مقالات
رئيس اتحاد الوطن العربي الدولي يتحدث عن أخطاء الإلقاء
رئيس اتحاد الوطن العربي الدولي يتحدث عن أخطاء الإلقاء
بقلم \ المفكر العربي الدكتور خالد محمود عبد القوي عبد اللطيف
مؤسس ورئيس اتحاد الوطن العربي الدولي
رئيس الإتحاد العالمي للعلماء والباحثين
مما لاشك فيه أن الكلام كثير، واللغة العربية ثرية بمفرداتها، ومع ذلك، ليس كل من جمع الكلمات خطيباً، ولا يقال عن كل قائل: مؤثر.
المتحدثون من غير ذوي الخبرة، أو الذين يمارسون الخطابة فجأة، يقعون في مجموعة من الأخطاء يجدر التنبه لها.
١. عدم الاستعداد، فمن باب إنزال الناس منازلهم كما أمرنا بشريعتنا أن تستعد لكل لقاء، وأن تتعب في انتقاء مفردات كلامك أمام الناس والجمهور الذي يستعد لسماعك. على أقل تقدير كن مستعداً لمن جاء مستعداً لك.
بادل الناس الاهتمام، لأنهم لو شعروا بإهمالك وعدم جاهزيتك فأنت تضع نفسك طوعاً في دائرة الشخصيات غير المرغوب بها في أذهان الناس، أو في إطار المتحدثين الذين يضيعون وقت الناس بما لا يجدي.
٢. العبوس: أنا لست مجبراً على الاستماع لشخص لا يبتسم في وجهي، أو أراه فأخاف من عبوسه، حتى بافتراض أن لسانه ينطق الحكم والدرر، فإن عبوسه يقول للجمهور: لا تكترث. والبسمة التي هي صدقة في ديننا، هي رسالة تآلف مع الجمهور أيضاً، وبها يتم طرق أبواب القلوب.
٣. عدم التعامل المنطقي مع حركات الجسد. كالتركيز على مكان دون آخر في مجال نظرك، وإكثار حركة اليدين بما لا يتطلبه المقام، وعدم الاهتمام بالزي الرسمي في جمهور يهمه ذلك. ونحو هذه الأمور مما يتصل بشخصية المتحدث والبعد النفسي عند المخاطبين.
٤. التركيز على أحد جناحي الطائر. وأعني بذلك التركيز على الصياغة اللفظية والبديع والجناس والطباق والمحسنات اللفظية على حساب القيم والمفاهيم المشمولة أو المقصودة في الخطاب، أو العكس تماماً؛ كالتركيز على القيم والمضامين الجامدة دون تقديمها للجمهور بقوالب مشجعة على الاستماع إليها وإعمال العقل فيها.
الوسطية والاعتدال، والصياغة الاحترافية، تعتمد بالمطلق على التوازن الفعلي بين هذا الجناح وذاك الجناح ليحلق طائر الخطبة.
٥. الإطالة المملة.. فكثير من المتحدثين يتبارون في قدرتهم على خطاب الجماهير لساعات طويلة، ولكنهم يتناسون أن كثرة الكلام ينسي بعضه بعضا، وخير الكلام ما قلّ ودلّ.
وعلى المتحدث أن يعي بحق؛ أن أمامه شيخاً كبيراً، وامرأة لديها متطلبات في بيتها، وطفلاً يحب اللعب ولا يطيق الانتظار، ومريضاً لا يقوى على الجلوس كثيراً، وأناسا لديهم أعمالهم ومسؤولياتهم ولا يمكن أن ينشغلوا عنها كثيراً، فإذا اختصرت واختزلت مقولتك، فهموك وأحبوك، وإن أطلت عليهم سئموا منك ومن أفكارك.
٦. عدم التجديد، والاعتماد على الروتين. فهذا المتحدث قصصه معروفة والآيات التي يحفظها معلومة ومنذ خمس سنوات لم يخرج خارج هذه الأفكار، لماذا سيذهب إليه الناس؟
التجديد هنا؛ أن يقوم المتحدث بتجديد شخصيته ومقدرات خطابه ويحشد أفكاره الجديدة ويصوغ ذلك كله بمقدمة وعرض وخاتمة لم يسمعها الناس، حتى ولو من خلال تنميق وتغيير الصياغات، فالناس تمل التكرار، وتحب التغيير والتعرف على كل جديد.. ولذلك قيل: كن طازجاً تحفظ مكانك في السوق.
٧. عدم الخروج عن نطاقات الواقع المعروف.
لنفترض أن خطيب جمعة أو سياسي ما يقف بين الناس ويخاطبهم منذ سنوات بقضايا الواقع ويطرح رأيه فيه، أيهما أجدى برأيك؛ أن يجلب لهم شواهد السابقين وحكايات التاريخ وآثار الأقوام الأخرى أم يبقى في دائرة خطاب محصورة، كل ما فيها هو وصف ما يعيشه المتحدث والمخاطبون على حد سواء. هذا لعمري كما قال أحدهم قديما: وفسر الماء بعد الجهد بالماء، فما تشاهده يشاهده غيرك، وما سمعته سمعوه هم أيضاً .
٨. عدم تلوين لهجة الخطاب. الناس تحب أن تستمع لما يفيدها، أو يلبي لديها حاجة داخلية أو ميولاً معيناً، وهم ينظرون إلى كل متحدث بنظرة تشخيصية ناقدة تماماً كما يتابع الناقد السينمائي أحداث الفيلم وتسلسلها ومنطقيتها وشخصيات الفيلم وتفاصيله الدقيقة.
هنا، أنت مطالب بتجديد لسانك كل دقيقة، حدثهم عن فكرتك بآية، وادعمها بحديث، واروها ببيتين من الشعر، ودعّم أركانها بالأمثال والقصص، وداعب وجدان جمهورك بالحكمة، واقتنصهم بشواهد من التاريخ، وحدّق في عيونهم، فإذا شعرت بمللهم فاقذفهم بطرفة قصيرة. هكذا يتم جذب الجمهور إليك وإلى فكرتك، وهكذا يتم التأثير فيهم بقوة.
٩. طول الختام. كلنا يستمع للمتحدثين.. هناك بعض المتحدثين من يعلق الناس في نهاية خطابه كأن أعناقهم ملفوفة بحبل مشنقته حتى ينهي.. لن أطيل عليكم.. اعذروني للإطالة.. لا أريد ان أكون ثقيل الظل.. ويتحدث بعد ذلك لفترات طويلة والناس قد أعدت أذهاننا لوداعه، وبعد هذه العبارات لن تفهم منه شيئاً، فقد ودع الناس ذهنياً لا جسدياً.
نحن نقول.. كلام مختزل وخاتمة قصيرة موجزة واستعداد جيد، فإذا وصلت الخاتمة فلا تعد العرض أبدًا.. عوّد جمهورك أنك رائع ملتزم صاحب تصور للخطابة، وعلم غيرك كيف يحترمون عقول الناس وحضورهم.
١٠. عدم الدقة وأخطاء اللغة القاتلة وعدم التثبت.
عندما تقول: قال تعالى، كن كزين العابدين رضي الله عنه، فقد كان إذا سمع الأذان تغير لونه، يقول أتدرون من أقابل الآن؟؟.. وعندما تتحدث في حديث تذكر ” فبلغه كما سمعه ” واحمل الأمانة. نعم أنها الأمانة، أمانة العلم والمعلومة، أمانة الثقة الشعبية بك وثقة الجمهور الذي لم يضربك بالحجارة لمجرد رؤيتك، فأنت تعني له الكثير وقد منحك فرصة، فلا تهدرها بضعف إعدادك وأخطائك في كتاب الله وسنة نبيه، وجهلك لروي الشعر وقافيته.
كن قوياً متجدداً، إذا قلت كلمة صدقك الناس لعلمهم أنك تتعب وتسأل وتتحرى عن معلوماتك، فإذا تغير الواقع تغيرت نظرتهم إليك، واحترامهم لك، وتفاعلهم معك ومع أفكارك.
بالطبع هناك العديد من الأخطاء الأخرى ولكن حسن تفاعلك مع نفسك واستشعارك لمكانة المتحدث وثقتك بأنك قادر على إبلاغ المعلومة الموثقة وحسن استعدادك نفسياً سيؤثر في الناس بلا أدنى شك.