منوعات

خفايا السرية والفساد في زمن التريندات

 

بقلم هالة عكاشة

بين السرد الواعي والمسؤولية المجتمعية

في زمن يسبق فيه العنوان تفاصيل الخبر، وتسبق فيه الشائعة بيان الحقيقة، يزداد التحدي أمام الشعوب في التمييز بين المعلومة المؤكدة والمحتوى الموجّه.

ما نراه على الشاشات لا يُمثل الحقيقة كاملة، بل قد يكون مجرد “واجهة” في لعبة أعمق، تُحاك بخيوط من السرية والفساد والتلاعب الرقمي.

تخيل بابًا ضخمًا يُغلق بقوة، خلفه ملفات وحقائق تظل طي الكتمان لعقود. أبواب تُغلق بحجة الأمن القومي، لكنها أحيانًا تحجب معلومات تمس الصالح العام. ومثلما كشفت ويكيليكس آلاف الوثائق عن خفايا السياسة الدولية، تظل هناك وثائق لم يُكشف عنها بعد، تُغذي نظرية أن بعض الحقائق لا يُراد لها أن تُقال.

هنا تتقاطع السرية مع الفساد. السرية التي يُفترض أن تحمي الاستقرار، قد تتحول إلى ستار يحجب عن الشعوب حقها في المعرفة، ويُغري بعض المسؤولين بإخفاء التجاوزات خلف شعارات كبرى.

في بيئة تفتقد الشفافية، يصبح الفساد كالنار تحت الرماد.

تقرير منظمة الشفافية الدولية (2024) أشار إلى أن أكثر من 60% من دول العالم تعاني من فساد مؤسسي يعيق النمو ويُضعف ثقة الشعوب.

وفي مصر، كشف تقرير للبنك الدولي عن خسائر ضخمة تتكبدها الدولة سنويًا بسبب ممارسات إدارية ومالية غير رشيدة، تنعكس بشكل مباشر على جودة الخدمات العامة.

لكن الفساد لا يعمل في فراغ، بل يتغذى على ضعف الوعي وانشغال الرأي العام. وهنا يأتي دور التريندات.

في دراسة لـ جامعة هارفارد (2023)، تم تحليل كيف تُستخدم بعض التريندات على وسائل التواصل كأداة لتوجيه النقاش العام، أحيانًا بعيدًا عن القضايا الجوهرية، وأحيانًا لتأجيج الانقسام المجتمعي.

التريندات تُنتج سيلًا من العناوين المثيرة، لكنها قد تهمّش ملفات مثل الشفافية، العدالة الاجتماعية، أو الفساد الإداري.

وفي ظل هذه الفوضى، يبرز ما يمكن تسميته بـ**”الميديا المجهولة”** – بيئة رقمية موازية تنتشر فيها الأخبار المفبركة والمحتويات المضللة.

وفقًا لتقرير FactCheck.org وAltNews.in، أكثر من 70% من الأخبار المتداولة خلال فترات الأزمات تكون غير دقيقة أو مغلوطة.

هذا التضليل يربك الرأي العام، ويُقوّض من قدرة الناس على اتخاذ قرارات واعية أو تبني مواقف مدروسة.

السرية تُخفي، الفساد يُغذي، التريندات تُشوّش، والميديا المجهولة تُربك.

وفي هذا المشهد المركّب، لا مفر من بناء وعي جماعي مسؤول، لا يكتفي بالتلقي بل يطرح الأسئلة الصحيحة.

خطوات عملية نحو وعي رقمي ناضج: تحقق من مصادر الأخبار قبل المشاركة، خاصة في أوقات الأزمات. ادعم الإعلام المستقل، لأنه خط الدفاع الأول ضد التضليل. شارك في حملات الشفافية والمساءلة، ولو بالصوت والكلمة. تعلّم أدوات الأمن الرقمي لحماية معلوماتك وفكرك من التلاعب.

وأخيرًا…

لا أحد يمتلك الحقيقة وحده، لكن من يمتلك الشجاعة لطرح الأسئلة قد يقترب منها.

في كل منصب، وفي كل موقع مسؤولية، هناك من يقرأ بهدوء، يتابع التفاصيل، ويعيد ترتيب المشهد من منظور أوسع.

ربما لا نحتاج كثيرًا من الخطابات…

بل نحتاج من يُنصت لما وراء الصمت، ويفهم ما لم يُكتب بعد.

في زمن التريندات، يبقى الوعي هو الفارق الوحيد بين أن تكون متلقيًا… أو صانعًا للتغيير.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى