عادل حمودة :عشت أحزان الهزيمة وساهمت في تعريف العالم بمعجزة العبور

وقال الصحفي عادل حمودة، إن مصر صمتت لمدة 2190 يوما. وانتظرت مصر 2190 يوما وتحملت مرارة الهزيمة في الفترة من 5 يونيو إلى 6 أكتوبر. تعرفت على وجهها في ماريا سيناء. قرأت اسمها في كتاب الشهادة ومزامير العبور. قرأت اسمها في متعة المغامرة وأبجدية العاصفة. قرأته في المعاطف. جنودها يسافرون إلى الضفة الأخرى بكل فخر، قرأتها في جراحهم تتلألأ تحت الشمس كالياقوت.
وتابع حمودة خلال تقديمه برنامج “واجه الحقيقة” المذاع على قناة القاهرة الإخبارية، “أنا شاهد على تلك الأيام وما بعدها حتى استعادت مصر سيناء كلها. عشت أحزان الهزيمة، وساهمت في توعية العالم بمعجزة العبور. لقد رافقت رؤساء الأركان ووزراء الخارجية من جنسيات متعددة”. وقاموا بزيارة مواقع خط بارليف الذي وقع تحت أقدام جنودنا، وتم تكليفهم بتغطية الانسحاب الإسرائيلي من سيناء”.
وأشار حمودة إلى تلك المرحلة تلو الأخرى من الحرب أو التفاوض، مع حكم المحكمة الدولية التي أكملت خريطة الحرية في مصر، وتابع: ووصف جيلنا بأنه جيل على موعد مع القدر ولكن القدر كتب علينا الهزيمة . كنت أستعد لأداء امتحانات الثانوية العامة عندما بدأت الحرب. اعتقدنا أننا سنقضي الليل في تل أبيب. كنا نعتقد أننا نسقط الطائرات الإسرائيلية مثلما نسقط الذباب. ومن الفرحة بدأت أشارك رجال الدفاع المدني في عملهم، وأطلب من المنازل إطفاء الأنوار. ولكن في اليوم التالي، جاء والدي بالأخبار الحزينة. وقد سمح له عمله المدني في “الأشغال العسكرية” بمعرفة وقوع الكارثة على الفور. وصدرت الأوامر للقوات المصرية بالانسحاب قبل أن تأخذ مواقعها في سيناء. وكان ثلث القوات في اليمن، وكان الثلث الثاني يستعد للسفر إلى اليمن لعودة الثلث الأول. والثلث الباقي هو كل ما دخلنا به الحرب، وبسرعة مذهلة تم حشد الاحتياط. ومن دون إعداد أو تدريب، فقدنا رجالاً وسلاحاً في جريمة اعتبرت حرباً علينا رغم أننا لم نخوضها.
وقال عادل حمودة، إن التظاهرات انتقلت من القاهرة إلى الإسكندرية، وبمجرد أن هدأت في فبراير/شباط، تجددت في نوفمبر/تشرين الثاني. واستخدمت القنابل المسيلة للدموع، وفي لحظات استهتار أطلق الرصاص، لكن جمال عبد الناصر فهم ما حدث، وأطلق سراح الطلاب المعتقلين، وحضر مؤتمرا في جامعة القاهرة نظمه الطلاب أنفسهم.
وتابع حمودة أنه من شدة الصدمة المروعة، جلد المصريون أنفسهم وكأنهم السبب. نسخنا وحفظنا قصيدة نزار قباني “حواشي في دفتر النكسة”. لقد حفظناها إذا خسرنا الحرب، فلا عجب، لأننا ندخلها بكل المواهب البلاغية التي يملكها الشرقي.
وأضاف حمودة: “لكن السخرية الانتقامية تجاوزت حدودها مع سيل النكات الموجهة للضباط والجنود. كنا نبكي بعين واحدة ونضحك بعين واحدة أمام مجلس الأمة بعد أن طالب الشعب بعودته. لقد تألم عبد الناصر من تلك النكات. لم نفهم أنهم يمسون كرامة أشخاص هم أبناؤنا وإخواننا، وكنت وقتها كصحفية متدربة في روز اليوسف، لفتت انتباهي ظاهرة النكتة.
وقال عادل حمودة إن عبد الناصر شعر بسحب الاكتئاب السوداء تتحرك فوق رؤوس المصريين. وحاول التخفيف من معاناتهم، فأمر بتنفيذ أعمال فنية تعيد البسمة للحزانى. سمعت هذه الحادثة من سامي شرف، الرجل الذي وصف بأنه ظل عبد الناصر: في منتصف الليل، فوجئ بمكالمة هاتفية. ومن الرئيس، طلب الرئيس إبلاغ رئيس الإذاعة أن مسلسل رمضان سيكون مسلسلا كوميديا بطولة فؤاد المهندس، قائلا: “كفى زعل يا سامي”.
وتابع “حمودة” أن فؤاد المهندس جن جنونه بتكليف الرئيس وذهب إلى أحمد رجب يطلب منه كتابة المسلسل، لكن أحمد رجب لم يكتب المسلسل إلا بعد أن أكد أنه بتكليف من عبد الناصر. وفي يومين كتب مسلسل «شنبو في المصيدة» الذي تحول إلى فيلم سينمائي. وبالعنوان نفسه، شهدت الطبقات القادرة ظاهرة من نوع آخر غير عادي. وفي ملهى اسمه «لاروند»، كان محمد نوح يغني «قوي حيلك يا بلد» على ضوء ولاعات السجائر.
وأضاف حمودة: “في الوقت نفسه، تلقى صلاح جاهين العلاج من حالة الاكتئاب التي أصابته بعد الهزيمة. ولم يعد قادراً على كتابة الأغاني الوطنية. وشجعته سعاد حسني على كتابة فيلم «خلي بالك من زوزو» الذي عرض عام 1972. أما أم كلثوم فجمعت بين الأغاني بذكاء. الأغاني الوطنية والعاطفية. وفي عام الهزيمة غنت «حبيب الشعب» و«حديث الروح»، لكن أم كلثوم قررت المساهمة في المجهود الحربي من خلال استضافة الحفلات التي أحيتها في عواصم عربية وأوروبية، ومنحتها الدولة جائزة جواز سفر دبلوماسي. وبلغت إيرادات الحفلات أكثر من 10 ملايين دولار بالعملات. مختلف، لكن الأهم أن صوت مصر لم يخفت رغم ما حدث.
وقال حمودة إن شقيقه الأكبر إبراهيم تم استدعاؤه للخدمة العسكرية. تخرج إبراهيم عام 1968 على الدفعة الأولى بقسم الطيران والصواريخ بهندسة القاهرة. وفي العادة كانت نظارته الطبية تعفيه من التجنيد، لكن تعليمات اللواء محمد فوزي وزير الحربية كانت تقضي بتجنيد كل من لديه المؤهلات. وكان تبريره أن القوات المسلحة تحتاج إلى كافة التخصصات العلمية، ومن لا يصلح للقتال يصلح للمكاتب الخلفية. وبالفعل عمل إبراهيم في المكتب الفني للواء فهيم ريان، كبير مهندسي القوات الجوية، ولاحقاً عرف من فهيم ريان نفسه سراً لم ينشر من قبل.
وأوضح حمودة أن إبراهيم وزملائه ساهموا في فك رموز العديد من قطع غيار الطائرات الروسية في الوقت الذي منعها السوفييت عنا. وصنعوا بدائل لقطع الغيار في معجزة هندسية وعسكرية، لكن السر الأعظم وراء النصر هو المستوى العلمي العالي للمقاتلين، والمساواة بين جميع الضباط والجنود. .
وتابع حمودة: “أطلقوا علينا في كلية الاقتصاد والعلوم السياسية “دفعة الهزيمة”. آلمنا الوصف، وتحول الألم إلى غضب، وتحول الغضب إلى مظاهرات جرت في 21 فبراير 1968، وتحول الاحتفال بيوم الطالب العالمي إلى احتجاج على الأحكام الصادرة ضد قادة الطيران. وقد تم وصف تلك الأحكام. حُسمت الحرب لصالح إسرائيل بضربة جوية مبكرة على جميع المطارات العسكرية في مصر، وتحطمت الطائرات في أماكنها.