مقالات
رئيس اتحاد الوطن العربي الدولي يتحدث عن شرح اسم الله الحق

رئيس اتحاد الوطن العربي الدولي يتحدث عن شرح اسم الله
الحق
بقلم \ الكاتب والمفكر العربي الدكتور خالد محمود عبد اللطيف
مؤسس ورئيس اتحاد الوطن العربي الدولي
رئيس الإتحاد العالمي للعلماء والباحثين
لدَّلَالَاتُ اللُّغَوِيَّةُ لاِسْمِ (الحَقِّ)[1]:
الحَقُّ فِي اللُّغَةِ اسْمُ فَاعِلٍ، فِعْلُهُ حَقَّ يَحِقُّ حَقًّا، يُقَالُ: حَقَقْتُ الشَّيءَ أَحُقُّهُ حَقًّا إِذَا تَيَقَّنْتُ كَوْنَهُ وَوُجُودَهُ وَمُطَابَقَتَهُ لِلْحَقِيقَةِ.
وَالحَقُّ بِمَعْنَى المُطَابَقَةِ وَالمُوَافَقَةِ وَالثَّبَاتِ وَعَدَمِ الزَّوَالِ، وَكَذَلِكَ العَدْلُ خِلاَفُ البَاطِلِ وَالظَّلُمِ.
وَالحَقُّ يُقَالُ لِلِاعْتِقَادِ فِي الشَّيءِ المُطَابِقِ لِمَا عَلَيْهِ فِي الحَقِيقَةِ، كَقَوْلِكَ: أَعْتَقِدُ أَنَّ البَعْثَ وَالثَّوَابَ وَالعِقَابَ وَالجَنَّةَ وَالنَّارَ حَقٌّ[2].
وَالحَقُّ لَهُ اسْتِعْمَالَاتٌ كَثِيرَةٌ فِي القُرْآنِ، مِنْهَا الإِسْلَامُ وَالعَدْلُ وَالحِكْمَةُ وَالصِّدْقُ وَالوَحْيُ وَالقُرْآنُ وَالحَقِيقَةُ، وَمِنْهَا أَيْضًا الحِسَابُ وَالجَزَاءُ كَقَوْلِهِ: ﴿ يَوْمَئِذٍ يُوَفِّيهِمُ اللَّهُ دِينَهُمُ الْحَقَّ وَيَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ الْمُبِينُ ﴾ [النور: 25].
وَالحَقُّ اسْمٌ للهِ سُبْحَانَهُ هُوَ المُتَّصِفُ بِالوُجُودِ الدَّائِمِ وَالحَيَاةِ وَالقَيُّومِيَّةِ وَالبَقَاءِ، فَلَا يَلْحَقُهُ زَوَالٌ أَوْ فَنَاءٌ، وَكُلُّ أَوْصَافِ الحَقِّ كَامِلَةٌ لِلْكَمَالِ وَالجَمَالِ، وَالعَظَمَةِ وَالجَلَالِ، قَالَ سبحانه وتعالى: ﴿ ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ هُوَ الْبَاطِلُ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ ﴾ [الحج: 62]، وَكَقَوْلِهِ: ﴿ ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّهُ يُحْيِ الْمَوْتَى وَأَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴾ [الحج: 6].
وَالحَقُّ سُبْحَانَهُ هُوَ الذِي يُحِقُّ الحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ وَيَقُولُ الحَقَّ، وَإِذَا وَعَدَ فَوَعْدُهُ الحَقُّ، وَدِينُهُ حَقٌّ، وَكِتَابُهُ حَقٌّ، وَمَا أَخْبَرَ عَنْهُ حَقٌّ، وَمَا أَمَرَ بِهِ حَقٌّ كَمَا قَالَ: ﴿ وَيُحِقُّ اللَّهُ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ ﴾ [يونس: 82].
وَقَالَ سُبْحَانَهُ: ﴿ وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ وَيَوْمَ يَقُولُ كُنْ فَيَكُونُ قَوْلُهُ الْحَقُّ وَلَهُ الْمُلْكُ يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ ﴾ [الأنعام: 73].
وَقَالَ تَعَالَى: ﴿ يَوْمَئِذٍ يُوَفِّيهِمُ اللَّهُ دِينَهُمُ الْحَقَّ وَيَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ الْمُبِينُ ﴾ [النور: 25][3].
وُرُودُهُ فِي القُرآنِ الكَرِيمِ[4]:
وَرَدَ الاِسْمُ فِي عَشْرِ آيَاتٍ مِنَ القُرْآنِ، مِنْهَا:
قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿ ثُمَّ رُدُّوا إِلَى اللَّهِ مَوْلَاهُمُ الْحَقِّ أَلَا لَهُ الْحُكْمُ وَهُوَ أَسْرَعُ الْحَاسِبِينَ ﴾ [الأنعام: 62].
وَقَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿ وَرُدُّوا إِلَى اللَّهِ مَوْلَاهُمُ الْحَقِّ وَضَلَّ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ ﴾ [يونس: 30].
وَقَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿ فَذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمُ الْحَقُّ فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلَّا الضَّلَالُ فَأَنَّى تُصْرَفُونَ ﴾ [يونس: 32].
وَقَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿ هُنَالِكَ الْوَلَايَةُ لِلَّهِ الْحَقِّ هُوَ خَيْرٌ ثَوَابًا وَخَيْرٌ عُقْبًا ﴾ [الكهف: 44].
وَقَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿ ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّهُ يُحْيِ الْمَوْتَى وَأَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴾ [الحج: 6].
وَقَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿ ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ هُوَ الْبَاطِلُ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ ﴾ [الحج: 62].
وَقَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿ فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ ﴾ [المؤمنون: 116].
وَقَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿ يَوْمَئِذٍ يُوَفِّيهِمُ اللَّهُ دِينَهُمُ الْحَقَّ وَيَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ الْمُبِينُ ﴾ [النور: 25][5].
مَعْنَى الاِسْمِ فِي حَقِّ الله تَعَالَى:
قَالَ ابْنُ جَرِيرٍ فِي تَفْسِيرِ آيَةِ يُونُسَ: ﴿ وَرُدُّوا إِلَى اللَّهِ مَوْلَاهُمُ الْحَقِّ ﴾[يونس: 30]: “وَرَجَعَ هَؤُلَاءِ المُشْرِكُونَ يَوْمَئِذٍ إِلَى اللهِ، الذِي هُوَ رَبُّهُم وَمَالِكُهُم الحَقُّ لَا شَكَّ فِيهِ، دُونَ مَا كَانُوا يَزْعُمُونَ أَنَّهُم لَهُمْ أَرْبَابٌ مِنَ الآلِهَةِ وَالأَنْدَادِ، ﴿ وَضَلَّ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ ﴾ [يونس: 30]؛ يَقَولُ: وَبَطَلَ عَنْهُم مَا كَانُوا يَتَخَرَّصُونَ مِنَ الفِرْيَةِ وَالكَذِبِ عَلَى اللهِ بِدَعْوَاهُم أَوْثَانَهُم أَنَّهَا للهِ شُرَكَاءُ، وَأَنَّهَا تُقَرِّبُهُم مِنْهُ زُلْفَى”[6].
وَقَالَ فِي قَوْلِهِ: ﴿ فَذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمُ الْحَقُّ فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلَّا الضَّلَالُ فَأَنَّى تُصْرَفُونَ ﴾ [يونس: 32]: “يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ لِخَلْقِهِ: أَيُّهَا النَّاسُ فَهَذَا الذِي فَعَلَ هَذِهِ الأَفْعَالَ؛ فَيَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ، وَيَمْلِكُ السَّمْعَ وَالأَبْصَارَ، وَيُخْرِجُ الحَيَّ مِنَ المَيِّتِ وَالمَيِّتَ مِنَ الحَيِّ، وَيُدَبِّرُ الأَمْرَ: اللهُ رَبُّكُمُ الحَقُّ لَا شَكَّ فِيهِ ﴿ فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلَّا الضَّلَالُ ﴾ [يونس: 32]؛ يَقُولُ: فَأَيُّ شَيءٍ سِوَى الحَقِّ إِلَّا الضَّلَالُ وَهُوَ: الجَوْرُ عَنْ قَصْدِ السَّبِيلِ.
يَقُولُ: فَإِذَا كَانَ الحَقُّ هُوَ ذَا، فَادِّعَاؤُكُم غَيْرَهُ إِلَهًا وَرَبًّا هُوَ الضَّلَالُ وَالذَّهَابُ عَنِ الحَقِّ لَا شَكَّ فِيهِ فَأَنَّى تُصْرَفُونَ”[7].
وَقَالَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿ ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ هُوَ الْبَاطِلُ ﴾ [الحج: 62]؛ يَعْنِى تَعَالَى ذِكْرُهُ بِقَوْلِهِ ذَلِكَ: هَذَا الفِعْلُ الذِي فَعَلْتُ مِنْ إِيلَاجِي اللَّيلَ فِي النَّهَارِ، وَإِيلَاجِي النَّهَارَ فِي اللَّيلِ؛ لِأَنِّي أَنَا (الحَقُّ) الذِي لَا مِثْلَ لِي، وَلَا شَرِيكَ، وَلَا نِدَّ، وَأَنَّ الذِي يَدْعُوهُ هَؤُلَاءِ المُشْرِكُونَ إِلَهًا مِنْ دُونِهِ هُوَ البَاطِلُ الذِي لَا يَقْدِرُ عَلَى صَنْعَةِ شَيءٍ، بَلْ هُوَ المَصْنُوعُ[8].
وَقَالَ الخَطَّابِيُّ: “الحَقُّ هُوَ المُتَحقِّقُ كَوْنُهُ وَوُجُودُهُ، وَكُلُّ شَيءٍ صَحَّ وُجُودُهُ وَكَوْنُهُ فَهُوَ حَقٌّ، وَمِنْهُ قَوْلُ اللهِ سُبْحَانَهُ وَتعَالَى: ﴿ الْحَاقَّةُ * مَا الْحَاقَّةُ ﴾ [الحاقة: 1، 2]؛ مَعْنَاهُ وَاللهُ أَعْلَمُ: الكَائِنَةُ حَقًّا لَا شَكَّ فِي كَوْنِهَا، وَلَا مُدْفِعٌ لِوُقُوعِهَا.
وَيُقَالُ: الجَنَّةُ حَقٌّ وَالنَّارُ حَقٌّ وَالسَّاعَةُ حَقٌّ، يُرَادُ أَنَّ هَذِهِ الأَشْيَاءَ كَائِنَةٌ لَا مَحَالَةٌ.
وَالعَرَبُ تَقُولُ: إِنَّ فُلَانًا الرَّجُلُ حَقَّ الرَّجُلِ، وَالشُّجَاعُ حَقَّ الشُّجَاعِ وَحَاقَّ الشُّجَاعِ وَحَاقَّةَ الشُّجَاعِ، إِذَا أَثْبَتُوا لَهُ الشَّجَاعَةَ وَحَقِيقَتَهَا”[9].
وَقَالَ الحُلَيْمِيُّ: “(الحَقُّ) مَا لَا يَسَعُ إِنْكَارُهُ، وَيَلْزَمُ ثُبُوتُهُ وَالاِعْتِرَافُ بِهِ، وَوُجُودُ البَارِي عَزَّ ذِكْرُهُ أَوْلَى مَا يَجِبُ الاِعْتِرَافُ بِهِ[10]، وَلَا يَسَعُ جُحُودُهُ؛ إِذْ لَا مُثْبَتَ يَتَظَاهَرُ عَلَيْهِ مِنَ الدَّلَائِلِ البَيِّنَةِ البَاهِرَةِ، مَا تَظَاهَرَتْ عَلَى وُجُودِ البَارِي جَلَّ جَلَالُهُ”[11].
وَقَالَ القُشَيْرِيُّ[12]: “(الحَقُّ) مِنْ أَسْمَائِهِ، وَهُوَ بِمَعْنَى المَوْجُودِ الكَائِنِ وَكَذَا مَعْنَاهُ فِي اللُّغَةِ”[13].
وَقَالَ الغَزَّالِيُّ: “(الحَقُّ) هُوَ الذِي فِي مُقَابَلَةِ البَاطِلِ، وَالأَشْيَاءُ قَدْ تُسْتَبَانُ بِأَضْدَادِهَا، وَكُلُّ مَا يُخْبِرُ عَنْهُ فَإِمَّا بَاطِلٌ مُطْلَقًا، وَإِمَّا حَقٌّ مُطْلَقًا، وَإِمَّا حَقٌّ مِنْ وَجْهٍ بَاطِلٌ مِنْ وَجْهٍ، فَالمُمْتَنِعُ بِذَاتِهِ هُوَ البَاطِلُ مُطْلَقًا، وَالوَاجِبُ بِذَاتِهِ هُوَ الحَقُّ مُطْلَقًا، وَالمُمْكِنُ بِذَاتِهِ الوَاجِبُ بِغَيْرِهِ هُوَ حَقٌّ مِنْ وَجْهٍ بَاطِلٌ مِنْ وَجْهٍ”[14].
وَقَالَ ابْنُ الأَثِيرِ: “(الحَقُّ) هُوَ المَوْجُودُ حَقِيقَةً المُتَحَقَّقُ وُجُودُهُ وَإِلَهِيَّتُهُ، وَالحَقُّ ضِدُّ البَاطِلِ”[15].
ثَمَرَاتُ الإِيمَانِ بهَذَا الاِسْمِ:
1- اللهُ تَعَالَى هُوَ الحَقُّ المُبِينُ، لَا شَكَّ وَلَا رَيْبَ فِي وُجُودِهِ، وَلَا يَسَعُ أَحَدًا إِنْكَارُهُ لِظُهُورِ دَلاَئِلِ إِثْبَاتِهِ، وَكَيْفَ يَخْفَى سُبْحَانَهُ وَهُوَ أَحَقُّ بِاسْمِ (الحَقِّ) مِنْ كُلِّ حَقٍّ، وَهُوَ سُبْحَانَهُ حَقٌّ فِي ذَاتِهِ، حَقٌّ فِي صِفَاتِهِ حَقٌّ فِي أَقْوَالِهِ، حَقٌّ فِي أَفْعَالِهِ.
يَقُولُ الشَّيْخُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ السَّعْدِيُّ رحمه الله تَعَالَى: “الحَقُّ” فِي ذَاتِهِ وَصِفَاتِهِ، فَهُوَ وَاجِبُ الوُجُودِ، كَامِلُ الصِّفَاتِ وَالنُّعُوتِ، وُجُودُهُ مِنْ لَوَازِمِ ذَاتِهِ، وَلَا وُجُودَ لِشَيءٍ مِنَ الأَشْيَاءِ إِلَّا بِهِ، فَهُوَ الذِي لَمْ يَزَلْ وََلا يَزَالُ بِالجَلَالِ وَالجَمَالِ وَالكَمَالِ مَوْصُوفًا، وَلَمْ يَزَلْ وَلَا يَزَالُ بِالإِحْسَانِ مَعْرُوفًا.
فَقَوْلُهُ حَقٌّ، وَفِعْلُهُ حَقٌّ، وَلِقَاؤُهُ حَقٌّ، وَرُسُلُهُ حَقٌّ، وَكُتُبُهُ حَقٌّ، وَدِينُهُ هُوَ الحَقٌّ، وَعِبَادَتُهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ هِيَ الحَقُّ، وَكُلُّ شَيءٍ يُنْسَبُ إِلَيْهِ فَهُوَ حَقٌّ.
﴿ ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ هُوَ الْبَاطِلُ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ ﴾ [الحج: 62]، ﴿ وَقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ ﴾ [الكهف: 29].
﴿ فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلَّا الضَّلَالُ ﴾ [يونس: 32].
﴿ وَقُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا ﴾ [الإسراء: 81][16].
2- وَقَدْ كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَسْتَفْتِحُ صَلاَتَهُ مِن اللَّيْلِ بِذِكْرِ هَذَا المَعْنَى، كَمَا فِي حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما: كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم إِذَا قَامَ مِنَ اللَّيْلِ يَتَهَجَّدُ قَالَ: “اللَّهُمَّ لَكَ الحَمْدُ أَنْتَ قَيِّمُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَنْ فِيهِنَّ، وَلَكَ الحَمْدُ لَكَ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَنْ فِيهِنَّ، وَلَكَ الحَمْدُ أَنْتَ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ، وَلَكَ الحَمْدُ أَنْتَ مَلِكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ، وَلَكَ الحَمْدُ أَنْتَ الحَقُّ، وَوَعْدُكَ الحَقُّ، وَلِقَاؤُكَ حَقٌّ، وَقَوْلُكَ حَقٌّ، وَالجَنَّةُ حَقٌّ، وَالنَّارُ حَقٌّ، وَالنَّبِيُّونَ حَقٌّ، وَمُحَمَّدٌ حَقٌّ، وَالسَّاعَةُ حَقٌّ…” الحَدِيثَ[17].
3- وَاللهُ تَعَالَى هُوَ الإِلَهُ وَالرَّبُّ الحَقُّ، الذِي لَا تَنْبَغِي الأُلُوهِيَّةُ وَالرُّبُوبِيَّةُ إِلَّا لَهُ عَزَّ وَجَلَّ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَمَا سِوَاهُ مِنَ الآلِهَةِ وَالمَعْبُودَاتِ فَبَاطِلٌ زَائِلٌ، وَقَدْ دَلَّلَ اللهُ سُبْحَانَهُ عَلَى ذَلِكَ بِالأَدِلَّةِ الوَاضِحَةِ، وَالبَرَاهِينِ الظَّاهِرَةِ فِي غَيْرِ مَا مَوْضِعٍ مِنْ كِتَابِهِ الكَرِيمِ.
كَقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿ قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أَمَّنْ يَمْلِكُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَمَنْ يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَمَنْ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ فَسَيَقُولُونَ اللَّهُ فَقُلْ أَفَلَا تَتَّقُونَ * فَذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمُ الْحَقُّ فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلَّا الضَّلَالُ فَأَنَّى تُصْرَفُونَ ﴾ [يونس: 31، 32].
ثُمَّ قَالَ تَعَالَى: ﴿ قُلْ هَلْ مِنْ شُرَكَائِكُمْ مَنْ يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ قُلِ اللَّهُ يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ * قُلْ هَلْ مِنْ شُرَكَائِكُمْ مَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ قُلِ اللَّهُ يَهْدِي لِلْحَقِّ أَفَمَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ أَمَّنْ لَا يَهِدِّي إِلَّا أَنْ يُهْدَى فَمَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ ﴾ [يونس: 34، 35].
وَقَالَ تَعَالَى آمِرًا نَبِيَّهُ صلى الله عليه وسلم أَنْ يَقُولَ: ﴿ قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي شَكٍّ مِنْ دِينِي فَلَا أَعْبُدُ الَّذِينَ تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلَكِنْ أَعْبُدُ اللَّهَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ ﴾ [يونس: 104].
وَقَوْلُهُ تَعَالَى فِي سُورَةِ الحَجِّ: ﴿ ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ هُوَ الْبَاطِلُ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ * أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَتُصْبِحُ الْأَرْضُ مُخْضَرَّةً إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ * لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَإِنَّ اللَّهَ لَهُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ * أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ وَالْفُلْكَ تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ وَيُمْسِكُ السَّمَاءَ أَنْ تَقَعَ عَلَى الْأَرْضِ إِلَّا بِإِذْنِهِ إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ * وَهُوَ الَّذِي أَحْيَاكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ إِنَّ الْإِنْسَانَ لَكَفُورٌ ﴾ [الحج: 62 – 66][18].
فَذَكَرَ اللهُ تَعَالَى فِي هَذِهِ الآيَاتِ – وَغَيْرُهَا كَثِيرٌ – مِنْ دِلاَئِلِ أُلُوهِيَّتِهِ الحَقَّةِ وَرُبُوبِيَّتِهِ أَمْرًا عَظِيمًا، مِنْ كَوْنِهِ:
• يَرْزُقُ مِنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ.
• يَمْلِكُ السَّمْعَ وَالأَبْصَارَ.
• يُخْرِجُ الحَيَّ مِنَ المَيِّتِ وَعَكْسُهُ.
• يُدَبِّرُ الأَمْرَ.
• يَبْدَأُ الخَلَقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ.
• يَهْدِي إِلَى الحَقِّ.
• يَتَوَفَّى الأَنْفُسَ.
• يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهارِ وَعَكُسُهُ.
• يُحْيِي الأَرْضَ بِالمَاءِ وَيُخْرِجُ نَبَاتَهَا.
• يَمْلِكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَمَا فِيهَا.
• يُسَخِّرُ لِلنَّاسِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ.
• يُمْسِكُ السَّمَاءَ أَنْ تَقَعَ عَلَى الأَرْضِ إِلَّا بِإِذْنِهِ.
﴿ هَذَا خَلْقُ اللَّهِ فَأَرُونِي مَاذَا خَلَقَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ بَلِ الظَّالِمُونَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ ﴾ [لقمان: 11].
4- لَمَّا كَانَ اللهُ هُوَ الحَقَّ وَيُحِبُّ الحَقَّ وَيَأْمُرُ بِهِ، فَإِنَّهُ لَا يَسْتَحْيِي مِنْ بَيَانِهِ لِلنَّاسِ، وَإِظْهَارِهِ لَهُم بِأَنْوَاعِ الأَمْثِلَةِ الحِسِّيَّةِ التِي تُعِينُ عَلَى فَهْمِ الحَقِّ وَقَبُولِهِ، وَالإِعْرَاضِ عَمَّا سِوَاهُ مِنَ البَاطِلِ.
قَالَ اللهُ تَعَالَى: ﴿ إِنَّ اللَّهَ لَا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلًا مَا بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَيَقُولُونَ مَاذَا أَرَادَ اللَّهُ بِهَذَا مَثَلًا يُضِلُّ بِهِ كَثِيرًا وَيَهْدِي بِهِ كَثِيرًا وَمَا يُضِلُّ بِهِ إِلَّا الْفَاسِقِينَ ﴾ [البقرة: 26].
وَلاَ يَسْتَحِي مِنَ الأَمْرِ بِهِ وَالحَثِّ عَلَيْهِ فِي سَائِرِ شُؤُونِ النَّاسِ؛ لِأَنَّ فِي ذَلِكَ صَلَاحَهُم فِي مَعَاشِهِم وَمَعَادِهِم، وَفِي تَرْكِ الحَقِّ حَيَاءً أَوْ خَوْفًا أَوْ مُدَاهَنَةً فَسَادُ حَيَاةِ النَّاسِ، وَلَنَا فِي آيَةِ الحِجَابِ عِبْرَةٌ وَعِظَةٌ، فِي التَّمَسُّكِ بِالحَقِّ قَالَ تَعَالَى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلَّا أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ إِلَى طَعَامٍ غَيْرَ نَاظِرِينَ إِنَاهُ وَلَكِنْ إِذَا دُعِيتُمْ فَادْخُلُوا فَإِذَا طَعِمْتُمْ فَانْتَشِرُوا وَلَا مُسْتَأْنِسِينَ لِحَدِيثٍ إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ يُؤْذِي النَّبِيَّ فَيَسْتَحْيِي مِنْكُمْ وَاللَّهُ لَا يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِّ وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ ﴾ [الأحزاب: 53].
قَالَ ابْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ فِي الآيَةِ: “إِنَّ دُخُولَكُم بُيُوتَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مِنْ غَيْرِ أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ، وَجُلُوسَكُمْ فِيهَا مُسْتَأْنِسِينَ لِلْحَدِيثِ بَعْدَ فَرَاغِكُمْ مِنْ أَكْلِ الطَّعَامِ الذِي دُعِيتُمْ لَهُ، كَانَ يُؤْذِي النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم، فَيَسْتَحْيِي مِنْكُمْ أَنْ يُخْرِجَكُمْ مِنْهَا إِذَا قَعَدْتُم فِيهَا لِلْحَدِيثِ بَعْدَ الفَرَاغِ مِنَ الطَّعَامِ، أَوْ يَمْنَعَكُمْ مِنَ الدُّخُولِ إِذَا دَخَلْتُم بِغَيْرِ إِذْنٍ، مَعَ كَرَاهِيَتِهِ لِذَلِكَ مَنْكُمْ، وَاللهُ لَا يَسْتَحْيِي مِنَ الحَقِّ أَنْ يَتَبَيَّنَ لَكُم، وَإِنِ اسْتَحْيَا نَبِيُّكُم فَلَمْ يُبِيِّنْ لَكُمْ كَرَاهِيَةَ ذَلِكَ حَيَاءً مِنْكُمْ”[19].
المَعَانِي الإِيمَانِيَّةُ[20]:
الحَقُّ الذِي خُلِقَتْ بِهِ السَّمَاواتُ وَالأَرْضُ وَمَا بَيْنَهُمَا، هُوَ حَقٌّ مُقَارِنٌ لِوُجُودِ هَذِهِ المَخْلُوقَاتِ سُطُورًا فِي صَفَحَاتِهِ يَقْرَؤُهُ كُلُّ مُوَفَّقٍ كَاتِبٍ، وَغَيْرِ كَاتِبٍ كَمَا قِيلَ:
تَأَمَّلْ سُطُورَ الكَائِنَاتِ فَإِنَّهَا
مِنَ المَلَأِ الأَعْلَى إِلَيْكَ رَسَائِلُ
وَقَدْ خُطَّ فِيهَا لَوْ تَأَمَّلْتَ خَطَّهَا
أَلَا كُلُّ شَيءٍ مَا خَلَا اللهَ بَاطِلُ
وَأَمَّا الحَقُّ الذِي هُوَ غَايَةُ خَلْقِهَا فَهُوَ غَايَةٌ تُرَادُ مِنَ العِبَادِ، وَغَايَةٌ تُرَادُ بِهِم، فَالَّتِي تُرَادُ مِنْهُم أَنْ يَعْرِفُوا اللهَ تَعَالَى وَصِفَاتِ كَمَالِهِ عز وجل، وَأَنْ يَعْبُدُوهُ لَا يُشْرِكُونَ بِهِ شَيْئًا، فَيَكُونُ هُوَ وَحْدَهُ إِلَهَهُمْ وَمَعْبُودَهُم وَمُطَاعَهُم وَمَحْبُوبَهُم قَالَ تَعَالَى: ﴿ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ بَيْنَهُنَّ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا ﴾ [الطلاق: 12]، فَأَخْبَرَ أَنَّهُ خَلَقَ العَالَمَ لِيَعْرِفَ عِبَادُهُ كَمَالَ قُدْرَتِهِ وَإِحَاطَةَ عِلْمِهِ، وَذَلِكَ يَسْتَلْزِمُ مَعْرِفَتَهُ وَمَعْرِفَةَ أَسْمَائِهِ وَصِفَاتِهِ وَتَوْحِيدِهِ.
وَقَالَ تَعَالَى: ﴿ وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ ﴾ [الذاريات: 56]، فَهَذِهِ الغَايَةُ هِيَ المُرَادَةُ مِنَ العِبَادِ وَهِيَ أَنْ يَعْرِفُوا رَبَّهُم وَيَعْبُدُوهُ وَحْدَهُ، وَأَمَّا الغَايَةُ المُرَادَةُ بِهِم فِي الجَزَاءِ بِالعَدْلِ وَالفَضْلِ وَالثَّوَابِ وَالعِقَابِ، قَالَ تَعَالَى: ﴿ وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَسَاءُوا بِمَا عَمِلُوا وَيَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى ﴾ [النجم: 31]، وَقَالَ تَعَالَى: ﴿ إِنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ أَكَادُ أُخْفِيهَا لِتُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا تَسْعَى ﴾ [طه: 15]، وَقَالَ تَعَالَى: ﴿ لِيُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي يَخْتَلِفُونَ فِيهِ وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّهُمْ كَانُوا كَاذِبِينَ ﴾ [النحل: 39]، وَقَالَ تَعَالَى: ﴿ إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مَا مِنْ شَفِيعٍ إِلَّا مِنْ بَعْدِ إِذْنِهِ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ * إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا وَعْدَ اللَّهِ حَقًّا إِنَّهُ يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ لِيَجْزِيَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ بِالْقِسْطِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ شَرَابٌ مِنْ حَمِيمٍ وَعَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْفُرُونَ ﴾ [يونس: 3، 4]، فَتَأَمَّلِ الآنَ كَيْفَ اشْتَمَلَ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا عَلَى الحَقِّ أَوَّلًا وَآخِرًا وَوَسَطًا، وَأَنَّهَا خُلِقَتْ بِالحَقِّ وَلِلْحَقِّ وَشَاهِدَةٌ بِالحَقِّ.
وَقَدْ أَنْكَرَ تَعَالَى عَلَى مَنْ زَعَمَ خِلَافَ ذَلِكَ فَقَالَ: ﴿ أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ ﴾ [المؤمنون: 115]، ثُمَّ نَزَّهَ نَفْسَهُ عَنْ هَذَا الحُسْبَانِ المُضَادِّ لِحِكْمَتِهِ وَعِلْمِهِ وَحَمْدِهِ فَقَالَ: ﴿ فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ ﴾ [المؤمنون: 116]، وَتَأَمَّلْ مَا فِي هَذَينِ الاِسْمَيْنِ وَهُمَا المَلِكُ الحَقُّ مِنْ إِبْطَالِ هَذَا الحُسْبَانِ الذِي ظَنَّهُ أَعْدَاؤُهُ، إِذْ هُوَ مُنَافٍ لِكَمَالِ مُلْكِهِ وَلِكَوْنِهِ الحَقَّ، إِذِ المَلِكُ الحَقُّ هُوَ الذِي يَكُونُ لَهُ الأَمْرُ وَالنَّهْيُ فَيَتَصَرِّفُ فِي خَلْقِهِ بِقَوْلِهِ وَأَمْرِهِ، وَهَذَا هُوَ الفَرْقُ بَيْنَ المَلِكِ وَالمَالِكِ إِذِ المَالِكُ هو المتصرِّفُ بفعِلهِ والمَلِكُ هُوَ المُتَصَرِّفُ بِفِعْلِهِ وَأَمْرِهِ.
وَالرَّبُّ تَعَالَى مَالِكُ المُلْكِ فَهُوَ المُتَصَرِّفُ بِفِعْلِهِ وَأَمْرِهِ فَمَنْ ظَنَّ أَنَّهُ خَلَقَ خَلَقْهَ عَبَثًا لَمْ يَأَمُرْهُمْ وَلَمْ يَنْهَهُمْ فَقَدْ طَعَنَ فِي مُلْكِهِ وَلَمْ يَقْدُرْهُ حَقَّ قَدْرِهِ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: ﴿ وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِذْ قَالُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى بَشَرٍ مِنْ شَيْءٍ ﴾ [الأنعام: 91]، فَمَنْ جَحَدَ شَرْعَ اللهِ وَأَمْرَهُ وَنَهْيَهُ، وَجَعَلَ الخَلْقَ بِمَنْزِلَةِ الأَنْعَامِ المُهْمَلَةِ، فَقَدْ طَعَنَ فِي مُلْكِ اللهِ وَلَمْ يَقْدُرْهُ حَقَّ قَدْرِهِ، وَكَذَلِكَ كَوْنُهُ تَعَالَى إِلَهَ الخَلْقِ يَقْتَضِي كَمَالَ ذَاتِهِ وَصِفَاتِهِ وَأَسْمَائِهِ، وَوُقُوعَ أَفْعَالِهِ عَلَى أَكْمَلِ الوُجُوهِ وَأَتَمِّهَا.
فَكَمَا أَنَّ ذَاتَهُ الحَقُّ فَقَوْلُهُ الحَقُّ وَوَعْدُهُ الحَقُّ، وَأَمْرُهُ الحَقُّ، وَأَفْعَالُهُ كُلُّهَا حَقٌّ، وَجَزَاؤُهُ المُسْتَلْزِمُ لِشَرْعِهِ وَدِينِهِ وَلِلْيَوْمِ الآَخِرِ حَقٌّ، فَمَنْ أَنْكَرَ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ فَمَا وَصَفَ اللهَ بِأَنَّهُ الحَقُّ المُطْلَقُ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ وَبِكُلِّ اعْتِبَارٍ، فَكُونُهُ حَقًّا يَسْتَلْزِمُ شَرْعَهُ وَدِينَهُ وَثَوَابَهُ وَعِقَابَهُ، فَكَيْفَ يُظَنُّ بِالمَلِكِ الحَقِّ أَنَّ يَخْلُقَ خَلْقَهُ عَبَثًا، وَأَنْ يَتْرُكَهُمْ سُدًى لَا يَأْمُرُهُم، وَلَا يَنْهَاهُمْ، وَلَا يُثِيبُهُم، وَلَا يُعُاقِبُهُم، كَمَا قَالَ تَعَالَى: ﴿ أَيَحْسَبُ الْإِنْسَانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدًى ﴾ [القيامة: 36]، قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله: “مُهْمَلًا لَا يُؤْمَرُ وَلَا يُنْهَى”، وَقَالَ غَيْرُهُ: “لَا يُجْزَى بِالخَيْرِ وَالشَّرِّ، وَلَا يُثَابُ وَلَا يُعَاقَبُ، وَالقَوْلَانِ مُتَلَازِمَانِ”.
فَالشَّافِعِيُّ ذَكَرَ سَبَبَ الجَزَاءِ وَالثَّوَابِ وَالعِقَابِ وَهُوَ الأَمْرُ وَالنَّهْيُ، وَالآخَرُ ذَكَرَ غَايَةَ الأَمْرِ وَالنَّهْيِ وَهُوَ الثَّوَابُ وَالعِقَابُ، ثُمَّ تَأَمَّلْ قَوْلَهُ تَعَالَى بَعْدَ ذَلِكَ: ﴿ أَلَمْ يَكُ نُطْفَةً مِنْ مَنِيٍّ يُمْنَى * ثُمَّ كَانَ عَلَقَةً فَخَلَقَ فَسَوَّى ﴾ [القيامة: 37، 38]، فَمَنْ لَمْ يَتْرُكْهُ وَهُوَ نُطْفَةٌ سُدًى، بَلْ قَلَّبَ النُّطْفَةَ وَصَرَّفَهَا حَتَّى صَارَتْ أَكْمَلَ مِمَّا هِيَ وَهِيَ العَلَقةُ، ثُمَّ قَلَبَ العَلَقَةَ حَتَّى صَارَتْ أَكْمَلَ مِمَّا هِيَ حَتَّى خَلَقَهَا فَسَوَّى خَلْقَهَا، فَدَبَّرَهَا بِتَصْرِيفِهِ وَحِكْمَتِهِ فِي أَطْوَارِ كَمَالَاتِهَا حَتَّى انْتَهَى كَمَالُهَا بَشَرًا سَوِيًّا، فَكَيْفَ يَتْرُكُهُ سُدًى لَا يَسُوُقُهُ إِلَى غَايَةِ كَمَالِهِ الذِي خُلِقَ لَهُ، فَإِذَا تَأَمَّلَ العَاقِلُ البَصِيرُ أَحْوَالَ النُّطْفَةِ مِنْ مَبْدَئِهَا إِلَى مُنْتَهَاهَا دَلَّتْهُ عَلَى المَعَادِ وَالنُّبُوَاتِ، كَمَا تَدُلُّهُ عَلَى إِثْبَاتِ الصَّانِعِ وَتَوْحِيدِهِ وَصِفَاتِ كَمَالِهِ، فَكَمَا تَدُلُّ أَحْوَالُ النُّطْفَةِ مِنْ مَبْدَئِهَا إِلَى غَايَتِهَا عَلَى كَمَالِ قُدْرَةِ فَاطِرِ الإِنْسَانِ وَبَارِئِهِ، فَكذَلِكَ تَدُلُّ عَلَى كَمَالِ حِكْمَتِهِ وَعِلْمِهِ وَمُلْكِهِ.
وَإِنَّهُ المَلِكُ الحَقُّ المُتَعَالِي عَنْ أَنْ يَخْلُقَهَا عَبَثًا وَيَتْرُكَهَا سُدًى بَعْدَ كَمَالِ خَلْقِهَا، وَتَأَمَّلْ كَيْفَ لَمَّا زَعَمَ أَعْدَاؤُهُ الكَافِرُونَ أَنَّهُ لَمْ يَأْمُرْهُمْ وَلَمْ يَنْهَهُم عَلَى أَلْسِنَةِ رُسُلِهِ، وَأَنَّهُ لَا يَبْعَثُهُم لِلثَّوَابِ وَالعِقَابِ، كَيْفَ كَانَ هَذَا الزَّعْمُ مِنْهُم قَوْلًا بِأَنَّ خَلْقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ بَاطِلٌ فَقَالَ تَعَالَى: ﴿ وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا بَاطِلًا ذَلِكَ ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنَ النَّارِ ﴾ [ص: 27]، فَلَمَّا ظَنَّ أَعْدَاؤُهُ أَنَّهُ لَمْ يُرْسِلْ إِلَيْهِم رَسُوُلًا، وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُمْ أَجَلًا لِلِقَائِهِ، كَانَ ذَلِكَ ظَنًّا مِنْهُم أَنَّهُ خَلَقَ خَلْقَهُ بَاطِلًا، وَلِهَذَا أَثْنَى تَعَالَى عَلَى عِبَادِهِ المُتَفَكِّرِينَ فِي مَخْلُوقَاتِهِ، بِأَنَّهُمْ أَوْصَلَهُمْ فِكْرُهُمْ فِيهَا إِلَى شَهَادَتِهِم بِأَنَّهُ تَعَالَى لَمْ يَخْلُقْهَا بَاطِلًا، وَأَنَّهُمْ لَمَّا عَلِمُوا ذَلِكَ، وَشَهِدُوا بِهِ عَلِمُوا أَنَّ خَلْقَهَا يَسْتَلْزِمُ أَمْرَهُ وَنَهْيَهُ وَثَوَابَهُ وَعِقَابَهُ.
فَذَكَرُوا فِي دُعَائِهِم هَذَيْنِ الأَمْرَيْنِ فَقَالُوا: ﴿ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ * رَبَّنَا إِنَّكَ مَنْ تُدْخِلِ النَّارَ فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ ﴾ [آل عمران: 191، 192]، فَلَمَّا عَلِمُوا أَنَّ خَلْقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ يَسْتَلْزِمُ الثَّوَابَ وَالعِقَابَ تَعَوَّذُوُا بِاللهِ مِنْ عِقَابِهِ، ثُمَّ ذَكَرُوا الإِيمَانَ الذِي أَوْقَعَهُمْ عَلَيْهِ فِكْرُهُمْ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ فَقَالُوْا: ﴿ رَبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِيًا يُنَادِي لِلْإِيمَانِ أَنْ آمِنُوا بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا ﴾ [آل عمران: 193]، فَكَانَتْ ثَمَرَةُ فِكْرِهِمْ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ، الإِقْرَارَ بِهِ تَعَالَى وَبِوَحْدَانِيَّتِهِ وَبِدِينِهِ وَبِرُسُلِهِ وَبِثَوَابِهِ وَعِقَابِهِ، فَتَوَسَّلُوُا إِلَيْهِ بِإِيمَانِهِم الذِي هُوَ مِنْ أَعْظَمِ فَضْلِهِ عَلَيْهِم، إِلَى مَغْفِرَةِ ذُنُوبِهِم وَتَكْفِيرِ سَيِّئَاتِهِم وَإِدْخَالِهِم مَعَ الأَبْرَارَ إِلَى جَنَّتِهِ الَّتِي وَعَدَهُمُوهَا، وَذَلِكَ تَمَامُ نِعْمَتِهِ عَلَيْهِم، فَتَوَسَّلُوا بِإِنْعَامِهِ عَلَيْهِمْ أَوَّلاً إِلَى إِنْعَامِهِ عَلَيْهِم آخِرًا، وَتِلْكَ وَسِيلَةٌ بَطَاعَتِهِ إِلَى كَرَامَتِهِ وَهِيَ إِحْدَى الوَسَائِلِ إِلَيْهِ، وَهِيَ الوَسِيلَةُ الَّتِي أَمَرَهُمْ بِهَا فِي قَوْلِهِ: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ ﴾ [المائدة: 35]، وَأَخْبَرَ عَنْ خَاصَّةِ عِبَادِهِ أَنَّهُمْ يَبْتَغُونَ الوَسِيلَةَ إِلَيْهِ إِذْ يَقُولُ تَعَالَى: ﴿ أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ ﴾ [الإسراء: 57].
عَلَى أَنَّ فِي هَاتَيْنِ الآيَتَيْنِ أَسْرَارًا بَدِيعَةً، ذَكَرْتُهَا فِي كِتَابِ التُّحْفَةِ المَكِّيَّةِ فِي بَيَانِ المِلَّةِ الإِبْرَاهِمِيَّةِ.
فَأَثْمَرَ لَهُمْ فِكْرُهُم الصَّحِيحُ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ؛ إِنَّهَا لَمْ يَخْلُقْهَا بَاطِلًا، وَأَثْمَرَ لَهُمْ الإِيمَانَ بِاللهِ وَرَسُولِهِ وَدِينِهِ وَشَرْعِهِ وَثَوَابِهِ وَعِقَابِهِ وَالتَّوَسُلَ إِلَيْهِ بَطَاعَتِهِ وَالإِيمَانِ بِهِ. وَهَذَا الذِي ذَكَرْنَاهُ قَطْرَةٌ مِنْ بَحْرٍ لَا سَاحِلَ لَهُ، فَلَا تَسْتَطِلْهُ فَإِنَّهُ كَنْزٌ مِنْ كُنُوزِ العِلْمِ لَا يُلَائِمُ كُلَّ نَفْسٍ، وَلَا يَقْبَلُهُ كُلُّ مَحْرُومٍ، وَاللهُ يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشَاءُ”[21].
________________________________________
[1] أسماء الله الحسنى/ للرضواني (2/ 48 – 49).
[2] لسان العرب (10/ 49)، والنهاية في غريب الحديث (1/ 413)، واشتقاق أسماء الله (ص: 178)، ومعجم مقاييس اللغة (2/ 15)، ومفردات ألفاظ القرآن (ص: 246).
[3] انظر: المقصد الأسنى (ص: 112)، والأسماء والصفات للبيهقي (ص: 26).
[4] النهج الأسمى (2/ 7 – 15).
[5] والباقي من الآيات التي ذكر فيها الاسم: آية (114) من سورة طه، وآية (30) من سورة لقمان.
[6] جامع البيان (11/ 79).
[7] المصدر السابق (11/ 80).
[8] المصدر السابق (17/ 137) باختصار.
[9] شأن الدعاء (ص: 76) باختصار يسير.
[10] قال البيهقي في الأسماء (ص: 13): يعني: عند ورود أمره بالاعتراف به.
[11] المنهاج في شُعب الإيمان (1/ 184) وذكره ضمْن الأسماء التي تتبع إثبات الباري جل ثناؤه، والاعتراف بوجوده، ونقله البيهقي في الأسماء (12 – 13).
[12] هو الشيخ الزاهد أبو القاسم عبد الكريم بن هوازن بن عبد الملك القشيري الخراساني النيسابوري الشافعي الصوفي المفسِّر، وُلد سنة (375ه)، قال الخطيب: “كتبْنا عنه، وكان ثقة، وكان حسَن الوعظ، مليحَ الإشارة يَعرف الأصولَ على مذهب الأشعري، والفروعَ على مذهب الشافعي”.
وقال الذهبي: “وكان عديمَ النظير في السلوك والتذكير، لطيف العبارة، طيِّبَ الأخلاق، غوَّاصًا على المعاني”، مات سنة (465ه)، تاريخ بغداد (11/ 83)، السير (18/ 227 – 233).
[13] التحبير في التذكير (ص: 86) ط دار الكتاب العربي (1968).
[14] المقصد الأسنى (ص: 79) باختصار، ونحوه عند الرازي (ص: 290).
[15] النهاية (1/ 413).
[16] تيسير الكريم الرحمن (5/ 305).
[17] أخرجه البخاري (3/ 3) (11/ 116) (13/ 371، 423، 465)، ومسلم (1/ 532 – 533)، واللفظ للبخاري في التهجُّد.
قال الحافظ: “وإطلاقُ اسمِ (الحق) على ما ذكر مِن الأمور معناه: أنه لا بدَّ مِن كونها، وأنها مما يجب أن يصدَّق بها، وتكرار لفظ (حق) للمبالغة في التأكيد” (الفتح 3/ 4).
[18] وانظر الآيات: [ 25 – 32 ] من سورة لقمان.
[19] جامع البيان (22/ 28)، وانظر: تفسير ابن كثير (3/ 503 – 505).
[20] بدائع الفوائد (4/ 335).
[21] بدائع الفوائد (4/ 335).
side effects of ivermectin – buy ivermectin 6mg carbamazepine 400mg sale
buy accutane pills – order zyvox 600mg generic order linezolid pills
buy amoxicillin pills – order generic diovan 160mg combivent 100mcg cost
buy zithromax sale – tindamax 300mg for sale order bystolic 5mg online
prednisolone 10mg for sale – buy azithromycin 500mg pill cost progesterone 100mg
oral neurontin 800mg – sporanox 100 mg price cost itraconazole
buy lasix 100mg – buy betnovate 20 gm online3 betnovate price
augmentin pills – buy generic augmentin over the counter cymbalta 20mg cheap
purchase vibra-tabs online cheap – buy glucotrol 5mg for sale order generic glucotrol 10mg
buy augmentin for sale – purchase amoxiclav pill order duloxetine 40mg without prescription
buy rybelsus 14 mg generic – levitra over the counter brand cyproheptadine
buy tizanidine pills – order tizanidine generic buy generic hydrochlorothiazide
buy tadalafil 10mg generic – order tadalafil 10mg online cheap female viagra sildenafil
purchase sildenafil – tadalafil order online cialis 20mg over the counter
lipitor 20mg cost – order amlodipine 5mg for sale buy lisinopril 5mg generic
buy cenforce 50mg sale – buy cenforce tablets glycomet drug
order lipitor 10mg pills – buy zestril generic buy generic lisinopril 10mg
buy prilosec tablets – purchase tenormin online buy atenolol 50mg without prescription
buy depo-medrol medication – buy lyrica 75mg for sale buy triamcinolone for sale
purchase desloratadine without prescription – desloratadine 5mg price dapoxetine order online
cytotec 200mcg over the counter – buy diltiazem online diltiazem 180mg usa
acyclovir sale – buy generic acyclovir for sale crestor online buy
order domperidone 10mg sale – purchase domperidone for sale order flexeril 15mg generic
motilium 10mg oral – purchase domperidone order flexeril 15mg generic
inderal 20mg brand – plavix 150mg over the counter purchase methotrexate without prescription
warfarin 2mg drug – losartan 25mg brand purchase losartan online cheap
buy levaquin sale – levaquin online order buy generic ranitidine
buy cheap generic nexium – purchase nexium generic buy sumatriptan 50mg sale
mobic 7.5mg generic – buy mobic pill buy flomax pills for sale
oral zofran – buy ondansetron 8mg online order generic zocor 20mg
valacyclovir 500mg for sale – where can i buy valtrex diflucan order online
how to buy modafinil oral provigil buy provigil 200mg sale order modafinil buy generic provigil modafinil price order provigil 100mg online
Thanks for putting this up. It’s okay done.
I am in point of fact delighted to coup d’oeil at this blog posts which consists of tons of worthwhile facts, thanks for providing such data.
buy rybelsus generic – periactin over the counter purchase periactin pills
buy domperidone online cheap – buy cyclobenzaprine 15mg sale flexeril 15mg without prescription
buy generic inderal 20mg – buy inderal generic buy methotrexate 10mg without prescription
how to buy amoxicillin – order amoxicillin generic combivent for sale