مقالات

رئيس اتحاد الوطن العربي الدولي يؤكد أن التصوير الإسلامي فن متميز

رئيس اتحاد الوطن العربي الدولي يؤكد أن التصوير الإسلامي فن متميز
بقلم \ الكاتب و المفكر العربى الدكتور خالد محمود عبد اللطيف
رئيس تحرير جريدة الأمة العربية ورئيس اتحاد الوطن العربي الدولي
مما لا شك فيه أن إن الإسلام لم يمنع التصوير، ولكنه وجهه الوجهة التي تتناسب مع العقيدة التي جاء بها، والمفاهيم التي قررها. وما كان الإسلام ليلغي وسيلة مهمة من وسائل إنتاج الجمال، وقد رأينا اهتمامه بالجمال وحرصه عليه، ولكنه كما جعل “الجمال” ينساب من خلال منهجه ووفق معطياته، كذلك أراد للتصوير أن يكون – وفقاً للمنهج – الوسيلة الخيرة للهدف الخير، ولم يتركه على علاته حتى لا يكون نشازاً في بنيان الحضارة الإسلامية.
وفي هذا الفصل نحاول بيان الخطوط العريضة التي قام عليها هذا الفن في ظل الإسلام.
ظاهرتان أساسيتان:
إن معظم الدارسين والباحثين في الفن الإسلامي عامة وفن التصوير الإسلامي خاصة يؤكدون وجود ظاهرتين تطبعان هذا الفن بطابعهما وذلك على امتداد الرقعة الإسلامية وفي كل العصور، وهما:
• ظاهرة اختفاء العناصر الشخصية (أي تصوير الأشخاص).
• ظاهرة انعدام تقليد الطبيعة ومحاكاتها.
الظاهرة الأولى:
لم يختلف الدارسون الغربيون في تقرير هذه الظاهرة، وذلك لشدة ووضوحها، ولكنهم اختلفوا في تعليلها وتفسيرها.
فقد عزاها بعضهم إلى طبيعة الدين الإسلامي، الذي لم يترك في نفس المسلم مكاناً للفن على الإطلاق!!
وعزاها بعضهم الآخر إلى طبيعة الفن الإسلامي باعتباره “فناً زخرفياً” – والفن الزخرفي في نظرهم فن بلا موضوع – ودور الأشخاص فيه قليل.
وذهب فريق ثالث إلى أن السبب في ذلك يرجع إلى نقص جوهري في روح العرب.. الذين كان حظهم من الذكاء محدوداً في الرسم..[1].
وذهب..
إن هذه التعليلات جميعها يجانبها الصواب، وترجع في منشئها إلى جهل في فهم روح الفن الإسلامي ومنطلقاته، يضاف إلى ذلك أن عالم الجمال الغربي ينطلق من مسلمات لديه يعتبرها هي المقياس الذي يقيس به، هذه المسلمات هي “الفن الغربي” الذي يرجع في أصوله إلى المنطلقات الإغريقية والتي تقوم أساساً على رسم الأشخاص والعناية بدقائق ملامحهم.
وحين ذهب هؤلاء إلى تطبيق معطيات الفن الإسلامي على قواعدهم الجمالية، أصابتهم الدهشة.. لعدم إمكان هذه المطابقة.. فذهبوا يكيلون التهم للدين الذي يدين به هؤلاء الفنانون تارة، وتارة أخرى يكيلون التهم إلى جنسهم.
وكان عليهم أن يراجعوا حسابهم في تفهم هذا الفن وأن ينقبوا عن معايير جديدة تتلاءم معه.
وينبغي ألا يغيب عنا أمر آخر أدى بهم إلى هذه الأحكام لجائرة، وهو تحاملهم الواضح على هذا الدين.
الظاهرة الثانية:
وهي البعد عن محاكاة الطبيعة وتقليدها. وهي مسلمة أخرى وظاهرة واضحة في فن التصوير الإسلامي.
ولتوضيح هذه الظاهرة نقول: إن الفنان المسلم عزف نهائياً عن النقل عن الطبيعة، واتجه إلى التصميم الهندسي في الطبيعة التي اختارها للتصوير. وهو اتجاه مغاير تماماً للطبيعة، وإن لم يكن مضاداً لها.
ويكون “ذلك بتناول هذه الشجرة أو الزهرة المرسومة بطريقة مؤسلبة تخالف طبيعتها، وبتكرارها بصورة لا نهائية”.
“إن هذه الطريقة تعني عدم توخي التباين بين أفراد النوع الواحد، ولا تساير التطور المألوف في المملكة النباتية من الجذع إلى الفروع إلى الأطراف الدقيقة للأوراق. فالجذع والفرع يرسمان بنفس النسبة من حيث العرض أو السمك، نفس البناء ونفس الشكل خلال اللوحة كلها، بالإضافة إلى أن عدم مراعاة التباين ساعد أيضاً على إلغاء التطور، فكل الأوراق أو الأزهار في لوحة ما واحدة ومتماثلة تماماً، على أن الخطوة النهائية للقضاء على الطبيعة تماماً كانت في التكرار، فبتكرار الأعناق والأوراق والأزهار مرات ومرات، وبجعلها جميعاً يتلو بعضها البعض بطريقة متماثلة لا نهائية يستحيل وجودها في الطبيعة الحية، تنتفي أي فكرة عن الطبيعة في ذلك العمل الفني.
إن التكرار هنا يقوم بهذا التأثير بطريقة مؤكدة لا تخطئ، لدرجة أن الفنان يبدو متساهلاً مع عدوه الأول “التطور” غير أن ما بدا على أنه تطور في جزء ما من العمل الفني، قد أعيد وأعيد في العمل ككل، وهكذا تنمحي الطبيعة كاملاً من الشعور وتصبح اللاطبيعية ماثلة للعيان.
إذ لو قدر لأعناق الأوراق، والأوراق والأزهار أن تترك أي أثر للطبيعة في الوجدان، فإن الخط الذي يسير ما بين استقامة وتكسر وتعرج مائلاً للخارج حيناً وللداخل حيناً، سواء في أشكال هندسية أو فيما يشبه أسنة الرماح.. سوف ينهي بالتأكيد تلك الوظيفة الهامة. إنه بالإضافة إلى اللاطبيعة التي تظهر في الأوراق والأزهار، يشير بوضوح إلى ما قصد إليه الفنان من “هندسية” تخالف الطبيعة.
وفي النهاية، حينما يكون التكرار خاضعاً للتماثل الهندسي – ولهذا يكون انتشاره في جميع الاتجاهات على درجة واحدة من التساوي المنطقي – فإن العمل الفني في جوهره يصبح مجالاً غير محدود للرؤية. وإنها المصادفة فقط أو الضرورة (لا التطور أو الاستخلاص) هي التي تدفع الفنان إلى إنهاء لوحته عند نهاية معينة تبدو في الحقيقة تعسفية، حيث أصبح العائق عن استمرارها هو الحدود المادية للصحيفة أو الحائط أو اللوحة”[2].
وقد أطلق “هارتزفيلد” على هذه الظاهرة اسم “مناقضة الطبيعة” وذهب يحقر من شأن الفن الإسلامي، هو ومن كان على شاكلته ممن يدينون للطبيعة بالولاء.
على أن الهجوم هنا لم يكن في عنف الهجوم على الظاهرة الأولى. ذلك أن رفض محاكاة الطبيعة مذهب له أنصاره في العالم الغربي، وإن اختلفت المنطلقات الإسلامية عن منطلقاته.
مرجع الظاهرتين:
إننا لدى أدنى تأمل في الظاهرتين، ومن خلال مفهوم إسلامي، نستطيع أن نضع يدنا على الباعث عليهما، وهو باعث واحد.
إنه التزام الفنان المسلم بالبعد عن مضاهاة خلق الله تعالى، الأمر الذي ورد النهي عنه واضحاً وصريحاً في الأحاديث الشريفة.. والإنسان والطبيعة.. كلها خلق لله تعالى.
ومن هنا نجد أن الفنان المسلم، قد فهم من الأحاديث ما فهمه الفقهاء، وأنه كان ملتزماً إلى حد بعيد، حتى إنه تجاوز الرخصة أو الفتوى التي أفتاها ابن عباس بتصوير الشجر.. وظل ملتزماً بالنص في عدم مضاهاة خلق الله سواء أكان ذلك في تصوير الإنسان أم في تصوير الشجرة.
وبهذا كان فن التصوير الإسلامي نابعاً من المنهج الإسلامي، متوافقاً مع أحكامه منساباً من خلال تصوراته.
وقد أدى به هذا المنهج إلى ارتياد آفاق جديدة ظلت وقفاً عليه فكان الالتزام مصدر عطاء لا باعث شح وجفاف، كما يحلو لبعضهم أن يصوره[3].
________________________________________
[1] انظر في الرأيين الأولين: إسماعيل فاروقي في موضوعه: التوحيد والفن. مجلة المسلم المعاصر عدد 23 عام 1400هـ.
وفي الرأي الثالث فون شاك في كتابه (الفن العربي في اسبانيا وصقلية) ص 12.
[2] إسماعيل فاروقي. “الفن والتوحيد” موضوع نشر في مجلة المسلم المعاصر العدد 25 عام 1401.
[3] في ضوء هذا التوضيح نفهم موقف كل من الفريقين من علماء الغرب:
فالذين قالوا إن الإسلام حرم التصوير بنوا رأيهم على خلو هذا الفن من رسم الأشخاص، ومن محاكاة الطبيعة. والذين قالوا بعدم التحريم، بنوا رأيهم على كثرة العطاء الإسلامي في فن الرسم، وإن كانت قضية الابتعاد عن رسم الأشخاص لا تجد التفسير المناسب عندهم.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى