما الشباب؛ وذلك أن القلب إذا زاغ حرفته أصغر الشبهات وأحقرها، وإلا فإن الخالق لا يمكن أن يكون مخلوقا، فالمخلوق لا يخلق، وهذا مقتضى العقل الصحيح، وبرهانه مذكور في القرآن ﴿ أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الخَالِقُونَ * أَمْ خَلَقُوا السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ بَل لَا يُوقِنُونَ ﴾ [الطُّور:35-36].
لقد علم النبي صلى الله عليه وسلم أنسا رضي الله عنه أن يحافظ على إيمانه باجتناب الأماكن التي يُسرق فيها الإيمان ويبخس حين أوصاه ماذا يفعل إن سكن البصرة، وأين يسكن؟ وعلمه ما قد يورد عليه من شبهة في الله تعالى، وتوفي الرسول صلى الله عليه وسلم وأنس في العشرين من عمره، شابا يافعا، فعمر طويلا بعد النبي صلى الله عليه وسلم إذ عاش بعده ثمانين سنة، ومات وعمره مئة، وأدرك فتنا متلاطمة، وبلايا متتابعة، فثبته الله تعالى بإيمانه فيها كلها.. أدرك رضي الله عنه فتن الخوارج واستحلالهم للدماء فنجي بإيمانه من فتنتهم، وأدرك فتن القدرية ونجي بإيمانه من فتنتهم، وأدرك فتن الفرق الباطنية فنجي بإيمانه من فتنتهم، وأدرك زمن الذين يدوكون في الله تعالى، ويتساءلون من خلقه، فنجي من فتنتهم، وفتن غيرها كثيرة نجي أنس بإيمانه منها. وهذا يدل على أهمية تنشئة الأطفال والشباب على الإيمان، وتعاهد إيمانهم كل حين، وزيادته بالتلقين والتعليم كما تعلم الصحابة رضي الله عنهم الإيمان قبل القرآن فازدادوا بالقرآن إيمانا ﴿ إِنَّمَا المُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آَيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ ﴾ [الأنفال:2].
هذا زمن انفتح فيه العالم على بعضه، وكسرت عزلة الأفراد والأمم، وتخطت الأفكار والمعلومات حواجز الدول والرقابة.. وبهذا الانفتاح انتشر الإسلام وإن رغمت أنوف الكفار والمنافقين، ولا يزال ينتشر رغم حملات التشويه والتخويف.
ولكن في مقابل ذلك انتقلت ثقافة الشك والإلحاد من الشرق والغرب فوصلت كثيرا من أبناء المسلمين وبناتهم، فضعاف الإيمان واليقين استسلموا لها، وغرقوا في لجتها، فنخرت قلوبهم، وأزالت إيمانهم، وعاشوا منبتين عن أسرهم ومجتمعاتهم. وهذا يحتم الحذر من ذلك، ولا شيء أقوى في التحصين من الحصانة الذاتية، بغرس الإيمان في قلوب الصغار، وتعاهده فيهم إلى أن يكبروا كما كان النبي عليه الصلاة والسلام يفعل مع أطفال الصحابة وشبابهم.
ولا بد أن يكون الآباء والأمهات والمعلمون والمعلمات والمربون قريبين من الأطفال والشباب والفتيات، يتلمسون مشاكلهم، ويجيبون على تساؤلاتهم مهما كانت، فإن لم تجبه عليها أنت تلقى الإجابة من غيرك سواء كانت خطئا أم صوابا.
وإذا أحس المربي بشبهة علقت فيمن يربي، فيجب أن يحاصر الشبهة بهدوء في الحوار، ولين في الجواب. وأقوى ما يدحض الشبهة إلقاء تساؤلات تبين تناقضها وتهافتها، ويترك لمن يربي مهمة تحليلها ودحضها بنفسه. وإذا كان لا يحسن ذلك استعان بمن يحسنه كما يستعين في علاج مرض ولده بالأطباء، ومرض القلوب بالشبهات أشد من مرض الأبدان بالعلل والأوصاب؛ فإن في فساد القلب ذهاب الدنيا والآخرة، وفساد البدن لا يفوت إلا الدنيا، وما عند الله تعالى خير للمؤمن وأبقى.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى