مقالات

رئيس اتحاد الوطن العربي الدولي  يتحدث عن إدارة الأزمات فى المؤسسات التربوية

رئيس اتحاد الوطن العربي الدولي  يتحدث عن إدارة الأزمات فى المؤسسات التربوية
بقلم \   المفكر  العربي الدكتور خالد محمود عبد القوي  عبد اللطيف
مؤسس ورئيس اتحاد الوطن العربي الدولي
رئيس الإتحاد العالمي للعلماء والباحثين
مما لاشك فيه أن للأزمات التي نعيشها في هذه الحياة دور كبير في معرفة الرجال ومعادنهم، كما أن لها دور في تنمية ملكات الإبداع لدى الأفراد، وربما لولا تلك الأزمات لما خرجت! فكم من أزمة ومحنة انقلبت إلى منحة حين صدق أصحابها اللجوء بين يدي الله – سبحانه – وأحسنوا الإدارة لتلك الأزمة، وكم من مواقف ولحظات عاشها البعض مترفاً مسروراً كان يعتقد ديمومتها فبقت ولكنها تحولت أزمات يوم أن وكل الجهد إلى نفسه، ولم يعي معركة الحياة.
إننا حين نتحدث عن الأزمات لا ننظر لها من المنظور العام، وإنما من منظور أقل، فيعنينا ما يخص الجانب التربوي داخل المؤسسات التربوية الدعوية، فنقف معها ومن الله التوفيق والإعانة.
• تعريف الأزمة:
تختلف النظرة في تعريف الأزمات جملة إلا أن ما يهمنا هو تفصيل الحديث عنها في المؤسسات التربوية.
وقبل أن ننطلق في حديثنا عن الأزمات لننقض مفهوماً سائداً لدى بعض المؤسسات التربوية والدعوية بشكل عام، من أن المؤسسات التربوية إنما هي تجارب أفراد وجماعات قائمة على الجانب الاحتسابي، بمعنى لا بأس أن يكون هناك درجة من التسيب والانسياب على مبدأ ” ما على المحسنين من سبيل”، والواجب عكس ذلك بأن ننظر إلى الجانب الاحتسابي من زاوية أخرى فلا بد فيه من الديمومة والإتقان فهي الأحب إلى الله – جل وعلا -، ومؤشر لجدية وصدق صاحب ذلك العمل.
ونعرف الأزمة فنقول: “هي فترة حرجة أو حالة غير مستقرة يترتب عليها حدوث نتيجة مؤثرة”
وبهذا التعريف آسف أسفاً شديداً إذا قلت إن النتيجة المؤثرة في جزء من مؤسساتنا التربوية هي السلب لا الإيجاب، والإدارة للأزمات أكثر منه الإدارة بالأزمات.
• أسباب الأزمة:
ولعدم القدرة على إدارة الأزمات أسباباً أوجزها في ما يلي:
1- ضعف الكفاءة القيادية:
فقد يكون المربي أيا كان داعيةً أو طالب علم مجداً أيام الرخاء، وقد يؤتى من قبل نفسه، فيفتي في جميع ما يسأل كأنه جمل مغتلم!
ويضرب أخماساً بأسداس في قضايا ربما سكت عنها الكبار، وسرعان ما تتلاشى تلك الأيام فقط بلحظات الشدة،والواقع إن مناهج الرخاء لا تخرج قادةالأزمات .
فالقيادة ليس كما نخطئ في تقديرنا لها بأنها المغامرة والجرأة، وعلى المثل الإنجليزي “أنا قائدكم، دلوني على الطريق!”، بل هي الإخلاص والتجربة وسعة الأفق والاستشارة والتفاؤل والعمل بروح الفريق، وأهمها الصبر والقدرة على التحمل.
فإقامة البرامج والرحلات وإلقاء الدروس والمحاضرات والترفيه بأنواعه إدارة للعمل، وليس للأزمة، فالكل يحسن العمل، ولكن من يحسن البعد الحقيقي للقيادة والذي هو إدارة للأزمة، وليس للعمل مع أهميته، فالنهوض بمؤسسة من المؤسسات التربوية على أسس ودعائم قوية خلال فترة وجيزة يعد خروجاً من الأزمة.
كما أن الإسهام في علاج حساسية يعيشها بعض أفراد المؤسسة وجعل الجميع على قلب رجل واحد يعد خروجاً من الأزمة، وهذا أمثلة بسيطة في هذا المجال، وإلا فكتب السيرة والتاريخ مليئة بذلك، منها موقف الإمام أحمد في فتنة خلق القرآن، وموقف أبي بكر في حرب الردة، بل إن هذين الموقفين عدهما البعض من المواقف التي اعتزت بها أمة الإسلام، وما لدى القارئ من الأمثلة أكثر.
2- الفردية وعدم الاستشارة:
في أزماتنا نميل إلى القرارات المستعجلة التي تمتاز بتأزمها، فكل قرار نتخذه أحياناً يعد أزمة بحد ذاته، والعجيب “أننا لا نطمس الأزمة والمشكلة بل نمحو معالمها”
فعلى سبيل المثال: بدل أن نوجد الحلول لأزمة نعيشها ربما نلجئ إلى أشخاص غير مرغوب بهم سابقاً، فنحول الأزمة التي لهم إلى أزمة عليهم!
ومن الأمثلة أننا قد نلجئ إلى محاكاة الآخرين في اتخاذ القرارات دون تهيئ للظروف أو الأجواء المناسبة لذلك، فمنهج الرخاء في بيئة يعد منهج شدة عند آخرين إن لم يكن استبداداً! وقل مثل ذلك في باقي الطرق والوسائل.
3- عدم إيجاد البديل المناسب:
كثيراً ما تعجبني فراسة بعض المربين، فقد يحاسب أحد أفراد المؤسسة عندما يلحظ منه تأخراً أو قصوراً، وربما رحمه فقسى عليه، بينما يدع الباب مفتوحاً لغيره، لعلمه بأن غيره حاضرٌ بقلبه لا ببدنه، حبسه العذر!
ومن الطريف سوق موقف لحظته في بعض دورات تحفيظ القرآن الصيفية التي تكون على فترتين للحفظ والمراجعة، فيلزم البعض بالحضور لفترتين، ولو أتي بالمقدار المطلوب في فترة واحدة، خشية أن يفتح الباب للغير فيتساهل!
ولا أقصد من هذه الصورة السابقة العناية بتفاصيلها، بالقدر الذي أهدفه من الاهتمام بها كحالة ونموذج نمر أو مررنا به في عدم إيجاد البدائل المناسبة، أو على الأقل المرونة في التعامل مع تلك المواقف.
وهذه الصورة السابقة تذكرني بإصرار بعض المؤسسات على بعض الأفراد بالحضور عصراً أما لحفظ القرآن، أو لحضور لقاء تربوي أو غيره، دون توفير للبديل المناسب لمن علم منه جديته بإيجاد مكان آخر له، أو التواصل معه في وقت آخر، لا أن نسلك مسلكاً تعسفياً باللوم والتقريع من عدة أفراد لكي يعلم خطورة الانحراف الخطير الذي يعيشه، ولو كان تقصيره هذا ربما لارتباطه بأسرته، أو لتوفيره لقمة العيش لنفسه.
4- ضيق الأفق:
بحسب بعض الإحصائيات التي يذكرها المختصين فإن نسبة الشباب في المجتمع السعودي تشكل النصف على أقل تقدير، بمعنى أن هذا العدد كما يذكر آخرون سيندثر بلا شك بعد سنوات، فهم يميلون وبجدية إلى الحرص والعناية بهم والاهتمام بطاقاتهم وقدراتهم، وفي هذا دلالة واضحة على سعة أفق، وبعد نظر يعيشه هؤلاء المختصين.
وبتنزيل هذه الصورة السابقة على واقع مؤسساتنا التربوية نجد من يميل إلى التفاخر لحظة وجود إمكانات وطاقات من القدوات والكبار، ولا لكننا لا ننظر ماذا سيكون الحال بعد سنوات قليلة، ولا أقول بعيدة، لماذا؟
لأننا من خلال الواقع أدركنا بعض الأحبة تعرض لهم من الظروف ما تجعلهم يفكر وبجدية في الاعتذار والانقطاع عن المؤسسة، فالأول صدر تعيينه معلماً تربوياً في منطقة نائية جداً وسيبقى على أقل تقدير سنتين هناك، والثاني أصبح قاضياً شرعياً في أحد المناطق وزد على السنتين أربعاً، والثالث يحضر لدراساته العليا، وقس على ذلك باقي القادة والمربين داخل تلك المؤسسة.
وجميعنا يعلم أن الابتعاد سنة أو سنتين داخل المؤسسة له تأثيره على المؤسسة والعمل التربوي فيها.
فهل من المستبعد أن تفقد المؤسسة أكثر من نصف طاقمها المميز بين عشية وضحاها؟!
إنني لا أستبعد حصول الأمثلة السابقة في آنٍ واحد، وقد تحدث الكوارث والأزمات إن لم يكن هناك مربون من الدرجة الثانية يقومون بما يجب.
ولعل من أخطر ما تمر به بعض مؤسساتنا التربوية أن يكون المربون فيها في مصاف الدرجة الأولى فقط، وليس هناك درجة ثانية أو ثالثة.
وما أجمل المنهج العُمَري: مات الكاتب والسلام! أقولها: شحذاً للهمة لا غير.
• علاج الأزمة:
وبعد هذه الوقفة من الأسباب، نقف مع العلاج في إدارة الأزمات
1- ما أصابك لم يكن ليخطئك:
في ظل الحديث عن الأزمات يغيب عنا أحياناً من حيث لا نشعر أن كل شيء بقضاء وقدر، فقد نستعجل في جلد ذواتنا دون إلمام بالسنن الكونية التي قدرها الله على العبد من سنن الابتلاء، وأن ما أصاب المؤمن لم يكن ليخطئه، فهو رفع للدرجات، وتمحيص للسيئات، وليعلم الله الذين صدقوا ويعلم الكاذبين.
2- كن واقعياً فقد لا تستطيع تحقيق أهدافك:
لا أعد نفسي مبالغاً إذا قلت إن سبب ابتعاد وتخلي بعض المربين عن أداء رسالتهم التربوية جلد الذات الذي يمارسه البعض منهم، ذلك أنه يخيل له أن التربية والتعامل مع النفس البشرية الحساسة إنما هو معادلات رياضية فحاصل الواحد مع الواحد اثنين فقط!
وما علم أن حاصل ضرب الصفر ولو كان مليوناً صفراًً، فبذله بمقابل، ونصحه على شرط القبول والشفاعة لأجل الطاعة، وجماع المسائل والمعدلات أياً كانت فيما أعلم ( إن عليك إلا البلاغ )، و(إنك لا تهدي من أحببت).
3- الاستشارة وتوسيع نطاقها:
حاجتنا إلى الاستشارة لحظة الأزمات حاجة ملحة مع أهميتها في جوانب ومراحل شتى، إلا أنها تتأكد ولا شك وقت الأزمات.
الغريب في الأمر أن بعضنا بدل أن يلجئ إلى التخفيف من حدة الأزمة بمراجعة النفس ومحاسبتها، والنظر في جوانب الخلل والتقصير داخل المؤسسة، يلجئ إلى المزايدة في الأعمال، وافتعال دعوى الكمال، وكأن النفس معصومة من كل زلل!
أليس أبو بكر الذي قال الله – عزوجل – عنه: ﴿ وَلَسَوْفَ يَرْضَى ﴾ [الليل: 21] يأتي إلى رسول الله – صلى الله عليه وسلم – فيقول: علمني الدعاء أدعو به في صلاتي . قال : قل : اللهم إني ظلمت نفسي ظلما كثيرا، ولا يغفر الذنوب إلا أنت، فاغفر لي مغفرة من عندك، وارحمني، إنك أنت الغفور الرحيم.
فهل نملك قبولاً للحق كأبي بكر، ولا ننشغل بالجزئيات.
فهل قال أبو بكر للرسول – صلى الله عليه وسلم – إنني مبشر بالجنة فكيف أدعو بهذا الدعاء، وهل حصل مني تقصير أو خطأ، لا بل امتثل لأمره – عليه الصلاة والسلام -.
وفي موقف الرسول – عليه الصلاة والسلام – عندما أشارت عليه أم سلمة فقبل رأيها وهي امرأة، وما نظر إلى الأزمة من زاوية واحدة، بأن العلاج خفي عني، فكيف تعلمه وتشير به علي؟ ومع الأسف الآن يشار على البعض من كبار المربين والدعاة وأهل التجارب، ولا يري غيره إلا ما يرى، والله المستعان.
وفيما أظن أن المقصود بالاستشارة والله أعلم ليس إلغاء العقل البشري، وإنما فتح جوانب كانت غائبة عن العقل، وربما لم يدركها بعد.
4- التثبت وعدم الاستعجال:
في غزوة الأحزاب تحدث المنافقون، وفي غزوة بدر رجع المنافقون، وهكذا هم في الأزمات، فقد يخرج المرجف، والمخذل، والمندس في الصف، وصاحب الشهوة الخفية فيصعدون الأزمات، وقد يجدون من يسمع لهم، والأخطر من ذلك أن ينشغل البعض بجهاد الدفع ممنياً نفسه بجهاد الطلب، والله المستعان، وإنا لله وإنا إليه راجعون.
5- استخر واستعن:
إن كنت قد بذلت جهدك واستفرغت كامل وسعك في إدارة أزمتك، فاستخر واستعن بالله – عزوجل -، ومن الإعانة العون والسداد، وتكون عندها قد قضيت ما عليك.
فنسأل المولى أن يلهمنا رشدنا، وأن يعيذنا من شرورنا أنفسنا، وألا يكلنا إلى أنفسنا طرفة عين.
والله أعلم وأحكم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبة أجمعين.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى