
كتب / منهل عبد الامير
ما نفهمه عن الإنسانية لا يتعدى ما أمسى مرتبطا بمفاهيم العاطفة المسرفة والآدمية المحترمة فما عليك الا ان تعتنق الإنسانية اولا ثم اعتنق ما شئت من الأديان . الإنسانية كلمة في حد ذاتها لا تنفي اتهاما ولا تعطي نزاهة ولا تمنح وسام .. انها مفردة تطلق على قطاع واسع من المخلوقات الذين ارتكبوا بحق انفسهم وبحق بعضهم ابشع جرائم الإبادة الجماعية حتى ان اول مخلوق قتل إكبر ابنائه اخيه الى عصرنا هذا بما فعل هتلر من مجازر بالملايين مرورا بما ارتكب صدام بحق شعبه من مئات المقابر الجماعية الى ما يقوم به المجرمون نتنياهو وبايدن من ابادة جماعية بحق النساء والاطفال والارض والحرث في غزة . كما اطلقت كلمة الانسان على المتوحشين الدواعش رغم ما فعلوه من قتل ودمار .. نعم فالإنسان هو الذي يبيد اخاه الإنسان من عرق اخر ويسرق أرضه وبيته وممتلكاته ويستحل الكذب للوصول الى مآربه . العجيب ان كلمة الإنسان لم ترد في موضع واحد في القرآن الكريم مقترنة بشيء حميد او ذكر طيب . فقد قال عز وجل ( قتل الإنسان ما اكفره ) و( إن الإنسان لربه لكنود ) و( كان الإنسان عجولا ) و( وكان الإنسان اكثر شيء جدلا ) و (كلا ان الإنسان ليطغى ) . بل ان المرة الوحيدة التي جاءت بها كلمة الإنسان في طور المديح ( ولقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم ) اتبعها الله تعالى مباشرة بقوله ( ثم رددناه اسفل سافلين ) . من يعرف المنتج اكثر من صانعه ومن يعرف المخلوق اكثر من خالقه وهو القائل .( ولقد خلقنا الإنسان ونعلم ما توسوس به نفسه ونحن اقرب اليه من حبل الوريد ) ما هذا اللوم والتقريع من الله على الإنسان فهل يبغضه الله الذي خلقه !!؟؟ من اجل ان نفهم هذا الأمر لابد ان ندرك ان الله لا يخلق ألإنسان على المحجة السوداء فالإنسان يولد فارغا من اي عاطفة محددة او مشاعر معينة بلا حب او كره ولا عشق او حقد فهو يأتي الى الدنيا صفحة خالصة البياض لتكتب فيها الأيام ما يكون نتاج طباع الأسرة والبيئة والمجتمع . فهل هذا يعني انه لا أمل في الإنسان الذي هو المخلوق الأسمى لله او لا أمل في الإنسانية . إذا ما لجأنا الى القرآن فان الإنسان درجات ومنازل حيث عبر الله عن كل طائفة بمسمى . هناك الانسان وهناك الكافر وهناك المؤمن وهناك الكذّاب والمنافق . الإنسان هو التعريف الأول وهي الصفة اللصيقة لك طوال حياتك ان كنت كافرا او مؤمنا او صادقا اوكاذبا او حتى منافق فانت اولا واخيرا انسان . إذا اراد الإنسان العلّو والرفعة فلا سبيل لذلك الا ان يكون من المؤمنين . لقد رأينا كيف تحدث الله عن (الانسان) فلننظر كيف تحدث عن المؤمنين ( قد افلح المؤمنين ) ( يرفع الله الذين آمنوا ) ( وبشر المؤمنين ) بل لنأتي ونتأمل في الآية الكريمة التي وضعت مقارنة بين الإنسان والإيمان. ( ان الانسان لفي خسر الا الذين امنوا وعملوا الصالحات ) واضافة الى ذلك فإن الله يرعى المؤمنين بخطاب وتوجيه خاص يسمو بهم عن كل جهالة ويعينهم على مغالبة طبيعتهم البشرية ( يا أيها الذين آمنوا استعينوا بالصبر والصلاة ) ( يا أيها الذين آمنوا ادخلوا في السلم كافة ) ( يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وذروا ما بقي من الربا ) من هنا نفهم إن الفارق بين موطن كلمة انسان في القران وموطن كلمة مؤمن يوضح شكل الحياة بغير الإيمان . فالحياة من دون الإيمان هي دروب مظلمة من العدم هناك مقام أسمى واعلى من مقام الإنسان إن تحقق تنقلب المعادلة الا وهو مقام الإيمان . هذه الصفة لابد من توفرها وتحّقق مصاديقها ليتحول الإنسان الى واحة المديح والإطراء الإلهي . والإيمان لا يمنع ان تمارس هواياتك وتلبي عواطفك وتعيش حياتك كإنسان تفكر وتعمل وتبدع وتحب وتعشق وتكتب وتنتج وترتقي في ما تشاء ضمن واحته . هي دردشة مع الذات داهمتني فلبيت نداءها وحاورتها بصراحتي معي حيث لا اخفي على نفسي مالم تخفه عني وقد بلغت من الكبر عتّيا فللقلب حقه في اللهفة والإشتياق والحب والعاطفة وللنفس كل الحقوق بكل ما تشتهي وما تهوى ولكن بما يرضي الله ولله كل الحقوق فقد خسرنا الكثير في مواطن العمر بما لم نخش الله وما كان للإنسان يوم من متسّع حيث لا يدري في أي ساعة يرحل الى العالم الآخر ولله درّك سيدي الإمام الحسن بن علي عليه السلام وهو يقول بما معناه (والله والله والله ما تقدمت خطوة ولا نظرت نظرة ولا نطقت كلمة ولا قصدت مقصد ولانويت نيّه ولا أكلت اكلة ولا شربت شربة إلا ان نظرت ان كانت في طاعة لله أم في معصية فإن كانت في طاعة تقدمت وإن كانت في معصية تأخرت.) انها والله رأس الحكمة وليس سواها . لكنها دردشة مع الذات ليس إلا ..