مقالات

بهاء المري.. رجل القضاء الحيادي .. وصوت العدالة الذي يعلو فوق الإنفعال

ريم ماهر تكتب…

في زمن كثرت فيه الأصوات وتعددت المنابر، يبقى صوت الحق هادئًا، واثقًا، لا ينحني للضجيج ولا يستجيب للضغط. هكذا يُعرف المستشار بهاء المري، أحد أبرز رموز السلطة القضائية في مصر، الذي اشتهر بمواقفه المتزنة وكتاباته العميقة التي تدافع عن استقلال القضاء، وتُذكّر بدوره السامي في تحقيق العدالة.

ولد المستشار بهاء المري في بيئة قانونية، وارتقى سلم القضاء بثبات، مستندًا إلى قيم النزاهة والمهنية. لم يكن مجرد قاضٍ يقرأ النصوص، بل مفكر قانوني يزن الأمور بالكلمة، ويعيد الاعتبار لمبادئ سيادة القانون في ظل تحديات اجتماعية وسياسية متسارعة.

أبرز ما يُميّز بهاء المري هو دفاعه المستمر عن استقلال القضاء، ورفضه لأن يتحوّل القاضي إلى صدى لصوت الشارع. وفي منشوراته المتكررة، يطرح قضايا جوهرية تتعلق بعلاقة المجتمع بالقضاء، داعيًا إلى وعي جماعي يُدرك أن “السلطة القضائية ليست مرآة للرأي العام، بل ميزانًا للعدل يزن بالكلمة والنص، لا بالانفعال وردّ الفعل”.

في ظل عالم يتغيّر بسرعة وتتسارع فيه الأحداث، يبرز صوت المستشار بهاء المري كواحة اتزان في صحراء الارتباك، حيث يختار الكلمات بعناية ويصوغ المواقف برويّة تعكس عمق تفكيره القانوني والإنساني. لا يكتب للترضية، بل للتنوير؛ ولا يتحدث لإثارة الجدل، بل لبناء الوعي حول جوهر العدالة ومكانة القضاء في حماية حقوق الأفراد وصون الحريات العامة.

وقد عُرف عن المستشار بهاء المري أيضًا اهتمامه بتكوين أجيال جديدة من القضاة ترتكز على فهم حقيقي لدورهم، لا كأدوات تنفيذ بل كحماة للقانون ومبادئ الدستور. فهو يدعو دائمًا إلى تأهيل قانوني وأخلاقي يواكب التحولات، ويمنح القاضي البصيرة التي تعصمه من الانزلاق نحو الشعبوية أو التحيّز. بهذا النهج، يُسهم في ترسيخ قضاء وطني مستقل، يقف دومًا على مسافة واحدة من الجميع.

مواقفه لا تأتي من ترف فكري، بل من شعور عميق بالمسؤولية، ومن إيمان بأن هيبة القضاء لا تُستمد من سلطته فقط، بل من عدله وحياده وصموده أمام كل أشكال التأثير.

ويُسجّل التاريخ للمستشار بهاء المري حضوره البارز في لحظات فارقة شهدت فيها البلاد استقطابًا حادًا، لكنه ظل متمسكًا بثوابته، متجنّبًا الاصطفاف خلف الشعارات الزائفة، مؤمنًا بأن القاضي يجب أن يكون خارج دوائر التأثير السياسي أو الإعلامي. هذا الاتزان جعله محل احترام وتقدير في الأوساط القانونية والثقافية، وأضفى على كلماته مصداقية نابعة من سلوك يومي وممارسة عملية تترجم ما يؤمن به.

ولا يُخفى على من يتابع كتاباته وظهوره الإعلامي النادر، ذلك الحس الإنساني العميق الذي يصوغ به مواقفه، حيث لا ينفصل لديه القانون عن الضمير، ولا الحكم القضائي عن العدالة الاجتماعية. فالمستشار بهاء المري لا يرى في القضاء سلطة صمّاء، بل رسالة سامية تحمي المستضعفين، وتعيد التوازن حين تختلّ المعايير، ليبقى القاضي في فكره ضمير الأمة لا سوطها، فلقد ظل ثابتًا جسورًا بزمن يُختبر فيه الثبات، وتُمحّص فيه المبادئ تحت ضغوط اللحظة، ظل المستشار بهاء المري تجسيدًا نادرًا للقاضي الذي لا تهزه العواصف، ولا تفتنه الأضواء، ولا تغريه المنابر. صوته الهادئ لا يعني حيادًا عن الحق، بل انحيازًا أصيلًا للعدل، وكتاباته ليست اجتهادًا عابرًا، بل بيان موقف ورؤية ورسالة. إنه ليس مجرد رجل قانون، بل ضمير حي في جسد العدالة، يُذكّرنا دائمًا بأن القضاء ليس سلطة تُمارس، بل أمانة تُحمَل.

بقلم:
ريم ماهر.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى