مقالات

رئيس اتحاد الوطن العربي الدولي يتحدث عن توحيد الأسماء والصفات

رئيس اتحاد الوطن العربي الدولي يتحدث عن توحيد الأسماء والصفات
بقلم / المفكر العربى الدكتور خالد محمود عبد القوي عبد اللطيف
مؤسس ورئيس اتحاد الوطن العربي الدولي
رئيس الإتحاد العالمي للعلماء والباحثين
مما لاشك فيه أن من أقسام التوحيد التي يجب على كل مسلم الإيمان بها والتسليم لما ورد فيها من أدلة القرآن والسنة ، ألا وهو: توحيد الأسماء والصفات ، فالله سبحانه وتعالى له الأسماء الحسنى والصفات العلى ليس كمثله شيء ولا نظير له ولا ند ولا ظهير ، فكل ما أثبته اللهُ تعالى لنفسه أو أثبته له رسولُه  من الأسماء والصفات وجب إثباتُهُ على ظاهره ، من غير تأويلٍ ولا تحريف ولا تعطيل ولا تمثيل ولا تكييف ، وما نفاه الله تعالى عن نفسه من صفات النقص فإنَّ على العباد نفيه وتنزيه الله تعالى عنه ، فعقيدة أهل السنة المبنية على الكتاب والسنة تجمع بين إثبات صفات الكمال لله وتنزيهه عن صفات النقص ومشابهة المخلوقين ، قال تعالى : (ليس كمثله شيء وهو السميع البصير).
وكلما ازداد المؤمن إيمانا ومعرفة بأسماء الله تعالى وصفاته كلما ازداد قربًا من ربه وعبادةً لخالقه، قال العلامة ابن القيم رحمه الله: (لا حياةَ للقلوب، ولا نعيمَ ولا لذَّةَ، ولا سرورَ ولا أمانَ ولا طمأنينةَ، إلَّا بأنْ تَعرفَ ربَّها ومعبودَها وفاطرَها، بأسمائه وصفاته وأفعاله، ويكون أحبَّ إليْها ممَّا سواه، ويكونَ سعيُها فيما يقرِّبُها إليه ويُدْنيها مِن مَرضاتِهِ).
إن من صفات الله تعالى التي وقع فيها الضلال والانحراف من كثير من أهل البدع: صفة العلو لله تعالى، فالله تعالى عالٍ بذاته مستوٍ على عرشه فوق سماواتِهِ قاهرٌ لعباده، وله علوُّ القَدْر فهو الخالق والعباد خلقُهُ، هو الإله الرب المعبودُ وكلُّ من عليها عبادُه وتحت قهرِهِ وأمرِهِ وحكمِهِ وسلطانِهِ، وصفة العلوِّ لله تعالى دلَّ عليها آلاف الأدلة من كتاب الله تعالى وسنة نبيه ، وأجمع عليها الرسل جميعًا واتفق عليها أهل السنة قاطبة، بل الفطرة السليمة والعقل الصحيح شاهدان على أنَّ الله تعالى عالٍ على خلقه فوقَ السماء، وللأسف تجد -مع تكاثر الأدلة وتنوعها وقطعيتها- من يقول بعد ذلك: إنَّ الله تعالى في كلِّ مكان، أو لا في مكان، أو لا داخل العالم ولا خارجه ولا ولا، وهذا من الكفرِ بالله تعالى ووصفِهِ بالنقائصِ التي نزَّهَ جلَّ وعلا نفسَه عنها.
فمن الأدلة القرآنية: التصريح بالفوقية لله تعالى: (يَخَافُونَ رَبَّهُم مِّن فَوْقِهِمْ)، وقوله: (وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ)، وجاء التصريح بعروج الأشياء وارتفاعها وصعودها إليه سبحانه، (تَعْرُجُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ)، وقوله: (إليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه)، وقال عن عيسى : (بَل رَّفَعَهُ اللّهُ إِلَيْهِ)، ونصّ القرآن على نزول الأشياء من عنده ومن ذلك تنزيل الكتاب منه، (تَنزِيلُ الْكِتَابِ لَا رَيْبَ فِيهِ مِن رَّبِّ الْعَالَمِينَ)، وورد التصريح بالعلو المطلق الدال على جميع مراتب العلو ذاتاً وقَدْراً وقهراً، (سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى)، وقوله: (عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ الْكَبِيرُ الْمُتَعَالِ)، ومنه التصريح بالاستواء على العرش، وقد جاء هذا في سبعة مواضع في كتاب الله جل وعلا، (إِنَّ رَبَّكُمُ اللّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ)، وقال: (الرَّحمن على العَرْشِ اسْتَوَى)، وذكر الله أنه في السماء (أَأَمِنتُم مَّن فِي السَّمَاء أَن يَخْسِفَ بِكُمُ الأَرْضَ فَإِذَا هِيَ تَمُورُ، أَمْ أَمِنتُم مَّن فِي السَّمَاء أَن يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حَاصِباً فَسَتَعْلَمُونَ كَيْفَ نَذِير)، وأدلة القرآن كثيرة ظاهرة في إثبات أن الله تعالى في السماء على العرش استوى، وهو بكل شيء عليم.
أما سنة سيد الأنام وأخشاهم لله وأعظمهم علما ومعرفة بربه، فقد صرح في كثير من أقواله  أن الله تعالى في السماء، بل إن عروجَه إلى السماء في حادثة الإسراء و المعراج وارتفاعَه إلى السماء السابعة وكلامَهُ لله تعالى ليدلّ على ذلك أعظم دلالة، والعجب ممن يبتدع الاحتفال بالإسراء والمعراج وينكر علو الله تعالى على خلقه!!، وقد قال : (ألا تأمنوني وأنا أمين من في السماء، يأتيني خبر من في السماء صباحا ومساء؟)، وقد شهد النبي  للجارية بأنها مؤمنة حين أثبتت أن الله في السماء، فقد قَالَ لَهَا : (أَيْنَ اللَّهُ؟). قَالَتْ: في السَّمَاءِ. قَالَ: (مَنْ أَنَا؟). قَالَتْ: أَنْتَ رَسُولُ اللَّهِ. قَالَ: (أَعْتِقْهَا فَإِنَّهَا مُؤْمِنَةٌ). [رواه مسلم]. قال الإمام ابنُ عبدِالبَرِّ رحمه الله: (أمَّا قَولُه في هذا الحديثِ للجاريةِ: (أين اللهُ؟) فعلى ذلك جماعةُ أهلِ السُّنَّةِ، وهم أهلُ الحَديثِ ورُواتُه المتفَقِّهون فيه، وسائِرُ نقَلَتِه كُلُّهم يقولُ ما قال اللهُ تعالى في كتابِه: الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى، وأنَّ اللهَ عزَّ وجَلَّ في السَّماءِ، وعِلمُه في كُلِّ مكانٍ)، انتهى كلامه. بل في حجة الوداع والمسلمون شهود، أشار النبي  إلى السماء بأصبعه السبابة، وقال: (اللهم اشهد، اللهم اشهد) ثلاثاً. وكان يقول : (ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء)، وأدلة السنة كثيرة متواترة، قال الإمام ابنُ خُزَيمةَ بَعدَ ذكره لكثير من الأدلة: (فتلك الأخبارُ كلُّها دالَّةٌ على أنَّ الخالِقَ البارئَ فوقَ سَبعِ سماواتٍ، لا على ما زعَمَتِ المعَطِّلةُ: أنَّ مَعبودَهم هو معهم في منازِلِهم).
وعلى هذه العقيدة أجمع علماء الأمة من الصحابة والتابعين ومن بعدهم ولم يخالف في ذلك إلا أهل الأهواء والبدع، ونقل الإجماع على ذلك عدد كبير من أهل العلم، قال الإمام الأوزاعي رحمه الله: (كنا والتابعون متوافرون نقول: (إن الله عز وجل على عرشه، ونؤمن بما وردت به السنة من صفاته)، وقال الدارمي رحمه الله: (قد اتفقت الكلمة من المسلمين أن الله تعالى فوق عرشه فوق سمواته). كما أن العقل السليم يدل على أن الله تعالى في العلو لأن السفل صفة نقص والله منزه عنها، فكان من لوازم ذلك إثبات صفة العلو الذي هو الكمال الذي يستحق العزيز المتعال سبحانه وتعالى.
فإن مما يدل على إثبات علو الله تعالى على خلقه: ما نَجِدُه في فِطْرَتنا، بل الناس كلهم مسلمُهم وكافرُهم صغيرُهم وكبيرُهم مفطورون على أنَّ الله تعالى في العلو، ألا ترى أن أيدينا وقلوبنا تتجه للعلو حين الدعاء والالتجاء إلى الله، وقد قال الهمذاني للجويني وهو يقرر نفي العلو: دعنا مما تقول، ما هذه الضرورة التي نجدها في قلوبنا، ما قال داعٍ قط: يا الله إلا وجد من قلبه معنى يطلب العلو، لا يلتفت يمنةً ولا يسرةً، فكيف ندفع هذه الضرورة من قلوبنا، فصرخ الجويني، ووضع يده على رأسه وقال: حيرني الهمذاني، ونزل.
واعلموا أن تعطيل الله تعالى عن صفات كماله ونعوت جلاله خطر عظيم وضلال مبين، فتأويل صفات الله تعالى على غير ظاهرها وتحريفها عن معانيها وتمثيلها بصفات خلقه وجحد ما أثبته الله لنفسه من الصفات من الكفر بالله والانتقاص له، قال نعيم بن حماد يقول: (من شبه الله بخلقه فقد كفر، ومن أنكر ما وصف به نفسه فقد كفر، وليس فيما وصف الله به نفسه ولا رسوله تشبيه)، فالواجب يا عبدالله إذا سمعت الله وصف نفسه بصفة أو وصفه بها رسوله صلى الله عليه وسلم الواجب الإيمان والتسليم، وأن تقول كما قال الله تعالى وأن تسير على طريق التسليم والإثبات وتبتعد عن سبل التعطيل والتحريف، سأل رجل مالك بن أنس عن قوله : { الرحمن على العرش استوى } كيف استوى ؟، فأطرق رأسه مليا وعلاه الرحضاء ثم قال: (الاستواء غير مجهول، والكيف غير معقول، والإيمان به واجب، والسؤال عنه بدعة)، فنؤمن باستواء الله على عرشه ونعرف معناه لأن الله خاطبنا بلسان عربي مبين، ولا نبحث في الكيفية لأنها من علم الغيب، ونعتقد بوجوب الإيمان بصفة الاستواء، وهذه يا عباد الله قاعدة عامة في جميع صفات الله تعالى، وهذه الطريقة فارقة بين أهل السنة وبين غيرهم من المذاهب الكلامية والفرق الفلسفية الذين أخذوا تعطيلهم لصفات الله من اليهود والصابئة والفلاسفة الملحدين وألبسوه لباس الدين والتنزيه. فالحذر كل الحذر من مقالات التعطيل وضلالات المتكلمين.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى